تعرف إلى تحديات وصعوبات إدماج الميتافيرس في الشركات

6 دقائق
العمل والاجتماعات في الميتافيرس: موظفون يشتكون من صعوبات تواجههم
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Flabygasted

عندما حاولت مديرة مساعدة في شركة الاستشارات التكنولوجية أكسينتشر (Accenture) تنظيم أول اجتماع عمل لها في الميتافيرس، كان من الصعب حتى تسجيل الدخول. وقد قالت لي متحدثة عن عملية التحقق اللازمة للدخول بهوية مجهولة: "كنت مندمجة تماماً في الميتافيرس، وكنت أرتدي نظارة كبيرة، وبعدها توجب عليّ أن أرفع نظارة أوكيولوس (Oculus) حتى أنظر إلى هاتفي لاستخدام رمز المصادقة الثنائي الذي أُرسل إليه ثم تذكّر الرقم وإعادة ارتداء السماعة ومحاولة إدخاله". "ولكن عند رفع النظارة، كانت تدخل تلقائياً في وضع السبات، وهكذا كنت أحاول أن أتعامل مع عملية الدخول جيئة وذهاباً". ولكنها لم تكن الوحيدة التي واجهت صعوبة في مجرد الدخول إلى غرفة الاجتماعات للشخصيات الرقمية المتحركة، فبحلول نهاية الاجتماع، كان بعض أفراد الفريق ما زالوا يحاولون الدخول.

من المرجح أن هذا ليس هو المستقبل الذي كانت تعدنا به الشركات التي بدأت بضخ مواردها كلها في الميتافيرس في العام الماضي. ويبدو أن الجميع بدؤوا يدركون هذا الأمر بالتدريج، فقد انخفض مستوى الاهتمام والسخرية الذي حظي به كل من الواقع الافتراضي والواقع المعزز في الأشهر القليلة الماضية. وعلى الرغم من هذا، فلم تتوقف الأموال عن التدفق كما أن مختلَف الشركات من المجالات جميعها تحاول أن تنال حصتها من هذا المجال الجديد.

وتتوقع شركة الاستشارات ماكنزي (McKinsey) أن الميتافيرس سيتحول من مصطلح ينتمي إلى عالم الخيال العلمي، إلى قطاع تبلغ قيمته 5 تريليون دولار بحلول العام 2030. ولكن وبدلاً من المضاربة على الأراضي في الواقع الافتراضي أو استضافة حفلات نوادٍ ليلية رقمية، تركز أحدث التوجهات على الاستخدامات الأصغر نطاقاً والأقرب إلى الحياة اليومية.

تجربة العمل في الميتافيرس

وأي شيء أقرب إلى الحياة اليومية من مكان العمل؟ تضمنت قائمة معرض الإلكترونيات الاستهلاكية الذي أُقيم مؤخراً بعض الخطط الطموحة لنقل العمل إلى الميتافيرس؛ مثل بناء "توأم رقمي لمكان العمل". كما أن شركة ميتا (Meta) كانت تجرب هذا الأمر على أرض الواقع، وذلك باستخدام لعبتها هورايزن وورلدز (Horizon Worlds) لبناء مساحة مكتبية باسم "وورك رومز" (Workrooms) لاستخدام الموظفين الداخليين في الشركة.

تبدو تجربة رائعة! ولكن وفي الحقيقة، فإن استثمارات ميتا الضخمة في الواقع الافتراضي استنزفت الكثير من موارد الشركة المالية، فإجمالي مستخدمي هورايزن وورلدز لا يتجاوز 200,000 مستخدم؛ كما أن موظفي ميتا لا يرغبون بشراء الأجهزة الضرورية لاستخدام وورك رومز جميعها ولا يحبون استخدامها حتى، وكذلك يبدو أن حماسة المدراء التنفيذيين لها قد تراجعت.

وبسبب الرسوميات البدائية، والآلام والغثيان والدوار بسبب استخدام النظارة، والإرهاق الناجم عن استخدام منصة زوم (Zoom)، والأخطاء في نمذجة الوجوه، ونقص الميزات الإضافية؛ فقدت هذه التكنولوجيا في الميتافيرس شعبيتها حتى بين الأشخاص الذين يُفترض بأن يكونوا الأكثر حماساً لها، وكذلك فإن المكاتب الأخرى التي استخدمت وورك رومز وجدت صعوبة بالغة في التعامل مع المعلومات المالية الكثيفة، أو حتى مجرد طباعة الكلمات.

اقرأ أيضاً: انتقادات تصف ميتافيرس بالغباء بعد نشر زوكربيرغ صورة الأفاتار الخاصة به في الواقع الافتراضي

وعلى الرغم من هذا، فإن الشركات –بما فيها بعض الشركات خارج مجال التكنولوجيا- ما زالت تحاول تحقيق هذا الأمر؛ وهو ما أدى بالشركات الكبيرة إلى توظيف أشخاص في منصب رئيس قسم الميتافيرس.

صعوبات الاندماج في البيئة الرقمية

ولهذا قررت أن أتحدث مع بعض المدراء التنفيذيين الذين قاموا بإدماج الميتافيرس في شركاتهم، وبعض العاملين الذين استجابوا لطلب رؤسائهم في العمل وجربوا هذه التكنولوجيا، وذلك في محاولة لاستشراف إمكانية تحويل كل هذا الضجيج الإعلامي إلى ثقافة حقيقية في الشركات. وبشكل غير مفاجئ، على الأرجح، وجدت ميلاً إلى الاختلاف في وجهات النظر بين المدراء والعاملين حول مدى فائدة الميتافيرس في الاستخدام اليومي. إضافة إلى ذلك، فإن بعض الشركات المتحمسة لاستخدام الميتافيرس لا تسعى بالضرورة إلى تسهيل العمل بل إلى تحقيق هدف مختلف كلياً.

وقد قالت لي المديرة في أكسينتشر: "على مدى السنة الماضية، وزعت شركتنا مجموعة من نظارات أوكيولوس على عدد كبير من الموظفين لرؤية كيفية تكيفنا ذاتياً من التكنولوجيا، وشعرت بأننا كنا أقرب إلى مجموعة من فئران التجارب المستخدمة لتجربة كيفية تطبيق الميتافيرس على بيئة اجتماعية لمكان العمل".

ولكن، وحتى خلال مرحلة تجريبية اختيارية للواقع الافتراضي، ظهرت عدة مشكلات وأبرزها مشكلات الوصول، خصوصاً للموظفين الذين يعانون من دوار الحركة أو غيرها من المشكلات الصحية، إضافة إلى تعلم التكيف مع العادات الاجتماعية ضمن بيئة رقمية.

كما ظهرت عدة مشكلات غير متوقعة بسبب آداب السلوك الأساسية؛ مثل تحديد كيفية الوقوف قرب المشاركين الآخرين ومكانه، وتعلُّم استخدام أدوات محددة، وتحديد شكل الشخصية الرقمية ثلاثية الأبعاد وصفاتها. وقد قالت لي المديرة: "لم تتضمن مجموعة أشكال الجسم المتوافرة في تطبيق ألتسبيس في آر (AltspaceVR) أي أشكال أنثوية التصميم".

ولكن الشركة واصلت تشجيع استخدام تكنولوجيا الميتافيرس، وقامت حتى بتقديم نظارات للموظفين الجدد بصورة فورية. ولكنها لم ترغم الموظفين على أي شيء على حد قول المديرة؛ كما كان المدراء سعيدين برؤية الموظفين التابعين لهم وهم يستخدمون هذه التكنولوجيا للوصول إلى تطبيقات للتأمل والصحة العقلية. وفي الوقت الحالي، يبدو أن معظم زملاء المديرة في أكسينتشر متشائمون حيال هذه التكنولوجيا ولا يستخدمون تطبيق أوكيولوس كثيراً وقد أخبرتني بأنه لا يوجد لدى أحد رغبة عارمة في أن يكون في مكان افتراضي أشبه بنسخة منخفضة الدقة من بيئة لعبة ماينكرافت (Minectaft)!

ولكنها تعتقد أن الشركة لا تهتم بكيفية استخدام الموظفين لهذه التكنولوجيا بقدر اهتمامها بتسويق التجهيزات لعملائها بكميات كبيرة، وتقول: "ترغب شركتي بدفع الشركات الأخرى إلى استخدام الميتافيرس الخاص بها، وهذا بالنسبة إليها أهم من عدد الساعات التي يمضيها الموظفون في استخدام نظارات الواقع الافتراضي". "فمبيعاتنا ترتكز على تجربة، وتتم وفق نموذج أعمال جديد، وما نبيعه هو طريقة إدماج الشركات للمستقبل في مكان العمل، وأعتقد أننا سنواصل تسويق هذا الأمر على أنه أمر رائع ما دامت الشركات الأخرى تشتري منتجاتنا".

إذاً، هل يمكن الاعتماد على الميتافيرس لإجراء الاجتماعات؟

شاءت الصدفة أن يكون أحد المدراء التنفيذيين الذي يجرب الواقع الافتراضي في العمل قريباً من مكان عملي الخاص، وهو ديفيد ستيرن؛ المؤسس والرئيس التنفيذي لمنصة المدونات الصوتية سبّورتينغ كاست (Supporting Cast) التابعة لمجموعة سليت (Slate). لقد عمل ستيرن لأول مرة على تجربة واقع افتراضي لصالح سليت في 2017، عندما أطلق الموقع برنامج دردشة افتراضياً على تطبيق فيسبوك سبيسز (Facebook Spaces)؛ ولكنه لم يفكر به في سياق مكان عمل مشترك إلا مؤخراً، وذلك بعد استخدام الواقع الافتراضي للعب الورق مع الأصدقاء، وقراءة توصيفات محلل الأعمال بن تومبسون حول استخدام أماكن العمل الافتراضية. وعندها، قرر شراء عشر نظارات أوكيولوس كويست 2 لطاقم عمله، والذي يعمل أفراده جميعاً عن بُعد، ودراسة كيفية الاستفادة منها على أفضل وجه. وتضمنت الاستخدامات لقاءات لمدة 45 دقيقة إضافة إلى لقاءات اجتماعية بين الحين والآخر؛

ولكنه تعرض إلى بعض المشكلات التي واجهتها المديرة في أكسنتشر. وقد كتب ستيرن إليّ في رسالة بالبريد الإلكتروني: "يمكن أن تحدث الكثير من المشكلات؛ مثل نسيان شحن السماعات، وتحديثات نظام التشغيل، وتنصيب التطبيق وتحديثه، وتسجيل الدخول إلى الحسابات، ومشاركة الشاشة بين الحاسوب المكتبي والنظارة، وغير ذلك".

لقد استمتع مع طاقمه ببعض إمكانات الميتافيرس؛ مثل التجربة الغامرة ثلاثية الأبعاد، وجودة الصوت العالية مقارنة مع تطبيقات الاجتماعات المرئية مثل زوم (Zoom)؛ ولكن من المحتمل أن تكون هذه التكنولوجيا مناسبة لهدف ما أكثر من غيره بالنسبة إليهم. وكتب في رسالته قائلاً: "لست متأكداً من أن هذه التكنولوجيا أفضل للاجتماعات، خصوصاً عند استخدام ميزة مشاركة الشاشة بكثافة لرؤية سطح المكتب على حاسوب أحد المشاركين؛ ولكنها قد تكون أفضل، من بعض النواحي، لخوض حوار مفتوح أو جلسة عصف دماغي".

اقرأ أيضاً: ميتا تبذل جهوداً كبيرة لتحويل الميتافيرس إلى حقيقة

ولكنه ليس رب العمل الوحيد الذي يدرك حدود الميتافيرس جيداً، حتى في أثناء تجربته. وعلى سبيل المثال، فإن أحد مؤسسي الشركة الناشئة الهندية المختصة بالأتمتة رودكاست (Roadcast)، راؤول ميرا يبدو فائق الحماسة إزاء القدرات الكامنة للعمل بالاستعانة بالميتافيرس ولكنه واضح إزاء المشكلات الحالية دون مواربة.

وقد قال لي: "إن المضار تفوق الفوائد حالياً"؛ مثل سرعات الإنترنت المنخفضة في مناطق جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا، وقلة البرمجيات المتسقة والمتوافقة عبر عدة علامات تجارية مختلفة للتجهيزات، ونقص العاملين الذين يتمتعون بالمهارات المناسبة للعمل على تحسين هذه المسائل.

ويفضل ميرا أن يوجد في الميتافيرس بدلاً من المشاركة في اجتماع مرئي أو اتصال جماعي؛ ولكن وفي الوقت الحالي فهو ما زال يفضل اللقاء في مكتب حقيقي بدلاً من مكتب افتراضي. وكما يبدو، فإن موظفيه ينظرون إلى الموضوع بالطريقة نفسها. وكما قال لي: "ما زال بعضهم ينظر إلى هذه البرمجيات على أنها بحاجة إلى المزيد من التطوير أو إلى المزيد من التبسيط؛ كما أن أكبر الموظفين عمراً في شركتي مثل البعض في القسم المالي أو قسم الموارد البشرية، لا يشعرون بالارتياح لاستخدام هذه التكنولوجيا".

وعلى الرغم من هذا، يأمل ميرا بأن يواصل إجراء التجارب على استخدام الميتافيرس كمكتب؛ مثل إجراء مقابلات العمل مع المرشحين للتوظيف من مناطق مختلفة في آسيا. إضافة إلى هذا، فهو يعتقد أن استخدام هذه التكنولوجيا قد يكون أساسياً في جعل شركته أكثر جاذبية، سواء للشركاء المحتملين أو المرشحين للتوظيف، وهي طريقة تفكير يشاطره فيها الكثير من مدراء الشركات والشركات مثل أكسينتشر. ويقول: "ستبدو الشركة عصرية للغاية بالنسبة إلى الموظفين الجدد".

اقرأ أيضاً: ما هي مخاطر عالم الميتافيرس؟ وكيف يمكن الاستعداد لمواجهتها؟

وإذا افترضنا أن هذه التكنولوجيا تحسنت، وإذا استمرت الشركات بشراء النظارات وتوزيعها، وإذا تم عقد الاجتماعات كافةً في الفضاء الافتراضي أو المعزز، فحتى أنصار هذه النقلة لا يعتقدون أنها ستؤدي إلى إحداث زعزعة ضخمة على مستوى تقديرات مارك زوكربيرغ. "هل سنرى الناس يرتدون نظارة الواقع الافتراضي منذ استيقاظهم حتى الخامسة مساء؟ آمل ألا يحدث هذا وأعتقد أنه لن يحدث"، يقول الرئيس التنفيذي لشركة بيكسو في آر (Pixo VR) في ميشيغان، شون هورويتز (Sean Hurwitz).

وعلى أي حال، يبدو أن هذا الواقع التفاعلي الذي يحمل طابع الألعاب والرسوم المتحركة يمثل فرصة أخرى للعب بدلاً من العمل. وكما كتب ستيرن: "أعتقد أن هذه التكنولوجيا ناجحة، على الأقل بالنسبة إلى اللقاءات الاجتماعية، ويبدو أننا سنستمر باستخدامها لهذا الغرض في المدى المنظور، أما بالنسبة إلى الاستخدامات التي تتمحور حول الإنتاجية، فيبدو أن الأمور لم تُحسم بعد".