كان المحتفلون في كيب كود من عمال مناجم ذهب في غيانا الفرنسية، بالإضافة إلى هنود يعملون في مجال الرعاية الصحية. وعلى الرغم من أنهم يسكنون في مناطق متباعدة، إلا أن الأمر قد انتهى بهم بشيئين مشتركين؛ فقد كانوا جميعاً ممن تلقوا لقاح كوفيد-19. كما أصبحوا جميعاً جزءاً من مجموعات الأشخاص المصابين بالعدوى.
في الأسابيع الأخيرة، أثبتت مثل هذه الحالات أن انتقال فيروس كورونا والانتشار الفائق يمكن أن يحدث حتى لدى الفئات التي يحصل فيها كل أفرادها تقريباً على اللقاح؛ ما أثار القلق بين مسؤولي الصحة ونسف الآمال بالعودة السريعة إلى العمل المعتاد في الولايات المتحدة.
في مايو 2021، أصدرت المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض تعليمات للأميركيين الذين تلقوا اللقاح بأنه يمكنهم عدم ارتداء الكمامات بأمان، ولكن تراجعت الوكالة عن ذلك، قائلةً إن الأشخاص الحاصلين على اللقاح يتعين عليهم ارتداء الكمامات في الأماكن العامة المغلقة.
وكان السبب هو ما أدركه الباحثون من تفشي المرض في بلدة بروفينستاون بولاية ماساتشوستس، وهي بلدة ساحلية في منطقة كيب كود، والتي استضافت في أوائل شهر يوليو جموعاً كبيرة وحفلات مسابح مزدحمة على مدى أسابيع. ويقول مسؤولو الصحة إن هناك أكثر من 800 حالة إصابة بفيروس كورونا مرتبطة بتلك الأحداث منذ ذلك الحين، وكان 74% منها لدى أشخاص تلقوا اللقاح.
كانت سلالة دلتا هي سبب تفشي الفيروس في بروفينستاون، وهي السلالة المسؤولة الآن عن معظم الحالات في الولايات المتحدة. وفي بيان صدر مؤخراً، قالت روشيل والينسكي، رئيسة مراكز مكافحة الأمراض، إن "الاكتشاف المحوري" هو أن الأشخاص الذين تلقوا اللقاح وأصيبوا بسلالة دلتا في بروفينستاون يتواجد الفيروس في أجهزة أجسامهم بنفس قدر تواجده لدى الأشخاص الذين لم يتلقوا اللقاح.
وأضافت: "يشير الحِمل الفيروسي المرتفع إلى زيادة خطر انتقال العدوى ويثير مخاوف من أن الأشخاص الحاصلين على اللقاح الذين يصابون بسلالة دلتا يمكنهم نقل الفيروس، على عكس الأنماط الأخرى".
تشير التوصية إلى عودة سريعة إلى نهج متعدد من الإجراءات الوقائية، بما في ذلك ارتداء الكمامات والتباعد الاجتماعي؛ ما قد يؤدي أيضاً إلى تعقيد إعادة فتح المدارس بدءاً من الشهر المقبل في الولايات المتحدة.
العدوى في منجم الذهب
تتزايد أدلة الدراسات حول العالم على تفشي المرض بين الذين تلقوا اللقاح قبل أسابيع؛ فعلى سبيل المثال، وصف فريق علمي في باريس وغويانا الفرنسية مؤخراً كيف انتشر فيروس كورونا في أحد مناجم الذهب في أميركا الجنوبية في شهر مايو، على الرغم من أن جميع عماله تقريباً تلقوا لقاح فايزر.
وعلى الرغم من تلقي اللقاح، أصيب 60% من الأشخاص بسلالة من الفيروس تسمى غاما. كان ذلك مفاجئاً جداً للعلماء لدرجة أنهم تحققوا مما إذا كانت اللقاحات قد تعرضت للتلف أثناء الشحن، لكنها لم تكن كذلك.
أظهرت الدراسات الأولية للقاح فايزر، وهو الأكثر استخداماً في الولايات المتحدة، أنه فعال بنسبة تزيد عن 90% في الوقاية من الإصابة بالمرض المصحوب بأعراض. ولكن لم تكن تلك هي الحالة الملاحَظة بين عمال منجم الذهب، حيث تعرض نصفهم لأعراض مثل الحمى. ومع ذلك، ربما كانت اللقاحات مفيدة. فلم يصب أي من عمال المنجم بمرض خطير، على الرغم من أن معظمهم تجاوزوا الخمسين من العمر وكان لدى بعضهم عوامل خطر مثل ارتفاع ضغط الدم ومرض السكري.
كما أن هناك المزيد من الأدلة من الهند، حيث كان عمال الرعاية الصحية فيها مرشحين للحصول على لقاح أسترازينيكا بدءاً من أوائل عام 2021. ولكن عندما بحث فريق من المملكة المتحدة والهند في حالات كوفيد-19 لدى هؤلاء العمال، وجدوا "أعداداً كبيرة من الإصابات رغم تلقي اللقاح" في ثلاثة مستشفيات في دلهي، بما في ذلك انتشار فائق أدى إلى إصابة 30 شخصاً.
وقال الباحثون إن الإصابات التي حدثت رغم تلقي اللقاح نجمت على الأرجح عن سلالة دلتا أكثر من أي سلالة أقدم. لم تكن السلالات القديمة قادرة على إحداث إصابات بين العاملين في مجال الرعاية الصحية بأكثر من حالتين مرتبطتين في مجموعة واحدة. لكن الباحثين وجدوا 10 فاشيات دلتا أدت إلى ذلك.
يعود سبب اختلاف سلالة دلتا إلى أنها تنتقل بسهولة أكبر، إذ يقول الباحثون إن أحد الأسباب هو أن هذه السلالة قد تتمكن من "تفادي" المناعة السابقة. يمكن لذلك أن يساعد في تفسير حالات تفشي المرض بين الأشخاص الذين تلقوا اللقاح، وهذا يعني أيضاً إمكانية الإصابة مرة أخرى بمرض كوفيد-19 بسهولة أكبر إذا كان الشخص قد أصيب به مسبقاً. ويقدّر فريق المملكة المتحدة والهند أن الوقاية الطبيعية ضد العدوى انخفضت بما يصل إلى النصف عندما تعرّض الناس لسلالة دلتا.
حالات كورونا في منطقة كيب كود
في الولايات المتحدة، ربما انتشر الفيروس في بروفينستاون خلال "أسبوع الاستقلال" في 4 يوليو، عندما استضافت المدينة آلاف الزوار. ومع نهاية شهر يوليو، أدرك الباحثون وجود مئات حالات الإصابة بكوفيد-19، وتوصلت مختبرات التسلسل في بوسطن إلى أنها ناجمة عن سلالة دلتا.
أدى تفشي الفيروس في بروفينستاون إلى تحذير مراكز مكافحة الأمراض لأن اللقاحات لم تمنع انتشار الفيروس من شخص لآخر، على الرغم من أن معظم الأشخاص كانوا قد تلقوا اللقاح وفقاً لصحيفة واشنطن بوست، التي حصلت على عرض تقديمي داخلي لمراكز مكافحة الأمراض، والذي وصف قابلية سلالة دلتا للعدوى بأنها مماثلة لجدري الماء.
وهناك دليل رئيسي آخر من اختبارات تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR) التي أجريت على حوالي 200 شخص في مجموعة بروفينستاون. إذ وجد الباحثون أن كمية الفيروس في المجرى الهوائي للشخص، وبالتالي ما قد يطلقه الشخص إلى العالم مع كل سعال وعطاس، كانت متماثلة تقريباً، بغض النظر عما إذا كان الشخص قد تلقى اللقاح أم لا.
تقول مونيكا غاندي، باحثة الأمراض المُعدية في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، إن هذا لا يثبت أن الأشخاص الذين تلقوا اللقاح ينقلون الفيروس بنفس المستوى. وتقول إن اختبارات تفاعل البوليميراز المتسلسل تكشف عن أجزاء الفيروس وكذلك عن الفيروسات الحية، لذلك ربما يكون الأشخاص الذين تلقوا اللقاح ينشرون كمية أقل من الفيروسات الحية أو ربما يكونون ناقلين للعدوى لوقت أقل. وتضيف غاندي بأنه حتى مع انتشار السلالات، لا تزال اللقاحات فعالة حتى الآن في الوقاية من الإصابة بمعظم الأمراض الخطيرة.
وتقول بأننا "نشهد حالات أخف وأقل أعراضاً"، فضلاً عن انتقال العدوى بين الذين تلقوا اللقاح.
بالنسبة لمراكز مكافحة الأمراض، شكلت هذه المعلومات الجديدة مشكلة صعبة في التواصل مع الجمهور، فكيف يمكن إخبار الجميع بأن ضجة اللقاح ربما تكون قد انتهت؟ وكانت الوكالة قد قالت في شهر مايو إن الأميركيين الذين تلقوا اللقاح بالكامل يمكنهم التوقف عن ارتداء الكمامات وعن ممارسة التباعد الاجتماعي في معظم الحالات.
ولكن بحلول 25 يوليو، أعاد المسؤولون المحليون في بروفينستاون فرض ارتداء الكمامات داخل الأبنية في البلدة، بما في ذلك المطاعم والمكاتب والحانات وأماكن الرقص المغلقة، وقالوا إنهم سيبدأون باختبار مياه الصرف الصحي. وبعد يومين، قامت مراكز مكافحة الأمراض باتباع ذلك النهج، وأوصت بارتداء الكمامات من قبل الجميع في الأماكن العامة المغلقة في المناطق التي تشهد انتقالاً مرتفعاً للعدوى.
بسبب سلالة دلتا، قد يتم تصنيف معظم مناطق الولايات المتحدة قريباً على أنها مناطق عالية الخطورة. فمنذ أدنى مستوى في شهر يونيو، ارتفعت حالات الإصابة بفيروس كورونا إلى أكثر من ستة أضعاف.