على مدى سنوات كاملة، رغبت زوجة سوامي سيفاسوبرامانيان بأن تنظر إلى الدببة التي تخرج من الغابات في الليالي الصيفية حتى تسطو على حاويات القمامة قرب بيتهم في ضواحي سياتل. ولهذا، قرر سيفاسوبرامانيان، وهو رئيس قسم الذكاء الاصطناعي في أمازون، أن يبني نظاماً لهذا الغرض بالضبط.
تمكن سيفاسوبرامانيان من تصميم نموذج حاسوبي قادر على تدريب نفسه للتعرف على الدببة، وتجاهل حيوانات الراكون، والكلاب، وهواة الهرولة في الليل. وقد حقق هذا باستخدام خدمة سحابية من أمازون باسم سيجميكر، وهو منتج للتعلم الآلي تم تصميمه لمطوري التطبيقات الذين لا يعرفون شيئاً عن التعلم الآلي. ومن ثم قام بتركيب كاميرا ديب لينز الجديدة من أمازون على مرآبه. تحتوي هذه الكاميرا، والتي طرحت في الأسواق في يونيو بقيمة 250 دولار، على برنامج تعلم عميق لاستخدام ذكاء النموذج الحاسوبي وإرسال إنذار إلى الهاتف الخليوي للزوجة عندما يعتقد أنه اكتشف وصول زائر من فصيلة الدببة.
ليس كاشف الدببة الذي ابتكره سيفاسوبرامانيان بالتطبيق المذهل للتعلم الآلي، ولكن وجوده يعني أن إمكانيات التعلم الآلي أصبحت متاحة أكثر من ذي قبل. وعلى مدى السنوات الثلاث المنصرمة، كانت أمازون وجوجل ومايكروسوفت تزود خدماتها السحابية –إيه دبليو إس، جوجل كلاود، آزور، على الترتيب- بميزات مثل التعرف على الوجوه في الصور على الإنترنت، وترجمة الكلام المنطوق. والآن، بدأ سباق محموم للبناء على أساس هذه الميزات وتأسيس منصات للذكاء الاصطناعي يمكن استخدامها من قبل أي نوع من الشركات تقريباً، بغض النظر عن حجمها ومستواها التقني. يقول سيفاسوبرامانيان: "حالياً، يبدو الذكاء الاصطناعي في وضع مشابه لما كانت عليه قاعدة البيانات العلاقاتية في بداية التسعينيات. فقد كان الجميع متأكداً أنها ستكون مفيدة لكل شركة، ولكن لم تستطع سوى بضعة شركات الاستفادة منها بشكل فعلي".
تمتلك شركات أمازون وجوجل ومايكروسوفت –وإلى حد ما شركات أخرى مثل آبل وآي بي إم وأوراكل وسيلسفورس وساب- الموارد الحاسوبية الضخمة وجيوش المواهب التقنية اللازمة لتأسيس هذه البنية للذكاء الاصطناعي. كما أنه لا ينقصها الدافع الاقتصادي للاشتراك في ما قد يكون أكثر الاتجاهات التكنولوجية الكاسحة ربحاً حتى الآن. يقول نيك ماكواير، محلل مع شركة سي سي إس إنسايت: "في نهاية المطاف، ستصبح السحابة الوسيلة المعتمدة لدى أغلب الشركات للاستفادة من الذكاء الاصطناعي، وطريقة جني الأرباح لمن يقدمون هذه التقنية".
من الصعب أن نحسب بدقة الأرباح الممكنة، ولكن بالنسبة لمزودي الذكاء الاصطناعي السحابي الرئيسيين، فقد تكون هذه الأرباح غير مسبوقة. يمكن أن يضاعف الذكاء الاصطناعي من حجم سوق الحوسبة السحابية، والبالغ 260 مليار دولار، في السنوات المقبلة، كما يقول راجن شيث، وهو مدير أساسي لإدارة المنتجات في وحدة الذكاء الاصطناعي السحابي في جوجل. ونظراً لطبيعة التعلم الآلي، التي تقتضي تحسن القرارات مع زيادة كمية البيانات التي يحصل عليها النظام، فمن المرجح أن يلتزم الزبائن بالمزود الأول الذي يتعاملون معه.
باختصار، فإن من يصل إلى الصدارة أولاً، سيبقى هناك وسيصبح التفوق عليه شبه مستحيل. يقول أرون سونداراراجان الذي يدرس تأثير التقنيات الرقمية على الاقتصاد في مدرسة ستيرن للأعمال في جامعة نيويورك: "الجائزة الكبرى في هذا السباق ستصبح احتلال موقع نظام التشغيل للحقبة التقنية القادمة". كما يقول بونيت شيفام، رئيس البنك الاستثماري أفيندوس كابيتال يو إس: "قد تتحول الشركات الكبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي السحابي إلى أكثر الشركات نفوذاً في التاريخ".
بطبيعة الحال، لا يقتصر هذا السباق المحموم على أمازون وجوجل ومايكروسوفت، فقد تحولت الشركات الصينية العملاقة، مثل علي بابا وبايدو، إلى قوى رئيسية مؤثرة، خصوصاً في الأسواق الآسيوية. كما بدأت شركات البرمجيات الكبرى، مثل أوراكل وسيلسفورس وساب، بتضمين التعلم الآلي في تطبيقاتها، عدا عن آلاف الشركات الناشئة التي تطمح بالتحول إلى شركات رئيسية في مجال الذكاء الاصطناعي.
تقدم أمازون وجوجل ومايكروسوفت خدمات في التعرف على الوجوه وغيرها من الأشياء في الصور والفيديوهات، وتحويل الكلام المنطوق إلى نص وبالعكس، وإجراء معالجة اللغة الطبيعية التي تسمح لأليكسا وسيري ومساعدات رقمية أخرى بفهم طلباتك (أو على الأقل بعضها).
حتى الآن، لم ينتج عن كل هذا دخل جدير بالذكر، ولا تكلف هذه الشركات نفسها حتى بذكر أرباح خدماتها التجارية للذكاء الاصطناعي في تقاريرها الاقتصادية. ولكن هذا سيتغير بسرعة لأي شركة قادرة على بناء التكنولوجيا الأساسية وتطوير الأدوات لدعم الانتشار التجاري الواسع للتعلم الآلي. هذا ما فعلته مايكروسوفت مع الحواسيب الشخصية، حيث قامت ببناء منصة ويندوز التي يستخدمها ملايين المطورين لبناء البرامج الحاسوبية، وكررت آبل نفس العملية مع آي أو إس، والذي أطلق حقبة التطبيقات الهاتفية.
قفزت جوجل إلى الصدارة المبكرة في 2015، وأذهلت المطورين عندما جعلت برنامج تينسورفلو مفتوح المصدر، وهو هيكلية برمجية استخدمها خبراء الذكاء الاصطناعي لديها لتصميم أدوات للتعلم الآلي. ولكن تمكنت أمازون ومايكروسوفت من بناء تقنيات مشابهة منذ ذلك الحين، بل عملتا بشكل مشترك في 2017 لتصميم جلوون، وهي واجهة مفتوحة المصدر مصممة لتسهل استخدام التعلم الآلي مع أو بدون تينسورفلو.
تستمر الشركات الثلاث بالعمل على المزيد من الأساليب لإتاحة استخدام الذكاء الاصطناعي حتى بالنسبة للمبتدئين. وكانت هذه الفكرة التي أدت إلى إنشاء سيجميكر من أمازون، والذي صمم بحيث تصبح عملية بناء تطبيقات التعلم الآلي بسهولة بناء موقع إلكتروني عادي. أعلن عن سيجميكر في نوفمبر المنصرم، وبعد ذلك ببضعة أسابيع، أطلقت جوجل كلاود أوتو إم إل. يمكن لأي شركة أن تلقم مجموعتها المميزة من البيانات لهذه التقنية، وستقوم تلقائياً بتوليد نموذج تعلم آلي قادر على تحسين عمل الشركة، وتقول جوجل أن أكثر من 13,000 شركة طلبت تجربة كلاود أوتو إم إل. يقول جيف دين، مدير جوجل براين: "يوجد 20 مليون منظمة على مستوى العالم يمكن أن تستفيد من التعلم الآلي، ولكنها لا تستطيع أن توظف العاملين ذوي الخبرات الضرورية. وإذا أردنا أن نمكّن نصف هذا العدد من استخدام التعلم الآلي، يجب أن نزيد من سهولة استخدام هذا النظام بشكل كبير".
إذاً، أي من الكبار الثلاثة قادر على الفوز بالسباق؟ تتمتع الشركات الثلاث بالكثير من القوة، وبعض نقاط الضعف الواضحة.
لنبدأ مع مايكروسوفت. فقد حققت على مدى عقدين إنجازات هامة في بعض مشاكل الذكاء الاصطناعي، مثل الرؤية الحاسوبية ومعالجة اللغة الطبيعية. كما أنها تمتلك كميات هائلة من البيانات الهامة لتزويدها لسحابة آزور (خدمتها للحوسبة السحابية)، بما في ذلك المحتوى من محرك البحث بينج، ولينكد إن، وسكايب، وأكثر من مليار شخص يستخدمون مايكروسوفت أوفيس. ببساطة، لا توجد شركة أخرى تتفوق على مايكروسوفت في معرفة ما يتطلبه بيع البرمجيات، أو مساعدة المطورين على بيع البرمجيات، للشركات وغيرها من المنظمات.
قد يبدو هذا رائعاً، على الأقل إلى أن تطلع على السيرة الذاتية لجوجل، والتي تعتبر الأولى في مجال البحث والتطوير في الذكاء الاصطناعي. تعتبر جوجل رائدة في محاولة تطبيق الذكاء الاصطناعي لحل المشاكل بشكل طموح حقاً، مثل بناء السيارات ذاتية القيادة. وقد طورت مجموعتها الخاصة من الشرائح الحاسوبية لتشغيل البنى التحتية الضرورية للتعلم الآلي.
منذ أن أطلقت جوجل تينسورفلو، احتلت مرتبة البطولة في أوساط البرمجيات مفتوحة المصدر، ومن المحتمل أنها تمتلك من البيانات ما ليس متوافراً لدى أية شركة أخرى، بفضل محرك البحث جوجل، والذي يقدم صورة تفصيلية عن مجمل اهتماماتنا ورغباتنا. يقول ألكسندر وانج، ابن العشرين ربيعاً الذي أسس شركة ذكاء اصطناعي ناشئة باسم سكيل: "إنهم يحتلون الصدارة بفرق كبير. لديهم كميات هائلة من البيانات التي يمكن استثمارها اقتصادياً، وأفضل الكفاءات في مجال التعلم الآلي على مستوى العالم".
أما بالنسبة لأمازون، فقد كانت تعتبر حتى السنة الماضية تقريباً من المتعثرين في سباق الذكاء الاصطناعي، وذلك بسبب سريتها في العمل والتي تشبه أسلوب آبل. ولكن هذه السرية كانت على ما يبدو تخبئ طموحات كبيرة للشركة. وعلى مدى السنوات السبع المنصرمة، فرضت أمازون على جميع أقسامها أن تتضمن كل وثيقة تخطيطية شرحاً لكيفية استفادة هذا القسم من الذكاء الاصطناعي، وفقاً لسيفاسوبرامانيان. وقد ظهر هذا الشرط في الاستمارات المعيارية التي استخدمها المدراء لهذه الوثائق، متضمناً جملة اعتراضية تقول: "(عدم وجود فائدة من الذكاء الاصطناعي للقسم) إجابة غير مقبولة"، كما يقول سيفاسوبرامانيان.
لا تنشر أمازون الكثير من الأبحاث العلمية، ولكنها تستحوذ على 40% من سوق الحوسبة السحابية، وبدأت تتحرك بشراسة من هذا الموقع للهيمنة على الذكاء الاصطناعي السحابي أيضاً. حيث قدمت مجموعة من الخدمات الجديدة التي كانت تستخدمها على النطاق الداخلي من قبل، كما أنها كانت من أكبر المستحوذين على الشركات الناشئة في الذكاء الاصطناعي، وأنفقت على هذا التوجه خلال بضعة سنوات ما يوازي إنفاق جوجل وما يساوي أربعة أضعاف إنفاق مايكروسوفت، كما يقول جون نوردمارك، المدير التنفيذي لشركة Iterate.ai، وهي مزود لخدمات الذكاء الاصطناعي.
قطعت أمازون أيضاً شوطاً كبيراً في سعيها لجعل أليكسا تهيمن على الواجهة الجديدة للتعامل مع المستهلكين: الصوت. وعلى الرغم من أن جوجل حققت ضجة إعلامية باستخدام الذكاء الاصطناعي لهزيمة أبطال لعبة جو، فإن أمازون تعتمد على خبرتها في روبوتات المصانع والعمل اللوجستي لتوصيل ملايين الرزم يومياً، وذلك لتحقيق مشاريع في الذكاء الاصطناعي تتمحور حول الجمع ما بين المعلومات الرقمية وتحصيل البيانات من الحساسات في العالم الحقيقي. يقول نوردمارك: "صحيح أن الشركات الأخرى تنشر عدداً أكبر من الأبحاث، ولكن أمازون ترسخ ثباتها على أرض الواقع وتتحرك قدماً بشكل مستمر".
قد يكون هذا صحيحاً، وعلى الرغم من أن أمازون تتمتع بأفضلية زمنية في المنافسة في تأسيس خدمة إيه دبليو إس، فإن الجميع بدؤوا بالعمل الجاد، ولن يقبلوا بالجلوس على الحياد، لأن الجائزة كبيرة جداً، وفرص الهيمنة على الذكاء الاصطناعي مغرية للغاية.
لتبدأ اللعبة!