تكنولوجيا جديدة تعتمد على كريسبر والذكاء الاصطناعي لإجراء تعديلات جينية وتطوير علاجات مستقبلية

4 دقائق
بمشاركة الذكاء الاصطناعي وكريسبر: إجراء تعديلات جينية وتطوير علاجات مستقبلية
حقوق الصورة: شترستوك. تعديل إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية.

استطاع فريق من الباحثين من جامعة واشنطن الأميركية إيقاظ الجينات المتوقفة عن العمل، عن طريق تعطيل "مفاتيح إيقاف التشغيل" الكيميائية، وذلك من خلال الجمع بين تقنية كريسبر للتعديل الجيني وبروتين مصمم بالذكاء الاصطناعي، بهدف تطوير علاجات جديدة لبعض الأمراض الوراثية والشيخوخة. 

قاد الدراسة المنشورة في دورية "سيل ريبورتس" (Cell Reports)، البروفيسورة "هانيل روهولا بيكر"، أستاذة الكيمياء الحيوية والمديرة المساعدة في معهد الخلايا الجذعية والطب التجديدي (ISCRM) في جامعة واشنطن. وتم تطوير البروتين المصمم بواسطة الذكاء الاصطناعي في معهد الطب وتصميم البروتين (IPD) في جامعة واشنطن أيضاً  بقيادة "ديفيد بيكر"، وهو أستاذ في الكيمياء الحيوية ورئيس المعهد. 

نظرة على التعديلات الجينية والوراثة الجزيئية

التعديلات الجينية ليست بالأمر السهل، وتتطلب تقنيات دقيقة جداً، لكن غالبية التقنيات المستخدمة تُحدث تغيراً دائماً في تسلسل الحمض النووي، وتسبب تغيرات مختلفة عن تلك المقصودة من البحث.

قبل الحديث عن إنجاز الباحثين في جامعة واشنطن، يجب أن نلقي نظرة على بعض المفاهيم التي تساعد في فهم عملهم، إذ يجب أن نعلم أن المادة الوراثية للإنسان المعروفة باسم الحمض النووي "الدنا" (DNA)، هي عبارة عن تسلسل يحتوي مجموعة من المورثات "الجينات"، ويحمل الجين الواحد تعليمات لصنع بروتين واحد، والتلاعب في هذه الجينات قد يؤدي لمشكلات كارثية حيوية وأخلاقية.

لتفسير التعليمات المشفرة ضمن الجينوم، توجد مجموعة من المركبات الكيميائية والبروتينات تسمى "فوق الجينات" أو "الإيبيجينوم"، وهي المسؤولة عن التعبير عن هذه الجينات، كما أن بعضها مسؤول عن طي سلاسل الـ DNA، وتوضيبها بالشكل المعروف للصبغيات، المعروفة أيضاً باسم "الكروموسومات".

اقرأ أيضاً: استخدام تقنية كريسبر لمحاولة استعادة البصر عند شخص أعمى

التعديلات الوراثية التي قام بها باحثو جامعة واشنطن

في التقنية الجديدة، التي طورها باحثو جامعة واشنطن، أمكن التحكم في نشاط الجينات دون تغيير تسلسل الحمض النووي للجينوم من خلال استهداف البروتينات التي تساعد في تجميع الجينات بشكل صبغيات وتنظم نشاطها. 

ما يميز هذه التقنية أن التعديلات لا تحدث على الجينات، وإنما فوق الجينات أو "الإيبيجينوم"، تسمى التعديلات الكيميائية التي تنظم نشاط الجين بالواسمات اللاجينية. يهتم العلماء بشكل خاص بتعديلات الوراثة اللاجينية لأنها لا تؤثر فقط على نشاط الجينات الوظيفية في الخلية الطبيعية، بل تتراكم العلامات اللاجينية بمرور الوقت، وتساهم في الشيخوخة، ويمكن أن تؤثر على صحة الأجيال القادمة حيث يمكن نقلها إلى الأطفال.

قالت "شيري ليفي" زميلة ما بعد الدكتوراه في معهد الخلايا الجذعية والطب التجديدي في جامعة واشنطن، والمؤلفة الرئيسية للدراسة: "ميزة هذا النهج هو أنه يمكننا تنظيم جينات معينة بأمان للتأثير على نشاط الخلية دون تغيير الجينوم بشكل دائم والتسبب في أخطاء غير مقصودة".

ركزت ليفي وزملاؤها في عملهم على مجموعة من البروتينات تسمى "PRC2"، وهي بروتينات تعمل على إسكات الجينات وإيقاف عملها ومنع التعبير عنها، عن طريق ربط جزيء صغير، يسمى مجموعة الميثيل، بالبروتينات التي تحزم الجينات بشكل كروموسومات، والتي تسمى الهستونات. يمكن عكس هذه العملية بتحديث مجموعات الميثيل هذه، وإعادة تنشيط الجينات المتوقفة عن عملها.

تنشط بروتينات PRC2 عادةً في مرحلة التطور الجنيني، وتلعب دوراً مهماً خاصةً خلال الأيام الأولى من تطور الجنين عندما تتمايز الخلايا الجنينية إلى أنواع مختلفة من الخلايا التي ستشكل أنسجة وأعضاء الجنين النامي. 

يمكن حجب بروتينات PRC2 بالمواد الكيميائية، لكن هذه الطريقة غير دقيقة، ما يؤثر على وظيفة هذا البروتين على امتداد الجينوم. كان هدف باحثي جامعة واشنطن هو إيجاد طريقة لحجب بروتين PRC2 بحيث يتأثر جين واحد فقط في كل مرة، وليس أكثر كما يحدث في التقنيات الأخرى.

اقرأ أيضاً: تجربة ناجحة لتقنية كريسبر في علاج الثلاسيميا بيتا وفقر الدم المنجلي

مساهمة الذكاء الاصطناعي في الدراسة 

هنا جاء دور الذكاء الاصطناعي، حيث لجأ الباحثون إلى الذكاء الاصطناعي لإنشاء بروتين يرتبط بـ PRC2 ويمنع بروتيناً يستخدمه لتعديل الهيستونات. ثم دمجوا هذا البروتين المصمم حاسوبياً بنسخة معطلة من بروتين يسمى Cas9، وهو البروتين المستخدم في عملية تحرير الجينات المسماة "كريسبر"، ويستخدم الرنا RNA كدليل ليحدد موقعاً معيناً على الجينوم. 

يسمح نظام الذكاء الاصطناعي للعلماء، من خلال تخليق دليل رنا معين، بإحضار Cas9 إلى موقع دقيق في الجينوم، وبالتالي قطع الجينات ولصقها في مواقع محددة. ومع ذلك، في هذه التجربة، تم تعطيل وظيفة القطع لبروتين Cas9 بحيث لا يتغير تسلسل الحمض النووي الجيني، وأُطلق عليه اسم dCas9، بمعنى "ميت"، مع الحفاظ على وظيفة Cas9 كوسيلة لإيصال مواد مرغوبة إلى موقع معين نشط، حيث يمكن لبروتين dCas9 هذا أن يصل إلى أي مكان مُراد على الجينوم.

اقرأ أيضاً: حيوان الأبوسوم الأمهق يثبت أن تقنية كريسبر فعالة مع الحيوانات الجرابية أيضاً

فائدة التقنية التي جمعت الذكاء الاصطناعي وكريسبر

أوضحت ليفي وزملاؤها أنه باستخدام هذه التقنية، تمكنوا من كبح بروتين PRC2 وتشغيل أربعة جينات مختلفة بشكل انتقائي. كما أثبتوا قدرتهم على تحويل الخلايا الجذعية المستحثة متعددة القدرات إلى خلايا سلف المشيمة عن طريق تشغيل جينَين اثنين.

باستخدام هذه التقنية، يتم تجنب إضافة عوامل النمو المختلفة والمنشطات الجينية والمثبطات لحثّ الخلايا الجنينية على التمايز. وبدلاً من ذلك، يمكن استهداف مواقع محددة في منطقة محفزات النسخ الجيني، ما يسمح للخلية بالتمايز بطريقة طبيعية.

بالإضافة إلى ذلك، تمكن الباحثون من إظهار كيف يمكن استخدام هذه التقنية للعثور على مواقع تنظيمية معينة يتحكم فيها بروتين PRC2، ومن ثم تنشيط الجينات الفردية. 

لا يعرف العلماء الكثير عن هذه المواقع، لكن في هذه الدراسة، تمكن الباحثون من تحديد منطقة تسمى صندوق "تاتا" (TATA)، على جين يسمى TBX18. إن صناديق تاتا تلك مبعثرة في جميع أنحاء الجينوم، ويُعتقد أنها قريبة جداً من موقع النسخ الجيني. تكمن قوة هذه الأداة الجديدة في قدرتها على العثور على العناصر المهمة المعتمدة على PRC2، وهي في هذه الحالة صناديق تاتا.

يؤكد الباحثون أن التقدم في مجال تصميم البروتينات باستخدام الذكاء الاصطناعي وتقنية كريسبر، يمكن من العثور على الدلائل فوق الجينية الدقيقة المهمة للتعبير الجيني، واستخدامها للتحكم في وظيفة الخلية، وحث الخلايا على التمايز وتطوير علاجات جديدة لبعض الأمراض الوراثية وربما القضاء على الشيخوخة.