كيف توظف أدنوك الذكاء الاصطناعي لإنجاز التحوُّل الرقمي؟

5 دقائق

بعيداً عن الاستخدامات العلمية في تتبُّع الحيتان واستكشاف المغاور السحيقة للمحيطات، تستخدم كبرى الشركات النفطية وغيرها الآن أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي لإنجاز أعمالها في قاع المحيطات.

فمنذ بروز تقنيات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، دخلت هذه التقنيات مختلف القطاعات: من الحكومات إلى المنشآت الصغيرة والمتوسطة، لتحوّلها بشكل جذري، فأبرزت لنا ابتكارات مدهشة لم نكن نتصورها من قبل، وزعزعت شركات وصناعات راسخة، ونقلت الاقتصاد إلى مستوى جديد كلياً، ومن بينها قطاع الطاقة؛ إذ تسهم هذه التقنيات في ضمان إمدادات مستقرة من الطاقة، وفي خفض التكاليف، وتحقيق التوازن بين العرض والطلب.

وتعد واحدة من هذه الشركات هي إحدى أكبر شركات الطاقة التقليدية، والتي تشكِّل العصب الاقتصادي الرئيسي لإمارة أبوظبي؛ إذ قامت الشركة -في خضم التحوُّل الجذري في العمليات الذي بدأته منذ سنوات عدة- بتأسيس مركزين رقميين جديدين أطلقت عليهما اسمي "ثمامة" و"بانوراما"، ومهمتهما هي تسهيل عملية التحول الرقمي فيها، حيث يقع على عاتق هذين المركزين مهمة استكشاف آفاق المستقبل التقني للشركة برمتها، وبمختلف فروعها والشركات التابعة لها.

الدراسة الجيولوجية ومسح المواقع

يضم مركز ثمامة لدراسة المكامن البترولية 70 إلى 100 من الخبراء والعلماء والمهندسين، ومجموعة من التجهيزات والشاشات، التي تتيح لهم متابعة فورية ومتزامنة وبشكل مباشر للأعمال الجارية في 120 موقعاً للحفر ضمن مشاريع أدنوك البرية والبحرية، وتسعى الشركة إلى أن يغطي المركزان عمليات الحفر في ما يزيد على 4,000 بئر نفط مستقبلاً. وتقوم فرق العمل متعددة التخصصات في المركز بتحليل بيانات الدراسات الجيولوجية والمسوحات الزلزالية ومقارنتها بالبيانات التي يتم الحصول عليها من عمليات الحفر والعينات المأخوذة من باطن الأرض.

ويخبرنا قاسم مسلم الكيومي (مدير المركز الفني في المركز): "يعتبر مركز ثمامة بيئة متعددة التخصصات، حيث تضم علماء الجيولوجيا وخبراء الجيوفيزياء، ومهندسي البترول ومهندسي الاحتياطات النفطية، فضلاً عن الهيئة الإدارية، ويضع هذا المركز أحدث التقنيات المتطورة وجميع بيانات شركة أدنوك عن المكامن البترولية في متناول أيديهم، من أجل حل التحديات المستمرة التي نواجهها. وهذا يعني أنه لا يوجد هناك أي (يوم عمل روتيني) في المركز؛ لأننا نجد في أي وقت مجموعة من الخبراء تعمل على مشاريع كبرى، وفي أي وقت تظهر حلول رقمية جديدة تفتح آفاقاً أخرى في مجال الهيدروكربونات، وترفع نسبة الاستخلاص في حقول إنتاج النفط، أو تقدم ميزات جديدة في تحليل ونمذجة البيانات الآتية من المكامن البترولية".

كما تضطلع الفِرق المجهزة بأحدث التقنيات كذلك بمهمة استكشاف خصائص الصخور وعوامل التدفق المائية لتكوين نماذج دقيقة لمكامن الموارد الهيدروكربونية، حيث يتم استخدام هذه البيانات لرسم صورة أكثر تفصيلاً للطبقات الأرضية في أبوظبي، وتحديد فرص الاستفادة من الموارد غير المستغلة بعد. كما تسهم هذه البيانات في تحسين تخطيط تطوير الحقول، وتحديد أفضل الطرق لتطوير الأصول وتعزيز استخراج النفط من الحقول القديمة.

حيث يستفيد الخبراء من البيانات لتحليل عمليات الحفر ومتابعتها ومقارنتها بخطط العمل، وتعزيز فعالية إدارتها للارتقاء بالكفاءة التشغيلية وضمان التنفيذ الأمثل لمدة الحفر، إضافة إلى متابعة سير العمل ومقارنته بمعلومات الحفر السابقة وإيجاد الحلول للتحديات التي يواجهها.

ويضيف الكيومي أن المركز يتيح لمهندسي الشركة إدارة عمليات الحفر عن بعد، مما يتيح زمن استجابة أقصر بدلاً من انتظار انتقال المهندس أو التقني إلى الموقع ليشرف على أية عملية أو إجراء جديد، إضافة إلى توفير وقتهم بشكل كبير، وتقليل فترات (التعطل والتوقف) التي تنجم عن تنقلهم من مكان إلى آخر. حيث "يرتاح الخبراء والمهندسون من عناء التنقل، وتصلهم البيانات السابقة المسجلة وأدوات الرصد في الوقت الحقيقي لمنصات وآبار الحفر التابعة لأدنوك في مختلف أنحاء أبوظبي. وهذا ما يسهِّل عليهم عملهم ويسرِّع عملية اتخاذ القرارات في مشاكل أعمال الحفر ومتعلقاتها، ويوفر وقت السفر والانتقال".

البيانات الضخمة

يتيح مركز بانوراما المراقبة المباشرة للعمليات التشغيلية من خلال استقبال كميات ضخمة من البيانات التي تغطي كافة المراحل، من مرحلة نمذجة ورصد خصائص المكمن النفطي وعمليات التطوير والإنتاج وعمليات التوزيع، إلى الأداء التجاري وإدارة الطاقة ومتابعة مؤشرات الأداء الرئيسية في كافة وحدات شركة أدنوك. وهم يقومون بتحليل هذه البيانات من خلال استخدام محركات التحليل الذكية والاستفادة من مزايا الذكاء الاصطناعي، وذلك لإيجاد حلول جديدة لتحسين الأداء العام والعالمي لشركة أدنوك.

ومن خلال شاشة (LED) هائلة الحجم تمتد على مسافة عرضية قدرها 50 متراً وسماكة 3 ميليمترات وتمتد من الأرضية إلى السقف، تُقدَّم مجموعة متنوعة من المعلومات الآتية من مختلف وحدات الشركة، تتراوح من معلومات الاحتياطي النفطي والآبار البترولية إلى بيانات مواقع منصات الحفر، إلى بيانات البنية التحتية للإنتاج مثل خطوط الأنابيب. وجعل كل هذه البيانات في متناول اليد يتيح لفريق العمل أن يرسم خطط الإنتاج والصيانة بصورة أفضل، وأن يحدِّد السعة الإضافية المتوافرة من النفط بدقة، من أجل الاستجابة لطلبات السوق الإضافية. كما يتيح المركز أيضاً إدارة  عمليات (التعطل والتوقف)، وتحديد الوحدات الأخرى التي تستطيع تعويض ذلك النقص.

ولضمان الاستغلال الأمثل للأصول والبنية التحتية، يتلقى المركز بيانات عن مختلف عمليات أدنوك، تشمل معلومات الإنتاج والتكرير والمبيعات والتسويق، وأماكن وجود ناقلات أسطولها الذي يقوم بتوصيل منتجاتها إلى العملاء حول العالم. كما يعرض المركز معلومات ومعايير الصحة والسلامة والبيئة في كافة شركات المجموعة، وإدارة الطاقة، وبياناتها المالية، فضلاً عن بيانات السوق.

ويتيح كذلك إمكانية رصد مؤشرات الأداء ومراقبتها، ويساعد على تحديد فرص التحسين ومجالات تعزيز القيمة، كما يوفر معلومات دقيقة وفورية في الوقت المناسب لدعم سرعة اتخاذ القرار على مستوى الإدارة.

تحقيق التكامل بين تقنيات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة

تعمل أدنوك على دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة في عملها، باستخدام إستراتيجية مكونة من ثلاث خطوات أساسية.

تتمثل الأولى في تجميع البيانات وتنسيقها؛ حيث إن نظام التجميع والتنسيق للبيانات الضخمة الواردة من مختلف العمليات التشغيلية على مستوى مجموعة أدنوك يتيح إدخال هذه البيانات ضمن نماذج حسابية متقدمة مدمجة في منصتها المتكاملة للإنتاج والتخطيط. ومع التوسع في تطبيق الذكاء الاصطناعي، يمكن للشركة تحديد الفرص المتاحة، وكذلك ربط بياناتها ببيانات السوق المعقدة لوضع سيناريوهات وتوصيات تُسهم في تحقيق التكامل الأمثل وتعزيز الكفاءة عبر كافة مراحل ومجالات الأعمال. كما يساعد الذكاء الاصطناعي الشركة في أن تكون مواكبة للتوجهات العامة للقطاع، وأكثر قدرة على الاستجابة للطلب في الأسواق بسرعة ومرونة.

أما الخطوة الثانية فهي نظام حوسبة عالي الأداء، ففي مجال الاستكشاف والتطوير والإنتاج، تستخدم الشركة نظام حوسبة عالي الأداء، وشبكات تحليلية متقدمة لتحديد فرص وجود المكامن في باطن الأرض على نحو أكثر دقة، وكذلك المساهمة في تعزيز استخلاص الموارد الهيدروكربونية في الحقول المطورة من خلال تحسين توصيف المكامن. وسيقوم الذكاء الاصطناعي بدور مكمِّل لأنشطة الشركة بما يدعم عملية اتخاذ القرارات المناسبة لتحديد المكامن وتطوير الحقول والمساهمة في تعزيز القيمة الاقتصادية.

وأخيراً تأتي خطوة الاستفادة من تطور تقنيات تعلم الآلة، حيث توفر التطورات التقنية الأخيرة في قطاع تعلم الآلة العديد من الاستخدامات في عمليات حفر الآبار، التي تمكِّن الشركات النفطية من الاستجابة التلقائية لاهتزازات سلسلة الحفر وعزم الدوران والسحب والطاقة الميكانيكية المحددة ومؤشرات تنظيف البئر، بما يسهم في تعزيز أداء الحفر بشكل فوري ومباشر، وكذلك تقليل مدة حفر البئر، فضلاً عن التنبؤ بحالات القصور المحتملة في المعدات، مما يقلِّل من حالات تعطلها أو توقفها المفاجئ، ويوفر على الشركة التكاليف الباهظة المترتبة عن ذلك.

وبطبيعة الحال لا تقتصر تطبيقات الذكاء الاصطناعي على مجال الاستكشاف والتطوير والإنتاج، بل يمكن كذلك دمجها في كافة جوانب العمليات التشغيلية، بما في ذلك إدارة البنية التحتية وفحص الآبار وخطوط الأنابيب، والإجراءات الأمنية، والمسح ورسم خرائط المواقع والطائرات بدون طيار المعززة بتقنية الذكاء الاصطناعي، وتحديد الأخطار أو أوجه القصور المحتملة وتجنبها، أو حتى توصيل المواد إلى المواقع البحرية النائية. وتتيح تقنيات تعلم الآلة والذكاء الاصطناعي فرصاً لا تحصى لخلق وتعزيز القيمة الاقتصادية وتقليل التكاليف، مع الحفاظ على الأمن والسلامة لأصول أدنوك وعملياتها.

الفروق والتكامل

وعند سؤال الكيومي عما إذا كان المركزان قريبين من بعضهما في المكان، وعن وجود أي تكامل بين مهامهما، قال: "يشغل مركز ثمامة ومركز بانوراما طابقين متتاليين في المبنى الرئيسي لشركة أدنوك. وهذا ما يعزِّز التعاون والتفاعل الوثيق بين المركزين، كما يسهِّل التكامل ومشاركة البيانات بينهما. ويؤمن مركز ثمامة بيئة تضم جميع الخبراء في الحقول والمكامن البترولية، إضافة إلى علماء البيانات لتحليل المُخرجات التي نحصل عليها، حيث يوفر لهم مركز ثمامة أحدث تقنيات التحليل والنمذجة البصرية المتطورة. بينما يعمل مركز بانوراما على تبسيط البيانات الضخمة القادمة من مختلف وحدات التشغيل والأعمال، بحيث يوفر لنا رؤى رقمية تجارية دقيقة وآنية”.

ومن خلال استخدام محركات التحليل الذكية وخوارزميات الذكاء الاصطناعي، يفكك العلماء والمهندسون في الشركة هذه الإحصائيات والأرقام لإيجاد حلول جديدة لتحسين أداء الشركة. وتتم ضمن المركزين العمليات المطلوبة من قِبل فرق كل منهما، إضافة إلى كونهما هيئات لاتخاذ القرارات، ولذلك تحرص الإدارة العليا على زيارة هذه المراكز عندما يتم اكتشاف حلول أو توصيات عملية جديدة، أو عندما يطلب الحصول على البيانات الآنية والدقيقة لعمليات الشركة وأدائها.