عقب ظهور جائحة كوفيد-19، ارتفع معدل الإقبال على التمويل اللامركزي (DeFi) القائم على تكنولوجيا سلسلة الكتل البلوك تشين، مع إجراء المزيد من المعاملات أكثر من أي وقت مضى. حيث أظهر استطلاع أن المواقف تجاه تبني تكنولوجيا البلوك تشين في عدد من القطاعات الرائدة كانت أكثر من إيجابية، وأن تكنولوجيا البلوك تشين قابلة للتطوير على نطاق واسع وستحقق في النهاية التبني المتوقع.
وإحدى مبادرات تكنولوجيا البلوك تشين المحددة التي بدأت في اكتساب قوة جذب كبيرة في الفترة الأخيرة، هي تكنولوجيا العقود الذكية (Smart Contracts)، والمعروفة أيضاً بأتمتة تنفيذ الاتفاقيات، لفعاليتها الكبيرة في تبسيط عملية المعاملات عبر الحدود. ولكن السؤال هو: هل يمكن لتكنولوجيا العقود الذكية أن تسير على الطريق الصحيح لاعتمادها على نطاق عالمي في المستقبل القريب؟
وفقاً للخبراء، فإن تكنولوجيا العقود الذكية القائمة على تكنولوجيا البلوك تشين سوف تحدث ثورة في العديد من القطاعات وبالتحديد قطاع البنوك والصناعة المالية والمصرفية بشكل عام، حيث إن الإقبال الكثيف للمؤسسات المالية العالمية على تبينها له دور كبير في انتشارها مستقبلاً، حيث من المتوقع أن يصل الإنفاق العالمي على حلول البلوك تشين إلى 19 مليار دولار بحلول عام 2024.
اقرأ أيضاً: ما هي فوائد تكنولوجيا البلوك تشين في قطاع العقارات؟
كيف تعيد تكنولوجيا العقود الذكية تشكيل قطاع الخدمات المالية؟
عند استخدام العقود الذكية في مجال الخدمات المالية والمصرفية، من المتوقع أن تغيّر الطريقة والسرعة التي يتم بها تنفيذ الأعمال بشكل كبير، مثل:
الحد من عمليات سرقة الهوية
تقدم العقود الذكية القائمة على البلوك تشين حلاً جديداً قد يتضمن خدمة توقيع إلكتروني شاملة، والذي يسمح بالوصول إلى مفتاح خاص ومفتاح عام، وبينما يوفر المفتاح العام الوصول إلى سجلاتك العامة، فإنه يوفر أماناً ملموساً حيث لا يمكن لأي شخص تغيير بياناتك أو تحريرها. ومع ذلك، يسمح لك المفتاح الخاص بمنح حق الوصول إلى العناصر المطلوبة الخاصة بك وحدك، ومن ثم تساعد هذه الطريقة البسيطة في منع سرقة الهوية وتقييدها.
اقرأ أيضاً: وأخيراً... اكتشاف فائدة فعلية للعقود الذكية في البلوك تشين
معالجة خالية من الأخطاء لمطالبات التأمين
يعتبر تقييم شرعية مطالبات التأمين عملية شاقة، حيث يستغرق التحقق من شروط العقد اليدوي والتحقق من صحة المطالبة وقتاً طويلاً. ولكن عند استخدام تكنولوجيا العقود الذكية يمكن معالجة هذه المطالبات تلقائياً، من خلال تقديم المطالبات بسهولة والتحقق التلقائي من خلال دفاتر الأستاذ اللامركزية في شبكة البلوك تشين، ما يقلل من مخاطر التعويض عن المطالبات الاحتيالية من قبل المؤسسة المالية.
الحوالات المالية في الوقت الحقيقي
أدى اعتماد طرق الدفع الرقمية إلى زيادة الطلب على نظام تحويلات لا يمكن التلاعب به. حيث تسهل العقود الذكية المستندة إلى البلوك تشين معالجة الدفع، ما يسمح بتحويل الأموال في الوقت الفعلي مع الحفاظ على الدقة والشفافية. كما أنها تسرّع من تسوية المعاملات من خلال السماح بالتحقق المستقل منها.
اقرأ أيضاً: من الرقمية إلى الحياة الواقعية: 5 مشكلات يمكن أن تحلها تكنولوجيا البلوك تشين
تدقيق شفاف للمعاملات
يعد حفظ السجلات أمراً ضرورياً في القطاع المصرفي لتسهيل عمليات التدقيق. ولكن تتضمن العقود التقليدية الكثير من الأعمال الورقية، ويتعين على البنوك استثمار الكثير من الموارد لإدارتها. ولكن عند استخدام العقود الذكية يمكن القضاء على هذه العملية، حيث تدعم العقود الذكية أدوات مسك الدفاتر المتقدمة، التي تستند إلى أكواد برمجية غير قابلة للتلاعب وموزعة لا مركزياً عبر شبكة البلوك تشين، ما يساهم في تعزيز شفافية السجلات المخزنة، والقضاء على أي احتمالات لاختراقها والتلاعب بها.
المعاملات السلسة من نظير إلى نظير
تتمحور عمليات البنوك حول العملاء، وعندما تتطلع إلى تطبيق تكنولوجيا لمساعدتهم، فإن التأكد من أنها تعمل بكفاءة أمر ضروري، حيث تستخدم العقود الذكية تكنولوجيا دفتر الأستاذ الموزع (DLT) للقضاء على وساطة الطرف الثالث، ما يؤدي إلى خفض التكلفة وتبسيط المعاملات لمن ليس لديهم حساب مصرفي.
بالإضافة إلى ذلك، مع اتجاه تجار التجزئة لتبني العملات الرقمية المشفرة، فإن ذلك من شأنه أن يُسهل المدفوعات من نظير إلى نظير، حيث تتيح العقود الذكية مثل هذه المعاملات، بما في ذلك المدفوعات عبر الحدود، دون مشاركة أي طرف ثالث غير موثوق به، ما يوفر الراحة والاستقرار.
اقرأ أيضاً: هل تكره المحامين وتكاليفهم الباهظة؟ عقود البلوك تشين الذكية جاهزة للنجدة
هل تساعد تكنولوجيا العقود الذكية على ظهور البنوك الرقمية؟
من شأن رقمنة العمليات المالية، مثل استخدام العقود الذكية، أن تأخذ الفوائد التي تقدمها تكنولوجيا البلوك تشين إلى مستوى آخر تماماً، حيث يمكنها أن تمهّد الطريق لظهور البنوك الرقمية (Digital Banking)، التي ستعمل عبر الإنترنت لتوفير الخدمات التي كانت متاحة فقط عند زيارة الفرع، حيث يمكن أن تساهم في تبسيط العديد من العمليات، مثل:
-
المقاصة والتسوية التجارية
توفر تكنولوجيا العقود الذكية للبنوك القدرة على تبسيط أنشطة المقاصة والتسوية التجارية، والتي تعتبر عرضة للأخطاء بسبب مشاركة مختلف الأطراف للموافقات والتسويات، حيث تساعد العقود الذكية في تجنب التناقضات وتوفير التكاليف من خلال تطوير نظام فعّال للتسوية.
-
سلسلة التوريد ووثائق تمويل التجارة
تساعد دفاتر الأستاذ اللامركزية المدعومة بتكنولوجيا البلوك تشين في تبسيط سلسلة التوريد ووثائق تمويل التجارة، حيث تعتبر أكثر كفاءة من الأنظمة الورقية، وتقلل بشكل كبير من وقت المعالجة. علاوة على ذلك من المتوقع أن تُسهل عمليات التوثيق وإدارة سير العمل من خلال التوقيعات الرقمية.
-
الإقراض بشروط وأحكام محددة جيداً
غالباً لا تساعد الأنظمة القديمة عدداً كبيراً من المقترضين على تلبية معايير الإقراض الصارمة لمؤسسات الإقراض التقليدية، ومن ثم يساعد نشر نظام العقود الذكية في مراقبة قروض هؤلاء المقترضين. على سبيل المثال، باستخدام دفتر الأستاذ الموزع، يمكن للمقترضين الحصول على قرض من البنك مباشرة، ما يساعد على تقصير الجداول الزمنية التي يمكن للمقترض من خلالها الحصول على القروض التي يريدها.
اقرأ أيضاً: لماذا لا يثق الناس في أنظمة البلوك تشين؟
-
تحسين عملية اعرف عميلك لمنع الاحتيال
جعلت العمليات المصرفية في جميع أنحاء العالم عملية التحقق من هوية العميل، المعروف أيضاً باسم اعرف عميلك (Know Your Customer) إلزامية، لأنها تعتبر خطوة أساسية في مكافحة الجرائم المالية وغسل الأموال. ومع ذلك، فإن الحصول على سجلات ائتمانية للعملاء في ظل الأنظمة القديمة أمر شاق ومكلف. ومن ثم يمكن لنظام العقود الذكية أن يساعد البنوك على تبسيط عمليات اعرف عميلك، والتحقق بسهولة من هوية العميل من خلال السجلات المحفوظة على شبكة البلوك تشين وتتبع التاريخ الائتماني للعميل.
ختاماً، في الوقت الحالي يوجد العديد من القطاعات التي تستخدم العقود الذكية في معاملاتها، مثل قطاع العملات الرقمية المشفرة، ونتيجة لذلك من المتوقع أن تصبح العقود الذكية أكثر انتشاراً مع ازدياد فهم الناس لها، واكتساب الثقة في تكنولوجيا البلوك تشين، التي يمكنها إدارة جميع أنواع المعاملات والاتفاقيات التعاقدية تقريباً. ومن ثم كلما تم إبرام المزيد من العقود الذكية، فإنها ستكون بمثابة نماذج ومرجعية لأي اتفاقات أو عقود مماثلة، وبالنسبة للمسائل القانونية الأكثر تعقيداً، من المتوقع ظهور مهنة جديدة تسد الفجوة بين الصياغة القانونية التقليدية والعمليات البرمجية.