حدوث العدوى
تعتبر جزيئات فيروس كورونا ذات شكل كروي وحجم صغير جداً، لدرجة أنه إذا تم تضخيم شعرة الإنسان لتصبح ثخانتها بعرض ملعب كرة قدم، فسيكون جزيء فيروس كورونا بمقدار 10 سنتيمترات بالمقارنة معها. يتكوّن الغشاء الخارجي للفيروس من طبقة دهنية وجزيئات بروتينية بارزة، ويوجد في وسطه شريط ملتف من الحمض النووي الريبي.
المقالات الأكثر قراءة ضمن تغطية فيروس كورونا المستجد:
- شهادة حية لطبيب مصاب: أعراض الإصابة بفيروس كورونا
- هل سيختفي فيروس كورونا مع قدوم فصل الصيف؟
- 6 اختلافات رئيسية بين الأنفلونزا وفيروس كورونا
- 15 معلومة خاطئة حول فيروس كورونا
- تحديث: فيروس كورونا قد يبقى على الأسطح حتى 17 يوماً
يمكن للملعقة الصغيرة من لعاب المرضى المصابين بفيروس كورونا أن تحتوي على نصف تريليون جزيء فيروسي، التي تنتشر في الأجواء عبر رذاذ السعال أو هواء الزفير وتستقر على الأشياء القريبة، لينتقل عشرات الآلاف منها إلى فم أو أنف الشخص الذي يخالط المريض. تبدأ بعدها هذه الفيروسات بالتكاثر في جسد الشخص الذي انتقلت إليه ليصل عددها إلى مئات الآلاف.
اختراق الخلايا
تسقط إحدى قطرات الرذاذ إلى المجاري الهوائية المتشعّبة في الرئتين وتستقرّ على سطحها الدافئ الرطب، مما يجعل جزيئات الفيروس تصل إلى المخاط الذي يغطّي الأنسجة، وتصطدم بالخلايا التي تبطّن سطحها. تعدّ هذه الخلايا ذات حجم أكبر بكثير من الفيروس، وتكون على استعداد لمهاجمة الأجسام الغازية، ولكنها تنطوي على نقطة ضعف؛ حيث يبرز من سطحها جزء بروتيني يسمّى مستقبل الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2، الذي يلعب دوراً في الحالة الطبيعية لتنظيم النشاط الهرموني داخل الجسم، إلا أنه يكون بمنزلة مرتكز لفيروس كورونا عند وصوله إليه، بسبب تطابق شكله مع شكل الجزء البروتيني البارز من الفيروس، وبالتالي فإنه يلتصق به بشدة.
يندمج بعد ذلك غشاء الفيروس مع غشاء الخلية، ويُلقي بمحتوياته من الحمض النووي الريبي إلى داخل الخلية الرئوية. وهكذا يكون الفيروس قد نجح في اختراق الخلية.
الاستيلاء على الجسم
بمجرّد أن يواجه الحمض النووي الريبي الفيروسي أحد الريبوسومات داخل الخلية، يبدأ هذا الريبوسوم بقراءته وتشكيل بروتينات فيروسية تساعد الحمض النووي الريبي الفيروسي على نسخ نفسه، التي تسيطر بدورها على ريبوسومات أخرى في الخلية، كما أن البروتينات الفيروسية الأخرى تمنع الخلية من المواجهة. وسرعان ما تطغى متطلبات الحمض النووي الريبي الفيروسي على الوظائف الطبيعية للخلية، التي تسخّر كل طاقتها ومكوّناتها لتشكيل عدد لا يحصى من نسخ الفيروسات.
يتم نقل هذه المكونات عبر ناقل خلوي إلى سطح الخلية، ويلتف حولها غشاء فيروسي وبروتينات بارزة، لتشكّل جزيئات فيروسية جديدة تتجمّع في فقاعات تُدعى الحويصلات، وتنتقل إلى السطح وتنفجر مُطلقةً عشرات ومئات آلاف الفيروسات في الجسم. وفي الوقت نفسه، تقوم البروتينات البارزة التي لم تندمج مع فيروسات جديدة بدمج نفسها مباشرةً في غشاء الخلية المُضيفة، بحيث تلتصق بسطح الخلية المجاورة.
يتكرّر هذا المشهد مراراً وتكراراً في كافة أنحاء الرئتين والحلق والفم، ويتم الاستيلاء على خلية تلو الأخرى. وعلى فرض أن فيروس كورونا يسلك سلوكاً مماثلاً في الجسم لفيروس السارس القريب منه، فإن عدد الفيروسات يتضاعف مليون مرة في كل يوم من العدوى. تغزو هذه الفيروسات الناتجة مجرى الدم وتخترق الجهاز الهضمي.
حتى الآن، لا يشعر الشخص المُصاب بأي شيء على الإطلاق، بل يبدو بأفضل حال، ولا يعاني سوى من بعض الملل نتيجة البقاء في المنزل والابتعاد الاجتماعي.
بدء الاستجابة المناعية
تقوم الخلايا المصابة بإخراج جزيئات الفيروس إلى أن تهلك وتفنى. مع انتشار أجزاء الخلايا المتحلّلة في مجرى الدم، يبدأ جهاز المناعة أخيراً بالإحساس بأن هناك شيئاً ما على غير ما يرام. تقوم خلايا الدم البيضاء بالكشف عن أجزاء الخلايا المتموّتة وإطلاق مواد كيميائية تسمى السيتوكينات، التي تعتبر بمنزلة إشارة إنذار تقوم بتنشيط أجزاء الجهاز المناعي الأخرى للانطلاق إلى العمل. عندما تواجه الخلايا المناعية إحدى الخلايا المصابة، فإنها تهاجمها وتدمرها. يخوض جهاز المناعة معركة مجهرية في الجسم، ومع احتدام المواجهة، ترتفع درجة حرارة الجسم وتصبح المنطقة المصابة ملتهبة.
ظهور الأعراض وتفاقمها
بعد مرور يومين، يشعر الشخص بالغثيان بمجرد التفكير في الأكل. يذهب للنوم لعدة ساعات، ليستيقظ ويجد حاله لم تزدد إلا سوءاً، مع الإحساس بضيق في التنفس وسعال جاف لا يهدأ. تبدأ عندها الشكوك تساوره حول الإصابة بفيروس كورونا، ويبحث عن ميزان حرارة ليقيس درجة حرارته، ليجدها مرتفعة. يحاول الشخص تبديد شعوره بالقلق عن طريق إقناع نفسه بأنها ليست سوى أنفلونزا عادية، وحتى في حال الإصابة فعلاً بفيروس كورونا، فهو شاب وليس من بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.
يعدّ هذا الشاب محقاً إلى حدّ ما. فبالنسبة لمعظم الأشخاص المصابين بفيروس كورونا، تتماثل حالتهم للشفاء بمجرد الراحة. ولكن لأسباب لم يفهمها العلماء بعد، يعاني حوالي 20% من المصابين، حتى الشباب منهم، من أعراض شديدة.
بعد أربعة أيام من الحمّى المرتفعة والإحساس بالآلام في كل جزء من الجسم، يدرك الشخص أن مرضه هذا أشد من أي مرض سبق وأن عانى منه. فهو يعاني من السعال الجاف لدرجة أن ظهره صار يؤلمه من شدّته، ويعاني الأمرّين من أجل التنفس. يخرج الشخص من بيته طلباً للرعاية الطبية وهو في هذه الحالة، تاركاً خلفه ملايين الجزيئات من الفيروسات على الأسطح التي لمسها أو في الهواء.
متلازمة الضائقة التنفسية الحادة
عندما يصل المريض إلى غرفة الطوارئ، يتم وضعه في جناح العزل. وبينما ينتظر الأطباء نتائج اختبار فيروس كورونا، فإنهم يجرون تصويراً شعاعياً مقطعياً لرئتيه، الذي يكشف عن وجود بقع ظليلة ناجمة عن تراكم السوائل في المناطق التي يخوض فيها الجهاز المناعي أعتى المعارك مع الفيروس. في هذه المرحلة، لا يكون الشخص مصاباً بمرض كوفيد-19 فحسب، ولكنه يكون قد أدى إلى التهاب رئوي شديد وخطير يسمى متلازمة الضائقة التنفسية الحادة.
مع امتلاء كافة أسرّة المستشفى بمرضى فيروس كورونا الآخرين، ربما يحصل الشخص على سرير صغير بجانب عدّة مرضى آخرين. يتم فتح الوريد لتسريب محلول مغذّ ودواء مضاد للفيروسات. بعد يوم من وصول المريض، تبدأ حالته بالتدهور، حيث يعاني من القيء والهلاوس وتباطؤ نبضات القلب لتصل إلى نحو 50 نبضة بالدقيقة. يتم وضع المريض على جهاز التنفس الصناعي وهو نصف غائب عن الوعي أثناء إدخال الأنبوب إلى رئتيه.
يكون المريض في هذه المرحلة بحالة متقدمة، فجهازه المناعي لا يكافح الفيروس فحسب، بل أيضاً خلايا الجسم نفسه. تقوم خلايا الدم البيضاء بغزو الرئتين وتدمير الأنسجة، وتصبح الأكياس السنخية الصغيرة -التي تسمح في الحالة الطبيعية للدم بامتصاص الأكسجين- ممتلئة بالسوائل. يكون المريض أشبه بالغريق، حتى عندما يكون موضوعاً على جهاز التنفس الصناعي.
فشل الأعضاء
هذا ليس أسوأ ما في الأمر؛ إذ إن شدة الاستجابة المناعية تؤدي إلى تثبيط الأعضاء في جميع أنحاء الجسم، وهي حالة تعرف باسم متلازمة الفشل الوظيفي متعدد الأعضاء. عندما يتعرّض الكبد للفشل، فإنه لا يتمكّن من تصفية الدم من السموم، لذلك يقوم الأطباء بوضع المريض على جهاز غسيل اصطناعي على مدار الساعة. كما يبدأ الدماغ بالتدهور عند حرمانه من الأكسجين.
عندما يصل المريض إلى هذه المرحلة، تكون فرصته في النجاة هي 50% في أحسن الأحوال، وخصوصاً مع إنهاك النظام الصحي وشحّ الموارد الطبية اللازمة لمواجهة هذه الجائحة. يقوم الأطباء أخيراً بوصل جهاز أكسجة غشائية من خارج الجسم ليقوم بوظيفة الرئتين والقلب على أمل أن يتمكّن جسم المريض من استعادة توازنه.
التماثل للشفاء
إذا تمكّن المريض من البقاء على قيد الحياة، يبدأ الخطر بالزوال مع القضاء على الهجوم الفيروسي وهدوء الجهاز المناعي، ويتماثل المريض تدريجياً للشفاء. يقوم الأطباء بإزالة أنابيب وأجهزة التنفس وتعود الشهية إلى طبيعتها، وكذلك لون الجلد. ومع مرور الوقت وحصول التعافي التامّ، يعود الشخص إلى ممارسة حياته المعتادة والاستمتاع باستنشاق الهواء المنعش.