كيف تُضفي آبل طابعاً شخصياً على سيري دون جمع بيانات مستخدميها؟

2 دقائق
حقوق الصورة: كيونترا/ غيتي إيميدجيز

إذا كنت تملك جهاز آيفون، فلا شك في أنك قد لاحظت تغييراً في سلوك سيري خلال السنة الماضية؛ فكالعادة "يستيقظ" المساعد الصوتي من سباته عندما تقول "مرحباً يا سيري"، لكن هذا يحدث حالياً عندما تَصدر هذه العبارة منك فقط وليس من أحد أفراد عائلتك أو أصدقائك.

يبدو السبب وراء قيام آبل بتصميمه بهذه الشكل منطقياً؛ حيث كانت تلك طريقتها في منع استجابة جميع أجهزة آيفون في الغرفة لمجرد نطق شخصٍ واحد بعبارة الإيقاظ. وقد تعتقد أن آبل ستحتاج لجمع الكثير من بياناتك الصوتية قبل أن تتمكن من إنجاز هذه الطريقة، لكن ما يثير الدهشة هو أنها لا تحتاج لذلك أبداً.

عوضاً عن ذلك، تعتمد آبل بشكلٍ أساسي على تقنيةٍ تسمى التعلم الموحَّد، حسبما صرَّح جوليان فروديجر، مسؤول الخصوصية في آبل، أمام الحضور في مؤتمر أنظمة معلومات المعالجة العصبونية في 8 ديسمبر. والتعلم الموحَّد هو عبارة عن طريقة تعلمٍ آلي تحافظ على الخصوصية، وقد تم تقديمها لأول مرةٍ من قِبل جوجل في عام 2017.

ويسمح التعلم الموحَّد لشركة آبل بتدريب نسخٍ مختلفة من نموذج التعرف على صوت المتكلم على جميع أجهزة مستخدميها باستخدام بيانات الصوت المتاحة على هذه الأجهزة محلياً فقط، ثم يقوم بإرسال النماذج المُحدَّثة فقط إلى المخدِّم المركزي ليتم دمجها في النموذج الرئيسي. وبهذه الطريقة، فإن جودة المساعد الصوتي في التعرف الصحيح على هوية المتكلم تتحسن بشكلٍ متواصل رغم أن بيانات الصوت الخام -التي تتضمن استفسارات المستخدمين من سيري- لا تغادر أبداً أجهزة الآيفون والآيباد الخاصة بهم.

وبالإضافة إلى التعلم الموحَّد، تستخدم آبل أيضاً ما يُسمى: الخصوصية التفاضلية، بهدف إضافة طبقةٍ أخرى من الحماية؛ حيث تقوم هذه التقنية بإدخال كميةٍ صغيرة من الضجيج إلى البيانات الخام قبل أن يتم تزويد نموذج التعلم الآلي المحلي بها. وهذه الخطوة الإضافية تجعل من الصعب للغاية على الجهات الخبيثة إجراء عملية هندسةٍ عكسية للوصول إلى الملفات الصوتية الأصلية انطلاقاً من النموذج المدرب.

وعلى الرغم من أن آبل بدأت تستخدم الخصوصية التفاضلية منذ عام 2017، غير أنه لم يتم دمجها مع التعلم الموحَّد إلَّا في نظام تشغيلها آي أو إس 13 iOS، الذي تم طرحه على الجمهور في سبتمبر من هذا العام. وبالإضافة إلى إضفاء الطابع الشخصي على سيري، يتم استخدام كلتا التقنيتين في بعض التطبيقات الأخرى أيضاً، بما فيها كويك تايب QuickType (لوحة مفاتيح آبل ذات الطابع الشخصي) وميزة فاوند إن آبس Found In Apps، التي تمسح تطبيقات التقويم والبريد الإلكتروني على جهازك بحثاً عن أسماء مرسلي الرسائل النصية والمتصلين الذين لا تتواجد أرقامهم في هاتفك. كما قال فروديجر إن الشركة تخطط لإضافة تقنيات الخصوصية هذه إلى المزيد من التطبيقات والميزات قريباً.

ومع تزايد المخاوف المتعلقة بخصوصية البيانات، حقق التعلم الموحَّد في العام الماضي شعبيةً متنامية في مجتمع أبحاث الذكاء الاصطناعي؛ ففي مارس الماضي، أصدرت جوجل مجموعةً جديدة من الأدوات بهدف تسهيل تنفيذ المطورين لنماذج التعلم الموحَّد الخاصة بهم. ويأمل الباحثون أن يساعد التعلم الموحَّد -من بين عدة استخداماتٍ أخرى- في التغلب على تحديات الخصوصية عند تطبيق الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية؛ حيث يثير هذا الاستخدام الأخير اهتمام بعض الشركات مثل أوكين Owkin ودوك.إيه آي Doc.ai وإنفيديا Nvidia.

ورغم أن هذه التقنية ما زالت حديثة نسبياً وتحتاج للمزيد من التطوير، فإن تبنّي آبل لها مؤخراً يوفِّر فرصةً لدراسة حالة استخدام واقعية لكيفية تطبيقها على نطاقٍ واسع. كما تمثل تحولاً جوهرياً في عملية المقايضة -التي طالما افترضتها صناعة التقنية- بين خصوصية البيانات والاستفادة منها؛ فقد أصبح من الممكن الآن تحقيق الأمرين معاً. ولنأمل أن الشركات الأخرى ستلحق سريعاً بالركب في تبنّي هذه التقنية.