مستقبل الذكاء الاصطناعي التوليدي: الانتقال من أسلوب الاستجابة إلى أسلوب التنبؤ

4 دقيقة
كيف يمكننا ضمان الرقابة البشرية على أنظمة الذكاء الاصطناعي؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ TierneyMJ

لنكن صادقين. لقد مررنا جميعاً بتجربة محبطة مع بوتات الدردشة الخاصة بخدمة العملاء، حيث نحاول شرح مشكلتنا بعشر طرق مختلفة لنحصل في النهاية على الرد الممل والعديم الفائدة نفسه: "المعذرة، لا أفهم ما تقصد". هذا النموذج الكامل لخدمة العملاء، الذي يعتمد على انتظار حدوث المشكلة ثم السعي إلى محاولة إصلاحها، ليس محبطاً فحسب، بل هو نهج خاطئ تماماً. على مدى عقود، بنينا أنظمة دعم العملاء لدينا على أساس الاستجابة للمشكلات التي يواجهها العملاء.

إن القفزة النوعية لا تكمن في سرعة الاستجابة، بل في ضمان عدم شعور العميل بهذه المشكلة في المقام الأول.

لن تكمن الفائدة الحقيقية للذكاء الاصطناعي التوليدي في تجربة العملاء في تطوير بوتات دردشة أذكى فحسب، بل ستكمن في إنشاء محرك تنبؤي يستشعر احتياجات العميل قبل أن يفكر في طلب ذلك. نحن اليوم في منعطف تاريخي، حيث ننتقل من ثقافة الاستجابة إلى ثقافة التنبؤ. إن الشركات التي ستدرك ذلك لن تكسب ولاء العملاء فحسب، بل ستغير مفهوم الولاء نفسه.

من القواميس الرقمية إلى المحققين الأذكياء

حتى الآن، كانت أدوات الذكاء الاصطناعي لدينا تشبه القواميس الرقمية. فإذا أدخل العميل كلمة مفتاحية مثل "الفواتير" أو "انقطاع الخدمة"، يبحث البوت عن رد جاهز؛ فهو نظام جامد لا يدرك هوية المستخدم، أو ما كان يفعله قبل خمس دقائق، أو ما قد يحتاج إليه لاحقاً، إنه لا يراعي السياق.

الذكاء الاصطناعي التوليدي مختلف. فهو ليس قاموساً، بل محققاً حكيماً. لا يبحث فقط عن دليل واحد، بل يجمع الأدلة من مصادر لا حصر لها مثل المحادثات السابقة والأنشطة الحديثة وحتى الأنماط الدقيقة التي لم تلحظها بنفسك، ويحلل هذه المعلومات كلها لتكوين صورة شاملة. 

فهو يربط بين المعلومات المختلفة لا ليفهم مشكلة واحدة معزولة فحسب، بل ليفهم قصتك بأكملها. هذه القدرة على فهم مسار رحلة المستخدم هي سر تقديم خدمة فعالة تتنبأ باحتياجاته.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن للصيانة التنبؤية المدعومة بالتعلم الآلي أن تفيد قطاع تجارة التجزئة؟

تطبيقات محرك التنبؤ

تخيل أنك عميل لشركة اتصالات كبرى، النظام التقليدي يرى فقط رقم حسابك وفاتورتك الشهرية، أما محرك التنبؤ الجديد فيعمل على تحليل بياناتك وكأنها فصول لقصة كاملة.

يلاحظ أن استخدامك البيانات ارتفع بنسبة 30% هذا الشهر مباشرة بعد توصيل جهاز ألعاب جديد بشبكة واي فاي الخاصة بك. يطلع على سجل تصفحك على موقع الويب الخاص بشركة الاتصالات، حيث قضيت بضع دقائق في البحث عن باقات التجول الدولي للمملكة المتحدة، كما يجمع بيانات الشبكة ويلاحظ أن إشارة الواي فاي المنزلية لديك كانت متقطعة قليلاً في المساء، ما أجبر هاتفك على التبديل إلى بيانات الهاتف المحمول بصورة متكررة.

يرى النظام القديم ثلاث حقائق منفصلة، أما محرك التنبؤ فيرى قصة كاملة: "هذا العميل لديه جهاز جديد يستهلك الكثير من البيانات، ويخطط للسفر، ولديه اتصال منزلي متقطع بشبكة الإنترنت. هذه مجموعة من العوامل القوية التي قد تؤدي إلى فاتورة ضخمة غير متوقعة وتلقي مكالمة هاتفية مزعجة للغاية".

لذا، بدلاً من انتظار تلك المكالمة الغاضبة، يتدخل النظام تلقائياً. حيث تتلقى إشعاراً مخصصاً على هاتفك:

"انتبه يا أحمد! لاحظنا أن استهلاكك للبيانات أعلى من المعتاد. ولمساعدتك على تجنب أي مفاجآت في فاتورتك القادمة، يمكنك الاشتراك في باقتنا غير المحدودة مدة 30 يوماً مقابل رسوم رمزية، كما لاحظنا بعض نقاط الضعف في شبكة الواي فاي المنزلية لديك. جرب هذه الخطوات الثلاث السريعة لتحسين أداء جهاز التوجيه الخاص بك".

هذه ليست مجرد خدمة جيدة، بل يشعر المرء بأن الشركة تدعمه في كل خطوة.

رحلة خالية من التوتر مدعومة بالتنبؤ

دعونا نرى ذلك من خلال تطبيقات واقعية على نطاق أوسع. تخيل أن سارة تسافر من دبي إلى لندن.

  • الساعة 7:00 صباحاً: شركة الطيران عملت على تمكين وصول الذكاء الاصطناعي لديها إلى بيانات عمليات المطار في الزمن الحقيقي، ويتوقع تأخير رحلتها مدة 90 دقيقة بسبب ازدحام حركة الطيران القادمة. قبل أن تعلن الشركة هذا التأخير على لوحات معلومات المغادرة، يتلقى هاتف سارة إشعاراً؛ يخبرها الإشعار بأن الشركة قد غيرت موعد حجزها تلقائياً على متن رحلة أخرى تابعة لشركة طيران شريكة تغادر من بوابة قريبة بعد 45 دقيقة فقط. وتجد سارة بطاقة صعودها الجديدة إلى الطائرة قد باتت جاهزة في انتظارها بالفعل ضمن تطبيقها.
  • الساعة 7:15 صباحاً: نظراً لأن البوابة الجديدة تقع في مبنى آخر، يرسل التطبيق لسارة قسيمة للحصول على قهوة مجانية في مقهى يقع في مكان مناسب على مسارها الجديد.
  • الساعة 7:30 صباحاً: يتعرف النظام تلقائياً على حقيبتها المسجلة، التي كانت بالفعل في طريقها إلى الطائرة الأولى، ويحول مسارها إلى الطائرة الجديدة. يرسل لها نظام الذكاء الاصطناعي تأكيداً سريعاً: "لا تقلقي يا سارة، أمتعتك في طريقها إلى رحلتك الجديدة".
  • الساعة 8:00 صباحاً: يتذكر النظام تفضيل سارة للطعام النباتي من رحلاتها السابقة ويؤكد نقل هذا التفضيل إلى الحجز الجديد.

لم تضطر سارة أبداً إلى إجراء مكالمة هاتفية أو الانتظار في طابور أو الشعور بأي توتر. لم تحل شركة الطيران مشكلة فحسب، بل أثبتت أنها تتفهم العميلة وتقدر وقتها وتتبع نهج التفكير الاستباقي على الدوام.

اقرأ أيضاً: البيانات الضخمة: كيف تحول الأرقام إلى قرارات فعالة؟

مسألة الخصوصية لا تتعلق بتقليل البيانات بل بتعظيم القيمة

دعونا نتناول الآن الموضوع الشائك: الخصوصية. يتطلب هذا المستوى من التخصيص استخدام البيانات. ومع ذلك، فإن الحل لا يكمن في جمع كمية أقل من البيانات، بل في تقديم قيمة إيجابية وشفافة للغاية للعملاء في المقابل.

مستقبل الخصوصية لا يتعلق بحجب البيانات، بل بمنح العملاء خياراً واضحاً وتحكماً كاملاً. يجب أن يكون العرض بسيطاً وصادقاً:

"يمكنك الاشتراك في محرك الخدمة الاستباقي الخاص بنا مقابل السماح لنا بتحليل أنماط استخدامك، ونعدك بالعمل على مدار الساعة لمنع أي مشكلات تتعلق بالفواتير أو الأعطال الفنية أو أي صعوبات أخرى خلال السفر قبل حدوثها. هذه هي لوحة التحكم الشخصية الخاصة بك، حيث يمكنك الاطلاع على المعلومات التي لدينا جميعها، ويمكنك إيقاف الخدمة بنقرة واحدة في أي وقت تشاء".

عندما تكون القيمة واضحة إلى هذا الحد والتحكم مطلقاً إلى هذا الحد، لن يكتفي العملاء بمنح الإذن فحسب، بل سيطالبون بهذا المستوى من الخدمة.

لقد بلغنا أخيراً نهاية عصر معالجة المشكلات من خلال نهج الاستجابة. لن تكون الشركات الرائدة في العقد القادم هي تلك التي تقتصر على حل المشكلات بأساليب أفضل فحسب، بل ستكون الشركات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي لتطوير حاسة سادسة تساعدها على فهم احتياجات عملائها، ما يحول دون وقوع المشكلات نهائياً ويخلق أواصر ثقة متينة يصعب كسرها حقاً.

المحتوى محمي