أداة جديدة تكشف أن اللغة التي تتواصل بها الحيتان أقرب مما نعتقد إلى لغتنا

3 دقيقة
أداة جديدة تكشف أن اللغة التي تتواصل بها الحيتان أقرب مما نعتقد إلى لغتنا
مصدر الصورة: أماندا كوتون/ بروجيكت سيتي

حيتان العنبر مخلوقات مدهشة؛ فهي تمتلك الدماغ الأكبر بين المخلوقات جميعاً، إذ يفوق حجم دماغ الإنسان بستة أضعاف، ويعتقد العلماء أن هذا الدماغ ربما تطور ليدعم السلوك الذكي والعقلاني. كما أن هذه الحيتان اجتماعية للغاية، وقادرة على اتخاذ قرارات جماعية، وتبدي سلوكيات معقدة خلال بحثها عن الطعام. لكن ثمة الكثير مما لا نعرفه عنها أيضاً، بما في ذلك ما تحاول أن تقوله عند التواصل فيما بينها من خلال نظام يعتمد على رشقات صغيرة من "الطقطقة"، المعروفة باسم "خاتمة المقطع الموسيقي" أو "الكودات" (Codas). أما الآن، فيشير بحث جديد منشور في مجلة نيتشر كوميونيكيشنز (Nature Communications) إلى أن طريقة حيتان العنبر في التواصل هي في الواقع أكثر تعقيداً وقدرة على التعبير بكثير مما كنا نعتقد سابقاً.

تعقيد التواصل بين حيتان العنبر

عمِل فريق من الباحثين بقيادة براتيوشا شارما في مختبر علوم الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي أو "سيسيل" (CSAIL) اختصاراً التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي) بالتعاون مع مؤسسة سيتي بروجيكت (CETI Project) اللاربحية التي تركز على استخدام الذكاء الاصطناعي لدراسة الحيتان، حيث استخدم الباحثون نماذج إحصائية لتحليل كودات الحيتان، وتمكّنوا من تحديد بنية تعتمد عليها لغتهم مشابهة لسمات المقاطع الصوتية المعقدة التي يستخدمها البشر.

اقرأ أيضاً: باحثون يطورون نظام ذكاء اصطناعي لحماية الحيتان القاتلة

تُمثل نتائجهم أداة يمكن أن تعتمد عليها الأبحاث اللاحقة في تفكيك رموز هذه البنية، بل تحديد المعنى الفعلي لأصوات الحيتان أيضاً. استخدم الفريق مجموعة من الخوارزميات للتعرف على الأنماط والتصنيف من أجل تحليل تسجيلات لما يصل إلى 8,719 من الكودات الصادرة من 60 حوتاً تقريباً، وقد تولى مشروع حيتان العنبر في مياه جزيرة دومينيكا مهمة جمع هذه التسجيلات خلال الفترة الواقعة بين 2005 و2018. وجد الفريق أن الطريقة التي تستخدمها الحيتان في التواصل ليست عشوائية ولا بدائية، بل منظمة بحسب سياق المحادثات التي تجري فيما بينها. وهو ما سمح للفريق بتحديد أصوات مميزة لم تُلتَقط من قبل.

لم يعتمد الفريق على تقنيات التعلم الآلي الأكثر تعقيداً، لكن اختار الباحثون بدلاً منها استخدام التحليل الكلاسيكي للتعامل مع قاعدة بيانات موجودة سابقاً وفق وجهة نظر جديدة. تقول شارما: "أردنا استخدام النموذج الأبسط الذي يمنحنا أساساً لفرضياتنا". يقول أحد كبار مستشاري أبحاث الذكاء الاصطناعي في مؤسسة إيرث سبيشيس بروجيكت (Earth Species Project) اللاربحية التي تُجري الأبحاث حول كيفية تفكيك رموز التواصل غير البشري باستخدام الذكاء الاصطناعي، فيلكس إيفينبرغر: "تكمن ميزة الأسلوب الإحصائي في أننا لا نضطر إلى تدريب نموذج، كما أن هذا الأسلوب ليس صندوقاً أسود، إضافة إلى أن التحليلات يمكن إجراؤها بسهولة أكبر". لكنه يشير إلى أن التعلم الآلي طريقة رائعة لتسريع عملية اكتشاف الأنماط في مجموعة البيانات، ولهذا فقد يكون من المفيد الاعتماد على طريقة كهذه في المستقبل.

غطاس مع وحدة تسجيل لأصوات الحيتان
مصدر الصورة: دان تشيرنوف/ بروجيكت سيتي

نظام يشبه الأحرف

حوّلت الخوارزميات الطقطقات التي تتخلل بيانات الكودات إلى نوع جديد من التصوير المرئي للبيانات يطلق عليه الباحثون اسم "مخطط التبادل" (exchange plot)، ما أدى إلى اكتشاف وجود طقطقات إضافية في بعض الكودات. هذه الطقطقات الإضافية، إضافة إلى تغيرات في فترات النداءات الصوتية، ظهرت في التفاعلات بين عدة حيتان، ويقول الباحثون إنها تشير إلى أن الكودات قد تحمل المزيد من المعلومات وتتميز ببنية داخلية أكثر تعقيداً مما كنا نعتقد سابقاً. يقول الأستاذ المساعد في سيسيل، جايكوب أندرياس، وهو أحد المشاركين في المشروع: "يمكن أن نفكر في هذه النتائج وفق وجهة نظر تقول إن الباحثين كانوا يحللون نظام التواصل الذي تستخدمه حيتان العنبر بوصفه نظاماً شبيهاً باللغة الهيروغليفية المصرية القديمة، غير أنه يشبه الأحرف في الواقع".

على الرغم من أن الفريق غير واثق من إمكانية النظر إلى الاكتشاف الجديد بوصفه مكافئاً للأحرف أو موضع اللسان أو الجمل المستخدمة في اللغة البشرية، فإن الباحثين واثقون من وجود تشابهات داخلية كبيرة بين الكودات التي حللوها، بحسب أندرياس. ويقول: "لقد سمح لنا هذا بدوره باكتشاف وجود أنواع إضافية من الكودات، أو أنواع إضافية من الفروق بين الكودات، التي تستطيع الحيتان تمييزها بوضوح، غير أن هذه البيانات لم تكن واضحة من قبل بالنسبة إلى الباحثين".

اقرأ أيضاً: أداة ذكاء اصطناعي جديدة لحماية النماذج اللغوية الكبيرة من الأوامر الضارة

بناء نماذج لغوية للحيتان وغيرها من الكائنات

تتضمن الخطوة التالية للفريق بناء نماذج لغوية لنداءات الحيتان ودراسة العلاقة بين هذه النداءات والسلوكيات المختلفة للحيتان. ويخطط الفريق أيضاً للعمل على نظام أكثر عمومية لاستخدامه مع عدة أنواع من الكائنات الحية، على حد تعبير شارما. إن دراسة نظام تواصل لا نعرف عنه شيئاً، والبحث في كيفية ترميز المعلومات وبثها لدى الحيتان، وفهم ما يجري تناقله بوتيرة بطيئة بعد ذلك، قد يؤدي إلى منافع كثيرة تتجاوز الحيتان. تقول شارما: "أعتقد أننا بدأنا للتو نفهم بعض هذه الأشياء. ما زلنا في البداية، لكننا نشق طريقنا رويداً رويداً".

يمثل فهم ما تقوله الحيوانات عندما تتواصل فيما بينها الدافع الأساسي الذي يحرك مشاريع كهذا. لكن إذا كنا نأمل فهم لغة الحيتان، فثمة عائق كبير يقف في طريقنا، وهو الحاجة إلى التجارب التي تثبت إمكانية تحقيق نجاح فعلي في هذه المحاولات، كما تقول الباحثة في جامعة كاليفورنيا في سانتا كروز، كارولين كيسي، التي كانت تدرس التواصل الصوتي عند حيوانات فيل البحر لأكثر من عقد من الزمن. تقول كيسي: "لقد تجدد الاهتمام بهذا المجال منذ بدء استخدام الذكاء الاصطناعي في تفكيك رموز إشارات الحيوانات. من الصعب للغاية أن نثبت أن إشارة ما تعني بالنسبة إلى الحيوانات ما يعتقد البشر أنها تعنيه. لقد وصفت تلك الورقة البحثية التفاصيل الدقيقة للبنية الصوتية لنظام التواصل بصورة جيدة للغاية، لكن الانتقال إلى المرحلة التالية لتحديد معنى إشارة ما أمر صعب للغاية".

المحتوى محمي