لماذا يجب أن تتعلم الروبوتات الكسل من البشر؟

7 دقيقة
لماذا يجب أن تتعلم الروبوتات الكسل من البشر؟
مصدر الصورة: ستيفاني آرنيت/ إم آي تي تكنولوجي ريفيو | إنفاتو

ملخص: لطالما نظرنا إلى الكسل بوصفه صفة سلبية، غير أن الكسل في مجال الروبوتات أمر مختلف تماماً. فالكسل لدى الروبوت يعني تجاهل جزء من البيانات التي تعبّر عن البيئة المحيطة به، والتركيز فقط على معالجة البيانات المهمة فعلياً، ما يؤدي إلى التوفير في استهلاك الطاقة والعمليات الحاسوبية المطلوبة لتحليل هذه البيانات، ويعني أنه سيصبح من الممكن توسيع نطاق عملها وانتشارها بتكاليف مقبولة ودون زيادة هائلة في استهلاك الطاقة، وما يترتب على ذلك من أضرار بيئية. وعلى الرغم من أن بعض التجارب الحالية لهذه الروبوتات الكسولة تجري ضمن نطاق ترفيهي، مثل بطولة كرة القدم الروبوتية روبوكوب (Robocup)، فإن التطبيقات العملية للروبوتات الكسولة تتعلق فعلياً بأي مهمة تنفذها الروبوتات ضمن البيئات البشرية، مثل المستودعات الضخمة لشركة أمازون. وبفضل التقدم التدريجي الذي يحرزه الباحثون في هذا المجال، قد تتحول الروبوتات الكسولة إلى المعيار السائد الضروري لتحقيق الاستفادة الكاملة من القدرات الكامنة لتكنولوجيا الروبوتات.

ترى الروبوتات العالم من حولها بطريقة مختلفة جداً عن الطريقة التي يراها بها البشر.

فعندما نمشي في الشارع، ندرك ما هي الأشياء التي يجب أن ننتبه إليها -مثل السيارات العابرة والأخطار المحتملة والعوائق التي قد تظهر في طريقنا- وما هي الأشياء التي لسنا مضطرين إلى الانتباه إليها، مثل الأشخاص الذين يمشون على مسافة بعيدة. أمّا الروبوتات، من ناحية أخرى، فتتعامل مع المعلومات التي تتلقاها حول البيئة المحيطة بها كلّها بالدرجة نفسها من الأهمية. على سبيل المثال، يجب على السيارات الذاتية القيادة أن تحلل البيانات حول الأشياء المحيطة بها بصورة متواصلة، سواء كانت مهمة أم لا. يحافظ هذا الأسلوب على سلامة السائقين والمشاة، لكنه يتطلب الكثير من الطاقة والقدرات الحاسوبية. لكن، ماذا لو توصلنا إلى طريقة للحد من ذلك، من خلال تعليم الروبوتات تحديد الأشياء التي تستحق أن توليها الأولوية، والأشياء التي يمكن تجاهلها بأمان؟

اقرأ أيضاً: لماذا يُعدّ تعليم الروبوتات المشي أكثر فائدة للبشر من تعليمها الركض؟

الروبوتات الكسولة

هذا هو المبدأ الأساسي الذي يعتمد عليه حقل "الروبوتات الكسولة"، وهو حقل أكاديمي يحظى بدعمٍ كبيرٍ من الأستاذ في جامعة أيندهوفن للتكنولوجيا في هولندا، رينيه فان دي مولينغرافت، حيث يعتقد أن تعليم أنواع الروبوتات جميعاً كيفية التعامل مع بياناتها بأسلوب "كسول" يمكن أن يساعد على تمهيد الطريق أمام بناء آلات أفضل أداء في التفاعل مع الأشياء المحيطة بها في العالم الحقيقي، بما في ذلك البشر. من الناحية الجوهرية، كلما كان تعامل الروبوت مع المعلومات أكثر فاعلية، كان ذلك أفضل.

يمثّل أسلوب الروبوتات الكسولة الذي يدعمه فان دي مولينغرافت طريقة واحدة فقط من بين الطرق المتبعة لدى الباحثين وشركات الروبوتات حالياً في أثناء تدريب روبوتاتهم على تنفيذ المهام بنجاح ومرونة وبأعلى فاعلية ممكنة.

من شأن تعليم الروبوتات أن تكون أذكى عندما تتفحص البيانات التي تجمعها ثم تستبعد أي شيء يمكن تجاهله بأمان، أن يساعد الروبوتات على أن تصبح أكثر أماناً وموثوقية، وهو أحد الأهداف القديمة التي طال انتظار تحقيقها لدى أوساط العاملين في مجال الروبوتات.

يقول فان دي مولينغرافت إن تبسيط المهام بهذه الطريقة أمر ضروري حتى تصبح الروبوتات أكثر انتشاراً، لأن استهلاكها الحالي للطاقة يمنع استخدامها على نطاقٍ واسع، حيث سيؤدي إلى ارتفاع حاد في التكاليف، إضافة إلى التسبب بأضرار بيئية كبيرة. ويقول: "أعتقد أن أفضل روبوت هو الروبوت الكسول. يجب أن تكون الروبوتات كسولة بطبيعتها، مثلنا نحن البشر تماماً".

كرة القدم كوسيلة للتدريب على التكتيكات "الكسولة"

توصل فان دي مولينغرافت إلى طريقة طريفة لاختبار نتائج هذه الجهود البحثية، وهي تعليم الروبوتات كيفية لعب كرة القدم. وقد قاد مؤخراً فريق كرة القدم الروبوتي للروبوتات الذاتية التحكم في جامعته، الذي يحمل اسم تيك يونايتد (Tech United)، إلى الفوز في المسابقة الدولية السنوية للروبوتات والذكاء الاصطناعي التي تختبر مهارات الروبوتات في ملعب كرة القدم، روبوكوب (RoboCup). تمثّل كرة القدم تحدياً صعباً بالنسبة إلى الروبوتات، لأن تسجيل الأهداف ومنع تسجيلها يتطلبان حركات سريعة ومنضبطة، وقدرة عالية على اتخاذ القرارات الاستراتيجية، إضافة إلى التنسيق.

إذا تعلمت الروبوتات كيفية التركيز وتجاهل العوامل المشتتة المحيطة بها، تماماً كما يفعل أفضل لاعبي كرة القدم من البشر، فلن تصبح أكثر فاعلية في استهلاك الطاقة وحسب (خاصة في حالة الروبوتات التي تعمل بالبطاريات)، بل ستصبح أكثر قدرة على اتخاذ قرارات أذكى في أوضاع ديناميكية وسريعة التقلب.

اتبعت روبوتات تيك يونايتد عدة تكتيكات "كسولة" للتفوق على الخصوم خلال روبوكوب. وقد تضمن أحد الأساليب بناء "نموذج عالمي" لملعب كرة القدم يحدد تصميمه العام وخطوط الملعب المميزة ويرسم ذلك بالتفصيل، وهي الأشياء التي لا تتغير خلال المباراة. يؤدي هذا إلى تحرير الروبوتات التي تعمل بالبطارية من الحاجة الدائمة إلى مسح البيئة المحيطة بها، وهي عملية تتسبب بإهدار الطاقة الثمينة المحدودة التي تحملها هذه الروبوتات. أيضاً، يشارك كل روبوت المعلومات التي تلتقطها كاميرته مع زملائه الأربعة في الفريق، ما يوفّر رؤية أوسع للملعب للمساعدة على تتبع الكرة التي تتحرك بسرعة.

سابقاً، كانت الروبوتات في حاجة إلى مسارات دقيقة ومبرمجة سابقاً للتحرك ضمن الملعب، أمّا الآن، فيجري فان دي مولينغرافت وفريقه تجارب تجعل الروبوتات تختار مساراتها نحو وجهات محددة بنفسها. وهو ما سيوفّر الطاقة اللازمة لتتبع مسار معين، ويساعد الروبوتات على التعامل مع العقبات التي قد تصادفها على طول الطريق.

نجحت المجموعة أيضاً في تعليم الفريق كيفية تنفيذ "تمريرات الاختراق"، حيث يسدد أحد الروبوتات الكرة نحو منطقة مفتوحة في الملعب، ويتواصل مع عضو الفريق المتمركز في أفضل موضع ممكن حتى يتلقى التمريرة، إضافة إلى مهارات مثل تلقي الكرة أو تمريرها ضمن تشكيلات محددة، مثل المثلثات. عندما تحصل الروبوتات على إمكانية الوصول إلى نماذج العالم المبنية باستخدام بيانات من البيئة المحيطة، فسوف تتمكن من تنفيذ مهاراتها في أي مكان في الملعب، بدلاً من أماكن محددة وحسب.

قد تمثّل كرة القدم وسيلة طريفة لاختبار مدى نجاح هذه الطرق المستخدمة في تصميم الروبوتات، غير أن باحثين آخرين يعملون أيضاً على حل مشكلة الفاعلية، ويتعاملون مع مخاطر أعلى بكثير.

اقرأ أيضاً: نظام جديد يُتيح للروبوتات إمكانية استشعار اللمسة البشرية دون بشرة اصطناعية

الروبوتات تتعلم التركيز على الأولويات

فعلى سبيل المثال، يمثّل تحسين قدرة الروبوتات التي تعمل في المستودعات على تحديد أولويات مدخلات البيانات المختلفة عاملاً جوهرياً في ضمان قدرتها على العمل بأمان جنباً إلى جنب مع البشر، وإمكانية الاعتماد عليها في إنجاز المهام المختلفة. إذا لم تتمكن الآلات من تحقيق هذا الأمر، فقد ينتهي المطاف بالشركات إلى الوقوع في المتاعب، مثل تأخير الشحنات، وتلف البضائع، وتعرض أحد العمال البشر إلى الإصابة، بل وحتى أمور أسوأ من ذلك، وفقاً للرئيس السابق لقسم الروبوتات في شركة تسلا (Tesla)، كريس والتي.

ترك والتي الشركة حتى يؤسس شركته الخاصة بعد أن شهد مدى صعوبة جعل الروبوتات قادرة على نقل الأشياء من مكان إلى آخر بسهولة. تعمل شركته الناشئة، ميترا (Mytra)، على تصميم آلات ذاتية التحكم بالكامل، وتستخدم هذه الآلات الرؤية الحاسوبية مع نظام ذكاء اصطناعي يعمل بالتعلم المعزز حتى تصبح قادرة على استشعار وجود روبوتات أخرى قريبة منها، وحتى تصبح قادرة على التفكير والتعاون من أجل إنجاز المهام "مثل تحريك منصة نقل مكسورة" بطرق أكثر فاعلية بكثير من الناحية الحسابية.

تعمل الأغلبية العظمى من الروبوتات المتحركة المستخدمة في المستودعات بنظام تحكم يعتمد على "دماغ" مركزي واحد يحدد المسارات التي تسلكها هذه الروبوتات، ما يعني أن الروبوت يجب أن ينتظر ورود التعليمات إليه قبل أن يتمكن من فعل أي شيء. لا يُعدّ هذا النهج صعباً لتوسيع النطاق فحسب، بل إنه يستهلك قدراً كبيراً من قدرات الحوسبة المركزية، ويتطلب وجود روابط اتصال موثوقة للغاية.

تعتقد ميترا أنها توصلت إلى طريقة أكثر فاعلية بكثير، وهذه الطريقة تعتمد على فكرة تقول إنه ليس من الضروري فعلياً بالنسبة إلى كل روبوت إفرادي أن يعرف ما تفعله المئات من الروبوتات الأخرى على الجانب الآخر من المستودع. يستطيع نظام التعلم الآلي الخاص بالشركة أن يتجاهل هذه البيانات غير الضرورية، ويوفّر القدرات الحاسوبية المطلوبة لمعالجتها، وذلك من خلال محاكاة المسار الأمثل الذي يسلكه كل روبوت عبر المستودع لأداء مهمته، وهو ما يُتيح للروبوتات العمل بدرجة أكبر بكثير من الاستقلالية.

يقول والتي: "في سياق كرة القدم، تُتيح الفاعلية إمكانية تسجيل المزيد من الأهداف. وفي سياق عملية التصنيع، تصبح الفاعلية أهم بكثير، لأنها تعني أن النظام يعمل على نحو أكثر موثوقية. من خلال تزويد الروبوتات بالقدرة على التصرف والتفكير بفاعلية وبصورة مستقلة، فإنك تعمل أيضاً على تحسين الفاعلية والموثوقية إلى أقصى قدر ممكن على مستوى العملية بأسرها أيضاً".

حساب تكاليف معالجة المعلومات

يمثّل وضع تصنيف مبسط لأنواع المعلومات التي يجب على الروبوتات أن تعالجها تحدياً صعباً، غير أن الباحثين تمكنوا من إحراز شيء من التقدم في هذا المجال، كما يقول الأستاذ المتخصص بمحاكاة العمليات الحيوية في الأنظمة الاصطناعية بجامعة هيرتفوردشاير في المملكة المتحدة، دانيال بولاني. بولاني أيضاً من المعجبين بمسابقة روبوكوب، وهو في الواقع قائد فريق بولد هارتس (Bold Hearts) الروبوتي في جامعته، الذي وصل إلى الدور الثاني في دوري روبوكوب للروبوتات الشبيهة بالبشر لهذا العام.

ويقول: "تحاول الكائنات الحية ألا تعالج المعلومات التي لا تحتاج إلى معالجتها، لأن عملية المعالجة هذه مكلفة جداً من حيث استهلاكها للطاقة الاستقلابية". يسعى بولاني إلى تطبيق هذه الدروس المستفادة من علم الأحياء على الشبكات الواسعة التي تعتمد عليها الروبوتات، وذلك لجعلها أكثر فاعلية في التعامل مع معلوماتها. ويقول إن خفض كمية المعلومات التي نسمح للروبوت بمعالجتها سيخفّض قدرة الروبوت بناءً على طبيعة المهمة الموكلة إليه. بدلاً من ذلك، يجب على الروبوتات أن تتعلم استخدام البيانات المتاحة لها بطرق أذكى.

أبدت شركة أمازون التي تمتلك أكثر من 750,000 روبوت، وهو أضخم أسطول من الروبوتات في العالم، اهتمامها أيضاً باستخدام الذكاء الاصطناعي لجعل هذه الروبوتات قادرة على اتخاذ قرارات أذكى وأكثر أماناً وفاعلية. يمكن تصنيف أغلبية روبوتات أمازون في فئتين: الروبوتات المتحركة التي تنقل السلع، والأذرع الروبوتية المصممة للتعامل مع الأجسام. تجمع أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تعتمد عليها هذه الآلات الملايين من نقاط البيانات يومياً للمساعدة على تدريب هذه الروبوتات على إنجاز مهامها. على سبيل المثال، يجب على هذه الآلات أن تتعلم اختيار جسم ضمن كومة من الأجسام لإمساكه وإخراجه منها، أو كيفية تفادي العمال البشر في المستودعات بأمان. تتطلب هذه العمليات الكثير من القدرات الحاسوبية، وتستطيع التقنيات الجديدة أن تساعد على خفضها إلى أقصى حد ممكن.

عموماً، تعتمد الأذرع الروبوتية وغيرها من الروبوتات المماثلة القادرة على "التلاعب" بالأجسام على التعلم الآلي حتى تستطيع تحديد الأجسام التي يجب أن تتعامل معها، على سبيل المثال. وبعد ذلك، تتبع هذه الروبوتات مجموعة من القواعد أو الخوارزميات المُبَرمجة مسبقاً باستخدام رموز برمجية ثابتة حتى تقرر كيف تتصرف. أمّا عند الاعتماد على الذكاء الاصطناعي التوليدي، تستطيع هذه الروبوتات نفسها أن تتنبأ بنتيجة أي فعل قبل تجريبه حتى، وهكذا تستطيع اختيار الفعل الأقرب إلى تحقيق النجاح، أو تحديد أفضل الطرق الممكنة للإمساك بجسم يجب تحريكه.

الجمع بين الذكاء الاصطناعي التوليدي ومجموعات البيانات الضخمة

يمكن توسيع نطاق عمل أنظمة التعلم هذه بسهولة أكبر بكثير مقارنة بالطرق التقليدية لتدريب الروبوتات، كما أن الجمع بين الذكاء الاصطناعي التوليدي ومجموعات البيانات الضخمة سيساعد على تبسيط تسلسل الخطوات اللازمة لتنفيذ المهام، ويزيل عدة مراحل غير ضرورية من التحليلات. وهنا يأتي دور القدرات الحاسوبية التي يمكن توفيرها. يقول أحد كبار العلماء في شركة أمازون روبوتيكس (Amazon Robotics)، مايكل وولف: "يمكننا تبسيط البرامج من خلال تكليف النموذج بالمزيد من المهام. لقد دخلنا مرحلة جديدة نعيد فيها التفكير بصورة جذرية في كيفية توفير الاستقلالية الوظيفية لأنظمتنا الروبوتية".

ربما تكون مسابقة روبوكوب لهذا العام قد انتهت، لكن فان دي مولينغرافت لا يكتفي بما حققه بعد النجاح الباهر الذي حققه فريقه. ويقول: "ما زال كل روبوت يجري قدراً كبيراً من العمليات الحسابية غير الضرورية في حد ذاتها في كل لحظة من الزمن". وقد بدأ يعمل منذ الآن على طرق جديدة تجعل فريقه الروبوتي أكسل حتى لتحقيق أفضلية يتفوق بها على منافسيه في العام المقبل.

على الرغم من أن الروبوتات الحالية ما زالت بعيدة للغاية عن مجاراة البشر من حيث الفاعلية في استهلاك الطاقة، فإن فان دي مولينغرافت يشعر بالتفاؤل إزاء الجهود التي يبذلها الباحثون، ويعتقد أنهم سيواصلون إحراز التقدم في عملهم، وأننا سنرى روبوتات أكسل بكثير، وأبرع في أداء عملها. لكن هذا لن يحدث قريباً. ويقول: "إن زيادة وعي روبوتاتنا وقدرتها على الفهم بحيث تقدّم أداءً أفضل في تنفيذ مهامها، سواء في كرة القدم أو أي مهمة أخرى في أي مجال عملياً ضمن البيئات التي بناها البشر، هو عمل متواصل ولم ينتهِ بعد".