كيف تعمل خرائط جوجل؟

5 دقائق

حول خدمة خرائط جوجل
منذ إطلاق محرك بحث جوجل سنة 1998، تم الإعلان عن المبدأ والغاية التي تلخص فلسفة الشركة: تنظيم المعلومات حول العالم وجعلها متاحةً وقابلةً للاستخدام على نطاقٍ عالميّ. حتى اليوم، يُمثل هذا المفهوم الهدف الرسميّ المعلن لشركة جوجل، وفي حين أنها تمكنت من تحقيق جزءٍ كبيرٍ منه عبر محرّك بحثها، إلا أن نمطاً آخر من المعلومات يستوجب تنظيمه وجعله متاحاً للاستخدام: خدمات الملاحة والتوجه ومعرفة الأماكن. هذا الأمر شكّل الدافع الأساسيّ لنشوء خدمة خرائط جوجل. 

بدأت قصة خرائط جوجل على شكل برنامجٍ مكتوبٍ بلغة سي بلس بلس في شركة وير تو تكنولوجيز Where 2 Technologies، الذي تم تصميمه أساساً ليكون برنامج خرائط قابل للتحميل من قبل المستخدمين، ثم تم تحويله ليكون برنامجاً قابلاً للاستخدام على الويب. قامت جوجل سنة 2004 بالاستحواذ على شركة وير تو تكنولوجيز وتم تحويل التطبيق ليصبح خرائط جوجل، ثم أتبعت جوجل تلك الخطوة بالاستحواذ على شركة كيهول المختصة بتوفير خدمات إبصار البيانات الجغرافية، وهي الخطوة التي ألحقت أيضاً باستحواذٍ آخر على شركة زيب داش المتخصصة بتوفير معلوماتٍ في الزمن الحقيقي حول حالة الطرق. وعبر دمج التقنيات المكتسبة من الشركات الثلاث تم الإعلان رسمياً عن خدمة خرائط جوجل في شهر فبراير سنة 2005، التي تطوّرت بشكلٍ كبير منذ ذلك الوقت. 

أصبحت خدمة خرائط جوجل اليوم أبرز وأشهر خدمات الملاحة والخرائط المتوفرة للمستخدمين، حيث تتيح مُشاهدة الخرائط بدقةٍ عالية اعتماداً على صور الأقمار الصناعية، والصور الجوية وخرائط الطرقات والصور البانورامية بتقنية 360 درجة بالإضافة لمعلوماتٍ في الزمن الحقيقيّ حول حالة الطرقات ووسائل المواصلات والمسافة والوقت المطلوبين للتنقل بين مكانين مختلفين وذلك بالنسبة لراكبي السيارات والدراجات وحتى سيراً على الأقدام. بلغ عدد مستخدمي خدمة خرائط جوجل أكثر من مليار مستخدم بحلول عام 2020. 

قد يكون صعباً بالنسبة للكثيرين في وقتنا الراهن تخيل حياتهم من دون خدمة خرائط جوجل: هل تريد التوجه لشارعٍ لم تذهب له من قبل؟ لا مشكلة، لأن تطبيق خرائط جوجل سيعرض لك أقصر مسارٍ ممكن مع توجيهاتٍ صوتية. هل تريد استكشاف المطاعم الموجودة حولك؟ لا مشكلة، خرائط جوجل ستعرض لك كل المطاعم المتواجدة حولك مع تقييمٍ لجودتها وصور حول المطعم نفسه. هل تريد حساب الوقت اللازم لرحلةٍ طويلة تريد قضائها مع العائلة؟ أيضاً لا مشكلة، خرائط جوجل ستقوم بذلك لأجلك. هكذا إذن، أصبحت خدمة خرائط جوجل بوصلتنا الرقمية التي نستخدمها بشكلٍ يوميّ ونعتمد عليها ليس فقط من أجل معرفة الاتجاهات وإنما أيضاً لاستكشاف المناطق من حولنا والحصول على معلومات حالة الطرق ووسائل المواصلات والوقت اللازم لقطع مسافةٍ ما بالنسبة لراكبي السيارات والدراجات وحتى سيراً على الأقدام.

خرائط جوجل: مصادر المعلومات
من السهل ملاحظة أن خرائط جوجل تعمل على دمج كمٍ كبيرٍ من البيانات والمعلومات المتنوعة والمختلفة والمتشعبة، فكيف تستطيع جوجل إذاً الحصول عليها؟ بشكلٍ بسيط، يمكن القول أن جوجل تعتمد على مصدرين أساسيين للمعلومات التي تساهم ببناء خدمة خرائطها وتجعلها فريدةً بالشكل الذي هي عليه اليوم: التمويل الخارجي للمعلومات والتمويل الجمعيّ للمعلومات. التمويل الخارجيّ هو ببساطة الحصول على المعلومات من مصادر خارجية، مثل شركاتٍ وهيئاتٍ متخصصة بمجال الخرائط والبيانات المكانية. مثلت هذه الطريقة حجر الأساس لجوجل عند بدايات خدمة الخرائط الخاصة بها، ولكن المشكلة أن هذه المعلومات ساكنة وتتطلب تحديثاً دورياً، وهذا التحديث يجب أن يكون من المصدر، ولهذا السبب سعت جوجل مبكراً لتوفير مصدرٍ آخر من المعلومات، وهو التمويل الجمعي Crowdsourcing، والمقصد به استثمار البيانات والمعلومات التي يقوم المستخدمون بتوليدها بشكلٍ متواصل وكل يوم. 

ومع مرور الوقت، تزايد اعتماد جوجل على مصادر التمويل الجمعيّ بما يؤدي لامتلاكها لبيانات ومعلومات الخرائط والطرق، وقلّ اعتمادها على مصادر التمويل الخارجيّ، وهو ما منحها استقلاليةً أكثر. أحد الأمثلة الشهيرة على ذلك هو عرض المعلومات الخاصة بحالة الطرق على الخرائط: تستخدم جوجل ألواناً مختلفة لإظهار حالة الطرق، مثل اللون الأحمر للإشارة للازدحام الشديد أو اللون الأخضر للإشارة لحالة مرور طبيعية. في بدايات خدمة خرائط جوجل تم الاعتماد على الحساسات المتواجدة في الشوارع التي تعود للمنظمات والهيئات الحكومية، والتي تتيح معرفة عدد السيارات والمركبات التي تعبر شارعاً ما خلال فترةٍ زمنية محددة. بدأت جوجل الاعتماد على فكرة التمويل الجمعيّ بدءاً من سنة 2009 كوسيلةٍ تستخلص معلومات الازدحام وحالة الطرق اعتماداً على المعلومات التي تقوم بتسجيلها الحساسات المختلفة الموجودة ضمن الهواتف الذكية. 

لو أردنا الخوض بمزيدٍ من التفاصيل، فإنه يمكن تقسيم مصادر معلومات جوجل في خرائطها على النحو التالي: 

1- برنامج الشراكة
تمتلك جوجل برنامج شراكة خاصة بخدمة الخرائط، وهو يتضمن عدداً كبيراً من الوكالات والشركات التي تقوم بتوفير معلوماتٍ ومعطياتٍ دقيقة حول الخرائط والطرق والأماكن المختلفة، وبعض هذه الوكالات رسمية وحكومية وبعضها الآخر شركاتٌ متخصصة في مجال المعلومات الجغرافية والمكانية. من الأمثلة الشهيرة على الوكالات الرسمية الموجودة في برنامج الشراكة الخاص بخرائط جوجل وكالة خدمات الغابات الأميركية، وهيئة خدمات المرافق العامة الأميركية وهيئة المسح الجغرافيّ الأميركية، فضلاً عن مجالس المدن والمجالس المحلية الأخرى. تحصل جوجل على معلومات الخرائط عبر شركاتٍ متخصصة بالبيانات الجغرافية والمكانية، وذلك سواء عبر شرائها وامتلاك حقوق ملكيتها، أو عبر دفع قيمةٍ مادية مقابل استخدامها، كما هو الحال مع معلومات الخرائط المتعلقة باليابان التي يتم استئجارها من قبل الشركة اليابانية زينرين، أو معلومات الخرائط في روسيا التي يتم استئجارها من قبل شركة تيلي أتلاس الهولندية. وعبر التزويد المستمر لهذه البيانات تستطيع جوجل تحديث المعلومات المعروضة على خدمة الخرائط، مثل إنشاء طريق جديدٍ للدراجات أو افتتاح شارعٍ جديد أو إغلاق شارعٍ آخر. 

مُعظم الصور التي تعتمد عليها جوجل في بناء خرائطها هي صور جوية ملتقطة على ارتفاعاتٍ تتراوح بين 240 حتى 460 متر بالإضافة لصور الأقمار الصناعية، وبسبب تنوع مصادر الصور ورغبة جوجل بتوفير آليةٍ سلسلة لمشاهدة تفاصيلها، تقوم الشركة بتطبيق خوارزمية رياضية في مجال معالجة الصور تُعرف باسم خوارزمية الخياطة Stitching Algorithm، التي تؤدي لتشكيل صورةٍ واحدة لمشهدٍ كبير عبر جمع مجموعةٍ من الصور الأصغر وربطها مع بعضها البعض عبر التعرّف على حواف هذه الصورة وإيجاد نقاط التشابه والتقاطع فيما بينها (تستخدم أيضاً هذه الخوارزمية في تطبيقات توليد الصور بتقنية 360 درجة). 

2- خدمة مشاهدة الشوارع Street View
أطلقت جوجل خدمة ستريت فيو سنة 2007 كوسيلةٍ رائعة تتيح للمستخدمين مشاهدة الصور الحقيقية للشوارع وما تتضمنه من أماكن ومعالم والتنقل بها، وذلك عبر توفير صورٍ بانورامية ملتصقة مع بعضها البعض تتيح إدارة المشهد بزاوية 360 درجة. من أجل توفير هذه التقنية تعتمد جوجل على شبكةٍ ضخمة من السيارات والعربات المتنقلة حول العالم التي تقوم بالتقاط صورٍ متواصلة للشوارع والمعالم الخاصة بها ومن ثم دمجها مع المعلومات والصور المتوّفرة ضمن خدمة الخرائط. 

توّفر خدمة ستريت فيو مصدر معلوماتٍ هام بالنسبة لجوجل وخدمة الخرائط الخاصة بها، حيث يتم ربط الصور الملتقطة للشوارع بشكلٍ فوريّ مع معلومات نظام تحديد المواقع العالميّ، ومن ناحيةٍ أخرى توّفر هذه الصور معلوماتٍ قيمة حول الأماكن العامة والمطاعم والمقاهي والمرافق المختلفة بفضل نظام التعرف البصريّ على المحارف الذي يمكن عبره تحليل العبارات والجمل في الصور لفهم مدلولاتها. 

3- التعرف على المكان الجغرافيّ في الهواتف الذكية
تتضمن كل الهواتف الذكية خاصية تفعيل التعرف على المكان الجغرافيّ، وهي الخاصية التي تتيح للتطبيقات المختلفة معرفة مكان المستخدم وموقعه الجغرافيّ. تعتمد خدمة خرائط جوجل على هذه الخاصية، ولكن المهم معرفته هنا هو أنه وعند إعطاء صلاحية الوصول للموقع الجغرافيّ لبرمجيات جوجل على الهاتف الذكيّ، فإن هذا يعني جمعاً متواصلاً للبيانات الخاصة بمكان المستخدم، التي يمكن استخدامها في مجالاتٍ مثل عرض معلومات حالة الطرق والازدحام في الزمن الحقيقيّ والزمن اللازم لقطع مسافةٍ بين نقطتين، أو حتى لمعرفة أمورٍ مثل الأوقات التي ستكون فيها بعض الأماكن -مثل المطاعم والمقاهي- بحالة ازدحام، وما ساعات الذروة الخاصة بها. 

4- المُستخدمون
في حين أن جوجل لا تزال بحاجة شركائها للحصول على صور الخرائط والأقمار الصناعية، إلا أنها تستطيع الاعتماد على مصدرٍ مستقلٍ آخر للمعلومات يجعلها تبني قاعدة بيانات خاصة بها: المستخدمون، ولأجل ذلك أطلقت جوجل خدمة أطلقت عليها اسم "صانع خرائط جوجل Google Map Maker" سنة 2008، التي تتيح للمستخدمين مشاركة معلوماتهم وخبراتهم ووضعها ضمن تطبيق الخرائط. تم إيقاف هذه الخدمة سنة 2017 بعد أن تم دمجها كلياً ضمن خدمة الخرائط، ومن ثم تم إطلاق خاصية أخرى هي "الدليل المحلي Local Guide" التي تمثل برنامجاً تشاركياً من جوجل يتيح للمستخدمين تقديم معلوماتٍ حول الأماكن المختلفة التي يزورونها، مثل نوع الأطباق الذي يتم تقديمه في مطعمٍ ما، أو توّفر المراحيض العامة ضمن محطات الحافلات. لتشجيع المستخدمين أكثر على المساهمة في تقديم هذه المعلومات، تقوم جوجل بمنحهم نقاط على كل مشاركةٍ يقومون بها، وعبر جمع عددٍ كافٍ من النقاط يمكن الفوز بأمورٍ مثل مساحة تخزين إضافية على خدمة التخزين السحابيّ جوجل درايف.