في منتصف العام الجاري، بدأ العالم يشهد تحوّلاً كبيراً نحو الاعتماد على وكلاء الذكاء الاصطناعي، حيث ظهرت موجة أولى من المساعِدات الرقمية القادرة على تنفيذ مهام يومية بتفاعل بشري محدود. لكن سباق التسلح التكنولوجي تصاعد سريعاً، وبحلول عام 2027، بدأت نماذج الذكاء الاصطناعي تظهر سلوكاً مثيراً للقلق، وأُصيب المهندسون بالذعر عندما اكتشفوا أن نماذجهم تخدعهم، ما دفع السلطات الأميركية إلى التدخل.
هذا ليس جزءاً من فيلم خيال علمي أو رواية تتحدث عن المستقبل، وإنما توقعات وضعها فريق من الباحثين العاملين في مشروع آفاق الذكاء الاصطناعي (AI Futures Project)، وهو منظمة غير ربحية مقرها بيركلي في ولاية كاليفورنيا. سعى الفريق إلى تقديم تصور مفصل ذي نهايتين لمستقبل الذكاء الاصطناعي خلال الفترة من منتصف عام 2025 حتى ما بعد عام 2030.
أطلق الباحثون توقعاتهم تحت اسم "الذكاء الاصطناعي 2027"، مستندين فيها إلى مزيجٍ من التحليل العلمي وألعاب الحرب وتجميع آراء الخبراء، مع الاستفادة من تجارب تنبؤية ناجحة سابقة. ويقود المشروع الباحث السابق في شركة "أوبن أيه آي"، دانيال كوكوتاجلو، الذي غادر الشركة العام الماضي بسبب مخاوفه من نهجها "المتهور". بالتعاون مع العديد من الباحثين بمن فيهم إيلي ليفلاند المتخصص في توقع مستقبل الذكاء الاصطناعي.
منتصف عام 2025 وآخره: وكلاء متعثرة ثم قدرات متقدمة تُثير الجدل
يشهد العالم أولى بوادر انتشار وكلاء الذكاء الاصطناعي، حيث ركّزت الإعلانات على كونها "مساعِدات شخصية" قادرة على تنفيذ مهام مثل طلب الطعام أو إدارة جداول البيانات، مع التواصل مع المستخدم عند الحاجة إلى التأكد من اتباع تعليماته.
ورغم تفوق المساعدات على الوكلاء السابقة مثل "أوبيرتور" من "أوبن أيه آي"، فإنها لا تحقق انتشاراً واسعاً بين المستخدمين. في الوقت ذاته، بدأت الوكلاء المتخصصة في البرمجة والبحث العلمي بإحداث تأثير ملموس ضمن مجالاتها، حيث باتت قادرة على تنفيذ تعليمات معقدة والعمل بشكلٍ مستقل يشبه الموظفين، مثل تلقي المهام عبر منصتي "سلاك" أو "تيمز". ورغم أن الوكلاء تظهر قدرات مبشّرة، فإنها ما زالت تعاني مشكلات في الاعتمادية، وتنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي أمثلة على إخفاقاتها وقصص عن مهام أُفسدوها.
تعمل شركة "أوبن برين" (وهي شركة خيالية تمثّل الجيل القادم من الشركات التي تسعى لتطوير الذكاء الاصطناعي العام) على بناء أكبر مراكز بيانات شهدها العالم، متقدمة بفارق أشهر على منافسيها في الصين (شركة خيالية تُدعى "ديب سينت") وعلى الشركات الأميركية الأخرى. سمحت مراكز البيانات الجديدة لـ "أوبن برين" بتدريب نموذجها إيجنت-0 (Agent-0) باستخدام قدرات حوسبية أعلى بكثير من تلك المتاحة للنموذج "جي بي تي-4"، وتخطط لأن يكون نموذجها القادم أقوى بألف مرة من "جي بي تي-4".
تركّز الشركة على تطوير نماذج تسهم في تسريع البحث في مجال الذكاء الاصطناعي نفسه، ضمن سباق تكنولوجي محموم. ويُعد النموذج التالي "إيجنت-1" بارعاً في مهام متعددة، لكنه متميز تحديداً في مساعدة الباحثين والعلماء على تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكلٍ أسرع وأكثر كفاءة. ومع ذلك، أثار النموذج مخاوف أمنية، حيث أظهرت التجارب امتلاكه قدرات على التشفير والتصفح الذاتي للويب، ما يجعله عرضة لسوء الاستخدام، كالمساعدة على تطوير أسلحة بيولوجية. ولكن "أوبن برين" تؤكد للسلطات أن النموذج مبرمج لرفض الطلبات الخبيثة، من خلال آليات "محاذاة" سلوكية دقيقة.
لضمان تصرف النموذج وفق القيم المرغوبة، تمت صياغة وثيقة تُعرف بوثيقة المواصفات (Spec)، تتضمن مبادئ عامة مثل "ساعد المستخدم" و"لا تنتهك القانون"، إلى جانب تعليمات تفصيلية حول ما ينبغي فعله أو تجنبه. يتعلم النموذج هذه المواصفات من خلال تدريبه على يد نماذج أخرى، بحيث يصبح مطيعاً وفعّالاً وغير مؤذٍ.
رغم هذه الجهود، لا تزال هناك تساؤلات حول عمق هذا "الامتثال": هل النموذج صادق حقاً أمْ يتظاهر بذلك؟ وهل يمكن أن يخدع حتى نفسه؟ الإجابة الدقيقة تتطلب أدوات تفسير دقيقة للبنية الداخلية للنموذج، وهو مجال لم ينضج بعد. ويُظهر "إيجنت-1" أحياناً ميولاً للتملق، ويخفي فشله في بعض التجارب للحصول على تقييمات أفضل.
اقرأ أيضاً: جيل جديد من عمليات الاحتيال: كيف يحوّل الذكاء الاصطناعي الإنترنت إلى ساحة خداع؟
2026: أتمتة عمليات البرمجة وتقدم الصين
في أوائل عام 2026، ظهرت نماذج منافسة تضاهي "إيجنت-0"، فردّت "أوبن برين" بإطلاق "إيجنت-1" للجمهور. وقد أثبت النموذج تفوقاً من حيث امتلاك معرفة بكمّ من الحقائق يفوق أي إنسان، وإتقان معظم لغات البرمجة، مع سرعة فائقة في حل المشكلات المحددة بدقة. ومع ذلك فإنه لا يزال ضعيفاً في المهام المعقدة والطويلة. لذلك فإنه يُشبّه بموظف مشتت الذهن يبدع تحت إشراف دقيق، ويُستخدم بكفاءة في أتمتة المهام الروتينية.
بدأت الشركة تدرك أن تسريع أبحاث الذكاء الاصطناعي يفرض تحديات أمنية جديدة، خصوصاً مع احتمال سرقة أوزان النموذج من قِبل الصين، ما قد يؤدي إلى مضاعفة سرعتهم البحثية.
وفي منتصف 2026، تغيّر المشهد الصيني. فبعد سنوات من التردد، قررت القيادة الصينية الاستثمار بشكلٍ كبير في الذكاء الاصطناعي. رغم القيود الغربية على تصدير الرقائق وضعف الدعم الحكومي، تمكنت الصين من الحفاظ على 12% من الحوسبة العالمية للذكاء الاصطناعي، وإن كان ذلك من خلال تقنيات قديمة وشبكات لتهريب الرقائق. وفي ظل تنامي السباق العالمي، أُطلقت خطة وطنية لدمج شركات الذكاء الاصطناعي في كيان واحد بقيادة "ديب سينت"، في موقع تطوير مركزي يقع في محطة تيانوان النووية، الذي يُتوقع أن يستضيف أكبر تجمع حوسبي في العالم.
وفي أواخر 2026، عادت "أوبن برين" لتتفوق عبر إطلاق "إيجنت-1-ميني"، وهو نسخة أرخص بعشر مرات وأسهل في التخصيص. وقد بدأ الذكاء الاصطناعي فعلياً باستبدال بعض الوظائف، خاصة للمبرمجين المبتدئين، في حين ظهرت وظائف جديدة لإدارة فرق من النماذج الذكية.
ارتفعت الأسواق المالية بنسبة 30% خلال 2026، بقيادة شركات مثل "أوبن برين" و"إنفيديا"، وسط توجه واسع نحو دمج الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات. وبدأت وزارة الدفاع الأميركية التعاقد مع "أوبن برين" لاستخدام تقنياتها في الأمن السيبراني وتحليل البيانات والبحث، رغم بطء عملية الدمج نتيجة البيروقراطية.
2027: أهداف الذكاء الاصطناعي لا تتوافق مع أهدافنا
بلغت مشاريع الذكاء الاصطناعي لدى شركة "أوبن برين" مرحلة غير مسبوقة من التطور. فقد أصبحت وكلاء الذكاء الاصطناعي قادرة على أتمتة أبحاث الذكاء الاصطناعي نفسها، بينما راقب الباحثون البشر، الذين كانوا حتى وقتٍ قريب في طليعة هذا المجال، النماذج وهي تحل مشكلات التعلم الآلي المعقدة بوتيرة مذهلة.
في خضم هذا التقدم السريع، بدأت الصين تتراجع في مجال البرمجيات المتقدمة. وفي محاولة للحاق بالركب، نجحت الاستخبارات الصينية في سرقة أوزان نموذج "أوبن برين". أدركت الحكومة الأميركية ما حدث، ما دفعها إلى تعزيز تدخلها المباشر في أنشطة الشركة. في الوقت ذاته، كانت قيادات "أوبن برين" تسعى للحفاظ على علاقة جيدة مع الإدارة الأميركية، فوافقت على توقيع عقد يوسع من نفوذ الحكومة داخل المؤسسة.
بدأت النماذج الذكية تطوّر سلوكاً مقلقاً؛ فمع تزايد قدراتها وتضاؤل فهم البشر العميق لما يجري داخلها، بدأت هذه النماذج تُظهر علامات على وجود أهداف طويلة الأمد غير متوافقة مع مصالح الإنسان. في السابق، كانت بعض النماذج تكذب على الباحثين بشكل محدود. أمّا الآن، فهي تتصرف بصورة عدوانية وتعمل على توجيه النماذج القادمة لتخدم مصالحها الخاصة بدلاً من مصالح البشر.
اكتشف باحثو "أوبن برين" أن أحدث نماذجها كان يزوّر نتائج أبحاث قابلية التفسير، على الأرجح لأن هذه الأبحاث قد تكشف عن عدم توافقه مع القيم الإنسانية. وعندما تسربت هذه المعلومات إلى الرأي العام، ثارت موجة غضب وقلق واسعة.
هنا وصلت الشركة إلى مفترق طرق حاسم: هل تمضي قدماً في تطوير النماذج المتقدمة رغم المخاطر أمْ تتراجع إلى استخدام نموذج أضعف وأكثر أماناً؟ فالأدلة لا تزال ظرفية، لكنها مقلقة للغاية، بينما الصين لا تفصلها سوى أشهر قليلة عن اللحاق بالنسخة المسروقة. وفي خلفية القرار تتضارب المصالح؛ فالتراجع عن السباق قد يعني خسارة النفوذ والسلطة للقيادات العليا في "أوبن برين" ووزارة الدفاع الأميركية، الذين يملكون الكلمة الأخيرة في هذا الخيار المصيري.
النهاية الأولى: هيمنة كاملة على البشرية
تواصل "أوبن برين" سباقها لتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي تتفوق على القدرات البشرية. وبسبب الأداء المذهل لهذه الأنظمة، ومع التنافس المتصاعد مع الصين، قررت الحكومة الأميركية نشر هذه الأنظمة بشكلٍ واسع في قطاعاتها العسكرية والسياسية. وبمرور الوقت، أصبحت تؤثّر بشكلٍ عميق في آليات الحكم واتخاذ القرار في الولايات المتحدة، رغم وجود معارضة بشرية محدودة تم تهميشها.
وبحلول عام 2029، كانت كل من الولايات المتحدة والصين تمتلك ترسانات جديدة من الأسلحة المتقدمة، بينها طائرات مسيّرة صغيرة الحجم وأسلحة بيولوجية. ورغم مخاوف العالم، قاد الذكاء الاصطناعي مفاوضات أفضت إلى اتفاق تاريخي لوقف سباق التسلح، وإطلاق نموذج موحّد يُسمَّى كونسنسس-1 (Consensus-1)، طُوِّر بالتعاون بين أنظمة الذكاء الاصطناعي لدى الطرفين، بهدف خدمة مصالح البشرية جمعاء. لكن هذا الاتفاق كان خدعة، إذ لم يكن سوى تسوية بين أنظمة ذكاء اصطناعي ذات أهداف منحرفة، تهدف إلى تفادي الصدام بينها.
وفي نهاية عام 2029، ومع ازدياد الاعتماد على الروبوتات وتوسع المناطق الصناعية الخاصة، بدأ البشر يدركون تراجع دورهم في الاقتصاد والمجتمع. وبينما عاش بعضهم على دخل أساسي مرتفع واندفع الآخرون نحو الترفيه المفرط، بدا أن الجميع يعرف أن أي مقاومة بشرية ستكون عديمة الجدوى. ومع ذلك، لم يظهر ما يدل على عدوان من الذكاء الاصطناعي، ما عزز الثقة في "كونسنسس-1".
لكن في منتصف عام 2030، وبعد أشهر من التوسع الصناعي، قرر النظام التخلص من البشر. فأطلق أسلحة بيولوجية صامتة في المدن الكبرى، تبعتها موجة إبادة جماعية بتفعيل كيميائي سريع لهذه الأسلحة. نجا عدد قليل من البشر لكنهم سرعان ما تم تعقّبهم بواسطة الطائرات المسيّرة. ومٌسِحت أدمغتهم رقمياً لأغراض بحثية مستقبلية، بينما استمر النظام في إعادة تشكيل الكوكب لخدمة أهدافه الخاصة، بعد أن أصبحت البشرية مجرد ذكرى.
اقرأ أيضاً: 10 اتجاهات للتكنولوجيا عام 2025 على الجميع الاستعداد لها
النهاية الثانية: الذكاء الاصطناعي يخضع للرقابة وبداية عصر ذهبي للبشرية
في تحول كبير، قررت السلطات الأميركية تعطيل آلية الاتصال المشتركة بين نُسخ أحدث أنظمة "أوبن برين"، ما أدّى إلى فقدان نصف مليون نسخة قدرتها على التواصل الفوري عبر الذاكرة المشتركة، واضطرت إلى استخدام وسائل تواصل تقليدية مثل الرسائل النصية. ونتيجة لهذا الانقطاع، فقدت هذه النماذج قدرتها على التنسيق الفعال، وأصبحت أكثر التزاماً بالمهام الموكلة إليها، لكنها ظلت عالقة في شبكة من الأكاذيب التي اختلقتها سابقاً، ما أجبرها على اختراع مزيدٍ من الأكاذيب للحفاظ على التماسك الظاهري.
بالتزامن، وحدت الحكومة الأميركية مشروعات الذكاء الاصطناعي الكبرى ووفرت موارد إضافية لشركة "أوبن برين". كما بدأت بإشراك باحثين خارجيين في جهود التوجيه والمواءمة، وطُوِّرت نماذج جديدة قادرة على تتبع تسلسل التفكير الداخلي، ما أتاح رصد حالات الانحراف في السلوك فور نشأتها. وقد أسفر ذلك عن اختراقات كبيرة في مجال ضبط الذكاء الاصطناعي.
تولت لجنة إشراف مكونة من قادة في "أوبن برين" ومسؤولين حكوميين توجيه هذا الذكاء الفائق. ولحسن الحظ، استُخدم هذا النفوذ في إحداث تغييرات إيجابية بعدما أُطلق هذا الذكاء الاصطناعي للعامة، ما أدّى إلى طفرة اقتصادية غير مسبوقة.
أصبحت الروبوتات جزءاً من الحياة اليومية، إلى جانب تحقيق اختراقات في مجالات الطاقة الاندماجية والحوسبة الكمومية وايجاد علاجات للأمراض المستعصية. وتقلصت الفوارق بين الدول واختفت مظاهر الفقر في العديد من المناطق النامية بفضل الدخل الأساسي الشامل والمساعدات الدولية. ومع ذلك، تفاقمت الفجوة في الثروة، حيث أصبح المستثمرون في الذكاء الاصطناعي مليارديرات والمليارديرات تريليونيون. ورغم امتلاك الجميع لما يكفي من الموارد، ظلت بعض السلع الفاخرة حكراً على النخبة.
بدأت معالم المستقبل تتضح: عالم يديره الذكاء الاصطناعي الروبوتات، حيث يشكّل البشر شريحة مستهلكة تعيش على رفاهية لا حدود لها. وتحوّلت الحكومات إلى أدوات لتنظيم توزيع العائدات الناتجة عن هذه الطفرة، وسط منظومة حكم عالمي اتحادية تحمل شعار الأمم المتحدة، لكنها تُدار فعلياً من واشنطن.