كيف نعلّم الروبوتات فن التعامل مع البراغي

3 دقائق

إذا تأملنا جميع التقنيات التي تجعل حياتنا العصرية ممكنة، لوجدنا أن أكثرها تجاهلاً وأقلها تقديراً هي المثبتات اللولبية، والتي تعرف ببساطة بالبراغي. ظهرت هذه التقنية في فجر الحقبة الصناعية، وبفضلها أصبح من الممكن صنع أدوات ميكانيكية ضخمة.

واليوم، فإن هذه الأشياء تحافظ على تماسك العالم من حولنا، بكل ما في الكلمة من معنى. وبدونها، سيصبح نمط الحياة في القرن الواحد والعشرين مستحيلاً، ومن المرجح أنها ستلعب دوراً جوهرياً في المستقبل المنظور.

وعلى الرغم من الانتشار المتزايد للأتمتة في تقنيات التصنيع، توجد هناك مشكلة. فما زالت عملية فك وتركيب البراغي مجالاً يتفوق فيه البشر على الآلات، وما زالت الروبوتات تواجه صعوبة في تحديد أماكن البراغي وفتحاتها، والتعامل معها ومع المفكات بشكل فعال.

وهنا يأتي دور ديما ميرونوف وزملائها في معهد سكولكوفو للعلوم والتكنولوجيا في موسكو، والذي يرغبون بأتمتة العملية للمصانع الذكية المستقبلية. قرر الباحثون اللجوء إلى خطة بسيطة، وهي استخدام اللمسيات، أي دراسة حس اللمس، وذلك لفهم كيفية تأدية البشر لهذه المهام، ومن ثم بناء روبوتات قادرة على استخدام نفس التقنية، وقد كشف عملهم عن قانون أساسي لشد البراغي (وفكها) والذي يعتبر بداية تحقيق هذا الهدف.

يستخدم البشر نوعين مختلفين من القوى لتركيب برغي أو فكه. حيث يضغطون أولاً على البرغي، أو يستخدمون ما يسمى القوة المحورية، لدفع البرغي إلى فتحته. ويطبقون أيضاً قوة دورانية، أو عزماً، لتدوير البرغي. ويعتمد العزم المطلوب على مقدار الاحتكاك بين البرغي ومادة الفتحة، وأيضاً يعتمد على حالة لولب البرغي.

من المشاكل الأساسية في التعامل مع البراغي هي تجنب الإفلات، أي انزلاق المفك وفقدانه لقدرته على إمساك البرغي. وقد أبدت ميرونوف وزملاؤها اهتماماً خاصاً بالطريقة التي يتجنب بها البشر هذه المشكلة.

لدراسة ما يحدث بدقة، قام الفريق ببناء أداة تقيس كلاً من القوة المحورية، بدقة أقل من 0.1 نيوتن في الاتجاه المحوري، والعزم بدقة 0.003 نيوتن متر. ومن ثم طلبوا من عشرة رجال ونساء أن يركبوا، وبشكل متكرر، برغياً صغيراً من النوع المستخدم في تجميع الهواتف الخليوية في فتحة بطول ثلاثة مليمترات، وكانت رؤوس البراغي من النوع المتصالب أو المسدس. وقام الفريق بعد ذلك بقياس القوى المستخدمة.

تبين للفريق أن البشر يطبقون، عند الفك والتركيب الناجح، قوة محورية تتناسب طرداً مع العزم. وخلال عملية التركيب، تصل هذه القوة إلى أقصاها عند نهاية العملية، وينعكس هذا النمط عند الفك. هناك أيضاً التغيرات الدورية الناتجة عن إعادة الإمساك بمقبض المفك أثناء التدوير، وبالتالي، قام الفريق ببساطة بقياس الشدة العظمى المطبقة خلال كل عملية تدوير.

هكذا توصل الفريق إلى النمط العام لقوى الفك والتركيب التي تستخدم بنجاح. ويقولون: "تظهر النتائج أن الناس يطبقون قوة محورية على البراغي لتجنب انزلاق المفك (الإفلات)، وتتناسب هذه القوة المحورية طرداً مع العزم المطلوب للتدوير".

وجد الفريق أيضاً أن القوة المطبقة تعتمد على نوع رأس البرغي، حيث تتطلب البراغي ذات الرؤوس المتصالبة قوة محورية أكبر بكثير لتجنب الإفلات مما في حالة البراغي ذات الرؤوس المسدسة، وبالتالي، فإن احتمال الإفلات لرأس مسدس أقل مما هو لرأس متصالب بالنسبة لنفس القوة المحورية.

أخيراً، قامت ميرونوف وزملاؤها ببرمجة روبوت يحاكي نفس النمط من القوى. وهو مجهز بمفك، ومقبض للإمساك بالبرغي، ورؤية آلية لتحديد مكان البرغي في الفتحة. وبعد ذلك، قام الفريق بقياس القوى أثناء عمل الروبوت، مع إيلاء اهتمام خاص بحالات الإفلات، والتي تظهر كهبوط مفاجئ في قيمة القوى. وعند اكتشاف وجود إفلات، كان الروبوت يزيد من القوة المحورية ويتابع عمله.

أبلى الروبوت حسناً، كما يقول الباحثون: "كانت نتائج الفك الروبوتي متوافقة مع نتائج التجارب البشرية، وبرهنت شمولية الشروط الضرورية لعملية الفك الناجحة".

يعتبر هؤلاء الباحثين جزءاً من فريق أكبر يعمل على بناء روبوتات تفكك الأجهزة الإلكترونية، مثل الهواتف الذكية، من أجل إعادة التدوير. أطلق على المشروع اسم "ريساي بوت"، ويهدف إلى تصميم أنظمة روبوتية عالية السرعة لتفكيك الإلكترونيات.

يعتبر هذا الهدف تحدياً كبيراً، ومن أصعب ما فيه عملية الفك. وبالتالي، فقد تخلص الفريق من هذه المشكلة على الأقل. ولكن يمكن استخدام نفس التقنية في نطاق واسع مع المعامل الذكية التي تجري فيها عمليات التجميع والتفكيك. وعلى أي حال، يبدو أن البرغي متواضع المظهر سيكون مهماً في المستقبل بقدر ما كان مهماً في الماضي.