يعد إنشاء استراتيجية واضحة أمراً مهماً للغاية لبدء رحلة التحول الرقمي الذي تحتاجه أي شركة. ومع ذلك، من الضرورة بمكان عدم الاستهانة بالتعقيد المرتبط بمثل هذا التغيير، حيث إن عملية رقمنة الأعمال لا تحدث بين عشية وضحاها، بل تتطلب دعماً مستمراً من جميع أصحاب المصلحة الرئيسيين، وذلك لأن أحد الأسباب الرئيسية لفشل العديد من هذه المبادرات هو أن الشركات تقلل من شأن ما يجب القيام به.
أهمية نجاح عمليات التحول الرقمي للشركات
منذ بدء انتشار وباء كوفيد-19 في نهاية عام 2019، اتخذت العديد من الشركات قرارات مهمة للحفاظ على استمرارية العمل، ومن أهم هذه القرارات: التحول إلى منهجية العمل عن بُعد التي قادت معظم الشركات إلى الاستثمار بكثافة في مبادرات التحول الرقمي، لكن مع وجود القليل من الوقت للتخطيط أو التحضير الاستراتيجي، حيث كان ظهور الوباء بمثابة عامل تسريع للشركات ومديري تقنية المعلومات لإنشاء نماذج أعمال جديدة تعطي الأولوية للكفاءة والمرونة والسرعة.
والآن مع اعتبار نماذج العمل عن بُعد والهجين هي القاعدة، أصبحت معظم الشركات مجبرة على التكيف مع هذا الواقع الجديد، من خلال تبني عقلية الخدمة الرقمية وطرق التفكير المستقبلي للبقاء في المقدمة وإنجاح أعمالها في المستقبل. ولكن حتى مع تقدم الشركات بشكل متفائل لمواكبة الوتيرة السريعة للتحولات الرقمية، فإن دراسة وجدت أن 70% من هذه المبادرات لا تزال تفشل، وهذا يعود إلى أنه من الصعب تنفيذ عمليات التحول الرقمي مع وجود الكثير على المحك، حيث يمثل تقديم مثل هذا التغيير الأساسي على نطاق واسع في الشركات الكبيرة والمعقدة تحدياً، لا سيما مع الضغوط قصيرة الأجل.
اقرأ أيضاً: التغيير على مراحل هو سر نجاح الشركات في عملية التطبيق
مع ذلك، تظهر الأدلة أن التحولات الرقمية التي تتم بنجاح، تدفع الأداء والميزة التنافسية للشركات، حيث وجدت دراسة قامت بها مجموعة بوسطن الاستشارية (BCG) على أكثر من 200 شركة، أن القادة الذين نفذوا عمليات التحول الرقمي بنجاح حققوا نمواً في الأرباح يزيد بمقدار 1.8 مرة عن الشركات التي تتباطأ في تنفيذ عمليات التحول الرقمي، وأكثر من ضعف النمو في إجمالي قيمة المؤسسة. بالإضافة إلى ذلك وجدت الدراسة أنه على المدى القصير، توفر التكنولوجيات الرقمية وطرق العمل تحسينات في الإنتاجية وتجارب عملاء أفضل. وعلى المدى المتوسط، يفتح النظام الرقمي فرصاً جديدة للنمو وابتكار نموذج الأعمال.
اقرأ أيضاً: كيف ستعيد التكنولوجيا تشكيل مستقبل عالم العمل؟
علاوة على ذلك، يمكن للشركات التي تنجح في إتقان استخدام التكنولوجيات الرقمية، وإنشاء عقلية رقمية لدى موظفيها، وتنفيذ طرق العمل الرقمية بكفاءة، أن تصل إلى طرق جديدة من التحسين المستمر. حيث إن التحول الرقمي بمفهومه الواسع ليس حالة ثنائية، ولكنه حالة ابتكار مستمر، حيث يتم إطلاق أدوات جديدة من التكنولوجيات الرقمية بشكل مستمر. مثل أنظمة الذكاء الاصطناعي، وسلسلة الكتل البلوك تشين، وتكنولوجيا إنترنت الأشياء، والحوسبة الطرفية، ومن ثم قد تجد الشركات التي لا تأخذ التحول الرقمي بالجدية اللازمة صعوبة بالغة في الاستفادة من هذه التطورات، في حين أن المؤسسات الرقمية ستكون أكثر نجاحاً في الابتكار بشكل أسرع للاستفادة من هذه التكنولوجيات، والتي ستشكل أساس نجاحها في المستقبل.
اقرأ أيضاً: لماذا أصبح واتساب تطبيقاً للعمل وللأصدقاء في نفس الوقت؟
5 مبادئ أساسية للانطلاق في رحلة التحول الرقمي
يعتبر التحول الرقمي رحلة يعتمد نجاحها بشكل أساسي على مدى استعدادات الشركة اللوجستية والمادية، حيث تتطلب تحولاً في الممارسات التكنولوجية والتشغيلية والثقافية لتلبية احتياجات كل من العملاء والأعمال، ولضمان أن تظل تجربة المستخدم النهائي أولوية قصوى. ولكن ما هي المبادئ الحاسمة التي تساهم في إنجاح رحلة التحول الرقمي؟
1- اختيار نقطة البداية بعناية
في حين أن العديد من الشركات قد اعتمدت التكنولوجيا الرقمية لتحويل أعمالها، فمن المؤكد أن العملية يمكن أن تكون معقدة وصعبة. ومع ذلك، مثل أي رحلة، فإن معرفة أو الإجابة عن سؤال: من أين البدء؟ مهمة للغاية، حيث إن وجود استراتيجية واضحة المعالم لعملية التحول الرقمي يعتبر أحد أهم الخطوات لتحقيق تحول رقمي ناجح. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الشركات عند وضع استراتيجية التحول الرقمي الخاصة بها أن تكون مرنة وقابلة للتكيف. ومن ثم دون فهم واضح لما تنطوي عليه عملية التحول الرقمي، فإن معدل الفشل قد يكون عالياً.
2- إشراك فريق القيادة المناسب
من المهم للغاية أن تحرص الشركات على أن يكون الفريق التنفيذي الذي تختاره لقيادة التحول الرقمي ذكياً وملتزماً بالرؤية التي يضعها القادة، حيث أوضحت دراسة لشركة ماكينزي (McKinsey)، أن الشركات التي وظفت مسؤولاً رقمياً رئيسياً لدعم تحولها الرقمي كانت أكثر احتمالية بنسبة 1.6 مرة من غيرها لتحقيق تحول رقمي ناجح.
اقرأ أيضاً: كيف ستؤدي المكاتب السحابية إلى إعادة تعريف مفهوم مكان العمل؟
3- جعل البيانات قابلة للاستخدام
تعتمد معظم المبادرات الرقمية الناجحة على إدراك قادة الشركات لأهمية البيانات كوسيلة لتحقيق نتائج أعمال أفضل بشكل يمكن قياسه، وفي حين أن تدفق البيانات يتزايد باستمرار، حيث من المتوقع أن تصل حركة بيانات الإنترنت وحدها إلى 396 إكسا بايت شهرياً بحلول نهاية عام 2022، إلا أن معظم الشركات لم تتمكن حتى الآن من تحويلها إلى قيمة، حيث أظهر استطلاع أجرته شركة باين (Bain) للشركات التي يبلغ دخلها مليار دولار، أن 4% فقط من هذه الشركات قالت إن لديها الأشخاص المناسبين والأدوات والبيانات والنية لاستخلاص رؤى ذات مغزى من بياناتها.
ومن ثم ستكون الشركات التي لديها فرص واعدة للنجاح في السنوات القادمة هي تلك التي لا تستفيد فقط من البيانات، بل تجد طرقاً لتنسيقها وتحليلها، والحصول على رؤى قابلة للتنفيذ من هذه البيانات، حيث يمكن للتكنولوجيات الرقمية الناشئة، مثل نماذج الذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، توجيه هذه العملية، وبالتالي تسريع عملية التحول الرقمي المستند إلى البيانات.
اقرأ أيضاً: مقتطفات من مؤتمر مستقبل العمل: التكنولوجيا الناشئة ومستقبل القوى العاملة
4- إنشاء بيئة عمل قادرة على التغيير
لإنجاح رحلة التحول الرقمي بفعالية يجب على جميع الموظفين، بما في ذلك الرئيس التنفيذي ورئيس قسم المعلومات، الاستعداد لقبول التغيير والتعامل مع التكنولوجيات الجديدة، حيث إن وجود استراتيجية تحول مؤسسي يساعد بشكل فعّال في إنشاء انتقال أكثر سلاسة. على سبيل المثال لتشجيع الموظفين بشكل أكبر، يمكن للمديرين التواصل بشكل استباقي لشرح فوائد وأسباب السعي وراء التحول الرقمي في الشركة.
وذلك لأن التواصل والتعاون المستمر عبر عناصر الشركة بأكملها يعد أمراً أساسياً لضمان مشاركة الجميع في التغيير والاستعداد لمواجهة التحديات الجديدة مع دخول التحول الرقمي حيز التنفيذ. حيث وجدت دراسة أن الشركات التي لديها قوى عاملة منفتحة على التغيير ومستعدة لتنبيه لديها معدلات نجاح أعلى. ومع شعور الشركة بأكملها بأنها جزء من التحول الرقمي، سيكون من الأسهل أيضاً تجاوز حالات الفشل غير المتوقعة.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن ردم الهُوة الخاصة بمهارات العمل المستقبلية؟
5- إنشاء ثقافة الشركات الناشئة
من ضمن أسباب فشل معظم الشركات في رحلة التحول الرقمي الخاص بها، هي البيروقراطية المتجذرة في عملياتها، ومن ثم يتحتم على القادة تغيير الثقافة التنظيمية لإنجاح رحلة التحول الرقمي، وذلك من خلال تقليد ثقافة الشركات الناشئة، والمعروفة بأنها:
- رشيقة ومرنة: تتحرك الفرق في الشركات الناشئة بمرونة ورشاقة لتحقيق أهدافها، وفي الوقت نفسه لا تغفل عن احتياجات العملاء، ولا تعمل في ظل بيروقراطية صارمة تتطلب العديد من مستويات الموافقة.
- الاستثمار في التعلّم: تبني الشركات الناشئة عقلية النمو بين الموظفين من خلال متابعة الابتكار والنمو والمرونة عبر المؤسسة مع بناء المرونة المهنية الفردية.
- التركيز على تجربة العميل: تركز العمليات اليومية على المهمة التي يتعين القيام بها للعميل. ومن ثم يجب على القادة تحليل رحلة العميل باستمرار للبحث عن حلول جديدة للتحديات.
- الاعتماد على البيانات: تستخدم الشركات الناشئة البيانات لتوسيع نطاق التجربة الرقمية، وإنشاء أقصى قيمة للعملاء، واستنباط المزيد من ردود الفعل من المستخدمين.
- الاستعداد للتجربة: في الشركات التقليدية، يعمل الموظفون بشكل جاد من أجل حماية وظائفهم وكسب مكافآتهم. لكن الشركات الناشئة تشجّع الموظفين على المخاطرة والانفتاح على التجارب كوسيلة لتحسين تجربة العملاء.
اقرأ أيضاً: دفعة جديدة من الشركات الناشئة تتلقى دعماً بقيمة 60 مليون درهم من مكتب أبوظبي للاستثمار
ختاماً، يعتبر التحول الرقمي مصطلحاً واسعاً في حد ذاته، وهذا يعني أن على الشركات ألا تتسرع بشكل كبير في تنفيذ عمليات التحول الرقمي الخاصة بها. بدلاً من ذلك يمكن البدء من خلال التركيز على مجالات محددة تحتاج إلى التطوير أو الفرص التي يمكن اغتنامها، ثم دراسة ما ينتج عنها واستخلاص الرؤى، والتحرك للهدف القادم وهكذا. وبهذه الطريقة يمكن للشركات إدارة رحلة التحول الرقمي بنجاح وصولاً للهدف الأساسي النهائي.