تعرف على الفنان الأشهر في توليد الأعمال الفنية باستخدام الذكاء الاصطناعي

6 دقائق
لماذا لا تشكل هيمنة أسلوب غريغ روتكارسكي على مشهد الأعمال الفنية المولّدة بالذكاء الاصطناعي مصدر بهجة له؟
"كهف التنين"

روتكاوسكي فنان رقمي بولندي يعتمد على أساليب الرسم الكلاسيكية لرسم مظاهر خيالية حالمة. وقد قام بوضع تصاميم لألعاب شهيرة، مثل لعبة هورايزن فوربيدن ويست (Horizon Forbidden West) من سوني (Sony)، وألعاب آنو (Anno) ودنجنز أند دراغنز (Dungeons & Dragons) و"ماجيك: ذا غاذرينغ" (Magic: The Gathering) من يوبيسوفت (Ubisoft). وفجأة، حقق انتشاراً واسعاً في العالم الجديد لتوليد الصور على أساس النصوص باستخدام الذكاء الاصطناعي.

وقد أصبح أسلوبه المميز أحد أكثر الأساليب استخداماً في نظام الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر لتوليد الأعمال الفنية، ستيبل ديفيوجن (Stable Diffusion)، والذي تم إطلاقه مؤخراً. وهذه الأداة، شأنها شأن العديد من النماذج الأخرى واسعة الانتشار لتوليد الصور باستخدام الذكاء الاصطناعي، تتيح لأي شخص توليد صور رائعة اعتماداً على تعليمات مكتوبة.

وعلى سبيل المثال، يمكن صياغة التعليمات بالشكل التالي: "ساحر مع سيف وكرة متوهجة من النار السحرية يقاتل تنيناً شرساً غريغ روتكاوسكي"، وسيقوم النظام بإنتاج صورة ليست مختلفة للغاية عن أسلوب روتكاوسكي.

مصدر الصورة: إم إس تيك عبر ستيبل ديفيوجن
مصدر الصورة: إم إس تيك عبر ستيبل ديفيوجن

ولكن هذه البرامج مفتوحة المصدر مبنية في أغلب الأحيان باستخدام صور تم جمعها عشوائياً من الإنترنت، وغالباً دون إذن ودون إسناد ملائم إلى الفنانين أصحاب هذه الأعمال. ولهذا، فإن هذه البرامج تُثير بعض التساؤلات الشائكة حول الأخلاقيات وحقوق النشر. ويبدو أن الفنانين مثل روتكاوسكي لن يقبلوا بهذا بعد الآن.

اقرأ أيضاً: الإخفاقات الغريبة في الصور التي تنشئها الخوارزميات

ووفقاً لموقع الويب ليكسيكا (Lexica)، والذي يقوم بتتبع أكثر من 10 ملايين صورة وتعليمة لستيبل ديفيوجن، فإن اسم روتكاوسكي ظهر في تعليمات توليد الصور ما يقرب من 93,000 مرة. على حين ظهر اسم بعض من أشهر فناني العالم، مثل مايكل أنجلو وبابلو بيكاسو وليوناردو دافنشي ما يقرب من 2,000 مرة لكل منهم. كما يظهر اسم روتكاوسكي في تعليمات التوليد آلاف المرات في منصة التواصل الاجتماعي "ديسكورد" (Discord) من خلال نظام آخر لتوليد النص اعتماداً على الصور يسمى ميدجورني (Midjourney).

وقد تفاجأ روتكاوسكي في البداية، ولكنه اعتقد أن هذا قد يمثل طريقة جيدة لتوسيع جمهوره. ومن ثم حاول البحث عن اسمه لرؤية ما إذا تم نشر أحد أعماله. واكتشف نتيجة البحث عملاً مرفقاً باسمه، ولكنه ليس من أعماله.

ويقول: "لم يمر سوى شهر واحد وحسب، فماذا سيحدث بعد سنة؟ من المرجح أنني لن أستطيع العثور على أعمالي، لأن شبكة الإنترنت تعج بالأعمال الفنية التي ولدها الذكاء الاصطناعي. إنه أمر مثير للقلق".

قامت شركة ستابيليتي أيه آي (Stability.AI)، وهي الشركة التي بنت ستيبل ديفيوجن، بتدريب النموذج على مجموعة البيانات "لايون-5 بي" (LAION-5B)، والتي تم تجميعها من قبل المؤسسة اللاربحية الألمانية لايون (LAION). قامت لايون بتجميع المجموعة، ومن ثم فلترتها بحذف الصور التي تحمل علامة مائية، والصور التي كانت غير جمالية، مثل صور الشعارات التجارية، كما يقول مختص التكنولوجيا والكاتب الذي قام بتنزيل بعض من بيانات ستيبل ديفيوجن وتحليلها، آندي بايو. قام بايو بتحليل 12 مليون صورة من أصل 600 مليون صورة مستخدمة لتدريب النموذج، ووجد أن جزءاً كبيراً من هذه الصور يعود إلى مواقع ويب مستقلة، مثل بينتيريست (Pinterest)، ومواقع لتسوق الأعمال الفنية مثل فاين آرت أميركا (Fine Art America).

 اقرأ أيضاً: أداة جديدة لتحسين دقة الصور تعزز المخاوف المرتبطة بنتائج عمل خوارزميات الذكاء الاصطناعي

لماذا أعمال روتكاوسكي تحديداً؟

وقد تم تجميع عدد كبير من أعمال روتكاوسكي الفنية من آرت ستيشن (Artstation)، وهو موقع يستخدمه الكثير من الفنانين لتحميل مجموعات أعمالهم على الإنترنت. وتعود شعبيته ضمن تعليمات الذكاء الاصطناعي إلى عدة أسباب.

"الممر السري – عش النسر" عمل فني شخصي من مجموعة روتكاوسكي على آرت ستيشن. مصدر الصورة: غريغ روتكاوسكي

السبب الأول هو أسلوبه الخيالي والحالم الذي ينتج أعمالاً رائعة المظهر. كما أنه غزير الإنتاج، وهناك الكثير من أعماله الفنية على الإنترنت بجودة جيدة، ما يعني وجود الكثير من الأمثلة التي يمكن الاختيار منها. وقد ظهر روتكاوسكي ضمن مثال التعليمات في أحد أوائل مولدات الصور بالاعتماد على النص، والذي يحمل اسم ديسكو ديفيوجن (Disco Diffusion).

كما قام روتكاوسكي بإضافة توصيف نصي باللغة الإنجليزية عند رفع أعماله على الإنترنت. وهذه التوصيفات للصور مفيدة لمن يعانون من مشكلات بصرية ويستخدمون برامج قراءة الشاشة، كما أنها تساعد محركات البحث على تصنيف هذه الصور أيضاً. وهو ما يجعل تجميع هذه الصور أمراً سهلاً، كما أن نموذج الذكاء الاصطناعي سيتمكن من تحديد الصور المتعلقة بالتعليمات بالضبط.

أطلقت ستابيليتي أيه آي هذا النموذج بشكل مجاني، وسمحت لأي شخص باستخدامه لأغراض تجارية، على الرغم من أن المسؤول التكنولوجي الأول في الشركة، توم مايسون، يقول إن اتفاق الترخيص من ستابيليتي أيه آي يحظر المستخدمين بشكل صريح من استخدام النموذج أو مشتقاته بطريقة تنتهك أي قوانين أو قواعد. وهو ما يلقي بعبء المسؤولية على المستخدمين.

اقرأ أيضاً: جوجل تطلق أداةً لكشف الصور المفبركة والمزيفة

بعض الفنانين ربما تضرروا في هذه العملية

فقد تفاجأ فنانون آخرون، غير روتكاوسكي، بالشعبية الظاهرية لأعمالهم في مولدات الصور باستخدام النصوص، أما الآن فقد بدأ بعضهم بالرد. فقد كانت الفنانة التي تعمل في لوس أنجلوس والتي وجدت أعمالها في مجموعة بيانات ستيبل ديفيوجن، كارلا أورتيز، تعمل على نشر الوعي حول المسائل المتعلقة بفن الذكاء الاصطناعي وحقوق النشر.

ويقول الفنانون إنهم يخشون خسارة الدخل مع بدء استخدام الناس للصور التي ولدها الذكاء الاصطناعي، اعتماداً على مواد خاضعة لقوانين حقوق النشر، للأغراض التجارية. ولكن أورتيز تقول إن المسألة تحمل طابعاً شخصياً واضحاً، وتقول إن الفن مرتبط بالفنان لدرجة كبيرة، لدرجة أن هذه المشكلات يمكن أن تندرج تحت إطار حماية البيانات والخصوصية.

تقول أورتيز: "تشهد الصناعات الفنية ظهور تحالف متنامٍ يسعى إلى إيجاد طريقة للقضاء على هذه المشكلة أو التخفيف منها". وما زالت المجموعة في بداية عملها، والذي يمكن أن يتضمن محاولة تحريك السلطات لفرض قوانين أو سياسات جديدة.

ومن الاقتراحات المطروحة تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على الصور في النطاق العام، وعقد شركات الذكاء الاصطناعي الشراكات مع المتاحف والفنانين، كما تقول أورتيز.

وتضيف: "لا يقتصر الأمر على الفنانين، فهناك أيضاً المصورون الفوتوغرافيون، وعارضات الأزياء، والممثلات والممثلون، والمخرجون، ومختصو السينماتوغرافيا. وجميع المحترفين المختصين بالمرئيات مضطرون للتعامل مع هذه المشكلة بالذات دون تأخير".

في الوقت الحالي، ليس أمام الفنانين خيار المشاركة في قاعدة البيانات أو إزالة عملهم منها. وتقول كارولين هندرسون، والتي تدير عمل زوجها الفنان ستيف هندرسون، والذي كان عمله ضمن قاعدة البيانات أيضاً، إنها راسلت ستابيليتي أيه آي بالبريد الإلكتروني لتطلب إزالة أعمال زوجها من قاعدة البيانات، ولكن هذا الطلب "لم يحظَ بأي انتباه أو إجابة".

اقرأ أيضاً: كيف تستطيع تطبيقات كشف التزييف العميق تمييز الصور المعدَّلة عن غيرها؟

يقول مايسون من ستابيليتي أيه آي: "يمثل الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر ابتكاراً مذهلاً، ونحن نقدّر وجود أسئلة مفتوحة وآراء قانونية مختلفة. ونحن نتوقع الإجابة عن هذه التساؤلات مع مرور الزمن، ومع زيادة انتشار الذكاء الاصطناعي، وتوافق المزيد من المجموعات البحثية حول كيفية العثور على التوازن بين الحقوق الفردية وأبحاث الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي الأساسية. ونحن نسعى للعثور على التوازن بين الابتكار ومساعدة المجتمع".

مصدر الصورة: غريغ روتكاوسكي
مصدر الصورة: إم إس تيك عبر ستيبل ديفيوجن.

"دفاع القلعة، 2018" لروتكاوسكي (يسار) وصورة من إنتاج ستيبل ديفيوجن.

يشجّع مايسون أي فنان لا يُريد أن تكون أعماله موجودة ضمن مجموعة البيانات على التواصل مع لايون، وهي كيان مستقل عن الشركة الناشئة. ولم تستجب لايون لطلبنا بالتعليق على الفور.

يعكف الفنانان اللذان يعملان في برلين، هولي هيرندون ومات دراهيرست، على تصميم أدوات تساعد الفنانين على اختبار عدم المشاركة في مجموعات بيانات التدريب. وقد أطلقا موقعاً باسم "هاف آي بينن تريند" (Have I Been Trained) (هل تم استغلالي في بيانات التدريب)، وهو موقع يتيح للفنانين البحث عن أعمالهم ضمن مجموعة بيانات بحجم 5.8 مليار صورة تجمع البيانات المستخدمة في تدريب ستيبل ديفيوجن وميدجورني. كما أن بعض التجمعات الفنية على الإنترنت، مثل نيوغراوندز (Newgrounds)، بدأت باتخاذ موقف حازم منذ الآن، وفرضت حظراً صريحاً على الصور المولدة باستخدام الذكاء الاصطناعي.

وتعمل مبادرة في هذه الصناعة باسم مبادرة أصالة المحتوى (Content Authenticity Initiative)، وهي تشمل شركات من أمثال أدوبي (Adobe) ونايكون (Nikon) وصحيفة ذا نيويورك تايمز (The New York Times)، على تطوير معيار مفتوح لوضع علامة مائية على المحتوى الرقمي لإثبات أصالته. وسيساعد هذا المعيار على مكافحة المعلومات المزيفة، وضمان نسب أعمال الفنانين الرقميين إليهم بشكل ملائم.

تقول الخبيرة في التزييف العميق والوسائط الاصطناعية، نينا شيك: "ستكون أيضاً وسيلة تتيح للمنتجين وحاملي حقوق الملكية الفكرية فرض ملكيتهم على المواد التي تنتمي إليهم أو المواد الاصطناعية التي تم تشكيلها باستخدام شيء ينتمي إليهم".

الدفع لقاء التشغيل

يثير الفن المولد بالذكاء الاصطناعي تساؤلات قانونية شائكة. ففي المملكة المتحدة، حيث تتمركز ستابيليتي أيه آي، يمكن أن يُعتبر تجميع الصور من الإنترنت لتدريب أداة ذكاء اصطناعي دون موافقة الفنان انتهاكاً لحقوق النشر، كما تقول غيل دينيس، وهي محاولة في شركة بينسينت مايسونز (Pinsent Masons). ويمكن استخدام الأعمال الخاضعة لحقوق النشر في تدريب نظام الذكاء الاصطناعي تحت بند "الاستخدام العادل"، وفقط لأهداف غير تجارية. وعلى الرغم من أن استخدام ستيبل ديفيوجن مجاني، فإن ستابيليتي أيه آي تبيع إمكانية الوصول إلى النموذج مع مزايا ممتازة عبر منصة تحمل اسم دريم ستوديو (DreamStudio).

أما المملكة المتحدة، والتي ترغب بتعزيز التطوير المحلي للذكاء الاصطناعي، فتريد تغيير القوانين لمنح مطوري الذكاء الاصطناعي مجالاً أكبر للوصول إلى الأعمال الخاضعة لحقوق النشر. ووفقاً لهذه التغييرات، سيتمكن المطورون من تجميع الأعمال المحمية بقوانين النشر لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي للأغراض التجارية وغير التجارية.

وفي حين لن يكون خيار الخروج من هذا النظام متاحاً للفنانين وغيرهم من حاملي الحقوق، فإنهم سيتمكنون من اختيار مكان استخدام أعمالهم. وقد ينتهي المطاف بالمجتمع الفني إلى الانتقال إلى نموذج التسجيل أو الدفع مقابل المشاهدة، تماماً كما في حالة صناعات الأفلام والموسيقى.

اقرأ أيضاً: صور جميلة ولدها الذكاء الاصطناعي تخفي سراً خطيراً

تقول دينيس: "تكمن المخاطرة، بطبيعة الحال، في رفض حاملي الحقوق ببساطة لجعل أعمالهم متاحة، ما قد يؤدي إلى نقض السبب الأساسي للاستخدام العادي في فضاء تطوير الذكاء الاصطناعي في المقام الأول".

ففي الولايات المتحدة، خسرت شركة لينكد إن (LinledIn) قضية في محكمة الاستئناف، والتي حكمت في الربيع المنصرم بأن تجميع البيانات المتاحة بشكل عام من مصادر على الإنترنت ليس انتهاكاً لقانون النصب وإساءة الاستخدام الحاسوبي. كما فازت جوجل (Google) في قضية ضد مؤلفين اعترضوا على قيام الشركة بتجميع أعمالهم الخاضعة لحقوق النشر لصالح خدمة جوجل بوكس.

يقول روتكاوسكي إنه لا يلوم الناس الذين يستخدمون اسمه في تعليمات توليد الصور. ويقول إنها "تجربة رائعة" بالنسبة لهم. "ولكن، بالنسبة لي، وللكثير من الفنانين الآخرين، فإن هذا يمثل خطراً محدقاً بمهنتنا".