تُعرف المملكة العربية السعودية بكونها عملاق النفط في العالم، حيث تحتل المرتبة الثانية عالمياً بعد الولايات المتحدة وفنزويلا من حيث الإنتاج والاحتياطي، ودورها كأكبر مصدر للنفط يعني أنها أدت دوراً مركزياً ولا تزال في توفير أحد أهم مصادر الطاقة من الوقود الأحفوري في العالم. ومع ذلك، فإن النفط مورد سينضب يوماً ما، حيث يستمر السباق بين الجميع لإيجاد بدائل مستدامة ومتجددة للنفط.
تشير توقعات شركات النفط الكبرى إلى أن الطلب العالمي على النفط سيبلغ ذروته في وقت ما بعد عام 2030، نتيجة لذلك، تعرف القيادة في المملكة العربية السعودية أنه من الصعب أن تعتمد على عائدات النفط كأساس لاقتصادها على المدى الطويل، لذلك بدأت بخطى حثيثة إيجاد مصادر متجددة ودائمة لتوليد الطاقة للتكيّف مع مشهد الطاقة العالمي سريع التغيّر.
إمكانات هائلة وفرص واعدة لطاقة الرياح في السعودية
يُنظر إلى مشاريع تنمية الطاقة المتجددة والمستدامة على أنها ركيزة أساسية لتنويع مصادر الطاقة والاقتصاد على حدٍ سواء، وهي وسيلة يمكن أن توفر مستقبلاً أكثر استدامة. وبناءً على ذلك، شرعت المملكة العربية السعودية في تحقيق أهدافها الطموحة للتحول من النفط لتوليد الطاقة إلى مصادر الطاقة المتجددة، وعلى رأسها طاقة الرياح مستفيدة من الإمكانات الهائلة لديها.
فمع الظروف المشمسة ومساحة الأرض الشاسعة ذات الكثافة السكانية المنخفضة، نجد أن المملكة العربية السعودية لديها فرص واعدة وإمكانات مذهلة للاستفادة من طاقة الرياح، حيث يتراوح متوسط سرعة الرياح في معظم أنحاء المملكة ما بين 6.0-8.0 م/ثا، مع ارتفاع سرعة الرياح في الشمال الشرقي والوسط وبالقرب من المناطق الجبلية الغربية، وعلى سواحل الخليج العربي والبحر الأحمر.
اقرأ أيضاً: تعرّف على استخدامات طاقة الرياح في مختلف القطاعات قديماً وحديثاً
ونتيجة لذلك، وضعت الدولة أهدافاً طموحة للاستفادة من طاقة الرياح، حيث تريد الوصول إلى 10 غيغاواط بحلول عام 2025، وخلق أكثر من 7500 فرصة عمل، والمساهمة بأكثر من 15 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي، لتغذية الطلب المحلي، والنظر إلى تصدير الطاقة المتجددة على المدى الطويل، وهذا يعود إلى الإمكانات التقنية المميزة لدى المملكة.
حيث لدى المملكة العربية السعودية القدرة على إنتاج 200 غيغاواط من طاقة الرياح البرية، وهي نسبة أعلى من معظم الدول التي تمهّد الطريق للاعتماد على طاقة الرياح لتوليد الكهرباء، بما في ذلك الولايات المتحدة (33.9%)، والمملكة المتحدة (27.8%)، الدنمارك (28.4%)، وألمانيا (19%)، وذلك يعود إلى تميز المناطق الجغرافية في جميع أنحاء السعودية بسرعات رياح عالية وعوامل قدرة واعدة لجعل مشاريع طاقة الرياح حقيقة واقعة.
علاوة على ذلك، تعد إمكانات الرياح البحرية في المملكة العربية السعودية كبيرة وواعدة أيضاً، حيث توفر ما يصل إلى 28 غيغاواط من التركيبات التقليدية ذات القاعدة الثابتة، و78 غيغاواط من طاقة الرياح البحرية العائمة.
اقرأ أيضاً: ما أبرز مشاريع واستخدامات الطاقة الشمسية في المملكة العربية السعودية؟
ميزات تجعل السعودية رائدة في إنتاج طاقة الرياح
يمثل البرنامج الوطني للطاقة المتجددة في المملكة العربية السعودية القوة الدافعة لتحقيق طموحات البلاد في مجال الطاقة النظيفة، حيث يهدف البرنامج بالشراكة مع القطاع الخاص إلى المساهمة في مستقبل مستدام للبلاد، والحفاظ على موارد الوقود الأحفوري غير المتجددة، وحماية ريادة البلاد الدولية في مجال الطاقة، عبر إقامة العديد من المشروعات المتوقع الانتهاء منها جميعاً بحلول عام 2030، وذلك بالاستفادة من الميزات الطبيعية للبلاد لإنتاج طاقة الرياح، بما في ذلك:
-
سرعات رياح عالية
يبلغ معدل سرعة الرياح السنوي في المملكة العربية السعودية 8.5 كيلومتر في الساعة، ويزيد في المناطق الساحلية ليصل إلى 16.2 كيلومتر في الساعة، هذه المعدلات تتجاوز معدل الجدوى الاقتصادية لطاقة الرياح، وهو ما يؤهّل السعودية لقيادة المنطقة في إنتاج الطاقة المعتمدة على الرياح.
-
شواطئ بحرية طويلة
أبرز تقرير لشركة أكوا باور العاملة في مجال مشاريع الطاقة في السعودية، أن المملكة العربية السعودية تتمتع بشواطئ بحرية طويلة قادرة على إنتاج أكثر من 200 غيغاواط من طاقة الرياح، وهو ما يمثل معدلاً أعلى من معظم الدول الرائدة في الاعتماد على طاقة الرياح لإنتاج الكهرباء، بما فيها الولايات المتحدة وألمانيا.
اقرأ أيضاً: تعرَّف على أهم مشاريع إنترنت الأشياء في المملكة العربية السعودية
-
التنافس بين شركات القطاعين العام والخاص
على الرغم من أن معظم مشاريع الطاقة المتجددة في المملكة العربية السعودية مملوكة للقطاع العام، فإن شركات القطاع الخاص لديها أيضاً حضور كبير، حيث تتنافس مع بعضها بعضاً لإنجاح هذه المشاريع، وتوفير الطاقة المتجددة بتكلفة منخفضة، بينما اتجهت بعضها لإنشاء مشاريع طاقة الرياح الخاصة بها لتحقيق الاكتفاء الذاتي، مثل شركة أرامكو التي كانت أول شركة تنال رخصة مزاولة نشاط توليد الطاقة الكهربائية باستخدام طاقة الرياح.
لماذا تبدو السعودية أكثر تركيزاً على التحول للطاقة المتجددة؟
على الرغم من أن كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تعهدت في مؤتمر باريس للمناخ بالحد من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون من خلال التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة لإنتاج الكهرباء بحلول عام 2050، وقد بدأت معظمها في البدء لتحقيق هذا الهدف بطريقة أو أخرى، فإن المملكة العربية السعودية هي من ضمن الدول الأكثر حاجة للعمل على تحقيق هذا الهدف اليوم قبل الغد.
اقرأ أيضاً: طاقة الرياح في دول الخليج: الإمكانات والتحديات والنمو
وهذا يعود إلى أن موردها الاقتصادي الأول وهو النفط غير دائم، ومع نشوء الاضطرابات حول العالم وجائحة كورونا وأزمة الطاقة العالمية التي نشأت وازدادت وتيرتها مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، توجهت كل أنظار العالم إلى المنطقة العربية، وعلى رأسها السعودية لسد احتياجاتها من الطاقة مع الاحتياطات الضخمة لديها، ما يجعل البحث عن مصادر أخرى للطاقة ضرورة ملحة للقيادة السعودية؛ من أجل ضمان مستقبل مستدام للأجيال القادمة، والتحرر من الاعتماد الكلي على النفط في إنتاج الطاقة.
علاوة على ذلك، في المنطقة العربية بشكل خاص، يرتبط الطلب المتزايد على الطاقة ارتباطاً وثيقاً بالأمن المائي والغذائي، حيث نجد أن المملكة العربية السعودية لا تمتلك طاقة مائية كنقطة انطلاق لإنتاج الطاقة المتجددة، حيث إن حاجتها إلى المياه الصالحة للشرب، للاستهلاك البشري والصناعي والزراعي، تُنشئ مصدراً ضخماً للطلب على الطاقة لا توجد سوى في عدد قليل من الدول الأخرى.
اقرأ أيضاً: ما أبرز مشاريع واستخدامات الطاقة الشمسية في المملكة العربية السعودية؟
على سبيل المثال، نجد أن محطات تحلية المياه تتطلب طاقة كهربائية هائلة، ومن بين أكبر عشر محطات في العالم في الشرق الأوسط لدى المملكة العربية السعودية أربع منها، ومن ثم تنظر القيادة السعودية إلى التحول إلى الطاقة المتجددة وعلى رأسها طاقة الرياح والطاقة الشمسية، على أنها وسيلة أساسية لتنويع مصادرها في إنتاج الكهرباء لتشغيل هذه المحطات وغيرها من المشاريع الأخرى، ما يعود بالنفع على الدولة مستقبلاً، كما تعتبر وسيلة ضرورية لتوفير مستقبل أكثر استدامة للبلاد.