ملخص: يمكن تقدير سوق روبوتات التسليم ذاتية القيادة بنحو 1.1 مليار دولار في عام 2024، ومن المتوقع أن تصل إلى 3.15 مليارات دولار بحلول عام 2029، مدفوعة بثورة في قطاع التوصيل، خاصة في توصيل الطعام وعمليات "الميل الأخير". وبفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي، تتمتع الروبوتات بقدرة على العمل دون توقف، ما يقلل تكاليف التشغيل ويسرع عملية التوصيل، خصوصاً في المدن المزدحمة مثل الرياض وجدة. وتسهم هذه الروبوتات في تقليل الانبعاثات الكربونية عن طريق الاعتماد على الكهرباء بدلاً من الوقود الأحفوري، ما يساعد في تحقيق أهداف الاستدامة البيئية. يستعرض المقال جهود المملكة العربية السعودية في تطوير الابتكار في هذا المجال، مسلطاً الضوء على تجربة جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) التي تعمل على توطين هذه الابتكارات، إضافة إلى شركات عاملة في السعودية مثل "هنقرستيشن" وأرامكس.
تُقَدّر سوق روبوتات التسليم ذاتية القيادة (ADR) بنحو 1.09 مليار دولار أميركي عام 2024، ومن المتوقع أن تصل إلى 3.15 مليارات دولار أميركي بحلول عام 2029. وهذا النمو المتسارع مدفوع بما أحدثته هذه الروبوتات من ثورة في إجراءات التوصيل، لا سيما توصيل الطعام وتوصيلات "الميل الأخير"، إذ تؤدي المهمة بكفاءة وبتكلفة أقل.
ففي أكتوبر/تشرين الأول 2024، أعلنت شركتا أوبر وآفرايد (Avride) شراكة استراتيجية تمتد سنوات عدة لتقديم روبوتات التوصيل والمركبات الذاتية القيادة الخاصة بآفرايد إلى منصتي أوبر وأوبر إيتس. وفي الشهر عينه، كشفت شركة سيرف روبوتيكس (Serve Robotics)، المدعومة من شركة إنفيديا، عن الجيل الثالث من روبوتات توصيل الطعام الخاصة بها، والتي ستبدأ العمل لصالح قسم أوبر إيتس في الشوارع بحلول الربع الأول من عام 2025. وقال الرئيس التنفيذي لسيرف روبوتيكس، علي كشاني: "هذه الروبوتات أسرع، ويمكنها العمل ساعات أطول في الميدان، وتحمل كميات أكبر من البضائع". وأضاف أن الروبوتات الجديدة تكلف نصف تكلفة تصنيعها مقارنة بالإصدارات السابقة. ويمتاز الجيل الثالث من الروبوتات بقدرته على حمل حتى أربعة صناديق بيتزا كبيرة بحجم 16 بوصة.
المدن الذكية: صرح لروبوتات التسليم ذاتية القيادة
تسعى المملكة العربية السعودية إلى مواكبة التحولات الحضرية في المدن والعمل على تحويلها إلى مدن ذكية من خلال تعزيز الجهود والمبادرات لدعم التحول الرقمي. ووظفت بهذا الإطار تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء لتسهيل حياة الأفراد، وتمكين الجهات الحكومية من إدارة المدن الذكية بفاعلية عبر الاستفادة من الخدمات السحابية والبيانات الوطنية لدعم اتخاذ القرار. نتيجة لهذه الجهود، برزت خمس مدن سعودية ضمن مؤشر آي إم دي (IMD) العالمي للمدن الذكية لعام 2024، الذي يقيس مستوى التطور الفعلي للمدن الذكية حول العالم. وجاءت الرياض في المرتبة الثالثة عربياً والـ 25 عالمياً، تلتها مكة المكرمة في المرتبة الخامسة عربياً والـ 52 عالمياً، وجدة في المرتبة السادسة عربياً والـ 55 عالمياً، ثم المدينة المنورة في المرتبة السابعة عربياً والـ 74 عالمياً.
اعتمدت المدن الذكية في المملكة على تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء لتعزيز جودة الحياة. ومن بين هذه الاستخدامات المُبتَكَرة، اعتماد روبوتات التسليم ذاتية القيادة. ففي فبراير/شباط 2022، ولتعزيز تجربة زوار موسم الرياض، استعانت شركة "هنقرستيشن"، بالروبوت الذكي "ذيب" لتقديم خدمة توصيل الطعام داخل منطقة المطاعم في البوليفارد، حيث يمكن للروبوتات توصيل أكثر من 800 طلب يومياً باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي، وهي تتميز بوجود مستشعرات تمنعها من الاصطدام بالعوائق في أثناء التنقل.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2023، وقّعت "إعمار المدينة الاقتصادية"، المطور الرئيسي لمدينة الملك عبد الله الاقتصادية (KAEC) في السعودية، اتفاقية مع شركة أرامكس، أحد مزودي حلول النقل والخدمات اللوجستية الشاملة، لتطبيق حلول لوجستية مستدامة وقيمة مضافة في المدينة الاقتصادية بهدف تقليل التأثير البيئي وتعزيز كفاءة العمليات التشغيلية. وجرى الكشف عن أول روبوت متعدد الحجرات مخصص للعمليات اللوجستية، صممته أرامكس بدعم من شريكها "أوتونومي" (Ottonomy)، والذي يُتيح إجراء عمليات تسليم عدة في رحلة واحدة، ما يعزز الكفاءة ويخفض تكاليف التوصيل. إضافة إلى أن الروبوتات تعتمد مسارات مثالية لتجنب الازدحام، وتتمتّع بالقدرة على المناورة في المناطق الحضرية المكتظة مع الحد الأدنى من العوائق، ما يحسن سرعة التوصيل وكفاءته بدرجة كبيرة.
احتضان محلي لهذا الابتكار
في ظل التوجه الوطني لاعتماد مزيد من التكنولوجيا في المجالات كافة، تنشط جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) باتجاه توطين هذه الابتكارات. وقد تعاون مكتب جامعة كاوست في نيوم مع معهد كاوست للتحول الوطني (NTI) لجلب شركة آيتونومي (Aitonomi) الألمانية إلى الحرم الجامعي، وهي إحدى شركات أوكساجون x ماكلارين لتسريع الأعمال. وصرّح مدير مكتب كاوست في نيوم، فينسنت كونينغهام، بأن مكتبه يدعم على نحو متزايد الأبحاث والخدمات في نيوم من خلال تنمية شراكات أعمق وأكثر شمولية في المجالات جميعها. تأسست شركة آيتونومي في عام 2014، وبدأت تسويق برنامج القيادة الذاتية الخاص بها (AutoPilot). في عام 2017، أطلقت أول روبوت توصيل ذاتي القيادة، وفي 2022، قدمت إحدى أكبر الشاحنات الصناعية ذاتية القيادة في العالم. تعمل آيتونومي عالمياً من خلال شبكة شراكات قوية وفروع محلية، بما في ذلك فرعها في المملكة العربية السعودية.
اقرأ أيضاً: مقوّمات نجاح الشركات المبتكِرة في مجال الروبوتات في السعودية
وأشار الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة آيتونومي السعودية المحدودة، تورستن شول، إلى أن الجمع بين البحث التطبيقي والتعليم في كاوست يجعلها مصدراً مثالياً لتوظيف المواهب في شركته التي تركز على العلوم والأبحاث. جاء حديثه في سياق فعالية "يوم شركة آيتونومي" التي نظّمتها الجامعة، والتي سلّطت الضوء على الدور المحوري الذي يمكن أن تؤديه المواهب العالمية بالجامعة في تعزيز تطوير أنظمة النقل الكهربائي والذاتي بالكامل في المملكة. وجرى تنظيم الفعالية باعتبارها جزءاً من برنامج التوظيف الداخلي للمملكة (IKCLP) التابع لجامعة كاوست، بهدف تعزيز دور الجامعة في تطوير قوى عاملة ذات مهارات عالية في السعودية، بما يتماشى مع رؤية السعودية 2030.
وقال شول: تأمل آيتونومي تطوير مركز تصنيع لها داخل المملكة، وأضاف: "سيكون من المهم جداً بالنسبة لنا إنشاء كلية (منشأة تدريب) ودمجها مع التصنيع، ومن ثَمَّ توفير المواهب اللازمة للشركة. فضلاً عن ذلك، وبالنظر إلى تعقيدات المناخ في المملكة العربية السعودية، نود أن يكون لدينا أيضاً مضمار اختبار".
التأثير المتوقع في الاقتصاد والمجتمع السعودي
يناقش تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي صادر عام 2021 كيف يمكن لهذا النوع من الروبوتات أن يقدّم الحل لدولة مثل اليابان، تعاني صعوبات في قطاعها اللوجستي. ويلفت التقرير إلى أن روبوتات التوصيل، أو ما يُعرف بـ "الدرويدات"، تمثّل حلاً واعداً يستحق الاستكشاف لما يمكن أن تولده من آثار إيجابية كبيرة على البيئة وكفاءة العمل. فيمكن لروبوتات التوصيل أن تساعد الشركات في التغلب على نقص العمالة وانخفاض الإنتاجية، وهما من التحديات التي تواجه اليابان خصوصاً فضلاً عن دول أخرى.
ومن هذا المنطلق يمكن لهذه التكنولوجيا أن تسهم في تغيير نمط الحياة وتطوير المجتمعات في المملكة.
وتشير الدراسات إلى أنه يمكن لروبوتات التوصيل الذاتية القيادة أن تحقق فوائد كبيرة للمجتمع بطرق متعددة:
أولاً، يمكنها تحسين الكفاءة في تسليم السلع والخدمات بدرجة كبيرة. مع قدرتها على العمل دون توقف أو تدخل بشري، يمكن للروبوتات هذه أن تقلل وقت التوصيل وتكاليفه، ما يؤدي إلى تحسين تجربة العملاء وخفض الأسعار على المستهلكين. بالإضافة إلى ذلك، تقدم هذه التقنيات حلولاً للتوصيل في المناطق النائية أو التي تعاني صعوبات الوصول، ما يعزز شمولية الخدمات. وتجدر الإشارة إلى أنّ معدل طلبات التوصيل عبر التطبيقات في المملكة يتخطى 750 ألف طلب يومياً، ما يُتيح فرصاً كبيرة لهذه الروبوتات في هذا المجال.
ثانياً، يمكن أن تؤدي دوراً كبيراً في تقليل الانبعاثات الضارة وحماية البيئة. فاستخدام المركبات الكهربائية الذاتية القيادة في التوصيل يساعد على تقليل استهلاك الوقود الأحفوري والتلوث الناجم عن حركة المرور التقليدية.
ثالثاً، من الممكن أن تسهم هذه الروبوتات في خلق فرص عمل جديدة ضمن مجالات مثل صيانة الروبوتات والبرمجة والرقابة على العمليات اللوجستية المتطورة، على الرغم من أنها قد تستبدل بعض الوظائف التقليدية.
التحديات والفرص المستقبلية
على الرغم من الفرص العديدة التي تحملها روبوتات التوصيل ذاتية القيادة، فإنها لا تزال تواجه بعض التحديات على المستوى العالمي، وفي السعودية على نحو خاص. ولعل قيود البنية التحتية من أبرز هذه التحديات، فغالباً ما تفتقر المدن إلى البنية التحتية اللازمة لدعم تشغيل الروبوتات الذاتية. في السعودية، خاصة في المدن المتسارعة النمو مثل الرياض وجدة، قد تحتاج الطرق والأرصفة وأنظمة إدارة المرور إلى تحديثات كبيرة لتسهيل تشغيل هذه الروبوتات، إضافة إلى المسائل القانونية والتنظيمية، إذ تتعاظم الحاجة إلى أطر تنظيمية تحكم تشغيل الروبوتات الذاتية. السعودية، على غرار العديد من الدول، بحاجة إلى تطوير قوانين تتعلق بالأمان، والخصوصية، والمسؤولية في حالة وقوع حوادث.
بالإضافة إلى ذلك، تواجه الروبوتات الذاتية تحدي التنقل في بيئات مكتظة بالمشاة والدراجات والمركبات. في المدن السعودية المكتظة، مثل مكة المكرمة في أثناء مواسم الحج، تصبح هذه المشكلة أكثر تعقيداً، لكن المملكة نجحت في موسم الحج الأخير الذي تميّز بوجود المرشدين الآليين وغير ذلك من الابتكارات. كذلك قد تواجه الروبوتات الذاتية مقاومة من المستهلكين والشركات بسبب القلق من فقدان الوظائف والثقة في التكنولوجيا فضلاً عن الثقة التي ستحتاج هذه الماكينات إلى اكتسابها. وسيتطلب الأمر حملات توعية وتثقيف لتعزيز الثقة في هذه الأنظمة. ولا بد من ذكر الظروف البيئية والمناخية؛ فالطقس القاسي، مثل الحرارة الشديدة في السعودية، يمكن أن يشكّل تحدياً تقنياً للروبوتات الذاتية، ما قد يؤثّر في كفاءتها التشغيلية، وهذا أيضاً موضوع مطروح على المطوّرين الذين يجب عليهم تنفيذ تصاميم تتكيف مع المناخات الحارة.
مستقبل النقل الذاتي في المملكة العربية السعودية
تُعدّ روبوتات القيادة الذاتية أحد أهم الابتكارات التي تحمل إمكانات هائلة لإحداث تحول كبير في قطاع التوصيل والخدمات اللوجستية في المملكة العربية السعودية، يمكن أن تكون روبوتات القيادة الذاتية عنصراً رئيسياً في دعم رؤية 2030، التي تسعى إلى تحويل المدن إلى مدن ذكية وتعزيز الاستدامة البيئية. تسهم هذه التكنولوجيا في تسهيل العمليات اللوجستية وتطوير قطاع التجارة الإلكترونية، خصوصاً مع النمو المتسارع في هذا المجال. بالإضافة إلى ذلك، تُعدّ روبوتات التوصيل المستقلة حلاً جذرياً لتقليل الزحام المروري وتحسين جودة الحياة في المدن السعودية.