هل يمكن استخدام المحاصيل للتقليل من انبعاثات صناعة الفولاذ كما تطمح هذه الشركة؟

4 دقائق
هل يمكن استخدام المحاصيل للتقليل من انبعاثات صناعة الفولاذ كما تطمح هذه الشركة؟
بيتر راينهارت، الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة تشارم إندستريال، في مقر الشركة في سان فرانسيسكو. ويني وينترماير

اجتذبت شركة "تشارم إندستريال" (Charm Industrial) الانتباه بسبب مقاربتها غير المألوفة في تخزين ثنائي أوكسيد الكربون، والتي تقوم على تحول المواد النباتية إلى نفط حيوي يتم ضخه في آبار عميقة وكهوف ملحية. (يمكنك أن تقرأ المقالة المتعلقة بهذا الموضوع هنا)

ولكن هذه الشركة الناشئة في سان فرانسيسكو تعمل حالياً على دراسة إمكانية استخدام هذا النفط في تخفيف الانبعاثات الناجمة عن صناعة الحديد والفولاذ أيضاً، ما يمكن أن يفتح الطريق من الناحية التقنية أمام تنظيف أحد أكثر القطاعات الصناعية تلويثاً.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن لآلات امتصاص الكربون أن تساعد في الحد من الانبعاثات الناجمة عن الطيران؟

الاتجاه نحو الصناعات النظيفة

تنتج صناعة الحديد والفولاذ ما يقارب 4 مليار طن من انبعاثات الكربون كل سنة، ما يمثل 10% تقريباً من إجمالي التلوث الناتج عن الطاقة، وفقاً لتقرير يعود إلى العام 2020 من الوكالة الدولية للطاقة. وقد ارتفعت هذه الأرقام بحدة في هذا القرن، مدفوعة بالنمو الاقتصادي السريع في الصين وغيرها.

وبسبب الانبعاثات الكثيفة وتزايد صرامة السياسات المناخية في بعض الأماكن، بما فيها كندا والاتحاد الأوروبي، فقد وجدت بعض الشركات نفسها مدفوعة إلى البدء بالبحث عن أساليب أكثر نظافة لإنتاج هذه العناصر الأساسية في بناء العالم الحديث. 

وقد قامت شركة الاستثمار المشترك السويدية "هايبريت" (Hybrit)، في العام الماضي، بتسليم أول دفعة من الفولاذ التجاري المنتج بطريقة نظيفة إلى شركة "فولفو" (Volvo). وقد استخدمت هذه الشراكة بين الشركة العملاقة في مجال الفولاذ "ساب" (SSAB) وشركة الطاقة التي تمتلكها الحكومة (فاتينفول) (Vattenfall) وشركة التعدين (إلكاب) (LKAB) طريقة تصنيع تعتمد على الهيدروجين الخالي من الكربون بدلاً من الفحم والكوك. وتعمل شركات أخرى على دراسة استخدام منشآت مزودة بتجهيزات لالتقاط ثنائي أوكسيد الكربون، أو اللجوء إلى أساليب كهربائية كيميائية مختلفة تماماً، كما فعلت شركة "بوسطن ميتال" (Boston Metal)

اقرأ أيضاً: انخفاض الانبعاثات هذا العام قد لا يتجاوز 4% رغم توقف عجلة الاقتصاد العالمي

أما تشارم فتدرس طريقة أخرى أيضاً. ففي ركن خلفي من أحد مستودعات الشركة، كان الموظفون يستخدمون آلية معدنية ضيقة، معروفة باسم المبدّل، لمفاعلة الزيت الحيوي للشركة مع البخار الساخن والأوكسجين. ويؤدي هذا إلى إنتاج ما يُعرف باسم الغاز التركيبي، وهو بشكل عام مزيج من أحادي أوكسيد الكربون والهيدروجين.

الاتجاه نحو الصناعات النظيفة
الزيت الحيوي المنتج من بقايا المحاصيل. حقوق الصورة: تشارم إندستريال

يمكن أن يستخدم هذا الغاز في إنتاج الحديد والفولاذ.

حيث تبدأ الطريقة الأكثر شيوعاً في إنتاج الفولاذ بفرن الصهر، والذي يسخن الحديد الخام مع الحجر الجيري والكوك، وهو شكل من الفحم، إلى حرارة تفوق 1,500 درجة مئوية. ينتج عن هذه العملية معدن غني بالكربون ويُعرف باسم "حديد السكب"، والذي يُنقل إلى فرن ثانٍ، حيث يُضخ الأوكسجين إليه، وتزال منه الشوائب، وتضاف إليه مواد أخرى لإنتاج عدة درجات مختلفة من الفولاذ.

ويتم إصدار الانبعاثات في كل مرحلة من هذه العملية، بما في ذلك استخراج وإنتاج الحديد والفحم والكوك، وحرق الوقود لتشغيل الأفران، والتفاعلات الكيميائية التي تحدث ضمنها.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن للحرارة الناجمة عن الشمس أن تساعد في تنظيف صناعة الفولاذ والإسمنت

ولكن 7% تقريباً من الفولاذ غير المعاد تدويره حالياً يتم إنتاجه باستخدام نوع مختلف من الأفران، وذلك وفق طريقة تعرف باسم التجريد المباشر. وعادة ما تعتمد هذه الطريقة على الغاز الطبيعي لتجريد الأوكسجين عن أوكسيد الحديد في فرن عمودي. ويؤدي هذا إلى إنتاج ما يعرف باسم الحديد الإسفنجي، والذي لا يحتاج بصورة أساسية سوى إلى الصهر والمزج مع مواد أخرى. ويمكن تطبيق الخطوة الثانية بما يعرف باسم فرن القوس الكهربائي، والذي يعمل على الطاقة الخالية من الكربون، والمستمدة من مصادر شمسية أو ريحية أو حرارية جوفية أو من المحطات النووية.

وتؤدي هذه الطريقة لوحدها إلى تقليل الانبعاثات مقارنة بطريقة فرن الصهر. ولكن يمكن تقليل التلوث الناتج عنها بدرجة إضافية، وذلك باستخدام مواد أخرى غير الغاز الطبيعي، مثل الهيدروجين الخالي من الكربون، وهي طريقة هايبريت، أو الغاز التركيبي المنتج من بقايا المحاصيل، وهي طريقة تشارم.

وبما أن هذه المحاصيل امتصت الكربون الموجود في الغاز التركيبي من الهواء، فهذا يعني أن العملية لن تصدر من الكربون أكثر مما تزيله، كما يقول الرئيس التنفيذي بيتر راينهارت. وإذا تم إجراء العملية في منشأة مزودة بتجهيزات إضافية لالتقاط الانبعاثات، فمن الممكن حتى أن تؤدي إلى إنتاج فولاذ بانبعاثات سالبة، بحيث تزيل من الكربون أكثر مما تصدره، كما يقول راينهارت.

ويضيف راينهارت أن الشركة تجري مفاوضات مع عدة شركات لصناعة الفولاذ حول تنفيذ مشاريع تجريبية، ودراسة إمكانية استخدام الغاز التركيبي المصنوع من الزيت الحيوي كطريقة أكثر نظافة لإنتاج الحديد. 

اقرأ أيضاً: هل يمكننا تخفيف النسبة الكبيرة لانبعاثات ثنائي أكسيد الكربون الناتجة عن الفولاذ؟

تدرس تشارم عدة مقاربات للسوق، بما في ذلك بيع الغاز التركيبي مباشرة إلى مصنعي الفولاذ، أو إنتاج قوالب الحديد الساخن الخاصة بها، وهو المنتج الذي يلي الحديد الإسفنجي بخطوة واحدة. ويمكن لأي شركة تمتلك فرن قوس كهربائي استخدام هذه الكتل لإنتاج الفولاذ. يتم إنتاج معظم الفولاذ في الولايات المتحدة من مواد معاد تدويرها باستخدام أفران كهذه.

الاتجاه نحو الصناعات النظيفة
موظفو تشارم في مقر الشركة الرئيسي. حقوق الصورة: تشارم إندستريال

تحديات وصعوبات

ولكن تشارم ستواجه بعض المشكلات الواضحة. ففي البداية، تمتد خبرة صناعة الفولاذ مع وسائل التصنيع الحالية على مدى عقود كاملة، وقد أنفقت مقادير هائلة من رأس المال عليها. 

تقول ريبيكا ديل، وهي مديرة برنامج الصناعة في "كلايمت ووركس" (ClimateWorks): "يمثل فرن الصهر إحدى أكثر الآلات التي اخترعها البشر فعالية من حيث استهلاك الطاقة على الإطلاق. وقد أمضينا أكثر من قرن كامل في تحسين أدائه. ولهذا، لن تغير المؤسسات الصناعية من أسلوب عملها دون سببه وجيه للغاية".

ومهما كان هذا السبب، فيجب أن يتضمن –وبشكل شبه مؤكد- فرض إجراءات سياسية إلزامية حكومية أو تقديم حوافز حكومية في عدد أكبر من الدول، خصوصاً الولايات المتحدة والصين والهند وغيرها من الاقتصادات سريعة النمو، إضافة إلى وجود طلب كافٍ من العملاء الراغبين بالعمل بطريقة خالية من التلوث

أما التساؤل الآخر فيتمحور حول فعالية هذه المقاربة في التخلص من الانبعاثات. فهناك تاريخ طويل من الشركات التي تزعم أن مصادر الطاقة الحيوية ستساهم في الحصول على منتجات أفضل للبيئة، والتي تبين لاحقاً أن مزاعمها خاطئة بعد دراسة عملياتها بدقة. ومن أشهر الأمثلة على هذا الإيثانول المصنوع من الذرة.

اقرأ أيضاً: ما أفضل طريقة لتخزين الطاقة المتجددة؟ شركة إيطالية تسعى لاستخدام ثنائي أكسيد الكربون

تقول ديل: "لقد تعرضنا لتجارب فاشلة للغاية مع مصادر الطاقة الحيوية، ويجب أن نتعلم دروسنا من هذه التجارب. ولهذا، يجب تدقيق هذه المزاعم. فحتى لو كانت هذه الطرق منخفضة كربونياً، فمن شبه المستحيل أن تكون حيادية كربونياً".

أيضاً، ليس من الواضح ما إذا كانت طريقة تشارم ستثبت أنها الأكثر جدوى اقتصادياً أو الأكثر جاذبية لتخفيض انبعاثات الفولاذ، وذلك بالنظر إلى الجهود الأخرى في هذا المجال. 

ولكن، وكما تلحظ ديل، فإن التلوث الناتج عن الحديد والفولاذ يمثل مشكلة كبيرة وملحّة، إلى درجة أننا سنحتاج على الأرجح إلى عدد من الحلول المختلفة التي يجب ألا نراهن على أحدها وحسب.

المحتوى محمي