نشرة خاصة من ماكنزي
تتسارع التغيرات التي تشهدها المؤهلات المطلوبة في مواقع العمل نتيجة ظهور الرقمنة والأتمتة، مما يؤدي إلى نشوء الطلب على نطاق جديد من مجموعات المهارات. إننا في حاجة إلى مهارات المستقبل منذ الآن، وهي مهارات محدودة الانتشار حالياً مثل العمل المرن والتفاعل الرقمي، ومهارات ظهرت مؤخراً مثل تطوير تكنولوجيا البلوك تشين.
وحالياً، سيحتاج 25% من القوى العاملة العالمية إما إلى إيجاد نشاطات احترافية جديدة بحلول العام 2020، أو توسيع مهاراتها التكنولوجية ومهارات المواطَنَة الرقمية والمهارات الكلاسيكية لديها، بما فيها المهارات العابرة للتخصصات. وتتضمن هذه المهارات البرمجة والعمل المرن والتكيف، ويجب أن تشمل هذه الاستعدادات طلاب المدارس الابتدائية أيضاً، فبحلول العام 2030، سيعمل 85% منهم في اختصاصات لم تظهر بعد.
وفي الشرق الأوسط، يمكن أن نستقي بعض الدروس من أنماط اضمحلال الوظائف على مر التاريخ حتى نعرف ما المهارات المطلوبة لسوق العمل المستقبلية؛ حيث يمكن أن تؤدي الرقمنة والأتمتة إلى ظهور وظائف جديدة، ومعظمها خارج قطاع التكنولوجيا نفسها. وتتوقع دراسة من ماكنزي في 2018 أن هذا النمط سيتسارع منذ الآن حتى 2030، مع احتمال أتمتة ما يصل إلى 45% من الوظائف الموجودة في الشرق الأوسط. وفي جميع البلدان الستة في الشرق الأوسط التي ركزت عليها الدراسة، تشمل النشاطات التي يمكن أتمتتها حالياً 366.6 مليار دولار و20.8 مليون موظف بدوام كامل.
وقد نشر معهد ماكنزي بحثاً جديداً بعنوان مهارات المستقبل: ست مقاربات لردم هوة المهارات، وهو يتضمن تحليلاً لأكثر من 30 مبادرة حالية تتعامل مع المهارات المستقبلية. كما أنه يدرس حلولاً لمهارات المستقبل في ألمانيا، التي يُتوقع لها خلال 5 سنوات أن تصبح بحاجة إلى 700,000 شخص إضافي يمتلكون مهارات تكنولوجية مثل تحليل البيانات المعقدة وتطوير الويب. ويتوقع التقرير ظهور هوة بحجم 2.4 مليون موظف بالمهارات الضرورية العابرة للتخصص.
ويقترح البحث بعض الطرق التي يمكن أن تلجأ إليها ألمانيا لإغلاق هوة المهارات المستقبلية بسرعة وبشكل موجه قدر الإمكان. وعلى الرغم من إحراز بعض التقدم، فما زال هناك تحديات كبيرة أمام تطوير المهارات المستقبلية المطلوبة. أولاً: هناك نقص في الشفافية فيما يتعلق بخيارات التدريب على المهارات المستقبلية. وثانياً: ما زالت البرامج التعليمية الحالية لا تركز بما يكفي على حاجات سوق العمل المستقبلية. وأخيراً، وعلى الرغم من وجود بعض الخيارات: لا توجد هيكلية منظمة لتقديم مستوى أعلى من التدريب على المهارات المستقبلية.
وبدراسة الأمثلة من بلدان أخرى مثل الصين وإستونيا وفنلندا وسنغافورة، وألمانيا أيضاً، يمكن أن نستلهم ست مقاربات موثوقة لردم هوة المهارات المستقبلية التي ستظهر لا محالة، والتصدي للتحديات الثلاثة السابقة.
أولاً: يمكن تطوير منصة مركزية على الإنترنت للمهارات المستقبلية من أجل الحصول على الشفافية. وعلى سبيل المثال، فإن المنصة الأميركية بورتفوليوم تؤسس للشفافية حول مجموعات المهارات للطلبة والخريجين عن طريق السماح للمستخدمين بتعزيز سيرهم الذاتية بأمثلة عن المهارات لتقديمها لأصحاب العمل. وقد وصلت عضوية المنصة إلى 3.75 مليون طالب و5,000 صاحب عمل. ويمكن أن تقدم الحكومة الفدرالية الألمانية منصة تفاعلية على الإنترنت للمهارات المستقبلية، حيث لا يستطيع المستخدمون قياس مهاراتهم المستقبلية وحسب، بل أيضاً تحديد المهارات المطلوبة على وجه الخصوص، والعثور على برامج تدريبية مخصصة لذلك. ويمكن للمستخدمين خوض اختبارات ضمن المنصة باستخدام نظام تتبع المهارات المستقبلية لتقييم تطورهم من حيث المهارات التكنولوجية والعابرة للتخصصات، مما يتيح مزيداً من الشفافية حول احتمالات تطوير المهارات المستقبلية لديهم.
ثانياً: يمكن تدريس المواد والمفاهيم الخاصة بالمهارات التكنولوجية في المدارس والجامعات. وقد بدأت المدارس في الصين بتصميم دروسها بشكل خاص لتلبية احتياجات المهارات التكنولوجية في مجتمع المستقبل. وتتلقى الكثير من المعاهد التعليمية في الصين مواد تعليمية لتعليم الطلاب المهارات العابرة للتخصصات في مجال الذكاء الاصطناعي. كما أن بعض المدارس في الولايات المتحدة قامت بدمج التمارين العملية حول المهارات التكنولوجية في دروسها، مثل تدريبات حول تطوير الويب في العديد من المواضيع مثل الكيمياء، وحتى التاريخ.
ثالثاً: يمكن أن تقوم المدارس والجامعات أيضاً بتقديم مفاهيم تدريسية عابرة للتخصصات. وعلى سبيل المثال، فإن المدارس الفنلندية ملتزمة بإعطاء أهمية أكبر للمهارات الكلاسيكية ومهارات المواطنة الرقمية، لا المهارات التكنولوجية وحسب. وتُعتبر فنلندا قدوة في التعليم بسبب نتائجها المذهلة في دراسات أداء المدارس، وهي ترغب في تقديم تعليم مبني على المشاريع في جميع أنحاء البلاد في 2020 بدلاً من دروس الرياضيات والتاريخ التقليدية. وتقوم الفكرة على تآلف الطلاب مع العمل الجماعي وتعزيز قدراتهم على حل المشاكل.
رابعاً: يمكن تأسيس مراكز أبحاث للمهارات المستقبلية. وقد تم تأسيس مركز مدرسة فرانكفورت للبلوك تشين في 2017 من أجل الترويج للمهارات المستقبلية -وهي من المقومات المطلوبة لضمان امتياز التدريس- إلى جانب التعلم. وقد تم تأسيس المركز من قِبل مدرسة فرانكفورت للدراسات المالية والإدارية، وهو يتمتع ببنية مجموعة دراسات ومركز بحثي، ويبحث في تأثيرات تكنولوجيا البلوك تشين على الأعمال والإدارة. كما يلعب المركز أيضاً دور منصة لمشاركة المعرفة لصانعي القرارات من الشركات الناشئة وخبراء التكنولوجيا والصناعة.
خامساً: في ألمانيا -وعلى مستوى العالم- ما زالت المبادرات المنظمة للمستويات المتقدمة من التدريب على المهارات المستقبلية قليلة للغاية. ويمكن أن تفرض الحكومات قواعد على عقود التوظيف بحيث تحدد الموظفين الذين يجب أن يطوروا مهاراتهم المستقبلية كل 3 سنوات، سواء كان ذلك ضمن الشركة، أو خارجها في جامعة ما مثلاً. أو بدلاً من ذلك، يمكن أن تعرض الحكومات وقتاً مستقطعاً، بحيث يُلغى الوقت المخصص للتدريب ويُستبدل بإجازة سنوية لمدة 80 يوماً من أجل المشاركة في تدريب مخصص للمهارات المستقبلية.
أخيراً: يمكن للحكومات أن تخصص حوافز مالية لتطوير المهارات المستقبلية للشركات والعاملين المستقلين. وعلى سبيل المثال، قررت وزارة التعليم في سنغافورة تشجيع المواطنين على خوض المزيد من التدريب، ولذلك قدمت لجميع المواطنين فوق سن 25 مصروفاً بقيمة 500 دولار سنغافوري (370 دولار أميركي) للمشاركة في دورات مدعومة للمهارات المستقبلية مثل تطوير الويب. ويهدف هذا الحافز المالي للمشاركة في الدورات الموثقة بالشهادات إلى مساعدة المواطنين على متابعة التدريب الاحترافي مدى الحياة. وقد استفاد 285,000 مواطن سنغافوري من هذه الدورات خلال السنتين الماضيتين. كما تقدم الحكومة الكندية أيضاً حوافز مالية للشركات للتركيز على التدريب، ويقوم برنامج منحة كندا أونتاريو للعمل على تقديم 10,000 دولار كندي (7,490 دولار أميركي) للشركات من أجل استثمارها في التدريب على تحليل البيانات المعقدة أو العمل المرن.
ويمكن لتطبيق هذه الاقتراحات أن يقدم الزخم اللازم لردم هذه الهوة بشكل دائم. ووفقاً للتقديرات الأولية، فإن التكلفة السنوية المتوقعة في ألمانيا تعادل نحو 5 مليارات يورو، وتخصص أكبر حصة منها بقيمة 2.5 مليار يورو لتقديم مستوى أعلى من التدريب على المهارات المستقبلية لكل الموظفين. إن الفوائد الاقتصادية من ردم هوة المهارات المستقبلية ضخمة للغاية، وتصل وفق أحد التقديرات باليورو إلى عدة مليارات.
ومن الأهمية بمكان -بالنسبة للقادة- اتخاذ الإجراءات الداعمة التي تضمن بقاء التلاميذ والطلاب والموظفين في حالة دائمة من الاستعداد والجاهزية لسوق العمل المستقبلية.