لماذا يمثل الهيدروجين الأخضر بديلاً جذاباً للوقود الأحفوري؟

6 دقائق
الهيدروجين الأخضر
حقوق الصورة: توماس ماكوفسكي/ شتر ستوك.

يُعد الهيدروجين وقوداً جذاباً، فالكيلوجرام الواحد منه يحتوي على نحو ثلاثة أضعاف الطاقة التي تحتوي عليها كمية مماثلة من الديزل أو البنزين. وإذا تمكنا من إنتاجه بطريقة نظيفة وغير مكلفة، فقد يكون مفتاحاً لتنظيف مجموعة من القطاعات الحيوية المعقدة. نستعرض في هذه المقالة كل ما تريد معرفته عن الهيدروجين الأخضر، أو كما يسميه البعض وقود المستقبل.

كيف يتم إنتاج الهيدروجين الأخضر؟

يتم إنتاج معظم الهيدروجين المُصنّع في الوقت الراهن عن طريق دمج الغاز الطبيعي مع البخار في درجات حرارة عالية، وهي عملية عالية الاستهلاك للطاقة وتُطلق كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، الذي يعتبر غاز الدفيئة الرئيسي المتسبب في عملية التغير المناخي. بيد أن نسبة صغيرة ومتزايدة من الهيدروجين يتم إنتاجها عبر تفكيك الماء إلى العناصر المكونة له عن طريق تمرير تيار كهربائي فيه، في عملية تعرف باسم التحليل الكهربائي. ومع أن تلك العملية تتطلب أيضاً قدراً كبيراً من الطاقة، إلا أنه إذا تم توليد الكهرباء من مصادر متجددة، مثل طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية، فإنها تنتج أدنى قدر من الانبعاثات الضارة.

في الوقت الحالي، يكلف إنتاج هذا النوع من الهيدروجين، الذي يُطلق عليه اسم "الهيدروجين الأخضر"، حوالي ثلاثة أضعاف تكلفة إنتاج الهيدروجين المشتق من الغاز الطبيعي (الذي يتكون في الغالب من الميثان، الذي تتألف جزيئاته من ذرة كربون واحدة مرتبطة بأربع ذرات هيدروجين). ومع ذلك، فإن هذه التكلفة تبلغ نصف ما كانت عليه قبل 10 سنوات.

ومع الانخفاض المستمر في تكاليف طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وبدء وفورات الحجم المحيطة بإنتاج الهيدروجين الأخضر في إتيان ثمارها، فإن عملية الإنتاج قد تصبح أقل تكلفة بكثير. وإذا حدث هذا، فإن الهيدروجين الأخضر لديه القدرة على أن يصبح وقوداً أساسياً لمستقبل خالٍ من الكربون. وبموازاة ذلك، ومع تحسن تقنيات التقاط الكربون، يمكننا استخلاص الهيدروجين من الغاز الطبيعي دون إطلاق كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.

أهم استخدامات وتطبيقات الهيدروجين الأخضر

تُعزى أهمية الهيدروجين جزئياً إلى تعدد استخداماته، حيث يمكن حرقه كبديل لأنواع مختلفة من الوقود الأحفوري، مثل الفحم والنفط والغاز الطبيعي. وفي حين تنتج جميع هذه الأنواع ثاني أكسيد الكربون عند احتراقها، فإن حرق الهيدروجين النقي داخل التوربينات لا يُنتج سوى بخار الماء فحسب. ومع ذلك، فإنه يحفز أيضاً إنتاج أكاسيد النيتروجين الضارة بسبب درجات الحرارة المرتفعة التي تدخل في عملية التصنيع. وثمة وسيلة أخرى لاستخدام الهيدروجين وهي خلايا الوقود، التي تجمع بين الهيدروجين والأكسجين لإنتاج الماء والكهرباء -عكس فكرة التحليل الكهربائي- دون إنتاج أكاسيد النيتروجين.

يمكن للهيدروجين تشغيل المركبات -بما فيها السيارات والحافلات والقطارات والطائرات- إما من خلال خلايا الوقود أو عن طريق حرقه مباشرة. ويمكن أن يوفر حرق الهيدروجين أيضاً حرارة صفرية الكربون لاستخدامها في مصانع الصلب والإسمنت وغيرها من الصناعات. ويمكن للهيدروجين الأخضر أن يحل محل الهيدروجين الذي يستخدم بالفعل كمادة وسيطة في كل شيء، بدءاً من معامل التكرير إلى مصانع الأسمدة، وبالتالي يقلل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. كما أن بوسع بعض المواقع الصناعية -مثل مصانع الصلب ومصانع الكيماويات- استخدام الأكسجين الناتج كمنتج ثانوي.

وبصرف النظر عن كيفية تصنيع الهيدروجين، فإن تخزينه ونقله بشكل آمن وبأسعار معقولة لا يزال أمراً صعباً، لا سيما بالنسبة لبعض التطبيقات الواعدة مثل الطيران. (هل تذكر منطاد هيندنبيرج؟ وهو منطاد ألماني لنقل الركاب كان يعمل بالهيدروجين وتحطم عام 1937، واضعاً نهاية لاستخدام المناطيد في خدمات الركاب المنتظمة). ولهذا السبب فإن هناك خياراً آخر يتمثل في دمج الهيدروجين بالكربون -الذي يمكن التقاطه من الغلاف الجوي، في عملية تسمى الالتقاط الهوائي، أو من المداخن- لإنتاج أنواع صناعية سائلة من الوقود الهيدروكربوني يسهل التعامل معها أكثر من الهيدروجين. ويمكن لهذه الأنواع من الوقود السائل أن تمثل بديلاً أكثر نظافة للبنزين أو الديزل.

كما يمكن أيضاً استخدام الهيدروجين لتخزين الطاقة التي تولدها محطات الطاقة المتجددة، ويمكن تحويله بعد ذلك مرة أخرى إلى كهرباء لتغذية الشبكة الكهربائية إذا هدأت الرياح أو حجبت السحب أشعة الشمس أو ارتفع الطلب على الكهرباء.

ومع هذا الكم الهائل من الاستخدامات الممكنة، تتوقع الوكالة الدولية للطاقة (IEA) أن الهيدروجين يمكن أن يوفر أكثر من 10٪ من الاحتياجات العالمية من الطاقة بحلول عام 2050، منتجاً أكثر من 11 مليون جيجاوات/ساعة من الطاقة سنوياً، وهو ما يتطلب بنية تحتية تبلغ تكلفتها أكثر من 4 تريليونات دولار لإنتاج الهيدروجين وتخزينه ونقله.

وتستهدف أوروبا وحدها إنتاج 40 جيجاوات من طاقة التحليل الكهربائي بحلول عام 2030. (وهذا من شأنه أن يقطع نحو 2٪ من الطريق الذي رسمته توقعات الوكالة الدولية للطاقة لعام 2050). ويقول كريستوف نويرس، الذي يترأس مشروعات الهيدروجين الأخضر بشركة "أودى كلورين إنجنيرز" (Uhde Chlorine Engineers)، وهي شركة تابعة لتكتل "تيسين كروب" (ThyssenKrupp) الألماني: "منذ بداية عام 2020 ظهرت موجة هائلة من الفرص. إن عدد المشروعات الكبيرة والواقعية القادمة مدهش".

مشاريع للاستفادة من الهيدروجين الأخضر

تتشكل أودية الهيدروجين -وهي المشروعات الإقليمية التي تضع محطات التحليل الكهربائي في المواقع التي يمكن منها أن تخدم أغراضاً صناعية متعددة- في جميع أنحاء أوروبا. وعلى مقربة من مدينة هامبورج الواقعة في شمال ألمانيا، تشارك "تيسين كروب" في ائتلاف للهيدروجين الأخضر تبلغ قيمته 89 مليون يورو (107 مليون دولار)، وممول بمنحة قدرها 30 مليون يورو مقدمة من الحكومة الألمانية. ويتضمن المشروع المُخطط معمل تكرير ومصنعاً للإسمنت ومولدات للطاقة ومزرعة رياح بحرية.

في البداية، سيحل الهيدروجين الأخضر محل بعض الهيدروجين الرمادي -وهو الاسم الذي يُطلق أحياناً على الهيدروجين المشتق من الغاز الطبيعي- الذي يُستخدم في معمل التكرير. ثم تعتزم المجموعة الألمانية بعد ذلك إحداث تفاعل بين الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون الملتقط من مصنع الإسمنت، لإنتاج كل من الميثانول وبعض المواد الكيماوية الوسيطة ووقود صناعي للطائرات.

وعلى بعد حوالي 240 كيلومتراً (150 ميلاً) إلى الجنوب الغربي، سيقوم ائتلاف هيدروجين أخضر آخر بإعادة استخدام خطوط أنابيب الغاز التي خرجت من الخدمة لنقل غاز الهيدروجين. ويعتزم الائتلاف بناء محطة تحليل كهربائي بسعة 100 ميجاوات. ومن هذا المكان، يأمل في نقل الهيدروجين عبر شبكة من خطوط الأنابيب يبلغ طولها 130 كيلومتراً إلى منطقة الرور الصناعية.

الهيدروجين الأخضر
إنتاج الهيدروجين الأخضر من المحاليل القلوية، حيث تُغمر الأقطاب الكهربائية بمحاليل قلوية مائية أو بوتاس.
الهيدروجين الأخضر
طريقة غشاء البوليمر الإلكتروليتي، حيث يكون الغشاء صلباً يسمح بمرور أنوية الهيدروجين.

 

وإذا نجحت عملية إعادة استخدام خطوط الأنابيب هذه، ستتمكن محطات التحليل الكهربائي الموصولة بالأنابيب القديمة في نهاية المطاف من  توصيل الهيدروجين الأخضر لجميع الصناعات الرئيسية تقريباً في ألمانيا، وهو ما سيؤدي إلى تخفيف الضغط عن شبكة الكهرباء الألمانية التي تعاني من ارتفاع الأحمال، فضلاً عن توفير إمدادات جاهزة من احتياطيات الطاقة للفترات المظلمة التي لا تهب فيها الرياح.

في غضون ذلك، انطلقت مشروعات كبيرة أخرى في كل من هولندا وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا وكندا وأستراليا واليابان والصين. وبالرغم من أن الهيدروجين الذي تنتجه تلك المشروعات سيكون باهظ الثمن في البداية، إلا أن تقديرات شركة ماكينزي الاستشارية تشير إلى أن تكلفة الهيدروجين الأخضر ستكون مماثلة لتكلفة الهيدروجين الرمادي بحلول عام 2030، وذلك بفضل انخفاض تكاليف كل من التحليل الكهربائي وتوليد الكهرباء المتجددة، فضلاً عن تزايد تكاليف الكربون.

اقرأ أيضاً: حقبة اقتصاد الهيدروجين ومستقبل العالم

مستقبل مشرق للهيدروجين الأخضر 

إذا كان للهيدروجين أن يرتقي إلى مستوى إمكاناته، فإن السياسات العامة سيكون لها أهمية حاسمة. كبداية، سيكون لزاماً على الهيئات التنظيمية والهيئات التشريعية وضع السياسات اللازمة لتمكين خطوط أنابيب الغاز الطبيعي المتوفرة حالياً من نقل الهيدروجين أيضاً -وهي عملية تُعرف باسم "المزج"- وفرض إجراء تخفيضات في انبعاثات الكربون لتوليد طلب على الهيدروجين.

وبعض من هذا يحدث حالياً بالفعل، فقد أجرت ألمانيا تغييراً هاماً في أواخر العام الماضي، حيث حررت منتجي الهيدروجين الأخضر من دفع بعض الرسوم الإضافية المفروضة على الكهرباء. وقد مثل هذا الأمر، في الواقع، اعترافاً من الحكومة بأن الهيدروجين الأخضر هو امتداد للطاقات المتجددة كطاقة الرياح والطاقة الشمسية. كما أن ثمة لوائح أخرى قيد المناقشة، في ألمانيا وفي مختلف أنحاء أوروبا، تنص على إجراء تخفيضات في الانبعاثات الكربونية من مصافي التكرير ومصانع الصلب وغيرها من الصناعات الثقيلة، بمقتضى بيان "توجيهات الطاقة المتجددة" الصادر عن المفوضية الأوروبية.

من جانبه، يقول جاك براور، المدير المساعد لبرنامج الكهرباء والطاقة المتقدمة بجامعة كاليفورنيا-إرفاين، إن هناك حاجة إلى سياسات مماثلة للمضي قدماً في اتجاه الهيدروجين الأخضر في الولايات المتحدة، إلا أن المناقشات حول هذا الأمر بالكاد بدأت.

وفي حين تفرض الحكومات الأوروبية أن تقبل أنابيب الغاز الطبيعي نقل الهيدروجين الأخضر -بكميات تصل إلى 12٪ في هولندا- فإن شركات تشغيل حقول الغاز في أميركا غالباً ما تعارض المزج.

ويرى براور أن منع مزج الهيدروجين يمثل عقبة خطيرة. ويوضح أن ولاية كاليفورنيا لديها بالفعل قانون ينص على أن يأتي ثلث الهيدروجين الذي يضخ في محطات تعبئة المركبات التي تعمل بخلايا الوقود من مصادر متجددة، ومع ذلك فإن الحصول على الهيدروجين الأخضر صعب حالياً. ويقول بروار إنه إذا تمكن المنتجون من استخدام خطوط أنابيب الغاز الطبيعي المتوفرة حالياً كشبكة توزيع، سيمكنهم بناء المزيد من محطات التحليل الكهربائي المربحة في المناطق النائية المشمسة أو التي تشتد فيها الرياح بشكل خاص.

كما أن ثمة الكثير من الصعوبات التقنية التي لا يزال يتعين التغلب عليها، ونطاق طاقة الرياح والطاقة الشمسية اللازم لتشغيل شبكة عالمية من محطات التحليل الكهربائي هائل. ويوضح براور أن الوصول إلى مستقبل مستدام سيكون مستحيلاً دون الاعتماد بشكل كبير على الهيدروجين. وقد يكون محقاً في قوله.

المحتوى محمي