قمر اصطناعي روسي يلاحق قمراً اصطناعياً تجسسياً أميركياً في المدار

3 دقائق
شكل توضيحي لقمر اصطناعي عسكري أميركي، دي إم إس بي بلوك 5 دي 2 (ضمن برنامج الأقمار الاصطناعية الدفاعية للأرصاد الجوية).

في 20 يناير، حدث شيء غريب للغاية في المدار؛ فقد قام قمر اصطناعي روسي -ومن دون سابق إنذار- بمناورة للانتقال إلى موضع يتيح له ملاحقة قمر اصطناعي تجسسي أميركي. حالياً، تبلغ المسافة بين القمرين أقل من 300 كيلومتر، وهي مسافة قصيرة في الفضاء. وعلى الرغم من أننا لا ندري بما يحدث بالضبط، فإن تحركات القمر الاصطناعي الروسي توحي وبقوة أنه يحاول التجسس على القمر الأميركي، ولا تستطيع الولايات المتحدة فعل أي شيء يذكر حيال هذا الأمر.

تقول الرواية الرسمية الروسية إن القمر الاصطناعي -الذي يحمل اسم كوزموس 2542- جزء من برنامج لاختبار تكنولوجيات "تفتيش" الأقمار الاصطناعية، بحيث تستطيع البلاد أن تراقب ممتلكاتها المدارية عن كثب. ويُفترض أن يقوم قمر اصطناعي أساسي بإطلاق قمر اصطناعي ثانوي في مكان قريب، ومن ثم يقترب منه ويقوم بتصويره.

غير أن المناورات الأخيرة التي نفذها القمر الأساسي والقمر الفرعي كوزموس 2542 لا تدعم هذه الرواية. ولكن مايكل تومبسون، وهو طالب دراسات عليا يدرس الديناميكا الفضائية في جامعة بوردو وأول من نشر الأخبار حول كوزموس 2542 على تويتر، قد لاحظ أن القمر الاصطناعي الأساسي وثيق التزامن مع القمر الاصطناعي الأميركي يو إس إيه 245 (الذي يتحرك في المدار الأرضي المنخفض على ارتفاع 275 إلى 986 كيلومتراً)، في حين أن القمر الاصطناعي الثانوي لا يبدو ذا وظيفة حقيقية.

على الرغم من أن الأدلة ما زالت ظرفية حتى الآن، فإن توماس روبرتس، وهو زميل سابق مختص بأمن الفضاء والطيران في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية CSIS، يعتقد أن كوزموس 2542 يلاحق يو إس إيه 245 عمداً للتجسس عليه، ويقول: "لا شك في أن الكثير من الأشياء تتحرك في المدار الأرضي المنخفض، ولكن إنفاق الوقود الدافع الثمين بهذه الطريقة للتموضع بشكل مثالي لرؤية قمر اصطناعي آخر هكذا يبدو لي تحركاً تجسسياً فج الوضوح. إنها ليست بصدفة".

يقول تيد هاريسون، الذي يرأس مشروع أمن الطيران والفضاء في CSIS، إن الأقمار الاصطناعية المخصصة للتفتيش تستطيع أن تكشف الأهداف الأرضية التي تراقبها الأقمار التجسسية بدقة. لا نعرف قدرات كوزموس 2542 بالضبط، ولكن هاريسون يتوقع أنه قادر على تحديد فتحة ودقة الكاميرات على متن يو إس إيه 245. وإذا كان مزوداً بمسبار للأمواج الراديوية، فسوف يكون قادراً على التنصت على الإشارات الضعيفة من يو إس إيه 245 لتخمين العمليات الحاسوبية التي تحدث ضمنه، ومتى يعمل، ومتى يلتقط الصور.

في الواقع، فإن روسيا كانت تقوم بعمليات من هذا النوع على نحو منتظم منذ 10 سنوات حتى الآن، وأشهرها ما فعله القمر الاصطناعي الروسي لوك، الذي يتميز بتاريخ طويل من التحرش بالأقمار الاصطناعية الأخرى في المدار الأرضي المستقر والتموضع بجانبها، وبالتالي إثارة غيظ المجتمع الدولي.

غير أن هذا السلوك لا يقتصر على الروس. ويقول برايان ويدن، وهو خبير في السياسات الفضائية في منظمة سيكيور وورلد، إن المثال الأول على هذه الأقمار الاصطناعية التفتيشية كان القمر الاصطناعي الأميركي الذي يحمل الاسم الرمزي "باور"، والذي تم إطلاقه في 1990 ولم تعترف به الولايات المتحدة على الإطلاق. ويبدو أن عمله كان يتلخص في الاقتراب من الأقمار الاصطناعية الأخرى في المدار الأرضي المستقر لمراقبتها. كما أن سلسلة من الأقمار الاصطناعية الصينية -التي بدأت بإطلاق إس جي 12 في 2010- تشير إلى احتمال وجود برنامج صيني مماثل.

يقول ويدن: "ليست روسيا الوحيدة في هذا المجال. ولا يحدث هذا كل يوم، ولكن هناك العديد من الدول التي تختبر هذه الإمكانات مع مرور الوقت، مثل الولايات المتحدة والصين ودول أخرى".

أيضاً، لا توجد قواعد محددة حول الاقتراب إلى مسافات صغيرة، وبالتالي فإن روسيا لا تنتهك أية قوانين. يقول ويدن: "يمكنك أن تقترب قدر ما تشاء، بشرط ألا تلامس القمر الاصطناعي الآخر أو تتدخل في عمله". وبالتالي ليس أمام الولايات المتحدة ما يمكن فعله سوى نقل قمرها إلى موضع مداري جديد، ولكن حتى أصغر المناورات تعني إنفاق الوقود الثمين، ويمكن للقمر الروسي ببساطة أن يتبع القمر الأميركي إلى موضعه الجديد.

لا شك في أن هذه الحادثة الأخيرة مثيرة للقلق، ولكن روبرتس يأمل في أن النقاش والاستجابة سيبقيان بعيداً عن التوقعات المذعورة والمخاوف، ويقول: "يجب أن نتحدث عن هذه الأشياء بالطريقة الصحيحة؛ لأن السلوكيات يمكن أن تكون مريبة دون وجود نية خبيثة".