كيف يمكن مساعدة الطلاب على التكيف مع التغيرات التي فرضها الذكاء الاصطناعي؟

7 دقائق
كيف يمكن مساعدة الطلاب على تجاوز التغير التكنولوجي الذي فرضه الذكاء الاصطناعي؟
حقوق الصورة: "سليت". الصورة: فابريك إيماجيك/آي ستوك/غيتي إيميدجيز بلس.

بدا لي أن الطالب كتب المقال المطلوب منه على عجل في الثالثة ليلاً، فسرد مفاهيم المقرر المجردة دون فهم كامل لما تعلمناه خلال الفصل المنصرم، وكانت مناقشته ضعيفة لا تفي بما طُلب منه. دفعتني قراءة هذا المقال إلى التساؤل: هل حضر هذا الطالب دروسي أصلاً؟ وهل تمكنت من تعليمه أي شيء مفيد؟

إلا أنني لم أجد ما يشير إلى أن المقال كان نتاج سهر طويل وجهد حقيقي، فهو خالٍ من الأخطاء النحوية والإملائية والأمثلة الخارجية التي قد يراها الطالب الساهر عميقة ومناسبة، بل كان من الواضح أن الموضوع مكتوب في وضح النهار بعد التمتع بقسط كاف من النوم. لعله كان أول مقال أصادفه كتبه أحد طلابي بواسطة تشات جي بي تي، قبل نهاية الفصل الدراسي مباشرة.

اختبار تورينغ عكسي

أدخلت أجزاء من النص إلى إحدى أدوات الذكاء الاصطناعي الجديدة المختصة في تحري النصوص المولّدة آلياً، لكن قبل أن أجري الاختبار، اتضح لي أن ما كنتُ على وشك فعله هو نوع من السخافة وربما الشعور باليأس: فأنا أستخدم الآلة للتحقق مما إذا كانت الآلة كتبت موضوع طالبي، وأدركتُ أنني أجري الآن اختبار تورينغ، فأنا الإنسان، لم أعد متأكدة تماماً ما إذا كنت أقرأ عمل إنسان آخر أو إجابة من إنتاج الذكاء الاصطناعي التوليدي نسخها الطالب ولصقها بكل بساطة.

في الفصل الدراسي الخريفي، كنتُ قلقة بشأن المقالات التي يمكن شراؤها من الإنترنت إذ تصعب مراقبتها، ولكنها عادةً تكون بعيدة جداً عن الموضوع المطلوب ويظهر فيها أداء الطلاب الضعيف جلياً. ومع حلول الفصل الدراسي الربيعي تغيرت الأمور كلياً، فكان عليَّ الانتباه في نهاية الفصل مما إذا كانت الآلة قد كتبت لطلابي مقالاتهم.

بعد إجراء الاختبار تبين لي وفقاً للبرنامج أن 10.1% من المقال فقط مكتوب بشرياً، وضعت رأسي على طاولة مطبخي غارقةً في التفكير في موجة التغير التكنولوجي التي بدت وكأنها سارت بسرعة الضوء منذ بداية العام: توليد الذكاء الاصطناعي للنصوص والصور والرسوم وحتى الموسيقى ومقاطع الفيديو، ويلقي ذلك كله بظلال من الشك على ما يمكننا الوثوق به وما هو حقيقي.

اقرأ أيضاً: تشات جي بي تي يسقط ورقة التوت عن المنشورات المحكمة

ظلال من الشك: ما المزيف والحقيقي؟

لكي لا أفقد صوابي، كنت بحاجة إلى التأكد من قدرتي وقدرة البرنامج على كشف المقالات التي كتبها الذكاء الاصطناعي، ومن أن المقال من كتابة تشات جي بي تي بالفعل، ولذلك أرسلت رسالة بريد إلكتروني إلى الطالب ومنحته خيار الكشف عما إذا كان قد استخدم أداة الذكاء الاصطناعي واعدة إياه بأنه لن تكون هناك عقوبة تخفيض درجات أو تداعيات أخلاقية لما كان، وفي أسوأ الأحوال سأعتبر مقاله من الدرجة الثانية، إذ إنني لم أمنع طلابي صراحة من استخدام الذكاء الاصطناعي. وبالفعل اعترف الطالب بأنه استخدم الذكاء الاصطناعي، وكما هو الحال مع معظم حالات الغش فقد تذرع بأنه كان يشعر بالتعب والتوتر واليأس.

من الناحية الفنية فقد ربحت أولى مواجهاتي مع الآلة، لكنني لم أشعر بأنني انتصرت.

لما كنت أَدْرُس الإعلام والسياسة والتكنولوجيا وأُدرِّسها في الوقت ذاته، فعملي يتمثل تحديداً في مساعدة الناس على فهم القدرات المزعزعة المحتملة لتكنولوجيات الوسائط الجديدة في الحياة المدنية.

وهذا يعني أيضاً أن هذا الفصل الدراسي كان من بين أقوى التحديات الوجودية التي واجهتها خلال 17 عاماً قضيتها في التعليم، إذ درّستُ في واشنطن العاصمة خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016 والسنوات الأولى لرئاسة ترامب وعلى برنامج زووم خلال بداية الجائحة، وقد أرهق ذلك دماغي المصاب باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه إرهاقاً شديداً.

هذا العام، لم يكن عليّ كشف النصوص المولدة بواسطة تشات جي بي تي فقط، ولكنني وجدت نفسي أيضاً أحاول أن أتصالح مع ما قد يكون أهم تحول تكنولوجي منفرد منذ ظهور الهاتف الذكي، وخلاف آليات الفصل الدراسي، أجدني أمام حاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى لمساعدة طلابي ونفسي على التوصل إلى لغة ملائمة للحديث عن التغيرات التي نواجهها وتحديد الأسئلة التي علينا طرحها لنفهم ذلك كله.

اقرأ أيضاً: ما هي نزعة الحلول التكنولوجية وكيف أثّرت في انتشار أدوات الذكاء الاصطناعي؟

"وحش" جديد نواجهه عزّلاً

انشغلت كلياً بالقدرات المزعزعة للذكاء الاصطناعي التوليدي، ولا شك في أنني لم أكن وحدي في ذلك، إذ أعلنت مجلة ذي أتلانتيك (The Atlantic) أن الذكاء الاصطناعي قضى على المقالات الجامعية، ولذلك أنشأتْ الجامعة التي أدرّس فيها ورشة عمل لا منهجية قصيرة تشمل الطلاب وأعضاء هيئة التدريس متعددي التخصصات لاستكشاف أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وعقدت مجموعة من الندوات والاجتماعات عبر الإنترنت لمساعدة أعضاء هيئة التدريس على فهم هذا "الوحش" الجديد الذي وجدنا أنفسنا في مواجهته فجأة.

وفي الوقت نفسه، في كل مقرر دراسي أدرّسه، أهتم بتدريس ظاهرة  اضطراب المعلومات أو الأشكال المتعددة للتلوّث الذي تعانيه بيئتنا المعلوماتية، بدءاً من التزييف العميق وصولاً إلى روابط "طُعم النقر" والصحافة المتعصبة حزبياً، وفي حين أنه يمكنني توضيح هذه الأساليب ودوافع إنشاء المحتوى المضلل واستهلاكه، كانت هناك لحظات وجدت فيها نفسي عاجزة تماماً أمام الانتشار الذي حققه تشات جي بي تي والحماس الذي أثاره والفوضى التي سببها.

"ليس لدي ما أقوله"، هذا ما قلته لطلابي رداً على صور اعتقال ترامب المزيفة التي أنشاها صحفي يعمل لدى جهة مرموقة متخصصة في الصحافة الاستقصائية، وعلى حد قوله فإن ما صنعه كان مجرد نوع من العبث، تتبعنا المخطط الزمني وتحدثنا عمن قد يكون عرضة للمعلومات المضللة، لكن الحقيقة قدمت لنا درساً بدا ضرباً من الخيال، ومن كان يعلم ما الذي سيحدث بعد ذلك؟  

ومع ذلك، كان اضطراب غموض المعلومات المبالغ فيه، واقتصاد جذب الانتباه والشركات التكنولوجية الكبيرة عموماً يسيطر على طلابي، ومن ثم فقد تخلوا عن مسؤوليتهم في فهم ما يحدث. صار مصطلحا الخوارزمية والذكاء الاصطناعي مصدر خوف بين طلابي، فهما مصطلحان شاملان ويشيران في الوقت ذاته إلى نهاية المسارات المهنية ويحيطان مرحلة التخرج في الجامعة والبحث عن وظيفة والقضايا المجتمعية الأخرى بالكثير من القلق.

كلما سمعت طلابي يناقشون هذين المصطلحين التكنولوجيين الجديدين أتذكر الأخطاء التي ارتكبناها في انتقاد وسائل الإعلام، فحينما تحمل الكلمات نفسها الكثير من المعاني والعديد من التفسيرات المحتملة التي تختلف باختلاف المتحدث، نتخلى غير مجبرين عن قدرتنا على استيعاب التفاصيل والفوارق الدقيقة التي نحتاج إليها لمعرفة المجالات التي يجب أن نتخذ إجراءاتنا فيها وفصل مخاوفنا الوجودية عن أخطر التهديدات التي تواجه العدالة الاجتماعية والبيئة والديمقراطية.

اقرأ أيضاً: هل نحتاج إلى دمج بوتات الدردشة في كافة التطبيقات التي نستخدمها؟

مصطلحات حمالة أوجه

يجب أن نأخذ في الاعتبار أن "للأخبار الزائفة" معانٍ متعددة ومنها: الصور المضحكة "الميمز" التي تنتشر على الإنترنت وتشويه السياسيين لمصداقية الصحافة القائمة على الحقائق والبرامج الساخرة وعروض الوقت المتأخر من الليل، ومن ثم يكاد يكون من المستحيل معرفة الجهات التي تقف وراء الأخبار المزيفة والأصعب من ذلك المطالبة بمساءلتها.

علاوة على ذلك فإن تفكك الفئات أو القطاعات الكبرى إلى كيانات فردية وموحدة عزز قدرتها على التأثير في الجمهور، إذ يجمع معظم الأميركيين على عدم ثقتهم بوسائل الإعلام وهم يتصورونها عصبة من الممثلين الغامضين الذين يتلاعبون بالجماهير من خلال سعي منسق للسيطرة على عقولهم.

لكن بعض أسئلة المتابعة تكشف أن بعض الناس يستثنون وسائل الإعلام التي يثقون بها، سواءً كانت فوكس نيوز أو نيويورك تايمز أو قناة غريبة على موقع يوتيوب تتحدث عن نظريات المؤامرة، فوسائل الإعلام ليست كياناً مستقلاً منعزلاً بل تشكلها رغبات مستهلكيها وقراراتهم وأسئلتهم.

ينطبق الأمر ذاته على ما يخص الذكاء الاصطناعي التوليدي، فإذا أعلنا استسلامنا وحزننا على نهاية المقالات الجامعية ونهاية مهنة المحاماة وحتى النهاية المحتملة للإنسانية، فإننا نتنازل عن إرادتنا وقدرتنا على تحديد مستقبل التكنولوجيا وقدراتها ونتركه لأقوى الأطراف المستثمرة فيها.

اقرأ أيضاً: ما الأزمات التي تسببها نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية في التعليم؟

"انتهى أمرنا، لن نحظى بوظائف أبداً"

قدم أحد الطلاب خلال هذا الفصل الدراسي موضوعاً استعرض فيه قدرات تشات جي بي تي في الحيل الترفيهية، فصمم موقع ويب بدائياً وألقى نكتة سخيفة، ولم يسلط الطالب الذي قدم العرض الضوء على أن تشات جي بي تي قد يكون أيضاً مخطئاً، وغادر الطلاب ذلك اليوم وهم يغمغمون: "انتهى أمرنا، لن نحظى بوظائف أبداً".

كان إقناعهم بخلاف ذلك صعباً للغاية، ولكن بالنسبة لطلابي وللجمهور، فإن أسرع طريقة للشعور باليأس في مواجهة التغير التكنولوجي المتسارع هو الاعتقاد بأنه قوي ومعقد لدرجة تمنع الشخص العادي من فهمه، وبسبب هذا اليأس يفقد الجمهور قدرته على النقد ويسمح لشركات التكنولوجيا بالمضي قدماً دون رادع.

ثمة مقرر دراسي أعلّم فيه الطلاب الطرق السليمة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ويتضح فيه عجز لغتنا الحالية وخيالنا عن فهم قدرة التطورات التكنولوجية على تشكيل مستقبلنا.

في هذا القسم من المقرر، يتعرف الطلاب إلى الجوانب المجهولة من العملات المشفرة والقرصنة الحيوية، وحب الروبوتات، وكيف ستستمر حياتنا الرقمية بعد انتهاء حياتنا البشرية. يمكن لطلابي الجامعيين تحديد الأسئلة التي تثيرها هذه التطورات، وتقييم المشهد الحالي، وتحديد المستقبل المحتمل على المستوى الفردي والاجتماعي، دون أن يكونوا خبراء تكنولوجيين أو علماء كمبيوتر.

هذا ما كنت أحاول الوصول إليه بالحديث عن القسم المذكور آنفاً من المقرر، وهو أن ثمة سؤالاً مهماً طُرح منذ ولادة الابتكارات التكنولوجية، وما زال ذا أهمية حتى اليوم، يمنحنا بعض الأمل في امتلاك حصيلة لغوية تساعدنا على استعادة قدرتنا على السيطرة في عالم يبدو أنه يشارف على الدمار الكامل أكثر من أي وقت مضى (في آخر مقال كلفت الطلاب بكتابته، أكدت لهم أن استخدام صورة للمحرقة النووية في العرض التقديمي لا يعد إجابة مقبولة عن أسوأ السيناريوهات التي يمكن أن تواجهها البشرية).

اقرأ أيضاً: كيف سيكون الحال مع بوتات الدردشة التي تكذب وتختلق المعلومات أيضاً؟

الواقعية هي أن ننظر إلى الذكاء الاصطناعي كأداة لا كمخلوق

ما آمل أن أكون قد أظهرته لطلابي هو أنه عندما نفكك المصطلحات الشاملة التي تجعل فهم ما يحدث مستحيلاً، مثل "الذكاء الاصطناعي"، و"الخوارزمية"، و"شركات التكنولوجيا الكبيرة"، يصبح من الممكن تطبيق الأسئلة ومنطلقات الانتقادات التكنولوجية السابقة ذاتها، التي هيئتنا على نحو ملائم لما نعيشه اليوم.

يمكننا أن نبدأ ببعض الأسئلة الأساسية: ما نوع الذكاء الاصطناعي الذي تتحدث عنه وما الوظيفة المحددة أو الاستخدام الذي يقلقك؟ من يهدف إلى كسب المال من هذا الفرع من التكنولوجيا تحديداً؟ من لديه القدرة على تنفيذ القوانين المتعلقة بهذه التكنولوجيا أو تعزيز المزيد من التطوير؟

أو ربما بطريقة أبسط، من الأفضل أن نأخذ في الاعتبار ما أشار إليه المستقبلي وعالم الأخلاقيات التقنية جارون لانير مؤخراً في مجلة ذا نيويوركر، إذ قال: "الموقف الأكثر واقعية هو النظر إلى الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة لا مخلوقاً". عندما نتذكر أن هذه التقنيات أدوات أنشأناها بأنفسنا سنتذكر أن لدينا القدرة على التحكم في استخدامها.

اقرأ أيضاً: هل يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في كتابة المقالات الأكاديمية؟

من الناحية العملية، أنا أعتبر تشات جي بي تي مثل الآلة الحاسبة، إذ يستخدم معظمنا الآلات الحاسبة في مقرر الحساب، وعلى الرغم من ذلك فإننا لا نحصل على العلامة الكاملة، وبعد اكتشاف أول مقال كتبه أحد طلابي باستخدام تشات جي بي تي، قررت أنه من الآن فصاعداً يمكن للطلاب استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في إنجاز المهام الموكلة إليهم ما داموا يوضحون استخدامهم له وسببه. آمل أن يمنحني ذلك قليلاً من الراحة، وأن يكون درساً فريداً من نوعه.

المحتوى محمي