في ظل زيادة الأتمتة في الوظائف، هل سينهي مديرك عملك؟

3 دقائق

بدأت موجة جديدة من التقنيات تشكِّل خطراً عن طريق أتمتة أعداد كبيرة من الوظائف الحالية، ويبدو أن هذا التوجه سيودي بالمزيد من العاملين إلى البطالة، أو البطالة المقنعة. أما النتيجة فهي زيادة الأشخاص الفائضين عن الحاجة (أي مَن لا يستطيعون العمل أو لا يجدون العمل) والذين لا يستطيعون العيش خارج النظام الرأسمالي ولا يستطيعون العثور على الوظائف اللازمة للعيش في إطاره.

ورغم أن من المشجِّع أن نرى هذه القضايا وقد اكتسبت ما تستحقه من الاهتمام الثقافي، وأنها بدأت تؤثر على صنع السياسات، فغالباً ما يخفق المحللون في استيعاب الطبيعة الشاملة والمتكاملة لمشاكلنا الحالية، وكيف أن أزمة "العمل" هي أيضاً أزمة "منزل"، والعكس صحيح.

إن مصطلح "الرعاية الاجتماعية المنتِجة Social Production" أو "العمل الرعائي المنتِج Productive Labor" يشير باختصار إلى المهام اليومية التي تُعنى بالمحافظة على الحياة ومساعدة الآخرين على العيش، مثل رعاية الأطفال والرعاية الصحية والتنظيف والتبضع أو الإنجاب، وهي التي كانت عادة من مهام النساء لقاء دخل قليل أو بدون دخل على الإطلاق.

وقد شهد تنظيم الرعاية الاجتماعية المنتِجة تغيرات حادة في المجتمعات مرتفعة الدخل منذ منتصف القرن العشرين، فقد عُرِّفت الرأسمالية الكينزية (نسبة إلى عالم الاقتصاد جون كينز) بهيمنة مفهوم الأسرة النواة المؤلَّفة من والدين مختلفي الجنس مع أولادهما الذين يعتمدون عليهما، ومعيار "أجر العائلة". وضمن هذا النموذج، كان عبء الرعاية الاجتماعية المنتِجة يقع بشكل كبير على زوجة تعمل في المنزل كامل الوقت وتعتمد اقتصادياً على زوجها. ولم تبدأ الدولة بالنظر في مسألة الرعاية الاجتماعية المنتِجة إلا ضمن الأنظمة ذات الديمقراطية الاجتماعية.

أما في إطار الرأسمالية الليبرالية الحديثة منذ السبعينيات، فقد خضع هذا النموذج للرعاية الاجتماعية المنتِجة إلى تحولات جذرية. وباختصار، تمت خصخصة نشاطات الرعاية الاجتماعية المنتِجة كنتيجة لتراجع مخصصات الأشكال العامة من العمل الرعائي المنتِج. وبدأنا نرى الآن زيادة الحاجة إلى الدعم نظراً لحاجة عدد أكبر من الناس إلى ساعات أكثر من العمل لكسب لقمة العيش، إضافة إلى زيادة المصاريف الشخصية اللازمة لهذا الدعم، نظراً لأن السوق بدأ يتولى مسألة الرعاية الاجتماعية المنتِجة بدلاً من الدولة.

وقد بدأت أزمة الرعاية الاجتماعية المنتِجة بالتفاقم، مع تزايد الطلب على الخدمات في نفس الوقت الذي يدخل فيه العاملون دون أجر إلى سوق العمل. ومع تناقص أجور العمال بشكل كبير، وتردِّي ظروف العمل، وانكفاء الحكومة عن تخصيص موارد الخدمات العامة، كيف يمكن المحافظة على الرعاية الاجتماعية المنتِجة بطريقة لا تؤدي إلى استفحال الهرمية المبنية على الطبقة الاجتماعية والعرق والجنس؟

من الطرق المحتملة لمعالجة هذه المسألة اللجوء إلى نموذج ما بعد العمل، الذي يهدف إلى التقليل من العمل واعتمادنا على العمل المأجور، وهو يتضمن ثلاثة أهداف أساسية على الأقل:

- وجوب أن نبقى منفتحين على إمكانيات واحتمالات الأتمتة.

- وجوب تخفيض المعايير المنزلية.

- وأخيراً، وجوب إعادة النظر في ترتيبات العيش.

وإن الشكل الحالي للمنزل (عادة على شكل العائلة النواة، في المخيلة الشائعة إن لم يكن في الواقع) قد أتى إلى الوجود بشكل أساسي عبر التغيرات في علاقات العمل. حيث إن التوقعات حول ماهية العائلة ووظيفتها كانت تؤثر بشكل كبير على تحديد أشياء مثل الأجور وساعات العمل والخدمات العامة. فقد تم تحديد خط الفقر في الولايات المتحدة بشكل رسمي على أساس أن كل منزل يتضمن ربة منزل تتصرف على أنها مديرة منزلية حسنة التدبير، تشتري أغراض المنزل بحرص، وتطبخ بمهارة، وتصنع جميع الوجبات في المنزل. أما الواقع فيقول إن أغلب المنازل كانت تفتقر إلى هذا الشكل الرائع من الرعاية الاجتماعية المنتِجة الذي يتجسد بوجود أخصائية اقتصاد بدوام كامل في المنزل، ولهذا فإن تكاليف المعيشة أعلى بكثير مما تم تقديره.

وإن التخلي عن الشكل الحالي للسكن المنفرد لكل عائلة قد يفتح المجال أمام أساليب حياة أكثر استدامة وأكثر فعالية في استهلاك الطاقة، إضافة إلى التقليل من العمل المطلوب للصيانة الأساسية. وإذا تخيلنا وجود منازل تتجاوز مفهوم العائلة التقليدية، فمن الممكن أن نتخيل مجموعات ذاتية الاختيار تعيش معاً، مؤلفة من مزيج من الأقارب والأصدقاء والرفاق والمرتبطين عاطفياً. ويمكن بناء هذا النوع الجديد من العائلات على الانسجام والعاطفة ووجهات النظر المشتركة، بدلاً من شيء ضعيف لا يتجاوز كونه محض صدفة وراثية.

إذن، ما الخيارات المتاحة أمامنا؟ إذا شعرنا بأنه يوجد ما يمكن ويجب فعله للمساعدة على التخفيف من آثار البنى القمعية الحالية، فإنه من المنطقي أن نربط صراعنا ضد القمع بناء على الجنس (بما في ذلك التوزيع غير العادل لوقت الفراغ والعمل المنزلي) بصراعنا ضد الممارسات غير العادلة في العمل.

ما نحن في حاجة إليه هو صراع مستميت ضد نظام واحد ثنائي مبني يحدد توزيع العمل على أساس الجنس، صراع يقوم على فكرة تقول بأن جهودنا لإعادة توزيع العمل، وتقسيم الفرص والالتزامات بشكل أكثر عدالة، ستبقى محدودة الأثر ما لم تتغير أفكارنا حول الجنسين بشكل كامل. وبرأينا، فإن توزيع العمل والاستقلال في الوقت سيبقى غير عادل ما دامت العائلة التقليدية القائمة على السيطرة الذكورية مهيمنة على آفاق مخيلتنا الثقافية.

يجب إذن أن يتوقف اليسار عن تصوير جهودنا على أنها تهدف إلى مساعدة "العائلات الكادحة"؛ كونها تعبر عن بنية قائمة على السيطرة الذكورية، وهي بالضبط ما يجب أن نناضل ضده. وبدلاً من ذلك، يجب أن نسعى إلى عالم ما بعد العمل وبعد التمييز على أساس الجنس وبعد الرأسمالية.

يمكنك قراءة المقالة الكاملة هنا.