الجدل حول متابعي “تويتر” المزيفين يكشف زيف اقتصاديات العار الكامنة خلف وسائل الإعلام الاجتماعية

4 دقائق

"تويتر" هو آلة مصممة لتوليد مشاعر قبيحة. كل شيء هنا يخضع للكمية: عدد الناس الذين يعجبون بتغريداتك، عدد الذين يشاركون كلماتك مع متابعيهم، وربما الأهم من هذا كله، عدد متابعيك. إذا كنت تقضي الكثير من الوقت على المنصة، تصبح تلك الأرقام بسرعة مؤشراً لقيمتك الذاتية، وبغض النظر عن مدى ارتفاعها، فستشعر بأنها صغيرة جداً على الدوام. فماذا عن متابعي "تويتر" المزيفين ووسائل الإعلام الاجتماعية؟

شراء المتابعين الوهميين

ليس من المفاجئ إذاً أن نجد أن العديد من مستخدمي الموقع يبالغون في بروزهم من حيث عدد المتابعين. لقد أثبتت صحيفة "نيويورك تايمز" بشكل صارخ في قصة نشرتها حديثاً، شراء العديد من الممثلين وعارضات الأزياء ورجال الأعمال والرياضيين وفناني جمهور فوق الـ 18 عاماً وغيرهم، متابعين وهميين من شركة غامضة تعرف باسم "ديفومي" (Devumi). وعلى الرغم من أن أغلب مضمون تقرير "التايمز" جديد، فإننا ندرك منذ فترة طويلة أن المستخدمين يلجؤون إلى تضخيم شهرتهم الظاهرية بشكل مصطنع. ولكن الأمر المثير للدهشة هنا هو الطرق التي يستجيب بها هؤلاء المستخدمون عند مواجهتهم بهذه الحقائق.

حاول أغلب الذين ذُكروا في قصة "التايمز" إلقاء اللوم على مرؤوسيهم. على سبيل المثال، قال ممثل للعلامة التجارية "كاثي إيرلندا" (Kathy Ireland)، للصحيفة: "أوقِف أحد الموظفين عن العمل بعد شرائه مئات الآلاف من المتابعين لشركة "إيرلندا" دون موافقتها. وفي حين أن ذلك قد يكون صحيحاً، فإنه يجب على حساب شركة "إيرلندا" أن يقلص من عدد المتابعين الضخم المبالغ فيه بشكل مصطنع. غير أن آخرين واجهوا المزاعم بصورة مباشرة وجدية، ومن بينهم جو كونتشا (Joe Concha). يقول كونتشا، كاتب في صحيفة "هيل"، إنه اشترى متابعين بناء على نصيحة من شركة وسائل إعلام اجتماعية، وأنه بعد ذلك "حذف" العديد من هذه الحسابات الوهمية.

وعبّرت مارثا لين فوكس، عضوة مجلس "تويتر"، بشكل مماثل عن شديد أسفها عقب نشر القصة، وكتبت أنها "لن توصي أبداً" بشراء متابعين، مدعية أن المحادثات التي تلت ذلك كانت "من المفارقات" التي عرّفتها على "بعض الأشخاص الجدد الرائعين." (ذُكر خلال تغريدتها الثالثة في الموضوع ببساطة ضمير المتكلم "أنا". لكن فوكس لم توضّح بالتفصيل معنى هذه الرسالة القصيرة).

وقد وضّح أحد الأشخاص الذين قابَلتهم صحيفة "نيويورك تايمز" الأمر بشكل جليّ:

قال جيمس كراكنيل، مجذف قوارب بريطانى وحامل الميدالية الذهبية الأولمبية، والذي اشترى 50 ألف متابع من شركة "ديفومي": "إنه احتيال، من غير الصحي أبداً أن يحكم الناس من خلال عدد الإعجابات أو عدد المتابعين".

واعترف آخرون في مقال صحيفة "التايمز" بأنهم كانوا محرجين إزاء خياراتهم أيضاً، لكن موقفهم هذا كان شذوذاً عن القاعدة. ويبدو أن الاستجابة الأكثر كانت الصمت أو الإنكار التام، مع اتخاذ بعض الخطوات المتشددة. بول هوليوود (Paul Hollywood)، الوجه التلفزيوني، حذف حسابه بعد أن تواصلت "التايمز" معه. واعتباراً من صباح يوم الإثنين، يبدو أن ريتش كارلجارد (Rich Karlgaard)، - وهو صحفي تمت تسميته بالاسم في القصة - ألغى تفعيل حسابه، في حين أن مراسلة برنامج "60 دقيقة" (60 Minutes) شارين ألفونسي (Sharyn Alfonsi)، أعادت ضبط حسابها ليكون حساباً خاصاً. (ومن غير الواضح فيما إذا كان أي منهما فعل ذلك استجابة مباشرة لما نُشر في صحيفة "التايمز").

الترويج الذاتي عبر التغريدات

وفي الوقت نفسه، تابع آخرون الأمر، وكأن شيئاً لم يحدث. قدّم جون ليجويزامو (John Leguizamo)، دفقاً متواصلاً من التغريدات السياسية، التي تختلط أحياناً بتغريدات تستهدف الترويج الذاتي، مثلما كان عليه الحال في أي عطلة أسبوعية أخرى. وعلى الرغم من أنه لديه 761 ألف متابع، لم يتم إعادة تغريد إلا القليل من تغريداته لأكثر من 20 مرة. وقد ترك رجل الاعمال المشغول مايكل ديل (Michael Dell)، وهو شخص آخر ورد اسمه فى المقال، متابعيه الذين يبلغ عددهم 1.23 مليون متابع متشوقين، رافضاً تغريد أي شيء على الإطلاق خلال العطلة الأسبوعية.

من المرجح أن يحافظ ليجويزامو، وديل، وأمثالهما على مواقفهم اللامبالية ما لم يرغمهم موقف عدائي على اتخاذ إجراء ما. وذلك لأن سلوكهم يصف حقيقة أساسية من حقائق "تويتر": في موقع يقتصر فيه قياس الشعبية على مسألة الإحصائيات، قد تكون الشهرة الوهمية أقل إحراجاً من واقع أن المرء مغمور لا يعرفه أحد.

بينما نجد أشخاصاً آخرين تحدثوا بصراحة تامة عن هذه المسألة مثل ميكا إوتريخت (Micah Uetricht)، محررة مشاركة للمجلة اليسارية "جاكوبين" (Jacobin)، وهي واحدة من عدد قليل من المنشورات التي ذكرها المقال على أنها اشترت متابعين من شركة "ديفومي". فقد أوضح أوتريخت أن موظفي "جاكوبين" ضخموا زوراً عدد متابعي المجلة على أمل التأثير على كريم عبد الجبار عندما كانوا يحاولون إقناع هذا الرياضي والمعلق بالكتابة لهم.

هل أنا مسرور من أن جاكوبين اشترت متابعين وهميين على "تويتر" لتعزيز علامتها التجارية، مع ما يمثله هذا الأمر من التطرف في الفكر الرأسمالي الذي يمكن تخيله؟ نعم، نعم أنا مسرور.

خلفية القصة هنا غريبة جداً: لقد لجأنا إلى هذه الفكرة كي نقنع كريم عبد الجبار بالكتابة لنا، لكننا اعتقدنا أن عدد متابعينا الحقيقيين قد يكون ضئيلاً جداً بالنسبة له. لذلك اشترينا حوالي ألف متابع لنصل إلى عدد إجمالي كبير، في محاولةٍ لإقناع وكيله.

وكما أشارت أوتريخت في تغريدة لاحقة، نجحت الحيلة، وانتهى المطاف بعبد الجبار بالكتابة لهم.

يصعب هنا تحديد من كان المخطئ حقاً: هل نلقي باللوم على محررة مجلة "جاكوبين" لإعداد هذه الحيلة، أو على وكيل عبد الجبار لإنطلاء وهم كهذا عليه؟ وبطريقة أو بأخرى، قد يكون الحصول على هذا المستوى الرفيع الناتج عن عدد المتابعين الكبير قد ساعد المجلة على بناء جمهورها الحقيقي خلال السنوات اللاحقة.

وفي نهاية الحديث عن متابعي "تويتر" المزيفين ووسائل الإعلام الاجتماعية، يمكننا أن نقول إذاً إن شراء المتابعين قد لا يختلف عن التلاعب بمرشحات "إنستغرام". إذ إن كليهما يقدم لنا طرقاً لجعل حياتنا تبدو أكمل وأكثر ثراء مما نحن عليه بالفعل. إذا كان هناك عار ناجم عن الإمساك بك تشتري متابعين وهميين، فإن العار الأكبر يقع على الآليات الكامنة وراء وسائل الإعلام الاجتماعية نفسها. يبدو أننا جميعاً أقل مما نود أن نكون عليه. ربما حان الوقت للتوقف عن التظاهر بخلاف ذلك.

المحتوى محمي