تقرير خاص

معهد الابتكار التكنولوجي: نحو ريادة عالمية في وقت قياسي

6 دقائق
معهد الابتكار التكنولوجي
حقوق الصورة: معهد الابتكار التكنولوجي. تعديل إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية.
  • إطلاق أول منشأة خارج الولايات المتحدة لالتقاط الحركة.
  • مشروع (NATHR-G1) حل مبتكر لعالم أكثر إنسانية.
  • الشروع بصنع أول حاسوب كمي في دولة الإمارات.
  • إطلاق أول برنامج للتكنولوجيا السحابية الآمنة في دولة الإمارات.
  • إطلاق أول مكتبة للتشفير ما بعد "الكم" في دولة الإمارات.
  • إطلاق أول مختبرات للتوافق الكهرومغناطيسي في العالم العربي

كل ما سبق ليس إلا غيضاً من فيض من الابتكارات والإنجازات التي حققها معهد الابتكار التكنولوجي (TII) في مدينة مصدر بأبوظبي منذ تأسيسه قبل أقل من عام فقط. لا عجب من هذه السرعة المذهلة لو علمنا أن المعهد يضم ألمع العلماء والمهندسين والباحثين الذين يعملون ضمن بيئة مرنة تحث على الابتكار والإبداع للمساهمة في التوصل إلى أحدث الاكتشافات العلمية والتقنيات المبتكرة، مما يمنحه ميزة فريدة في سرعة تحويل الأفكار من داخل المختبر إلى حلول على أرض الواقع. ولو علمنا أيضاً أن قيادة المعهد قد عملت منذ اليوم الأول على بناء وتطوير شراكات بحثية استراتيجية مع أفضل المؤسسات الأكاديمية في الإمارات وأوروبا والولايات المتحدة.

يقول راي جونسون، الرئيس التنفيذي لمعهد الابتكار التكنولوجي، في حوار مع إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية: "من خلال العمل مع المواهب العالمية الاستثنائية والجامعات والمؤسسات البحثية وشركاء الصناعة، يبني معهد الابتكار التكنولوجي مجتمعاً فكرياً ويساهم في تشكيل نظام بيئي للبحث والتطوير في دولة الإمارات العربية المتحدة. وتتماشى الأبحاث في مختلف مراكز المعهد البحثية مع المجالات ذات الأهمية الوطنية مثل التكنولوجيا المبتكرة، وتسخير البيانات الضخمة، وتعزيز الأمن الرقمي".

وقد تولى الدكتور جونسون مهامه مطلع شهر أغسطس الماضي، ليبدأ العمل على قيادة التوجيه الاستراتيجي للمعهد وإدارة تنفيذ استراتيجيات النمو لتحقيق التميز التشغيلي. وقبل انضمامه إلى المعهد، شغل الدكتور جونسون منصب الشريك التشغيلي في شركة "بسمر فنتشر بارتنرز" (Bessemer Venture Partners)، كما شغل قبل ذلك منصب نائب رئيس مؤسسي أول لقسم الهندسة والتكنولوجيا والعمليات، والرئيس التنفيذي لتكنولوجيا المعلومات في شركة لوكهيد مارتن الأميركية.

معهد الابتكار التكنولوجي
راي جونسون، الرئيس التنفيذي لمعهد الابتكار التكنولوجي.

نبذة عن معهد الابتكار التكنولوجي

يعتبر معهد الابتكار التكنولوجي، ذراع الأبحاث التطبيقية ضمن مجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة في أبوظبي، مركزاً عالمياً رائداً للأبحاث والتطوير. ويعمل المعهد عند حدود الإنجازات المتقدمة في مجال التكنولوجيا لوضع حلول مبتكرة من شأنها تحصين عالمنا المستقبلي. ويتبع للمعهد سبعة مراكز بحثية متخصصة وأولية في مجالات الحوسبة الكمية، والروبوتات المستقلة، والتشفير، والمواد المتقدمة، والأمن الرقمي، والطاقة الموجهة، والأنظمة الآمنة.

وبفضل تعاونه مع مواهب استثنائية، وجامعات ومؤسسات بحثية رائدة، وشركاء معروفين في القطاع من جميع أنحاء العالم، يربط المعهد أعضاء المجتمع الفكري ويساهم في بناء منظومة الأبحاث والتطوير في أبوظبي والإمارات. كما يساهم في تعزيز مكانة أبوظبي والإمارات كمركز عالمي للابتكار، ويساعد على تطوير اقتصاد المعرفة.

يسعى المركز إلى تغيير العالم نحو الأفضل، من خلال تطوير أحدث الابتكارات التقنية الريادية المصممة لحل أكبر التحديات التي يواجهها المجتمع والعالم مثل تصنيع مواد جديدة، وتطوير بطاريات أفضل، ومواجهة التغير المناخي، وتطوير بنية تحتية قوية للأمن السيبراني وغيرها.

اقرأ أيضاً: الإمارات تسير بخطوات واثقة نحو الريادة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي

"محظوظون للعمل في المعهد": بيئة تستقطب ألمع العقول

في ندوة افتراضية نظمتها إم آي تي تكنولوجي ريفيو مؤخراً بالاشتراك مع هارفارد بزنس ريفيو العربية حول منظومة البحث العلمي وتحدياتها، قال البروفيسور خوسيه إجناسيو لاتوري، كبير الباحثين في مركز أبحاث الكم، والدكتورة نجوى الأعرج، كبيرة الباحثين في مركز أبحاث التشفير بالمعهد، إنهما محظوظان للعمل في بيئة مثل معهد الابتكار التكنولوجي. فما هي أهم سمات هذه البيئة التي استقطبت مثل هؤلاء الباحثين المتميزين من جميع أنحاء العالم؟

يقول جونسون: "تتمثل إحدى المزايا الرئيسية التي تتمتع بها أبوظبي ودولة الإمارات العربية المتحدة عموماً مقارنة بمراكز الأبحاث العالمية الأعرق في أننا نبدأ من نقطة انطلاق جديدة، مما يمكننا من تخطي التحديات القديمة التي واجهتها هذه النظم البيئية البحثية التقليدية". وأوضح أن المعهد يوفر لفرقه من العلماء والباحثين والمهندسين "المرونة للعمل في بيئة مفتوحة ورشيقة" تمكنهم من الاكتشاف وابتكار الحلول.

كما يوفر معهد الابتكار التكنولوجي "بيئة بحثية محفِّزة خالية من العقبات البيروقراطية" كما يقول جونسون، وهذا ما يتيح للعلماء متابعة أبحاثهم التحويلية الفردية والجماعية التي سترسم ملامح المستقبل. ويشكل هذا الأمر في حدّ ذاته "فرصة حقيقية مغرية" لأي باحث. وبالفعل، تقول الدكتورة الأعرج: "إنني من المحظوظين لأن إدارة معهد الابتكار التكنولوجي تدرك أهمية إتاحة المجال للباحثين للتركيز على الجانبين البحثي والأكاديمي عوضاً عن الجانب الإداري، مما يمكنهم من استثمار الوقت والجهد بكفاءة وفعالية أكبر".

علاوة على ذلك، يقدم المعهد مجموعة من المرافق والموارد عالمية المستوى مع إمكانية الوصول إلى أحدث التقنيات، والتمويل الميسّر، والمساعدة الإدارية والقانونية، وفرصة العمل جنباً إلى جنب مع أفضل العقول في مجالاتها.

اقرأ أيضاً: الدروس المستفادة من تجربة دولة الإمارات في صناعة السياسات التقنية المواكبة للثورة الصناعية الرابعة

المعهد يتصدى لتحديات كبرى مثل الأمن السيبراني في حقبة ما بعد الكم

يقول الرئيس التنفيذي للمعهد: "بينما يركز كل مركز بحثي على مجال أو قدرة معينة ، فإنه غالباً ما يستفيد من الكفاءات التي يمتلكها أحد المراكز الأخرى لتعزيز عمله واستكماله. وخير مثال على ذلك هو الشراكة بين مركز أبحاث التشفير (CRC) ومركز أبحاث الكم (QRC) في العمل على أول حاسوب كمومي في دولة الإمارات العربية المتحدة".

ففي مارس 2021 ، أعلن مركز أبحاث الكم التابع لمعهد الابتكار التكنولوجي عن خططه لبناء أول حاسوب كمومي في دولة الإمارات العربية المتحدة في أبو ظبي. ويستخدم الحاسوب الكمومي ظواهر ميكانيكا الكم مثل "التراكب" و"التشابك" لتوليد الجسيمات دون الذرية والتحكم فيها، مثل الإلكترونات أو الفوتونات (وهي الأجزاء الكمومية المعروفة أيضاً باسم الكيوبتات)؛ وذلك لتوفير قوة معالجة أكثر قدرة بعدة أضعاف يمكنها إجراء حسابات معقدة تستغرق عادة وقتاً أطول لحلها حتى باستخدام أقوى أجهزة الحاسوب الفائقة الكلاسيكية في العالم. ويعتمد الحاسوب الجديد على تكنولوجيا الكيوبتات فائقة التوصيل، وهي نفس التكنولوجيا التي تستخدمها جوجل وآي بي إم في بناء أجهزة حاسوبية مماثلة؛ إذ تقدم تلك التكنولوجيا أفضل تقنية كيوبتات لتوسيع نطاقها إلى حاسوب كمومي أكبر.

تماشياً مع هذا الإعلان، أطلق مركز أبحاث التشفير أول مكتبة برمجيات تشفير ما بعد الكم (PQC) في الإمارات العربية المتحدة، وهي عبارة عن مجموعة من الخوارزميات المعقدة التي تعزز قدرات التشفير والأمن السيبراني في الدولة. ويوضح الدكتور جونسون أن قدرات الحوسبة الكمومية تشكل تهديداً محتملاً لأمن البيانات. ويقول: "تهدف أول مكتبة تشفير ما بعد الكم في دولة الإمارات العربية المتحدة إلى توفير الحماية من الهجمات الكمومية. وقد تم بالفعل دمج الإصدار الأول من المكتبة في العديد من منتجات الاتصال الآمن مع بروتوكولات التشفير المتقدمة، وتعمل هذه المكتبة كأساس لأي تطبيق أمان أو منتج قيد التطوير اليوم يدمج وظائف تشفير المفتاح العام".

شراكة مع جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي

يعتبر الذكاء الاصطناعي أولوية وطنية لدولة الإمارات العربية المتحدة؛ كما يتضح من تعيين أول وزير دولة في العالم للذكاء الاصطناعي، وإطلاق استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي لأول مرة في عام 2017 وتم تحديثها هذا العام. ويشكل الذكاء الاصطناعي "حجر الأساس الذي تقوم عليه جميع جهودنا عبر مراكز أبحاث معهد الابتكار التكنولوجي" كما يقول جونسون. 

وفي إطار هذه الرؤية، تم توقيع اتفاقية شراكة مع جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، أول جامعة بحثية للدراسات العليا المتخصصة بالذكاء الاصطناعي على مستوى العالم،  بهدف تسريع تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي "لدفع حدود المعرفة من أجل الصالح العام للعلم والإنسانية".

وبموجب الاتفاقية، سيعمل الطرفان على إنشاء إطار عمل تعاوني لتمكين بحوث أساسية وتطبيقية مشتركة في العديد من المجالات الرئيسية للذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الحوسبة العصبية، والبحث والتطوير في مجال الطائرات المسيرة، وتصميم وتطوير المركبات المستقلة والروبوتات المستوحاة من الكائنات الحية. كما تنطوي الاتفاقية على مشاركة الموارد البحثية وتبادل الطلاب وأعضاء الهيئة التدريسية والباحثين، ودعم الجهود المبذولة لتعزيز النمو الاقتصادي ومكانة أبوظبي كمركز إقليمي للمجتمع العالمي المختص بالذكاء الاصطناعي.

اقرأ أيضاً: إيمتيك مينا: دبي تخطو خطوات كبيرة في استخدام التكنولوجيا للماء والكهرباء

بناء المهارات والكفاءات الإماراتية في مجال التكنولوجيا المتقدمة

كان أحد الأهداف الرئيسية وراء إنشاء معهد الابتكار التكنولوجي هو اكتشاف المواهب الإماراتية الاستثنائية في تخصصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات وتشجيعها على تطوير مسيرتها المهنية ضمن مجال الأبحاث والتطوير عبر برنامج نيكس-تك (NexTech) التابع لمجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة.

وأوضح جونسون أنه من خلال حملات التعريف بالبرنامج وتوسيعه التي يضطلع بها معهد الابتكار التكنولوجي بالشراكة مع وزارة التربية والتعليم، ودائرة التعليم والمعرفة بأبوظبي (ADEK) والجامعات المحلية، يسعى المعهد إلى تحفيز الشباب الإماراتي على استكشاف الفرص الوظيفية في مجال التكنولوجيا المتقدمة، وضمان بناء مواهب الجيل الجديد الطموحة في دولة الإمارات. كما يمثل البرنامج مبادرة تمكينية تتيح توجيه المواهب المختارة نحو مشروعات معهد الابتكار التكنولوجي البحثية الخاصة أو بالتعاون مع جامعات أخرى حول العالم.

وأكد جونسون أن هذه المبادرة تساهم في تعزيز رؤية قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة لتشجيع الشباب الإماراتي على الانخراط في مجالات العلوم والتكنولوجيا المتقدمة، وتعزيز القدرات التكنولوجية المتقدمة في الدولة مع جذب أبرز الباحثين من جميع أنحاء العالم إلى دولة الإمارات العربية المتحدة للمساعدة في إرساء أسس اقتصاد المعرفة.

ولعل خير ما يلخص رسالة معهد الابتكار التكنولوجي هو ما نشره المعهد على موقعه: "ندعم ثقافة التجربة ونشجع عليها، ونوظف الاستثمارات الاستراتيجية لنُسخّر الإمكانات المستقبلية غير المحدودة. ويساهم عملنا في دفع دولة الإمارات العربية المتحدة إلى الصدارة بصفتها مركزاً عالمياً للبحث والتطوير ودولة رائدة في توفير التكنولوجيات المبتكرة".