ما الذي تحتاجه الهند لتجاوز أزمة كوفيد-19؟

5 دقائق
ما تحتاجه الهند لتجاوز أزمة كوفيد-19
مصدر الصورة: أبيشيك شينابا عبر غيتي إيميدجيز

في مفارقة قاسية، تقف الهند -قوة تصنيع اللقاحات في العالم- مصابة بالشلل بسبب فيروس تم بالفعل تطوير العديد من اللقاحات الآمنة والفعالة ضده في وقت قياسي. ومن المرجح أن التقارير الرسمية الصاعقة عن أكثر من 380,000 حالة إصابة جديدة و3,400 حالة وفاة يومياً تقلل من تقدير العدد الفعلي للضحايا. وفي ظل انهيار الأنظمة الصحية في جميع أنحاء الهند تحت ضغط الموجة الثانية من عدوى كوفيد-19، فإن النقص الحاد في الأكسجين والمعدات الطبية والأدوية وأسرَّة المستشفيات يهدد بتفاقم الوضع.

على الرغم من تنفيذ برنامج قوي لتطوير وإنتاج اللقاح المحلي، الذي لطالما شكّل العمود الفقري لإمداد البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، فإن الهند تواجه صعوبات كبيرة في توسيع نطاق التطعيم الجماعي ضد فيروس كورونا. وبعد مرور عام على تفشي الوباء، فإن العديد من الجهود الهادفة إلى تنسيق الاستجابة العالمية في مواجهة الوباء قد فشلت في معالجة التفاوتات المتزايدة التي أبرزتها الأزمة الحالية في الهند.

كيف حدث ذلك، وما الذي ينبغي علينا فعله لكبح تفاقم الوضع؟

خطوات قليلة جداً بعد فوات الأوان

لا شك أن القيادة تلعب دوراً جوهرياً، ولا سيما في خضم الأزمات. بعد أن بلغت الموجة الأولى من الإصابات ذروتها في سبتمبر، شعر القادة السياسيون في جميع أنحاء الهند بالرضا عن الوضع، فتساهلوا واستعجلوا في إعلان النصر قبل أوانه وخففوا إجراءات الصحة العامة. وأعلن رئيس الوزراء ناريندرا مودي في المنتدى الاقتصادي العالمي في يناير 2021 أن الهند "أنقذت البشرية من كارثة كبيرة من خلال احتواء كورونا بشكل فعال". لكن في الأسابيع الأخيرة، تحولت التجمعات الانتخابية العامة والتجمعات الدينية الكبيرة إلى أحداث تسببت في نشر الوباء على نطاق واسع.

ومع تزايد أعداد الإصابات، لم تكن وتيرة التطعيم بالسرعة الكافية للتخفيف من هذه الموجة الثانية. قامت الهند بإعطاء 150 مليون جرعة، وهو ثالث أكبر مجموع في العالم. ومع ذلك، فإن العدد الهائل لسكان الهند يعني أن 9.1% فقط من الهنود قد تلقوا جرعة واحدة على الأقل، وأقل من 2% تم تطعيمهم بالكامل.

على عكس العديد من البلدان ذات الدخل المرتفع، بما في ذلك الولايات المتحدة، قامت الهند أيضاً بتصدير كميات كبيرة من لقاح كوفيد-19؛ فقد أرسلت أكثر من 66 مليون جرعة إلى 95 بلداً منذ بدء الوباء. في المقابل، فإن القدرة المحلية الحالية لإنتاج اللقاحات في الهند -والتي تتراوح بين 70 إلى 80 مليون جرعة شهرياً- لن تكون كافية لتحقيق هدفها المتمثل في التطعيم الكامل لـ 300 مليون شخص بحلول شهر يوليو، ناهيك عن التزاماتها التعاقدية تجاه كوفاكس، وهي الجهد الدولي الذي يهدف إلى توفير الوصول العادل للقاح إلى أفقر دول العالم.

ما تحتاجه الهند لتجاوز أزمة كوفيد-19
مصدر الصورة: فريحا فاروكي عبر غيتي إيميدجيز

على الرغم من أن البحث والتطوير في مجال تصنيع اللقاحات في شركات الأدوية الهندية الخاصة قد انطلق من موقع يحسد عليه، إلا أن هذا القطاع الخاص لم يتلقَّ الدعم الحكومي السريع والقوي الذي تمتع به الموردون المحليون في بعض البلدان الأخرى. لقد استثمرت الولايات المتحدة، من خلال برنامج ورب سبيد، 18 مليار دولار في البحث والتطوير في مجال اللقاحات، وقدمت طلبات مسبقة للحصول على اللقاحات منذ مايو 2020. بينما لم تقم الحكومة الهندية بأول عملية شراء رسمية للقاحات المصنعة في الهند حتى يناير 2021، وبدلاً من ذلك اعتمدت على تصريحات صحفية للشركات تقول إن اللقاحات المصنعة محلياً ستكون متاحة للاحتياجات المحلية.

ترك هذا الوضع مصنعي اللقاحات الهنود، مثل معهد سيروم في الهند، في موقف صعب يحاولون فيه الحصول على تمويل من مصادر أخرى، مثل مؤسسة بيل وميليندا جيتس، ساعين في الوقت نفسه إلى تحقيق التوازن بين الاحتياجات المحلية المتزايدة، والمبيعات للبلدان الأخرى منخفضة ومتوسطة الدخل، وتلبية متطلبات مبادرة توزيع اللقاح العالمية كوفاكس. في أوائل أبريل، طلب آدار بوناوالا، الرئيس التنفيذي لمعهد سيروم، بشكل علني استثماراً حكومياً يزيد عن 400 مليون دولار لتعزيز الطاقة الإنتاجية. (وافقت الحكومة المركزية في وقت لاحق على مدفوعات الشراء المسبق للقاح بمبلغ يزيد عن 600 مليون دولار لمعهد سيروم وشركة بارات بيوتيك).

علاوة على ذلك، تزداد صعوبة الوضع في ظل تعقيد السلاسل العالمية لإمداد اللقاحات، التي تعتبر هشة وعرضة لقيود التصدير. لم يتمكن مصنعو اللقاحات الهنود من الحصول على المواد الخام ومستلزمات صنع اللقاحات مثل المرشحات المتخصصة وأكياس المفاعلات الحيوية. وأشارت تقارير إلى أن قرار حكومة الولايات المتحدة بتطبيق قانون الإنتاج الدفاعي لتعزيز تصنيع اللقاحات في الولايات المتحدة قد فرض قيوداً على تصدير هذه الإمدادات الحيوية إلى الهند (نفى البيت الأبيض أن يكون تطبيق قانون الإنتاج الدفاعي قد أدى إلى حظر التصدير). لجأ بوناوالا مجدداً إلى التغريد على تويتر لتسليط الضوء على هذا التحدي، وطلب دعم الرئيس جو بايدن لرفع قيود التصدير الأميركية.

الحد من الأضرار

مع تفاقم الأزمة الإنسانية في الهند، هناك حاجة لاتخاذ تدابير فورية وحازمة من أجل السيطرة على الوضع وكسب الوقت لزيادة إنتاج اللقاحات. تنتشر الأزمة بالفعل خارج حدود الهند وستتطلب الاستجابة لها اتخاذ إجراءات عالمية منسقة.

وفي هذا السياق، تلعب السرعة دوراً حاسماً؛ كما أشار مايكل رايان من منظمة الصحة العالمية في مارس 2020 عندما قال: "يتمثل الخطأ الأكبر في عدم التحرك... سرعة التحرك الآن أكثر أهمية من مثالية الحلول". وخلال الأسبوع الماضي، تعهدت الحكومات في بلدان مثل المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والولايات المتحدة بتقديم المساعدة، لكن هذه التعهدات قد تقدم القليل جداً بعد فوات الأوان.

هناك نقص حاد في كميات الأكسجين الطبي في الهند؛ حيث تقدر الحاجة اليومية بحوالي مليوني أسطوانة أكسجين، ما يتجاوز بكثير القدرة الإنتاجية المحلية. كما تحتاج الهند إلى الأدوية وأسرة المستشفيات وأجهزة التنفس الصناعي ومعدات الحماية الشخصية ومستلزمات اختبار فيروس كورونا وغيرها من السلع الطبية الأساسية. وقريباً، قد تبرز حاجة الهند إلى مزيد من العاملين الصحيين الذين يعملون حالياً تحت ضغط هائل.

تعهدت الولايات المتحدة بتقديم أسطوانات أكسجين، ومكثفات أكسجين ووحدات توليد، وأدوية مضادة للفيروسات، ومجموعات اختبار، وإمكانية الوصول إلى إمدادات تصنيع اللقاحات، ووصلت رحلات المساعدات الأولى إلى الهند يوم الجمعة 30 أبريل. كما قام الاتحاد الأوروبي بتفعيل "آلية الحماية المدنية" لشحن الأكسجين والأدوية إلى الهند. ووصلت الشحنات الأولى من مساعدات المملكة المتحدة يوم الثلاثاء 27 أبريل، وشملت مُكثفات الأكسجين وأجهزة التنفس الصناعي.

لكن حتى هذه الاستجابة العالمية بتقديم المساعدات لن تنجح في تفادي وقوع مأساة تاريخية؛ إذ تشير التوقعات إلى أنه من المحتمل أن نسجل أكثر من 12,000 حالة وفاة يومياً في الهند بحلول منتصف مايو، وما يقرب من مليون حالة وفاة بحلول أغسطس.

ما تحتاجه الهند لتجاوز أزمة كوفيد-19
مصدر الصورة: رويترز/ أميت دايف

لهذا السبب، يجب على الحكومات المركزية الهندية وحكومات الولايات اتخاذ إجراءات فورية صارمة للصحة العامة لكبح جماح الفيروس. ويمكن لهذه الإجراءات أن تشمل فرض القيود على السفر، وإغلاق أماكن العمل والمدارس، وفرض متطلبات التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات، بالإضافة إلى توفير الدعم الاجتماعي والاقتصادي للفئات الضعيفة في المجتمع.

لقد تم تطبيق مثل هذه الإجراءات بشكل غير متسق في جميع أنحاء الهند، وفي بعض الحالات تم تقويضها من قبل القادة السياسيين. ورغم أن عدة مناطق هندية، بما في ذلك دلهي وكارناتاكا ومهاراشترا، قد فرضت مؤخراً قيوداً صارمة على السفر والحركة، ولكن لا يوجد حتى الآن سياسة وطنية شاملة.

سيلعب تعزيز قدرات تصنيع اللقاح أيضاً دوراً هاماً في السيطرة على الفيروس في الهند على المدى الطويل وإبطاء انتشاره في جميع أنحاء العالم. وسيتطلب القيام بذلك جهداً عالمياً منسقاً بين الشركات والحكومات.

بدأت الحكومة الهندية في التنبه ببطء لخطورة الوضع والاستجابة له؛ حيث إن مدفوعات الشراء المقدمة الأخيرة لشركة بارات بيوتيك ستمكنها من مضاعفة طاقتها الإنتاجية إلى 20 مليون جرعة شهرياً بحلول يونيو، والوصول إلى 60 مليون جرعة شهرياً بحلول أغسطس. وبالمثل، يأمل معهد سيروم في إنتاج 100 مليون جرعة شهرياً بحلول منتصف العام. بيد أن هذه القدرات لا توفر حلولاً للوضع في المدى القريب. لسوء الحظ، لن تتمكن اللقاحات من حل الأزمة الحادة، ولا يتوافر مخزون كبير من اللقاحات حالياً يمكن استيراده إلى الهند. وحتى تعهد الولايات المتحدة بمشاركة 60 مليون جرعة من لقاح أسترازينيكا على مستوى العالم سيستغرق شهوراً للوفاء به.

من المفترض أن يتضمن أي نهج شامل لمعالجة هذه المشكلة استثمارات رأسمالية كبيرة في شركات التصنيع التابعة للقطاع الخاص في الهند، مثل معهد سيروم وشركة بارات بيوتيك وبيولوجيكال إي، والسعي لتحرير سلاسل التوريد العالمية من قيود التصدير، وتركيز الجهود على زيادة إنتاج المواد والمكونات الهامة على امتداد سلاسل توريد اللقاحات.

ومن شأن الأساليب الموازية المتبعة في مناطق أخرى، مثل أميركا اللاتينية وأفريقيا، أن تعزز المرونة والقدرة العالمية على تصنيع اللقاحات؛ ما يسمح للشركات الهندية بالتركيز على الاحتياجات المحلية بدلاً من الاحتياجات العالمية.

أخيراً، في حين أن إمدادات اللقاح ستشكل عقبة لبعض الوقت، فإن الطلب سيلعب أيضاً دوراً حاسماً في تحقيق مناعة القطيع بالاعتماد على اللقاح؛ لذا يجب على الحكومة الهندية أن تقوم الآن بتمويل وتنفيذ الجهود الهادفة لتعزيز الثقة باللقاحات ومحاربة المعلومات الخاطئة حولها.

للأسف، ستستمر المأساة المفجعة في الهند لأسابيع عديدة. ولكن من خلال حشد الموارد العالمية بسرعة أكبر، واعتماد تدابير الصحة العامة التي من شأنها إبقاء الفيروس تحت السيطرة، وتكثيف تصنيع اللقاحات، يمكن للهند والمجتمع العالمي على الأقل منح بعض الأمل بأيام أفضل قادمة.

المحتوى محمي