بالرّغم من أن مواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد هو أكبر المخاطر في الوقت الرّاهن وحتى للمستقبل قصير الأمد، إلا أن معضلة مشاكل تغير المناخ وآثار الاحتباس الحراري لا تزال التحدي الأبرز الذي يواجه البشرية جمعاء، وذلك على المدى الزمني الطويل، وما الأخبار الجديدة من الدراسة التي أُجريت في جامعة ساوثهامبتون البريطانية إلا تأكيدٌ جديد على ذلك وتحذير حول المخاطر التي قد تحل بنا قريباً، وفي الواقع، أقرب بكثير مما نتخيل.
كشفت الدراسة التي تم نشرها في دورية ساينتيفيك ريبورتس (Scientific Reports) عن نتائج سيئة على صعيد مستويات غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو؛ إذ تُشير الدراسة إلى أنه باستمرار انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون على وتيرتها الحالية فإن هذا سيؤدي إلى أن كمية غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو سنة 2025 ستكون الأعلى خلال آخر 3.3 مليون سنة من حياة كوكب الأرض.
من أجل التوصل لهذه النتائج قام الباحثون بدراسة التركيب الكيميائي لأحافير دقيقة تم جمعها من الرواسب المحيطية في بحر الكاريبي، وبالتحديد قام الباحثون بدراسة تركيب نظائر مركب البورون الذي يتواجد في أغلفة أحد أنماط العوالق الحيوانية البحرية، التي تتراكم بكمياتٍ كبيرة في قاع البحار والمحيطات وتمثل مصدر معلومات مهم حول المناخ السابق لكوكب الأرض. فكرة الدراسة تعتمد على علاقة بين درجة حموضة ماء البحر وتركيب أغلفة العوالق الحيوانية، ودرجة حموضة ماء البحر بدورها تتأثر بشكلٍ كبير بمستوى غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو، وركز البحث على تحديد كيفية تغير مستويات غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو قبل 3.3 مليون سنة، والتي تمثل جزءاً من العصر البليوسيني التي شهدت ارتفاعاً في درجة حرارة الكوكب (بالانسجام مع تركيزٍ مرتفع لغاز ثاني أكسيد الكربون).
يعتمد العلماء على قياس عدد جزيئات ثاني أكسيد الكربون ضمن مليون جزيئة هواء، وهي الواحدة التي يرمز لها اختصاراً بجملة: جزيئة في المليون (ppm). ضمن الدراسة الجديدة، وجد العلماء أن تركيز ثاني أكسيد الكربون في الجو قبل 3.3 مليون سنة قد تأرجح بين 380 و420 جزيئة في المليون، وبالمقارنة، فإن شهر أثار من العام الحالي 2020 شهد ولأول مرة تجاوز تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون عتبة 417 جزيئة في المليون، إلا أن المعدل العالمي الحالي يبلغ 415 جزيئة في المليون. بكل الأحوال، وبحسب تقديرات الباحثين ومع أخذ معدل التزايد الحالي البالغ وسطياً حوالي 2.5 جزيئة في المليون، فإنه من المرجح أن يتجاوز تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو سنة 2025 معدلاته قبل 3.3 مليون سنة.
لماذا هذا الأمر هام لهذه الدرجة؟ هذا يتطلب تسليط الضوء على شكل الحياة على كوكب الأرض قبل 3.3 مليون سنة؛ ففي ذلك الوقت، كان وسطي درجة حرارة كوكب الأرض أكثر من المعدل الوسطي الحالي بثلاث درجات مئوية، كما أن مساحة الأغطية الجليدية في القطبين الشمالي والجنوبي كانت أصغر بكثير مما هي عليه اليوم. علاوةً على ذلك، كانت مستويات مياه البحر أكثر ارتفاعاً مما هي عليه اليوم. والأسوأ من ذلك، وبحسب الباحثين القائمين على الدراسة، فإن استمرار انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون على حالها إلى ما بعد سنة 2025 قد يؤدي إلى تسجيل أعلى تركيز للغاز خلال آخر 15 مليون سنة، متجاوزاً بذلك تركيزه في فترة العصر الميوسيني، الذي كانت درجة الحرارة فيه أعلى من تلك المسجلة في العصر البليوسيني، أي قبل 3.3 مليون سنة.