تتولى سايف سافاج إدارة مختبر التفاعل بين الإنسان والحاسوب في جامعة ويست فرجينيا، حيث تعمل على التكنولوجيا المدنية وتركز على قضايا مثل مكافحة المعلومات المضللة ومساعدة العاملين المؤقتين على تحسين ظروف عملهم. وفي الأسبوع الماضي، ألقت سافاج محاضرةً في مؤتمر أنظمة معالجة المعلومات العصبية (NeurIPS)، أحد أكبر مؤتمرات الذكاء الاصطناعي في العالم، بعنوان “مستقبل عمل العمال غير المرئيين في الذكاء الاصطناعي”. وكنت قد تواصلتُ مع سافاج عبر تطبيق زوم في اليوم السابق لمحاضرتها.
تم تعديل محادثتنا لأغراض الوضوح والاختصار.
تتحدثين عن العمال غير المرئيين في الذكاء الاصطناعي، ما أنواع الوظائف التي يقوم بها هؤلاء الأشخاص؟
تتضمن الكثير من المهام تصنيف البيانات -خاصة بيانات الصور- التي يتم إدخالها إلى نماذج التعلم الآلي الموجَّه، حتى تتمكن من تحسين فهمها للعالَم. بينما تنطوي مهام أخرى على تحويل التسجيلات الصوتية إلى نص مكتوب، وعلى سبيل المثال، عندما تتحدث إلى مساعد أمازون الصوتي، أليكسا، فقد يكون هناك عمال يقومون بتحويل ما تقوله إلى نص مكتوب حتى تتعلم خوارزمية التعرف على الصوت فهمَ الكلام بشكل أفضل. وقد اجتمعت للتو مع مجموعة من هؤلاء العاملين في ريف ولاية فيرجينيا الغربية؛ حيث وظّفتهم أمازون حتى يقوموا بقراءة كمٍّ كبير من الحوارات لمساعدة أليكسا على فهم طريقة تحدُّث سكان تلك المنطقة. ومن الممكن أن يقوم هؤلاء العمال أيضاً بمهمة تصنيف مواقع الويب التي قد تكون مليئة بخطاب الكراهية أو التحرش بالأطفال. وبفضل عمل هؤلاء، عندما تبحث عن صور على جوجل أو بينغ، فإنك لا تتعرض لرؤية هذا النوع من الخطاب.
يتم توظيف الأشخاص للقيام بهذه المهام على منصات مثل أمازون ميكانيكال تورك، وقد تلجأ شركات التكنولوجيا الكبيرة إلى استخدام إصدارات شبيهة داخلية. وعلى سبيل المثال، تمتلك كل من فيسبوك ومايكروسوفت منصاتهما الخاصة بهذا النوع من العمل. وتتميز منصة أمازون ميكانيكال تورك عن تلك المنصات في أنه يمكن لأي شخص استخدامها، ويستطيع الباحثون والشركات الناشئة أن تستفيد من هذه المنصة لتسريع عملهم بالاعتماد على العاملين غير المرئيين.
ما المشاكل التي يعاني منها هؤلاء العمال غير المرئيين؟
في الواقع، أنا لا أنظر إلى التعهيد الجماعي باعتباره أمراً سيئاً. بل على العكس، إنه فكرة رائعة حقاً؛ حيث جعلت من السهل جداً على الشركات إضافة قوة عاملة خارجية.
ومع ذلك، هناك مجموعة من المشاكل المرتبطة بهذا النوع من العمل. ويتمثل إحداها في أن العمال على هذه المنصات يحصلون على أجور متدنية جداً. وقد أجرينا دراسة تابعنا خلالها المئات من عمال أمازون ميكانيكال تورك لعدة سنوات، ووجدنا أنهم كانوا يكسبون حوالي دولارين في الساعة. ويعد هذا الدخل أقل بكثير من الحد الأدنى للأجور في الولايات المتحدة. وهناك أشخاص يكرسون حياتهم لهذه المنصات؛ إذ إنها تشكل مصدر دخلهم الرئيسي.
يتسبب ذلك في بروز مشاكل أخرى؛ إذ إن هذه المنصات تقطع السبل أمام فرص العمل المستقبلية؛ لأن عاملي التعهيد الجماعي بدوام كامل لا يُمنحون طريقة لتطوير مهاراتهم الأخرى، على الأقل تلك التي لا يستخدمونها في عملهم. كما وجدنا أن الكثير من الأشخاص لا يذكرون عملهم على هذه المنصات في سيرهم الذاتية. فإذا قالوا إنهم عملوا في أمازون ميكانيكال تورك، لن يعرف معظم أصحاب العمل ما معنى هذا العمل. ولا يدرك معظم أصحاب العمل أن هؤلاء هم العاملون وراء تحسين أنظمة الذكاء الاصطناعي التي نستخدمها.
من الواضح أن لديكِ شغفاً حقيقياً بعملك، كيف انتهى بك المطاف بالعمل على هذا الأمر؟
لقد عملت في مشروع بحثي في ستانفورد حيث كنت بشكلٍ أو بآخر عاملة تعهيد جماعي، وقد أتاح لي هذا العمل ملامسة المشاكل التي تعتريه. وساعدت في تصميم منصة جديدة، كانت شبيهة بأمازون ميكانيكال تورك ولكن خاضعة لتحكُّم العمال أنفسهم، لكنني كنت في نفس الوقت عاملة تقنية في مايكروسوفت. وقد فتح عملي الآخر عينيّ لما يعنيه العمل داخل شركة تقنية كبيرة؛ إذ تصبح مجهول الهوية، وهو أمر مشابه جداً لما يختبره عمال التعهيد الجماعي. وقد حرّض ذلك فيّ الرغبة في تغيير مكان العمل.
لقد ذكرتِ قيامك بإجراء دراسة، كيف تتمكنين من معرفة ما يقوم به هؤلاء العمال والظروف التي يواجهونها؟
لتحقيق هذه الغاية، أعتمد على ثلاثة أشياء: أقابل العمال، وأُجري استطلاعات الرأي، وأبني الأدوات التي تمنحني منظوراً كمياً أعمق لما يحدث على هذه المنصات. لقد تمكنتُ من قياس مقدار الوقت الذي يقضيه العمال في إكمال المهام الموكلة إليهم. كما أقوم بقياس مقدار العمل غير المأجور الذي يقوم به العمال، مثل البحث عن مهام أو التواصل مع صاحب العمل، أشياء كنت ستحصل على مقابل مادي لها لو كان لديك راتب.
تمت دعوتك لإلقاء محاضرة في مؤتمر أنظمة معالجة المعلومات العصبية (NeurIPS) هذا الأسبوع، لماذا تعتقدين أنه ينبغي على مجتمع الذكاء الاصطناعي سماع ما ذكرته عن مشاكل العمال غير المرئيين؟
حسناً، إنهم يدعمون أبحاثهم بالاعتماد على جهود هؤلاء العمال. أعتقد أن من المهم جداً أن ندرك أن الفضل في وجود السيارة ذاتية القيادة أو غيرها يعود إلى أشخاص لا يتقاضون الحد الأدنى للأجور مقابل عملهم. وبينما نفكر في مستقبل الذكاء الاصطناعي، يجب أن نفكر في مستقبل العمل. ومن المفيد أن يتم تذكير مجتمع الذكاء الاصطناعي أن هؤلاء العمال هم بشر.
هل تقصدين أن الشركات أو الباحثين يتعمدون دفع قدر أقل من الأجور لهؤلاء العمال؟
كلا لا أعني ذلك، أعتقد أنهم قد يقللون من شأن المهام التي يطلبون من العمال القيام بها والوقت الذي سيستغرقه إنجازها. لكن في كثير من الأحيان، ببساطة، لم يخطر على بالهم إطلاقاً هؤلاء العمال على الجانب الآخر من العمل.
لأن كل ما يرونه هو منصة رخيصة على الإنترنت؟
نعم، تماماً.
ما الذي نستطيع فعله حيال ذلك؟
أشياء كثيرة؛ أنا أساعد العمال في تقدير المدة التي قد تستغرقها مهمة ما، بهذه الطريقة يمكنهم تقييم ما إذا كانت المهمة تستحق العناء. لذلك كنت أعمل على تطوير مكون إضافي للذكاء الاصطناعي لإدماجه في هذه المنصات من شأنه أن يساعد العمال على مشاركة المعلومات وتدريب بعضهم البعض حول المهام التي تستحق وقتهم والتي تتيح لهم تطوير مهارات معينة. يتعلم الذكاء الاصطناعي نوع النصيحة الأكثر فعالية؛ حيث يأخذ التعليقات النصية التي يكتبها العمال لبعضهم البعض كمدخلات، ومن ثم يتعلم النصيحة التي تؤدي إلى نتائج أفضل ويروج لها على المنصة.
لنفترض أن العمال يريدون زيادة أجورهم. يحدد الذكاء الاصطناعي نوع النصيحة أو الإستراتيجية الأنسب لمساعدة العمال على القيام بذلك. على سبيل المثال، قد يقترح عليك مكون الذكاء الاصطناعي القيام بنوع معين من المهام لصالح أصحاب عمل محددين وتجنب القيام بنوع آخر من المهام، أو سيخبرك بعدم قضاء أكثر من خمس دقائق في البحث عن مهمة عمل. يقوم نموذج التعلم الآلي على الرأي الشخصي للعاملين في أمازون ميكانيكال تورك، لكن بالرغم من ذلك، وجدت أنه قد يتيح إمكانية زيادة أجور العمال وتطوير مهاراتهم.
إذن، يتعلق الأمر بمساعدة العمال على تحقيق أقصى استفادة من هذه المنصات؟
هذه نقطة بداية. لكن سيكون من المثير للاهتمام التفكيرُ في السلالم الوظيفية. على سبيل المثال، يمكننا توجيه العمال للقيام بعدد من المهام المختلفة التي تسمح لهم بتطوير مهاراتهم. يمكننا أيضاً التفكير في تزويدهم بفرص أخرى؛ حيث يمكن للشركات التي تعرض وظائف على هذه المنصات أن تقدم تدريباً داخلياً مصغراً للعمال عبر الإنترنت.
وعلاوة على ذلك، ينبغي علينا دعم رواد الأعمال. لقد كنت -وما زلت- أعمل على تطوير أدوات تساعد الناس على إنشاء أسواق عمل مؤقت خاصة بهم. ولنفكر في هؤلاء العمال؛ فَهُم على دراية كبيرة بعمل الوظائف المؤقتة وقد يمتلكون أفكاراً جديدة حول كيفية إدارة منصة ما. تكمن المشكلة في أنهم لا يمتلكون المهارات التقنية اللازمة لإعداد منصة، لذلك أقوم بإنشاء أداة تجعل إعداد المنصة يشبه إلى حدٍ ما تكوين قالب موقع ويب.
يتعلق الكثير من هذا باستخدام التكنولوجيا كوسيلة لتغيير ميزان القوى.
يتعلق الأمر بتغيير السرد أيضاً. فقد التقيت مؤخراً مع اثنين من عمال التعهيد الجماعي كنت على تواصل معهما، وهما في الواقع يقولان عن نفسيهما إنهما عاملان في مجال التكنولوجيا، أعني أنهما بالفعل عاملان في مجال التكنولوجيا بطريقة معينة؛ لأن عملهما يساهم في تحسين وتشغيل هذه التكنولوجيا التي نستخدمها. عندما نتحدث عن عمال التعهيد الجماعي، يتم تقديمهم عادةً على أنهم يعملون في وظائف مروعة. ولكن قد يكون من المفيد تغيير الطريقة التي نفكر بها حول هوية هؤلاء الأشخاص، إنها يؤدون مجرد وظيفة أخرى في مجال التكنولوجيا.