مقابلة مع مؤسس شركة «أسترا تك» الإماراتية حول استراتيجيات تبني الذكاء الاصطناعي في الشركات

7 دقيقة
سقوط العمالقة: لماذا تفشل بعض الشركات الكبرى في عصر الذكاء الاصطناعي؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ArtMediaWorx

في عصر الذكاء الاصطناعي، حيث البيانات هي العملة والابتكار هو مفتاح البقاء، تجد الشركات الكبرى نفسها على مفترق طرق؛ إمّا التكيُّف وإمّا المخاطرة بالتخلف عن الركب. وعلى الرغم من الموارد والإمكانات الهائلة التي تتمتّع بها الشركات الكبرى مقارنة بالشركات الناشئة أو الصغيرة، فإن التقدم السريع في نماذج وتقنيات الذكاء الاصطناعي أعاد تشكيل قطاع الأعمال خلال الأعوام الماضية، تاركاً مختلف الشركات في مواجهة تحديات غير مسبوقة تؤدي ببعضها أحياناً إلى التعثر وربما حتى السقوط في النهاية.

اقرأ أيضاً: كيف تهيمن الشركات التكنولوجية الكبرى على مشهد الذكاء الاصطناعي؟ 

مقابلة مع عبدالله أبو الشيخ

أجرت "إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية" مقابلة مع مؤسس شركة أسترا تك (Astra Tech) الإماراتية والرئيس التنفيذي لشركة بوتيم (Botim)، عبدالله أبو الشيخ، لاستكشاف الأسباب التي تجعل الشركات الكبرى تعاني من أجل مواكبة وتيرة التطور والابتكار في عصر الذكاء الاصطناعي، و كيف يمكن التغلب على تحديات إدارة البيانات للاستفادة من هذه التكنولوجيا في ظل مشهد الأعمال الحالي شديد التنافسية.

عبدالله أبو الشيخ هو الرئيس التنفيذي لشركة بوتيم (Botim)، ومؤسس شركة أسترا تك (Astra Tech) الإماراتية، وهي المجموعة القابضة التي تقف وراء شركات مثل بوتيم (Botim) وبايباي (PayBy) ورزق (Rizek). وتقول "أسترا تك" إنها دمجت هذه الشركات في أول "منصة ألترا" في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، تجمع بين خدمات الاتصالات والخدمات المالية وغيرها.

أسس أبو الشيخ "منصة رزق" عام 2019. وقبل ذلك، تولى منصب الشريك الإداري في كلٍّ من شركة لوكس دي بي (LuxDP)، وشركة إنارة كابيتال (Enara capital) بين عامي 2016 و2019، كما عمل مستشاراً للأعمال في مجموعة هواوي لأعمال المستهلكين بين عامي 2015 و2019. وقد حصل على درجة البكالوريوس في العلوم المالية عام 2015 من جامعة دالهاوسي في كندا، ثم على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من كلية لندن للأعمال عام 2021.

عُدِل الحوار للاختصار وتعزيز الوضوح.

خلال السنوات الأخيرة، رأينا العديد من الشركات الكبرى تعاني أو تفشل على الرغم من قدرتها على الوصول إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة. في رأيك، ما العوامل الرئيسية التي تسهم في هذه الإخفاقات؟ وما الذي يجعل العديد من الشركات الكبرى تواجه صعوبة في دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكلٍ فعّال في عملياتها؟

تنتشر قصص الإخفاق في تبنّي الذكاء الاصطناعي على وجه الخصوص في الشركات الكبرى بسبب مجموعة من العوامل التي تشمل ما يلي:

  • نقص المرونة: وجود ثقافات مؤسسية جامدة، وميل المؤسسات الكبرى إلى المبالغة في تقدير ميزتها التنافسية، أو الاستخفاف بالمؤسسات الأصغر في السوق. نرى بعض الشركات الكبرى عالقة في "مرحلة الانتظار"؛ حيث تكتفي إجمالاً بانتظار نضوج تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي قبل أن تستطيع تبنيها أو دمجها في عملياتها، وهو أسلوب لا يتوافق مع الطبيعة السريعة التقلب للتكنولوجيا، ومن أبرز الأمثلة على هذا شركتا بلاكبيري (Blackberry) ونوكيا (Nokia).
  • الخوف من المخاطرة والمنافسة: قد يخشى بعض صُنّاع القرار المنافسة الداخلية، أو يقاومون فكرة الاضطرار إلى العمل مع شركات أصغر حجماً وأحدث نشأة لمجاراة التطورات. وقد تؤدي هذه الممانعة إلى إعاقة الاستثمارات في الكفاءات التي تمتلك خبرة في مجال الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي. يمكن للتحرر من الأنظمة القديمة والعقبات البيروقراطية أن يفيد هذه المؤسسات بصورة كبيرة.
  • الفهم المحدود للقدرات الكاملة للذكاء الاصطناعي: ليس الذكاء الاصطناعي هدفاً؛ بل هو بالأحرى الوسيلة التي تحرك الشركات على مستوى البنية التحتية. يمكن أن يؤدي الفهم المحدود للذكاء الاصطناعي إلى إعاقة نجاح الشركة من خلال العجز عن إدراك قدراته الكامنة لتحسين الفاعلية والابتكار، إضافة إلى اتخاذ قرارات غير فعّالة تتعلق بتبني الذكاء الاصطناعي واستثماره، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى إضعاف القدرة التنافسية للشركات. نظراً إلى الوتيرة السريعة للتطور التكنولوجي، فإن الاستفادة من الإمكانات الكاملة للذكاء الاصطناعي قد تتطلب التعاون مع شركات صغيرة وشركات ناشئة طوّرت نماذج لغوية ونماذج عمل مخصصة لمجتمعات إقليمية معينة.

كيف يمكن للشركات التغلب على تحديات إدارة البيانات وجودة البيانات للاستفادة بشكلٍ فعّال من الذكاء الاصطناعي في صنع القرار؟

تمثّل البيانات شريان الحياة للذكاء الاصطناعي ونماذج التعلم الآلي، ما يمكّن الأنظمة من أن تعالج في غضون ثوانٍ ما قد يستغرق من الشخص العادي أن يتعلمه في عدة عقود. تواجه الشركات الكبرى في كثيرٍ من الأحيان تحديات في تحديد النموذج المثالي أو الخوارزمية المثالية لتحقيق أهداف الأعمال، وغالباً ما تحتاج هذه العملية إلى إجراء عدة تجارب والوقوع في عدة أخطاء. من المهم جداً لمَن يستخدمون هذه الأنظمة أن يكونوا مدركين بالكامل لمختلف التحديات التي ترافق تصميم هذه الأنظمة وتشغيلها بأسلوب يفيد المؤسسة.

لمواجهة هذا التحدي، يجب على الشركات إعطاء الأولوية للاستثمار في النماذج اللغوية ونماذج العمل المحلية القائمة لبناء أطر عمل راسخة، وهو ما قد يعني في أغلب الأحيان العمل مع الشركات الناشئة أو الشركات التكنولوجية الصغيرة، حتى بالنسبة إلى أكبر الشركات. تمثّل المرونة عاملاً حاسماً في هذه الحالة، فالشركات القادرة على التكيُّف بسرعة مع مشهد البيانات المتغير وخوارزميات الذكاء الاصطناعي المتطورة تدريجياً، ستجد نفسها أكثر قدرة على تحقيق النجاح.

اقرأ أيضاً: كيف تعمل الأنظمة التكنولوجية الكبيرة على إبطاء الابتكار؟

ما الاستراتيجيات التي تعتقد أنه يجب على الشركات الكبرى أن تتبناها للاستفادة من الذكاء الاصطناعي بصورة أفضل والحفاظ على قدرتها التنافسية في ظل المشهد التكنولوجي الحالي السريع التطور؟

تحتاج الشركات الكبيرة إلى تبني عقلية أقرب إلى عقلية الشركات الناشئة، وتقبُّل حقائق العالم الحالي. يمكن للشركات القائمة الراسخة في كثيرٍ من الأحيان مقاومة التغيير، ما يؤدي إلى تقليل المخاطر -والمكافآت أيضاً- ويمثّل خطراً على المؤسسة في مشهد يتصف بالتنافسية المتزايدة.

يمكن للمؤسسات الكبيرة أن تحقق مكاسب كبيرة من المبادرة إلى الابتكار في المراحل المبكرة، وذلك من خلال التعاون مع الشركات الناشئة التي تتميز عادة باعتمادها على التجريب التكنولوجي وتحمل المخاطر.

توفّر هذه الشراكات أرضية خصبة للتجريب والمخاطرة؛ حيث سيستفيد الطرفان في نهاية المطاف من خلال الاعتماد على نقاط القوة لدى الطرف الآخر، ما يخلق سيناريو مربحاً للجانبين، ويعزز النمو والتطور لدى كل منهما.

في رأيك ما تأثير العقلية المؤسسية والدور الذي تؤديه القيادة ضمن الشركات الكبرى في قدرتها على الاستفادة من الذكاء الاصطناعي بصورة فعّالة؟

تمثّل القيادة عاملاً محورياً في تبنّي الذكاء الاصطناعي؛ حيث يجب أن تكون مؤمنة بقدرة الذكاء الاصطناعي وأن تستثمر الجهد والمال والوقت فيه. من المهم أن تعمد القيادة إلى إجراء تقييم موضوعي لفاعلية الأساليب الحالية، وأن تكون مستعدة للتخلي عن الأساليب التي لم تعد تخدم أهداف المؤسسة. ينطبق هذا بصورة خاصة على المؤسسات الكبيرة، حيث نرى الميل إلى التمسك بأساليب "مُجرّبة" لكنها متقادمة في الوقت نفسه.

يجب على القادة أن يكونوا منفتحين تجاه تحسين المهارات وإجراء التجارب، وألّا يخشوا الإخفاق، حتى يتفادوا الوقوع في فخ المبالغة في تقدير المخاطر المحتملة وسيناريوهات الإخفاق التي يمكن أن يواجهوها، مع تجاهل الفرص التي يمكن استثمارها على المدى البعيد.

في شركة "أسترا تك"، نتبنى ثقافة "اليوم الأول"، ما يوفّر بيئة تشجّع موظفينا على البناء والهدم والبناء من جديد على المستويات كافة. في نهاية المطاف، لا يمكن إحراز أي تقدم إذا كان الموظفون ينتظرون حدوث التغيير دون أي مبادرة. ولهذا، تؤدي الأساليب التي تعتمد على النهج الهرمي التنازلي في الإدارة إلى إعاقة الإبداع في أغلب الأحيان.

اقرأ أيضاً: دليل شركات التكنولوجيا الكبرى للحديث عن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي

الخوف من أن يحل الذكاء الاصطناعي محل الوظائف البشرية يمثّل مصدرَ قلقٍ شائعاً فكيف ينبغي على الشركات الكبرى أن تتعامل مع الآثار الأخلاقية للذكاء الاصطناعي مع معالجة مخاوف العاملين لديها في الوقت نفسه؟

ليست ثورة الذكاء الاصطناعي أمراً جديداً، وهي مشابهة للغاية للثورة الصناعية التي أحدثت عند انطلاقها تغيراً جذرياً في شكل الوظائف، غير أنه من المتوقع للذكاء الاصطناعي أن يحدث أثراً أعمق، حيث يتطور بوتيرة متسارعة جداً وعلى نطاق أوسع بكثير.

إن الخوف من إحلال الآلات محل الموظفين خوف مشروع وله ما يبرره. ولا مفر من مواجهة الحقيقة الصعبة التي تقول إنه حالما تتمكن الشركات الكبيرة من تسخير الذكاء الاصطناعي بصورة صحيحة، فإنها ستتخذ على الدوام قرارات العمل التي تركّز على نجاح الأعمال والربحية، كما الحال مع التزامها تجاه حملة أسهمها.

يجب على الشركات الكبيرة أن تؤدي دوراً استباقياً فيما يخصُّ تحسين مهارات القوى العاملة لديها بحيث تضمن جاهزية موظفيها للتعاون مع تقنيات الذكاء الاصطناعي، إلّا أن الإسهام الفعّال مطلوب من كلا الطرفين. لا يمكن أن يقع العبء كله في هذه المسألة على عاتق الشركة فقط، بل يتعين على الأفراد تحسين مهاراتهم وتعلّم كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي للحفاظ على أمانهم الوظيفي بأنفسهم.

في عصرنا الرقمي هذا، يمكن الوصول إلى المعرفة بسهولة، ويمكن للأشخاص أن يتعلموا ما شاؤوا وهم مرتاحون في منازلهم، بدءاً من بناء التطبيقات مروراً بالبرمجة وصولاً إلى تعلم لغات جديدة. وتستطيع الشركات من خلال إعطاء الأولوية لممارسات الذكاء الاصطناعي النزيهة، تخفيف المخاوف وبناء الثقة، وإنشاء قوة عاملة يشعر أفرادها بأنهم يمتلكون قدرات كبيرة، وينظرون بثقة إلى ما يحمله المستقبل.

من الاستراتيجيات المقترحة على الشركات الكبيرة لتظل قادرة على المنافسة في مجال التكنولوجيا، التعاون وعقد الشراكات مع الشركات الناشئة والشركات الأصغر حجماً، فما رأيك بهذا النهج؟ وهل تعتقد بوجود أمثلة ناجحة على مثل هذا التعاون؟

التعاون مع الشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة المحلية في مجال التكنولوجيا ليس مجرد استراتيجية بالنسبة إلى الشركات الكبيرة، بل ضرورة.

تمثّل الشركات الناشئة منبعاً للابتكار والمخاطر والمرونة، علاوة على أنها تقدّم منظوراً جديداً. ويمكننا أن نرى أمثلة ناجحة على التعاون في عدة قطاعات مختلفة. على سبيل المثال، يمكن أن نرى أن شركات صناعة السيارات العريقة بدأت تتعاون مع الشركات الناشئة المختصة بالسيارات الكهربائية لتسريع الانتقال نحو حلول التنقل المستدامة. عادة ما تركّز الشركات الناشئة على الأسواق المحلية، وتؤسس نفسها لتلبية الاحتياجات الخاصة بمستخدميها. في عالم الذكاء الاصطناعي، يتجسد هذا التوجه بتطوير النماذج اللغوية ونماذج العمل المحلية، ما يُتيح للشركات الكبيرة المتعاونة مع هذه الشركات الناشئة تبسيط عمليات الابتكار لديها وتسريعها ومن ثَمَّ تعزيز فرص نجاحها.

اقرأ أيضاً: ما الدروس التاريخية التي يُذكّرنا بها شبح استحواذ الذكاء الاصطناعي على الوظائف؟

بصفتك الرئيس التنفيذي للعديد من الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا، ما النصيحة التي تقدمها إلى المسؤولين التنفيذيين في الشركات التي تتطلع إلى التغلب على تعقيدات تبنّي الذكاء الاصطناعي بنجاح؟

يتطلب نجاح المسؤولين التنفيذيين في التعامل مع مشهد الذكاء الاصطناعي أن يمارسوا القيادة برؤية واضحة والتزام راسخ بالابتكار. ويجب تبني الذكاء الاصطناعي بوصفه جزءاً لا يتجزأ من التركيب البنيوي للشركة، لا بوصفه مجرد حل مستقل بذاته. كما يجب عليهم الاستثمار في الكفاءات، وإنشاء فرق متعددة التخصصات، وتمكين الموظفين كي يسهموا بأفكارهم في عمل الشركة.

أيضاً، يجب أن يكونوا قادرين على التكيُّف، وأن يراقبوا التكنولوجيات الناشئة باستمرار، وألّا يحجموا عن خوض المخاطر المحسوبة. يجب أن يتذكروا أن المستقبل مفتوح أمام الأشخاص الذين يتحلون بالجرأة والتفكير الاستشرافي.

حالياً، يجب على كل مسؤول تنفيذي أن يدرس السوق، ويطرح على نفسه هذا السؤال الحاسم: كيف يمكنني استثمار النماذج اللغوية الكبيرة لمصلحتي واستثمار قدراتها الكامنة إلى الحد الأقصى؟

هل تعتقد أن ثمة تصورات خاطئة أو توقعات غير واقعية فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي تُسهم في معاناة الشركات الكبرى في هذا المجال؟

بالتأكيد، التصورات الخاطئة حول الذكاء الاصطناعي منتشرة في كل مكان. ومن المغالطات الشائعة أن ننظر إلى الذكاء الاصطناعي بوصفه حلاً سحرياً للمشكلات كلها. لا شك في أن الذكاء الاصطناعي أداة تتمتّع بقدرات كبيرة، لكن تحقيق النجاح يتطلب استيعاباً دقيقاً لقدرات الذكاء الاصطناعي وحدوده. غالباً ما تؤدي التوقعات غير الواقعية إلى تطبيقات متسرعة تؤدي بدورها إلى خيبة الأمل.

من المهم للغاية أن نفهم الذكاء الاصطناعي كما ينبغي، وأن نوسّع ثقافة أصحاب المصلحة، وأن نتعامل مع دمجه في أعمال الشركات بعقلية استراتيجية. لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد مصدر يمدُّ آليات عمل الشركة بالطاقة، بل أصبح منظومة عمل الشركة بأسرها. ويجب على الشركات أن تتبناه من خلال وضع أهداف واقعية والالتزام بالتعلم والتحسين المستمرين.

المحتوى محمي