هل تقبل التطوّع للإصابة بفيروس كورونا من أجل تطوير لقاح؟

4 دقائق
مصدر الصورة: إم إس تك/ غيتي إيميدجيز.

تقول مجموعة من الأكاديميين إنه ينبغي أن يُقدِم 100 من الشباب الذين يتّسمون بالإيثار على التطوع للحصول على لقاح لمرض كوفيد-19 ومن ثم عليهم أن يتعمَّدوا الإصابة بفيروس كورونا.

ووفقاً لاقتراح منشور على الإنترنت، فإنه على الرغم من أن فكرة إجراء "تجربة تحدي" من هذا النوع مثيرة للجدل، لكنها يمكن أن تختصر عدة شهور من عملية اختبار لقاح محتمل، مما يسمح بتسريع توفير دليل على فعالية اللقاح من عدمه.

وقد وقَّع على هذا الاقتراح كلٌّ من مارك ليبشيتش، وهو عالم أوبئة من جامعة هارفارد، ونير إيال، وهو اختصاصي بأخلاقيات علم الأحياء من جامعة روتجرز، وبيتر سميث، وهو عالم إحصاء من كلية لندن للصحة وطب المناطق المدارية. وغرد ليبشيتش قائلاً: "نحن في حاجة إلى أفكار جديدة للخروج من معضلة كوفيد-19 في التضحية بالاقتصاد أو التضحية بنظام الرعاية الصحية أو بكليهما معاً".

ويعتقد بعض الخبراء أن اللقاح يمثل أفضل الآمال للقضاء على الوباء. ويتم بالفعل إعطاء أحد اللقاحات المحتملة الذي طورته شركة موديرنا للصناعات الدوائية في كامبريدج بولاية ماساتشوستس، إلى متطوعين أصحاء في ولاية واشنطن ضمن مرحلة أولية من اختبار السلامة.

غير أنه لم تحدث حتى الآن إصابة أحد ما بالفيروس بشكلٍ متعمد، وهو أمرٌ مشكوك في أخلاقيته في معظم الظروف. ويعترف المؤلفون بعيوب هذا الاقتراح؛ حيث يقولون: "إن تحدي المتطوعين بالتعرض لهذا الفيروس الحي يشكل مجازفة بإصابتهم بمرض خطير وربما الموت".

ومع ذلك، يرى المؤلفون أن الأمر قد يستحق هذه المخاطرة في سبيل منفعة المجتمع؛ حيث إن محاولة نقل عدوى الفيروس إلى الأشخاص المُحصَّنين بصورةٍ متعمدة قد تكون الطريقة الأسرع لمعرفة ما إذا كان اللقاح فعالاً أم لا.

ويقول مايرون ليفين، وهو أحد خبراء تجارب التحدي من جامعة ماريلاند، إنه لا يعتقد أن اللجوء إلى هذه الفكرة مبررٌ بعد. ووفقاً للإحصاءات الصادرة عن المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، فإن الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و44 عاماً يمثلون 20% من المصابين الذين تم إدخالهم إلى المستشفيات في الولايات المتحدة نتيجة الإصابة بمرض كوفيد-19، مع تسجيل وفاة شخص واحد من هؤلاء من كل 750 حالة وفاة.

يسأل ليفين: "هل يمكن أن تقبل بمشاركة أحبائك في تجربة كهذه؟ اسأل نفسك هذا السؤال".

إن تعريض الأشخاص للجراثيم قد يكون طريقةً مقبولة لإجراء البحث العلمي، ويقول ليفين إنه يُجري هذا النوع من اختبارات التحدي منذ عام 1970 على أمراض عدة بما فيها الكوليرا. ويقول إن هذه الدراسات تعتبر مسموحة ضمن سيناريوهات معينة؛ ففي أحدها يتم إعطاء نسخة مُوهَّنة أو مُضعَّفة من الفيروس إلى المتطوعين. وهناك سيناريو آخر عندما يتوافر علاج دوائي إذا ما فشل اللقاح وساءت الأمور. لكن ليس هناك أي علاج دوائي حتى الآن للالتهاب الرئوي الخطير المرتبط بمرض كوفيد-19.

وعلى الرغم من ذلك، يرى المؤلفون الثلاثة للاقتراح الجديد -علماً بأنهم ليسوا أطباء- أنه يمكن للبالغين الشباب، الذين لا يعانون عادة من أشكال خطيرة من المرض، أن يتخذوا خياراً واعياً ليكونوا بمنزلة فئران التجارب التي ستساعد في إنقاذ العالم من مرض كوفيد-19. وهذا صحيح على وجه الخصوص لأنهم قد يصابون بالعدوى على أية حال.

يقدم الثلاثي العلمي تصورهم لكيفية القيام بهذه التجربة: أولاً، يتم إخضاع المتطوعين الشباب لحجر صحي مدته أسبوعان بهدف التأكد من عدم إصابتهم بالفيروس. بعد ذلك، يتم إعطاؤهم الفيروس ومن ثم تتم مراقبتهم. وسيظلون معزولين في "بيئة آمنة ومريحة" طوال مدة الدراسة. بعد ذلك، يستطيع الأطباء التحقق من وجود أي فيروس في حناجرهم، وقياس المدة التي انقضت حتى ظهور أية أعراض لديهم.

ويتكهّن العلماء الثلاثة بأن "عدد المتطوعين اللازم لهذا النوع من الدراسات سيعتمد على الغايات المستهدفة، لكن يمكن القول إنها قد تتطلب حوالي 100 متطوعاً". وفي حال تأكيد إصابة أي متطوع، فإنه سيحصل على رعاية ممتازة لمرض كوفيد-19، بما في ذلك منحه الأولوية في الحصول على أي موارد شحيحة مُنقذة للحياة في أحدث المنشآت الصحية".

تكمن مشكلة اللقاحات في أن اختبارها وتجهيزها يستغرق 18 شهراً على الأقل؛ حيث يتم تخصيص قدر كبير من وقت الأبحاث والتطوير للمرحلة الثالثة من التجربة، وهي أهم مرحلة، حيث يتم فيها تقديم اللقاح إلى المئات أو الآلاف من الأشخاص من دون تطعيم الآخرين، في محاولة لإثبات أن أولئك الذين تم تطعيمهم لن يصابوا بالمرض أو سيعانون من أعراضٍ أخف إذا ما تعرضوا للإصابة.

ووفقاً لسميث وليبشيتش وإيال، فإن إعطاء اللقاح للناس ثم نقل العدوى إليهم عمداً قد يسرّع هذه العملية و"قد يكون طريقة مقبولة لتجاوز المرحلة الثالثة".

يوافق ليفين على أن تجربة هذا النوع من التحدي "قد تختصر الوقت". ولكن إذا استمر كوفيد-19 في إلحاق الضرر بالعالم، فمن الممكن لدراسة العدوى ألا تحمل الفائدةَ المرجوة منها. فمع إصابة الكثير من الأشخاص على أية حال، من المفترض أن يكون تنظيم تجربة سريعة وأخلاقية في وقتٍ واحد أمراً ممكناً.

وبالفعل، يتم اتخاذ خطوات لتقليص الوقت الذي سيستغرقه تطوير اللقاح؛ فقد وردت تقارير تفيد بأن موديرنا والمعاهد الوطنية للصحة قد باشرتا بدراسات السلامة على لقاحها المحتمل قبل الانتهاء من مرحلة الدراسات المعتادة على الحيوانات. ووفقاً لصحيفة بوسطن جلوب، فقد أخبر ستيفان بانسيل، الرئيس التنفيذي لموديرنا، المصرفيين أن شركته يمكن أن تسعى للحصول على موافقة طارئة من واشنطن لإعطاء لقاحها المضاد لفيروس كورونا إلى بعض الأشخاص في الخريف القادم.

ووفقاً لطلب مودع لدى هيئة الأوراق المالية والبورصات، قال بانسيل: "بموجب ترخيص الاستخدام الطارئ، قد يكون اللقاح متاحاً لبعض الأشخاص بمن فيهم المتخصصون في مجال الرعاية الصحية".

إذا ما أُجريت تجربة التحدي، فمن المرجح أن يُقدِم الكثير من الأشخاص على التطوع للاشتراك فيها؛ ففي واقع الأمر، يقوم المستجيبون الأوائل والمُسعفون والعاملون في مجال الرعاية الصحية وحتى موظفو متاجر البقالة بتعريض أنفسهم بالفعل لخطر الإصابة بكوفيد-19 من خلال مواصلة عملهم.

لقد كتب مؤلفو اقتراح التحدي:"قد يبدو من غير المسموح أن تطلب من الناس تحمل مخاطر الإصابة بمرض خطير أو الموت، حتى ولو كانت الغاية وراء ذلك هي تحقيق مكاسب جماعية كبيرة. ولكننا في الواقع نطلب من الناس تحمل هذه المخاطر من أجل تحقيق منفعة مباشرة للآخرين في كل مرة نطلب فيها من رجال الإطفاء المتطوعين الاندفاع إلى المباني المحترقة".