السحابة الإلكترونية تقترب من المستخدمين لتحسين سرعة اتصالهم بالإنترنت

4 دقائق
ما نتائج تسلل مراكز البيانات النهمة للطاقة إلى داخل المدن على المستخدمين؟
مبنى ويسترن يونيون، 60 شارع هدسون، حوالي عام 1931. مكتبة المؤتمرات

في العام 1930، كانت الشركة العملاقة في مجال التلغراف ويسترن يونيون (Western Union) تضع اللمسات الأخيرة على أحدث مراكزها، وهو مبنى يتميز بزخرفة فنية بارتفاع 24 طابقاً في 60 شارع هدسون في جنوب مانهاتن. وبعد ذلك بفترة وجيزة، وصلت حركة رسائل التلغراف التي تدخل إلى المبنى وتخرج منه إلى أكثر من مليون تلغراف يومياً، محمولة على شبكة من الكابلات والأنابيب الهوائية، إضافة إلى 30 موظفاً يرتدون أحذية التزلج المزودة بعجلات، ويندفعون بسرعة في جميع الاتجاهات على أرضيات المبنى المصقولة.

أما اليوم، فقد أصبح جزء كبير من هذا المبنى موطناً لصالات واسعة من الخوادم الحاسوبية. إنه التجسيد المادي للسحابة الإلكترونية، فعند استخدام البث الرقمي لمشاهدة مسلسل تلفزيوني، أو رفع ملف إلى منصة دروب بوكس (Dropbox)، أو زيارة موقع إلكتروني، فمن المرجح أن هذا يتم عن طريق إمكانات مركز بيانات مماثل. هناك المئات من الشركات التي تستأجر مساحات في المبنى الكائن في 60 شارع هدسون، وهو جزء من مجموعة متنامية من المباني، والتي تحمل أحياناً اسم (مراكز التجميع للتوصيل الشبكي) وفق المصطلحات التقنية، والتي تستضيف مراكز البيانات ضمن المراكز السكانية الكبيرة أو قربها.

اقرأ أيضاً: لماذا يُعتبر ازدهار مراكز البيانات في أيسلندا مشكلة؟

تصاميم مراكز البيانات 

عندما نفكر في مراكز البيانات، فعادة ما نتخيل مزرعة خوادم هائلة في منطقة ريفية، حيث الكهرباء زهيدة التكاليف والحوافز الضريبية كثيرة. وقد وضعت الشركات التكنولوجية الكبيرة، مثل جوجل (Google) و أمازون ويب سيرفيسز (Amazon Web Services) ومايكروسوفت (Microsoft)، وميتا (Meta)، الملايين من الأمتار المربعة من المساحات المخصصة للخوادم في مناطق مثل فرجينيا الشمالية أو هيلزبورو في أوريغون. ولكن الآن، بدأت الشركات تضيف إلى شبكاتها المزيد من العقد الموجودة في المدن لتخفيف أزمنة التأخير. وعلى سبيل المثال، فإن مبنى ذا ون ويلشاير في لوس أنجلوس، والذي كان فيما مضى مقراً لمجموعة من المكاتب القانونية، أصبح الآن ممراً لثلث إجمالي حركة مرور الإنترنت بين الولايات المتحدة وآسيا.

بالنسبة للعين غير المدربة، لا تبدو عقد الإنترنت الفيزيائية الحضرية هذه مميزة الشكل. وهذا أمر مقصود. فشركة إيكوينوكس (Equinox)، وهي أكبر مالك لمراكز البيانات الشبكية بحصة تبلغ 10.9% من السوق العالمية، تقوم بتشغيل مراكز بيانات بتصميم يهدف إلى عدم لفت النظر. ففي دالاس، تمتلك الشركة مبنى صناعياً مترامي الأطراف بالقرب من مركز المدينة، ويلعب هذا المبنى دور مركز بيانات شبكي، إضافة إلى جامعة ربحية. وفي طوكيو، تسير العملية بمعظمها على طوابق مختلفة ضمن ناطحات السحاب الكثيرة في المدينة، "بحيث لا يدرك أحد وجودها حتى"، كما يقول نائب رئيس الشركة لتطوير الأعمال جيم بول. وفي سيدني بأستراليا، تعمل إيكوينوكس على بناء مركز بيانات جديد بتصميم معماري مميز مشابه لدار الأوبرا الشهيرة في المدينة. كما قامت إيكوينوكس ببناء خندق مائي حول أحد منشآتها في أمستردام، ولكنه ليس مخصصاً لحماية المبنى، كما يقول بول، بقدر ما هو مخصص لجعل المبنى متناسقاً مع محيطه، بما أن أمستردام مدينة غنية بالأقنية المائية. ويقول: "عادة ما يحاول أصحاب الأبنية جعلها متوافقة مع البيئة"، مضيفاً أن هذا الأمر إلزامي حتى، وفي بعض الحالات، وفقاً للقوانين المحلية. 

اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي يتحكم الآن في تبريد أحد مراكز البيانات لدى جوجل

طلب متزايد على مراكز البيانات

إن الطلب على هذه المنشآت، خصوصاً في المراكز الحضرية، يزداد بسرعة، ففي السنة الماضية، ازداد الإنفاق على مراكز البيانات الشبكية بنسبة 11.7%. ويبدو أن كبرى شركات الخدمات السحابية قررت السير بهذا الاتجاه أيضاً. فقد كانت أمازون ويب سيرفيسز تعمل على تأسيس مراكز بيانات مصغرة، تسميها بالمناطق المحلية، في أماكن قريبة من التجمعات السكانية الكبرى. وحتى الآن، قامت بنشرها في 32 مدينة عبر الولايات المتحدة. حتى أن هذا التوجه أثار اهتمام شركة والمارت (Walmart)، التي قد تبدأ قريباً بتأجير أجزاء من متاجرها العملاقة لاستضافة مراكز البيانات للشركات الأخرى.

ووفقاً لبول، فإن أحد التفسيرات لهذه الزيادة في الطلب هو تغير المستهلكين أنفسهم. فمع استخدامنا للإنترنت في المزيد من نواحي الحياة، "أصبح الناس أقل تسامحاً مع التأخير". وتعتبر الدوافع الرئيسية لهذا التوجه تلك التطبيقات التي يمكن أن يحدث تأخير من رتبة الميلي ثانية فيها فرقاً هائلاً. فقد تستحيل ملاحظة تأخير ربع ثانية على منصة نيتفليكس (Netflix)، ولكن هذا التأخير سيكون واضحاً للغاية عند استخدام تطبيق للمراهنة على الأحداث الرياضية، أو المتاجرة بالأسهم، أو المشاركة في ألعاب متعددة اللاعبين مثل لعبة فورتنايت.

وعلى سبيل المثال، فإن العديد من الشركات، مثل جوجل وأمازون ومايكروسوفت، بدأت تميل إلى التركيز على اللعب السحابي، والذي يعتمد على بث الألعاب عبر الإنترنت دون الاعتماد على جهاز ألعاب أو هاتف لتوفير قدرات الحوسبة. ولكن الكثير من الألعاب الشهيرة، مثل ألعاب إطلاق النار من منظور الشخص الأول، "تتطلب ردات فعل سريعة للغاية، وبالتالي اتصالاً فائق السرعة"، كما يقول مدير الأبحاث في شركة ستراكتشر ريسيرتش (Structure Research) جابيز تان. كما أن الألعاب المماثلة لن تعمل على خدمة بث رقمي دون مساعدة عدد كبير من مراكز البيانات.

ويمكن أن ننظر إلى مثال آخر، وهو الميتافيرس، موضوع الحديث المفضل –وإن كان شبه خالٍ من التفاصيل- لدى العديد من الشركات التكنولوجية الضخمة، مثل إنفيديا (Nvidia) وميتا (Meta) (فيسبوك سابقاً). فإذا كان عالم الواقع الافتراضي سيتمكن من جذب الجماهير يوماً ما، فيجب أن يكون قادراً على محاكاة التفاعل الفوري في العالم الحقيقي. وهذا يعني رسوميات عالية الدقة، وتحريكاً رشيقاً، وتفاعلات صوتية بتأخير لا يتجاوز الميلي ثانية. وبشكل عام، وكما يقول أحد أكبر نواب الرئيس التنفيذي في شركة إنتل، راجا كودوري، فنحن نحتاج إلى "إمكانات حوسبة أضخم مما هو متوافر عادياً بعدة مراتب" لتحقيق هذا الأمر. 

اقرأ أيضاً: ما هي تكنولوجيا الحوسبة الطرفية؟ وهل ستؤثر على طريقة معالجة البيانات وتحليلها في المستقبل؟

ويقول تان إن هذا الطلب على إمكانات الحوسبة هو الذي أدى إلى "توزع" شبكات مراكز البيانات، فالشركات التكنولوجية تنظر إلى بناها التحتية الموجودة مسبقاً وتدرك أنها غير قادرة على تقديم نفس المستوى من الأداء لجميع المستخدمين.  

 يقول الأكاديمي الذي يدرس مراكز البيانات لشركة أبحاث العقارات التجارية سيبري (CBRE) بات لينش: "إن ما يحدث أشبه بحركة الأكورديون". فما زالت مراكز البيانات تُبنى في أماكن مثل ريف أوريغون. ولكنها الآن "تتوسع". 

إن انتشار مراكز البيانات الجديدة هذه في المناطق الحضرية والضواحي ضمن أبنية المكاتب أو المستودعات أو المجمعات الصناعية سلاح ذو حدين. فقد تبدو هذه المقاربة منطقية من وجهة نظر أمنية. كما أنها تريح الناس من رؤية مناظر الصالات الواسعة القبيحة المكتظة بالخوادم.

أما الناحية السلبية لهذه الطريقة في التخفي فهي أننا في أغلب الأحيان لا نضطر للتفكير في تكاليف استخدامنا للإنترنت. حيث تستهلك مراكز البيانات 1.8% من الكهرباء في الولايات المتحدة، وتتسبب بإطلاق 0.5% من انبعاثات غازات الدفيئة، وذلك وفقاً لتقرير يعود إلى السنة الماضية، وهي مقادير لا يمكن تجاهلها على الإطلاق. ويمكن لبعض الاستراتيجيات أن تحدث أثراً إيجابياً، مثل إعادة استخدام الحرارة التي تنتجها بمستويات مرتفعة. ولكن الوصول إلى هذه المرحلة يتطلب التراجع عن الاستعجال في بناء مراكز البيانات، والعمل على إدماجها بصورة جيدة، مع كل الحرارة التي تنتجها والطاقة التي تستهلكها، في أنظمتنا البيئية الحضرية.

المحتوى محمي