الدكتورة مريم مطر، سطّرت اسمها في دولة الإمارات باعتبارها أول امرأة تُعين وكيلة وزارة الصحة في الإمارات العربية المتحدة وهي لم تتعد عمر 28 سنة، وأول مديرة عامة تنفيذية في حكومة إمارة دبي، وأول مَن يذكر اسمها عندما يدور الحديث عن العطاء خارج المهام الوظيفية وعن شخصيات إماراتية متميزة. باختصار، لديها الكثير من الإنجازات التي يحق لها أن تكون فخورة بها.
لكن عندما التقتها إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية قبل أيام، لمسنا اعتزازها بشكلٍ خاص بعملها كمؤسسة ورئيسة لجمعية الإمارات للأمراض الجينية. فقد أسست الدكتورة مريم هذه الجمعية في عام 2004، وعملت بنشاط منقطع النظير خلال الأعوام الماضية في تأسيس العديد من الجمعيات المنبثقة عنها مثل جمعية الإمارات لمتلازمة داون، وجمعية الإمارات للخلايا الجذعية، وجمعية الإمارات للصحة العامة، ونجحت في إطلاق مشاريع رائدة مثل الفحوصات المجتمعية لتحديد الأمراض الجينية الأكثر انتشاراً في الدولة، وإطلاق مبادرات الوقاية وتأهيل الكوادر الإماراتية في مجال العلوم وفحوصات ما قبل الزواج، وأخيراً مشروع برنامج إعادة برمجة الجينات.
اقرأ أيضاً: تعرّف على الدكتورة الإماراتية مريم مطر وإسهاماتها البارزة في مجال الأمراض الوراثية
جمعية الإمارات للأمراض الجينية: جمعية محلية بإنجازات عالمية
تقول الدكتورة مريم إن كل ذلك بدأ في عام 2001 عندما لاحظت "نظرة تأنيب الضمير" في عيون والديّ طفل مصاب بالثلاسيميا، وعندها بدأت المبادرة وانطلقت شعلة النشاط والعطاء. فكانت جمعية الإمارات للأمراض الجينية، وكان ما تلاها من إنجازات، وكلها بجهد شخصي تطوعي تحولت إلى مشاريع وطنية رسمية. نذكر منها: إقرار تشريع فحوصات ما قبل الزواج، والوقاية من الأمراض الجنسية المعدية، والوقاية من تشوّهات العمود الفقري لدى الأطفال، وفحوصات الطلبة قبل دخول الجامعات، وإدراج ذوي الاحتياجات الخاصة ضمن المدارس الحكومية وإيجاد وظائف لهم في الجهات الحكومية.
اقرأ أيضاً: تعرف على الطبيب الإماراتي علوي الشيخ علي ودوره في تطوير مجال الطب القلبي الوعائي
من ناحية أخرى، قام مركز الشيخ زايد للأبحاث الجينية، التابع لجمعية الإمارات للأمراض الجينية، بإجراء أول مشروع بحثي لفحوصات أمراض الدم الوراثية في دولة الإمارات شمل 11282 مواطنة ومواطناً إماراتياً تتراوح أعمارهم بين 18 و28 عاماً، للكشف المبكر عن نسبة حملهم لأمراض الدم الوراثية، ما ساعد في الوقوف على واقع الأمراض الوراثية في الإمارات واتخاذ الإجراءات الوقائية لمواجهتها.
وتوضح الدكتورة مريم أنه في عام 2004، كان يولد طفل مصاب بالثلاسيميا في الإمارات كل أسبوع، بينما انخفض هذا العدد اليوم إلى طفل واحد كل سنتين.
كما أطلقت الدكتورة مريم سلسلة من المحاضرات المنزلية التوعوية عن أهمية الكشف المبكر عن المرض، ودعم المصابين بالثلاسيميا، وتم في عام 2013 اعتماد مشروع "إماراتنا خالية من الثلاسيميا". وتوّجت الجهود باعتماد مسودة "قانون ما قبل الزواج" في 2006 بحضور صاحب السمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء في دولة الإمارات العربية المتحدة.
علاوةً على ذلك، أطلقت الدكتورة مريم مبادرات تعاون مع الجامعات وقطاع التعليم العالي لإدراج تخصصات مهنية مثل تخصص المختبرات الطبية والبيولوجيا الحيوية ضمن مساقات الجامعات في الإمارات. وأشارت إلى أن مركز الشيخ زايد للأبحاث الجينية التابع لجمعية الإمارات للأمراض الجينية يستقطب سنوياً، منذ عام 2007، الأوائل في الكليات والجامعات الإماراتية في مجال العلوم الحيوية والمختبرات الطبية بغض النظر عن الجنسية. وتم تدريب 3700 طالب وطالبة دون مقابل حتى عام 2018.
تقول الدكتورة مريم إنها لم تكن تتخيل أن "نظرة تأنيب الضمير" تلك، والتي أطلقت شرارة المبادرة والعمل لديها، ستقود إلى كل هذه التأثيرات في قطاع الصحة والتعليم العالي وحتى الاقتصاد، بل والتعاون الدولي. وتضيف أنها الآن، وبصفتها رئيسة الجمعية، تمثل دول المنطقة كعضو في المجلس الدولي الأعلى الذي يعنى بوضع قوانين لحفظ حقوق المصابين بالأمراض النادرة. وكانت لها مساهمة أممية بارزة في هذا المجلس من خلال لفت انتباه الخبراء من مختلف دول العالم إلى ضرورة أن تشمل مشاريع المجلس فئة اللاجئين في مشاريع هذا المجلس؛ إذ غالباً ما يتم التركيز على توفير الاحتياجات الأساسية لهؤلاء من غذاء وشراب، لكن قلما يتم إدراجهم في مشاريع صحية أو اجتماعية.
وتتذكر الدكتورة مريم بفخر تبني المجلس لهذه المبادرة: "لم أعتقد أن رأياً واحداً سيكون له هذا التأثير الكبير على المستوى الأممي. أنا فرد إماراتي وصلت لهذا المستوى بفضل دعم المجتمع واهتمام الحكومة. ولو كنت ولدت في أي مكان آخر لما امتلكت بُعد النظر هذا الذي تولد لدي بسبب احتكاكي وتعاملي مع 200 جنسية تعمل في الإمارات، وكذلك بفضل النظرة المستقبلية لدولة الإمارات وإنسانية حكومتها التي مكّنتنا من مواكبة التطور في العالم ومعايشة احتياجات الأشخاص الذين نشاركهم قيمنا الإنسانية".
اقرأ أيضاً: تعرف على الباحث الإماراتي سهام الدين كلداري ودوره في تطوير العلوم الطبية والحيوية
ما الذي يجعل جمعية الإمارات مختلفة عن باقي الجمعيات؟
تقول الدكتورة مريم إنها جمعية تعنى بالوقاية، وهي الجمعية الوحيدة التي تمتلك مركز أبحاث ومختبراً وعيادة مرخصة من هيئة الصحة في إمارة دبي منذ عام 2007. وتوضح أن الهدف من الجمعية هو تقليل قدر الإمكان عدد الأشخاص المصابين بالأمراض الجينية، وإيجاد البدائل الوقائية التي تكون في متناول الفئة المستهدفة بأعلى المستويات العالمية من حيث الاعتمادات الدولية والمصداقية العلمية، والمبادرة بالمشاريع الوطنية لدعم السياسات الصحية التي تعنى بهذه المحاور.
وتضيف: "أن ما جعل الجمعية ما هي عليه الآن هو مبدأ العطاء دون انتظار لتكريم أو مقابل مادي، والإصرار على تنفيذ الهدف من خلال فريق عمل مخلص لضمان الاستدامة، وهي الرؤية التي دعّمني فيها الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح والتعايش الرئيس الأعلى لجمعية الإمارات للأمراض الجينية".
5 حائزين على جائزة نوبل للعلوم في مكان واحد
في عام 2012، أثمرت جهود الدكتورة مريم في حصد دعم كبير لمركز الشيخ زايد للأبحاث الجينية، فقد حضر إلى المركز 5 من الحائزين على جائزة نوبل للعلوم وهم: هارولد تسور هاوزن، الحائز على جائزة نوبل في الطب عام 2008، وجان ماري لين، الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء سنة 1987، وفريد مراد، الحائز على جائزة نوبل في الطب عام 1998، وميشيل هارتموت وروبرت هوبر، الحائزان على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1988.
كان أمراً غير مسبوق أن يحضر 5 من ألمع العقول العالمية إلى مركز أبحاث عربي لتفقده والاطلاع على أبحاثه ودراساته، بل قاموا بالتدقيق في بياناته ونتائجه لمدة ساعة كاملة وعشر دقائق.
اقرأ أيضاً: تعرف على الباحثة الإماراتية حبيبة الصفار وريادتها في مجال الأبحاث الجينية
تقول الدكتورة مريم إن عينيها أدمعتا عندما قرأت ما كتبوه في سجل الزوار: "جمعية الإمارات للأمراض الجينية نقطة ضوء في الوطن العربي في مجال دراسة الاضطرابات الجينية". وأوضح أحدهم أن هذا الوصف "ليس مبالغة، فقد زرنا العديد من المراكز البحثية في دول المنطقة، ووجدنا أن مركزكم يجري الفحوصات دون مقابل ولجميع الجنسيات دون تحيز، وهذا أمر مميز حقاً". كما عبرّوا عن تقديرهم لجهود المركز والدكتورة مريم في تحويل الدراسات البحثية إلى علوم تطبيقية ونتائج ملموسة على صحة المجتمع ومساقات جامعية قائمة.
الأمر الآخر الذي أثار إعجاب الزوار الخمسة هو "نبالة" الدكتورة مريم، فهي لم تنشر أياً من هذه الأبحاث القيمة في مجلات علمية عالمية، لالتزامها بوعد قطعته لشيوخ القبائل بعدم النشر في أي مجلة علمية أو إعلامية، بناءً على مطالبتهم بذلك حفاظاً على "سمعة القبيلة وبناتها" من وجهة نظرهم التي تفهمت الدكتورة مريم خصوصيتها.
حققت هذه الزيارة الكثير من الشهرة للجمعية من خلال تلبية العديد من الشخصيات العلمية لدعواتها ومشاركتها في قمم ومجالس عالمية تعنى بالأمراض الجينية والوراثية والعلاجات الخلوية. وفي رسالة دعم من أحد الفائزين بنوبل، كتب في وصفه للدكتورة مريم: "أرجو منكم دعم هذه المرأة الإماراتية الشجاعة والذكية والجميلة صاحبة العين المبتسمة".
"الوصفة السحرية للحصول على دعم وتشجيع صناع القرار"
سألنا الدكتورة مريم عن سر نجاحها في تطبيق العديد من الأبحاث والدراسات العلمية لتكون في متناول الفئة المستهدفة في المجتمع الإماراتي وتحويلها إلى حقيقة ملموسة على الأرض من خلال الجمعيات والتشريعات، فأجابت أن طريقتها تقوم على 3 عوامل:
- الإصغاء: "دائماً أكون آخر مَن يتكلم في الاجتماعات الرسمية، ما يعطيني فرصة للاستماع إلى كل وجهات النظر، ويتيح لي وضع اللمسات النهائية الحاسمة في نجاح المشاريع وترجمتها إلى لغة الأرقام".
- العمل من خلال الفريق وليس معه: "أدفع فريقي للانخراط مبكراً في المشروع، وأبدأ دائماً مع فريق صغير جداً وديناميكي يمكن أن يجتمع للنقاش في أي وقت، وأراعي جانب التوازن الهرموني في الفريق من حيث عدد الإناث والذكور بما يضمن استقراره".
- المبادرة من خلال استراتيجية الدولة: "أتأكد أن المشروع الذي أبدأ به يتوافق مع هدف أو مشروع من المشاريع الاتحادية التي تعنى بها الدولة. لذا عندما أطلق مشروعاً أشعر أن كل الوطن يعمل معي على تحقيقه. وهذا ما ساعدني ليس فقط في المشاريع الداخلية، وإنما في المشاريع الدولية أيضاً".
اقرأ أيضاً: تعرف على العالمة السعودية ماجدة أبو راس وأهم إنجازاتها في علم البيئة
"أنا منتَج إماراتي وطني"
تعتبر الدكتورة مريم نفسها منتجاً إماراتياً وطنياً بامتياز، ومن يلتقي الدكتورة مريم، يصله شعور الاحتفاء بالوطن والفخر بإنجازات أبنائه. وهي لا تفوت فرصة لمشاركة قصص نجاح أبناء وطنها، لأنها ترى أن التكريم الحقيقي للشخص هو التكريم القادم من الوطن الأم. لذا تواصلت والتقت مؤخراً الجراح الإماراتي عبدالسلام البلوشي، أول طبيب يجري عملية جراحية على العمود الفقري بالاستعانة بروبوت في الولايات المتحدة الأميركية، وهو الآن أحد أعضاء فريق جمعية الإمارات للأمراض الجينية.
.
د.عبدالسلام البلوشي _جراح أعصاب والعمليات الدقيقة بالروبوت، وصاحب الرقم القياسي العالمي لعمليات جراحة الاعصاب الناجحة بإستخدام الروبوت👑
نفتخر بإنضمام د.عبدالسلام لفريق جمعية الامارات للامراض الجينية ونتطلع لمشاريع الخلايا الجذعية في الخدمات العلاجية والفرص الذهبية لدولتنا 🇦🇪 pic.twitter.com/vdOHYl4QJr— د مريم محمد مطر #طبيبة (@Dr_MariamMatar) July 27, 2022
تقول الدكتورة مريم: "عندما عرفت إنجازاته وطموحاته، بذلت جهدي لتقديمه إلى وسائل الإعلام المختلفة، وتنظيم جلسة مع الأب الروحي للتعليم العالي الشيخ نهيان بن مبارك الذي وجّهنا للاستمرار والعطاء لوطن زايد الخير وخليفة الطيب ومحمد السلام، لأنه يستحق". وتوضح أنها أرادت أن تقدم له نفس الدعم والتشجيع الذي لمسته هي من الحكومة الإماراتية. هؤلاء الأشخاص، من أصحاب الإنجازات الرائدة، هم "منتجات وطنية" على حد تعبير الدكتورة مريم، فهم يرسمون صورة مضيئة لوطنهم على الساحة العالمية.
مركز الشيخ زايد للأبحاث الجينية شريك في مشروع الجينوم المصري
عندما أعلن المركز القومي للأبحاث في مصر عن إطلاق مشروع الجينوم المصري، تم التعاون مع مركز الشيخ زايد للأبحاث الجينية، التابع لجمعية الإمارات للأمراض الجينية. وعندما تم الكشف عن تفاصيل مشروع الجينوم المصري في إكسبو دبي في شباط/ فبراير من عام 2022، فإنه جاء برعاية كريمة من معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح والتعايش الرئيس الأعلى لجمعية الإمارات للأمراض الجينية، وبرعاية من وزير التعليم العالي والبحث العلمي المصري، بالشراكة مع مركز الشيخ زايد للأبحاث الجينية، وبحضور معالي حصة بنت عيسى بو حميد وزيرة تنمية المجتمع، والسير البروفيسور مجدي يعقوب جراح القلب العالمي، وكوكبة من الشخصيات العلمية، وبمشاركة من الدكتورة مريم التي رأت أن التعاون مع مركز الشيخ زايد للأبحاث الجينية في مشروع من هذا النوع يمثل "مؤشراً غير مباشر" على مصداقية المركز وريادته.
.
صباح تجمل بصوت وصورة أستاذنا د.مجدي يعقوب🌻
. #في_خير_وعافية
. pic.twitter.com/bAdkGxroAc— د مريم محمد مطر #طبيبة (@Dr_MariamMatar) August 26, 2022
وأوضحت الدكتورة مريم أن السير البروفيسور مجدي يعقوب هو واحد من أصدقائها وأحد الشخصيات العالمية الناجحة، والذين يلهمونها في مواصلة مسيرتها لتحقيق النجاح.
اقرأ أيضاً: تعرف على العالمة المصرية نجوى عبد المجيد وأبحاثها في مجال الطفرات الوراثية
"رسالتي إلى جيل الشباب والفتيات"
تقول الدكتورة مريم: "تعرضت لكثير من الصعوبات، الدرب لم يكن سلساً، لكني كنت أنظر إلى هذه الصعوبات باعتبارها فرصاً لاكتساب مهارات جديدة". تنحدر الدكتورة مريم من عائلة متواضعة، لا لقب ولا قبيلة، والدها كان سائق تاكسي، لكنها تؤكد: "شغلت هذه المناصب باجتهادي، كنت الأولى في كلية الطب، وباجتهادي وعملي كنت أفضل موظفة في هيئة الصحة من بين 8 آلاف موظف عندما كنت لا أزال في السنة الثانية من تخصصي". وهذا الأمر يثبت تميز المجتمع والحكومة الإماراتية؛ "فلو كنت تملك الطموح وواثقاً من نفسك وتمتلك أفكاراً بنّاءة وتتمتع بالقدرات اللازمة، فإن الكرسي هو من سيتشرف بك وليس العكس".
لذا تدعو الدكتورة مريم الجيل الشاب إلى أخذ زمام المبادرة وبذل الجهد لتحقيق أحلامهم، وتقول للفتيات: "لنجعل شانيل هي من تفتخر أننا نحمل منتجاتها، من المهم أن تفرضي حضورك بأنوثتك وأخلاقك وعلمك".
تختتم الدكتورة مريم حديثها مع إم آي تي تكنولوجي ريفيو بلفتة إنسانية لتشكر جميع المقيمين في الإمارات من غير الإماراتيين ومن كل الجنسيات الذين ساعدوا في بناء الإمارات عبر خبراتهم وجهودهم وساهموا في تطور الإمارات، "وطن زايد الخير وخليفة الطيب ومحمد السلام".