ظهر مفهوم المدينة الذكية في ستينيات وأوائل سبعينيات القرن الماضي، وانتشرت في العقد الماضي في أنحاء العالم كافة مع تقدم الإنترنت، ما كان له تأثيرٌ على كلٍّ من المدن الصغيرة والكبيرة، حيث اعتبُرت الفكرة بمثابة المرحلة الجديدة التالية من التنمية الحضرية. الهدف من إنشاء المدن الذكية عموماً هو تحسين الظروف المعيشية لسكانها باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
وحالياً، مع اتجاه معظم المدن إلى أن تكون أكثر حضرية، والتهديدات الماثلة مثل تغيّر المناخ والطلب المتزايد على الموارد، أصبحت الحاجة إلى مدن أكثر ذكاءً مطلباً أساسياً لمعظم الحكومات حول العالم، فما أسباب حاجتنا إلى المدن الذكية؟ ولماذا أصبحت أكثر أهمية من أي وقتٍ مضى؟
المدن الذكية توجه عالمي ينمو بقوة
بحسب تقرير لمنظمة الأمم المتحدة، فإن هناك اتجاهاً متنامياً للعيش في المناطق الحضرية، حيث يعيش نحو 55% من سكان العالم في المناطق الحضرية، ومن المتوقع أن يصل هذا العدد إلى 68% بحلول عام 2050، وهو ما يعني أن ما يصل إلى مليار ونصف شخص إضافي سوف يعيشون في المدن. علاوة على ذلك، بحلول عام 2030، من المتوقع أن يضم العالم 43 مدينة كبرى يزيد عدد سكان كل منها على 10 ملايين نسمة.
كما من المتوقع أن يشكّل استهلاك مدن المستقبل 75% من الاستهلاك العالمي للطاقة، وبحلول عام 2025 من المرجح أن يعاني العديد من المدن في أنحاء العالم النامي كافة نقصاً في الطاقة. نتيجة لهذه الأرقام، يدرك قادة الحكومات حول العالم الفوائد التي يمكن أن توفّرها المدن الذكية من حيث الفرص الاقتصادية والاستدامة وجودة الحياة.
اقرأ أيضاً: أبرز التكنولوجيات المستخدمة في جمع البيانات للمدن الذكية
ومع ازدياد مشاريع المدن الذكية على مستوى العالم، تسعى المدن إلى تحقيق مستويات أعلى وتنوع أكبر في التكامل بين خدمات وحلول المدن القائمة على التكنولوجيا، لتوفير السلامة العامة الكافية، والاستجابة لحالات الطوارئ، ومراقبة حركة المرور، وإدارة النفايات وغيرها من الخدمات الحيوية.
حيث بدأت مشاريع المدن الذكية تكتسب زخماً حول العالم، فوفقاً لمؤشر تتبع المدن الذكية (Smart City Tracker) تم رصد 1408 مشروعات للمدن الذكية بين عامي 2012 و2023 موزعة حول دول العالم المختلفة، وتركّز غالبية هذه المشاريع على المبادرات الحكومية ومبادرات الطاقة، تليها أهداف النقل والمباني والمياه.
كما حدد مؤشر المدن الذكية لعام 2023 (Smart City Index 2023) الذي يصدره المعهد الدولي للتنمية الإدارية آي إم دي (IMD) 118 مدينة باعتبارها في طليعة تطوير المدن الذكية، وتقع هذه المدن في أنحاء العالم كافة، تتصدرها دول أميركا الشمالية وأوروبا.
ومن المهم الإشارة إلى أن هذه الأرقام لا تمثّل سوى جزء صغير من إجمالي عدد مشاريع المدن الذكية الجاري تنفيذها، حيث يقوم العديد من المدن بتنفيذ مبادرات المدن الذكية على نطاقٍ أصغر، وهناك أيضاً عدد من شركات القطاع الخاص التي تعمل على تطوير تقنيات المدن الذكية ونشرها.
اقرأ أيضاً: كيف تساعد إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي على رسم ملامح المدن الذكية؟
6 أسباب تجعل المدن الذكية مطلوبة أكثر من أي وقتٍ مضى
هناك نوعان من المدن تُطور لتصبح ذكية؛ الأول هو مدينة جديدة تماماً مليئة بحلول التكنولوجيا المتقدمة، مثل مدينة مصدر في الإمارات العربية المتحدة ومدينة نيوم في المملكة العربية السعودية ومدينة سونغدو (Songdo) في كوريا الجنوبية، والثاني هو مدينة غنية في بلد متقدم تعمل على ترقية نفسها باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مثل مدينة لندن في المملكة المتحدة ومدينة برشلونة في إسبانيا.
حيث تُعد المدن الذكية ضرورية للتنمية المستدامة لأنها تساعد على تقليل التأثيرات العالمية للتوسع الحضري، مع الاستفادة من الإمكانات التي يمكن أن يوفّرها جمع الناس معاً. ومع استمرار نمو التحضر ستصبح المدن الذكية مطلوبة أكثر من أي وقتٍ مضى.
المدن الذكية تعمل على تحسين الصحة العامة
ستساعد المدن الذكية على تحسين الوصول إلى خدمات الصحة العامة من خلال اعتماد أدوات للمساعدة على الوصول إلى مواطنيها جميعهم. على سبيل المثال، يمكن لتطبيقات مراقبة الصحة عن بُعد المساعدة على مراقبة صحة كِبار السن لمنع المخاطر الصحية المحتملة.
كما يمكن لتطبيقات الرعاية الصحية عن بُعد المساهمة في زيادة مستويات حصول المرضى على خدمات الصحة العامة، من خلال تقليل الذهاب فعلياً إلى المستشفيات وتقديم الرعاية الصحية الافتراضية بسهولة، بالإضافة إلى ذلك يمكن أن تكون مراقبة صحة مجموعة أو حي معين مفيدة جداً، حيث تسهم في عزل السكان المتضررين وتسهيل التحقيق في مصدر العدوى.
اقرأ أيضاً: ما التحديات التي تواجه السعودية في تحويل مدنها إلى مدن ذكية؟
المدن الذكية تساعد على تحسين السلامة العامة
يساعد تركيب أنظمة المراقبة والإنذار الأمنية في المدن على حماية المجتمعات من الجرائم والكوارث المحتملة، وتحسين تدابير السلامة العامة وأوقات الاستجابة لخدمات الطوارئ. على سبيل المثال، تساعد أنظمة المراقبة عبر الفيديو في الوقت الفعلي سلطات إنفاذ القانون على إرسال فرق الاستجابة في أثناء وقوع الجريمة، ما سيساعد على تقليل الدقائق الحاسمة أو حتى الثواني المطلوبة من أوقات الاستجابة.
المدن الذكية يمكن أن تحسّن حركة المرور
يمكن للمدن الذكية تحسين حركة المرور من خلال تنفيذ أنظمة إدارة حركة المرور الذكية التي تستخدم البيانات في الوقت الفعلي لتحسين تدفق حركة المرور. على سبيل المثال، يمكن لأدوات مراقبة حركة المرور المثبتة أن تمكّن المسؤولين من معرفة اختناقات المرور الكثيفة في منطقة محددة، ما يساعدهم على توجيه حركة المرور لطرق بديلة.
إشراك المواطنين والتواصل مع المسؤولين المحليين
يمكن للمدن الذكية أن تساعد المواطنين على التواصل مع المسؤولين المحليين من خلال تزويدهم بإمكانية الوصول إلى المعلومات حول الخدمات والأحداث الحكومية المحلية. على سبيل المثال، من خلال تطبيقات الهاتف المتصل بشبكة المدينة الذكية، يمكن للمواطنين المشاركة بنشاط في القرارات المتعلقة بالمدينة والوصول إلى المسؤولين الحكوميين والتعرف عليهم وعلى وجهات نظرهم.
اقرأ أيضاً: الشبكة العالمية للمدن الذكية: أول مجتمع عالمي يختص بالمدن الذكية
المدن الذكية تحسّن أوقات الاستجابة لانقطاعات المرافق
على الرغم من صعوبة التنبؤ بالأحوال الجوية والاستعداد لها أحياناً، فإن تكنولوجيا المدن الذكية يمكن أن تساعد على جعل انقطاعات الخدمات أكثر قابلية للإدارة، مع أوقات استجابة أسرع وصيانة أكثر كفاءة ووقائية.
على سبيل المثال، في المدينة الذكية يمكن توصيل المرافق من خلال شبكة بواسطة أجهزة استشعار وأنظمة مراقبة في أنحاء البنية التحتية لخطوط الغاز والمياه والكهرباء كافة، ما يساعد على اكتشاف الانقطاعات أو التسريبات أو غيرها من المشكلات في الوقت الحقيقي، وإجراء الإصلاحات في الوقت المناسب قبل أن تصبح حالة مكلفة ومدمرة.
المدن الذكية توفّر وصولاً أفضل إلى الخدمات العامة
توفّر المدن الذكية إمكانية وصول أفضل إلى الخدمات العامة عن طريق استخدام التكنولوجيا لتبسيط تقديم الخدمات مثل إدارة النفايات وإمدادات المياه والنقل. على سبيل المثال، يمكن تركيب أجهزة مراقبة واستشعار في المتنزهات العامة لحساب عدد الزوار وأوقات الكثافة، ما يساعد على تحديد الوقت الذي نحتاج فيه إلى زيادة الخدمة أو تنظيفها.
اقرأ أيضاً: كيف تستفيد المدن الذكية من الحوسبة الموزعة لتسهيل الوصول إلى الخدمات؟
لماذا أصبحت المدن الذكية ضرورية؟ وما أبرز تحديات إنشائها؟
توفّر المدن الذكية عدداً من الفوائد للسكان والحكومات وحتى البيئة؛ فمن خلال استخدام التكنولوجيات الذكية، يمكن للمدن الذكية أن تساعد على إنشاء مستقبل أفضل للجميع، وتعزيز مستويات الخدمة ورفاهية المواطنين والاستدامة والتنمية الاقتصادية.
فعلى سبيل المثال، نجد أن المدينة التقليدية هي سلسلة من المباني لديها إدارات مختلفة للعناية بها. وعلى الرغم من أنها متحدة تحت قيادة واحدة، فإن لكلٍّ منها نظامه الإداري المنفصل الذي يخدم مهمته المحددة، فهي غالباً لا تتنافس بالضرورة لكنها لا تتعاون تماماً.
ولكن من ناحية أخرى، فإن الإدارة في المدينة الذكية من الأنظمة المختلفة حيث ترتبط كل وظيفة في المدينة بالوظائف الأخرى كلها، ما يؤدي إلى إنشاء شبكة واحدة من المعلومات من تدفقات منفصلة، ومنتج هذه الشبكة هو صورة حضرية شاملة وليست مجزأة تمنح المواطنين والحكومات الرؤية الكاملة التي يحتاجون إليها لحل مشكلات المدينة المعقدة.
اقرأ أيضاً: تعرّف على الإماراتي علي الحمادي وابتكاراته في مجال المدن الذكية
وفي حين أن المدن الذكية تقدّم العديد من الفوائد المحتملة، فإن هناك أيضاً عدداً من التحديات التي تواجه إنشاءها وتنفيذها، وتتضمن بعض التحديات الرئيسية لإنشاء المدن الذكية ما يلي:
- التكلفة: تتطلب المدن الذكية استثمارات كبيرة في التكنولوجيا والبنية التحتية الجديدة.
- التعقيد: المدن الذكية هي أنظمة معقدة تتضمن مجموعة واسعة من التكنولوجيا وأصحاب المصلحة ومصادر البيانات.
- الخصوصية والأمان: تجمع المدن الذكية كمية كبيرة من البيانات حول سكانها وبنيتها التحتية، ما يتطلب حماية هذه البيانات من الوصول غير المصرح به وسوء الاستخدام.
- المساواة والشمول: من المهم التأكد من أن مبادرات المدن الذكية تعود بالنفع على السكان جميعهم، بغض النظر عن دخلهم أو أصلهم العرقي.