طموحات كبيرة لشركة هواوي الصينية في تخفيف الهيمنة الأميركية على الذكاء الاصطناعي

5 دقائق
مصدر الصورة: سيبا عبر صور أسوشييتد برس

يبدو أن رين زينجفي، الرجل المنعزل والمؤسس والمدير التنفيذي لشركة هواوي الصينية العملاقة في مجال التكنولوجيا، والتي تتعرض لحرب شعواء حالياً، لا يخفي تحديه للجهود الأميركية الرامية إلى وضع العراقيل أمام شركته عن طريق الدعاوى القضائية والقيود. قال رين مؤخراً في إحدى مقابلاته النادرة مع الإعلام العالمي: "من المستحيل أن تتمكن الولايات المتحدة من سحقنا. لن يتخلى العالم عنا لأننا الأكثر تقدماً".

قد تبدو هذه الكلمات ضرباً من المبالغة، ولكنها لا تخلو من الحقيقة. حيث أن خريطة الطريق التكنولوجية لشركة هواوي، خصوصاً في مجال الذكاء الاصطناعي، تشير إلى شركة تتقدم – وعلى أكثر من جبهة تكنولوجية – بشكل أسرع من أية شركة أخرى في العالم. وإضافة إلى طموحاتها في مجال الذكاء الاصطناعي، فإن هواوي أحد اللاعبين الصاعدين في سوق الشبكات اللاسلكية من الجيل الخامس الجديد، إضافة إلى أنها ثاني أكبر مصنّع في العالم للهواتف الخليوية بعد سامسونج (وقبل آبل).

وبحسب سام ساكس، المختصة بالصين والأمن السيبراني في مجموعة الدراسات نيو أميركا في واشنطن: "تقوم مقاربة الحكومة والقطاع الخاص في الصين على بناء شركات قادرة على المنافسة على كامل امتداد الطيف التقني. وهو ما تفعله هواوي". غير أن استراتيجية هواوي في مجال الذكاء الاصطناعي هي التي ستعطيها بالفعل امتداداً فريداً من نوعه على كامل المشهد التكنولوجي، كما أنها ستثير أيضاً مجموعة من المشاكل الأمنية الجديدة. حيث أن الانتشار التكنولوجي الواسع للشركة، وكونها خاضعة في نهاية المطاف للحكومة الصينية شأنها شأن جميع الشركات الصينية، يمثلان أهم الأسباب التي تجعل الولايات المتحدة تنظر إلى هواوي على أنها تمثل خطراً غير مسبوق على الأمن القومي.

أجرت إم آي تي تكنولوجي ريفيو مقابلة حصرية مع شو وينوي، مدير مجلس إدارة هواوي والمسؤول الأساسي عن الاستراتيجية والتسويق في الشركة، وقد استعرض في هذه المقابلة امتداد خطط هواوي في مجال الذكاء الاصطناعي، كما دافع عن سجل الشركة في مجال الحماية، ووعد أن هواوي ستتعاون مع بقية العالم في مواجهة المخاطر والتهديدات التي قد تنتج عن الذكاء الاصطناعي.

قال شو (الذي يستخدم الاسم الغربي ويليام شو) أن هواوي تخطط لزيادة استثماراتها في الذكاء الاصطناعي، ومكاملته في جميع نواحي الشركة بهدف "بناء هيكلية كاملة للذكاء الاصطناعي". وبما أن هواوي شركة خاصة، فليس من السهل حساب استثماراتها التكنولوجية بالأرقام. ولكن بعض مسؤولي الشركة قالوا العام الماضي أنها كانت تخطط لزيادة الإنفاق على البحث والتطوير بأكثر من الضعف ليصل إلى ما بين 15 و 20 مليار دولار. وهو ما يمكن أن ينقل الشركة إلى مكان ما بين المرتبتين الثانية والخامسة في الترتيب العالمي للإنفاق على البحث والتطوير. ووفقاً لموقعها الإلكتروني، فإن البحث والتطوير يتضمن حوالي 80,000 موظف، أي 45% من قوة العمل لدى هواوي.

تمتد رؤية هواوي من شرائح الذكاء الاصطناعي المخصصة لمراكز البيانات والأجهزة الخليوية وصولاً إلى برامج التعلم العميق والخدمات السحابية التي يمكن أن تشكل بديلاً لما تقدمه شركات مثل أمازون ومايكروسوفت وجوجل. وتجري الشركة أبحاثاً على التحديات التكنولوجية الأساسية، بما في ذلك وضع نماذج تعلم آلي أكثر فعالية من حيث استخدام البيانات واستهلاك الطاقة، وأسهل من حيث التحديث، كما يقول شو.

ولكن هواوي تواجه صعوبات في إقناع العالم الغربي أنها جديرة بالثقة. حيث أنها تواجه اتهامات بسرقة الملكيات الفكرية، والتجسس، والاحتيال، كما أن نائبة رئيس مجلس الإدارة والمسؤولة المالية الأساسية للشركة (وابنة رين)، مينج وانزو، خاضعة حالياً للإقامة الجبرية في كندا بانتظار البت في ترحيلها إلى الولايات المتحدة. إضافة إلى هذا، فإن الولايات المتحدة وعدة بلدان أخرى قد حظرت مبيع أجهزة هواوي، أو تدرس فرض قيود عليها، وذلك بسبب مخاوف من إمكانية استخدام تجهيزات هواوي لاتصالات الجيل الخامس من قبل الحكومة الصينية للهجوم على الأنظمة أو الحصول على بيانات حساسة. دافع شو عن سمعة الشركة قائلاً: "تحمل هواوي سجلاً نظيفاً في مجال الأمن والحماية".

ولكن الذكاء الاصطناعي يضيف بعداً آخر إلى هذه المخاوف. حيث أن خدمات التعلم الآلي أصبحت الأن مصدراً جديداً للخطر، بما أنه يمكن استخدامها من قبل القراصنة، كما أن البيانات المستخدمة لتدريبها قد تحوي معلومات خاصة. أيضاً، يؤدي استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي إلى زيادة تعقيد وغموض الأنظمة، ما يعني مزيداً من الصعوبات عند التدقيقات الأمنية.

ضمن الجهود الرامية إلى تطمين المشككين، وعد شو أن هواوي ستنشر في أبريل وثيقة تتضمن المبادئ التي تتبعها في مجال الذكاء الاصطناعي. وهو ما سيتكلل بوعد من الشركة بالسعي إلى الحفاظ على بيانات المستخدمين وضمان الحماية. قال شو أيضاً أن هواوي تريد أن تتعاون مع منافسيها العالميين، مثل جوجل وأمازون، وذلك لضمان تطوير التكنولوجيا بشكل مسؤول. غير أنه ليس من الواضح ما إذا كانت هواوي ستسمح بتدقيق خدمات الذكاء الاصطناعي فيها من قبل طرف ثالث، كما فعلت مع عتادها الصلب.

قال شو في المقابلة مع إم آي تي تكنولوجي ريفيو: "تعمل الكثير من الشركات في هذا المجال، بما فيها هواوي، على وضع مجموعة من المبادئ المتعلقة بالذكاء الاصطناعي. حالياً، نحن متأكدون على الأقل من ثلاثة أمور: يجب أن تكون هذه التكنولوجيا محمية وشفافة، ويجب حماية خصوصية وحقوق المستخدمين، ويجب أن يسهل الذكاء الاصطناعي من تطوير المساواة الاجتماعية والصالح العام الاجتماعي".

الطيف الكامل

مع تقدم هواوي في مجال الذكاء الاصطناعي وتحقيقها للمزيد من الإنجازات في إطار سعيها للتحول إلى شركة "كاملة الطيف"، فقد يبدو نفوذها، وبشكل متزايد، كبيراً بشكل غير مقبول بالنسبة للكثيرين في الغرب.

تفتخر الشركة منذ الآن بمجموعة مذهلة من الخدمات والمنتجات. ففي السنة الماضية، أطلقت هواوي شريحة ذكاء اصطناعي لهواتفها الذكية باسم أسيند، وهي تضاهي الشريحة الموجودة في أحدث طرازات آيفون، كما أنها مصنوعة خصيصاً لتشغيل برمجيات التعلم الآلي التي تعتمد عليها مهام مثل التعرف على الوجه والصوت. أتت تكنولوجيا هذه الشريحة من شركة ناشئة اسمها كامبريكون، والتي تفرعت عن الأكاديمية الصينية للعلوم، ولكن هواوي قالت مؤخراً أنها ستقوم بتصميم الأجيال اللاحقة من الشرائح بنفسها.

تبيع هواوي ايضاً مجموعة من الشرائح المصممة للذكاء الاصطناعي للحواسيب المكتبية والمخدمات ومراكز البيانات. وعلى الرغم من أنها متأخرة عن شرائح إنفيديا وكوالكوم (وهما شركتان أميركيتان) من حيث الرقي والتعقيد، فإن هذه الشركة لا تضاهيها أية شركة أخرى من حيث اتساع مجال عتادها الصلب للذكاء الاصطناعي.

أيضاً، هناك البرمجيات. حيث تقدم هواوي منصة حوسبة سحابية ذات 45 خدمة تتعلق بالذكاء الاصطناعي، بشكل مشابه لمستوى ما تقدمه الشركات الغربية العملاقة مثل جوجل وأمازون ومايكروسوفت. وفي الربع الثاني من 2019، ستطلق هواوي أيضاً هيكليتها الخاصة للتعلم العميق، والمسماة مايندسبور، والتي ستتنافس مع تنسورفلو من جوجل وبايتورتش من فيسبوك. كما أن الذكاء الاصطناعي يعتبر جزءاً أساسياً من سعي هواوي لتقديم معدات اتصالات لاسلكية من الجيل الخامس لوصل كل شيء، من الآلات الصناعية إلى السيارات ذاتية القيادة. قال شو: "يجب أن نستخدم الذكاء الاصطناعي لتخفيض تكاليف الصيانة. لقد أصبحت شبكات الاتصالات أكثر تعقيداً بشكل مطرد، وتقع نسبة 70% من الأعطال بسبب الأخطاء البشرية، وإذا كنا سنستخدم الذكاء الاصطناعي في صيانة الشبكة، يمكن توقع أكثر من 50% من الأعطال المحتملة".

حَمَلة المعايير

تعتبر تصريحات شو حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، بشكل أو بآخر، جزءاً من الجهد الهادف لتصدّر عملية تطوير الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم. إن الحفاظ على أخلاقيات الذكاء الاصطناعي يعني أيضاً وضع المعايير التكنولوجية، وهو ما سيكون أمراً هاماً لتحديد شكل التكنولوجيا نفسها. لقد مارست الولايات المتحدة نفوذاً كبيراً على تطويرها للإنترنت عن طريق وضع المعايير التقنية.

لهذا، فإن الجمعية الصينية للذكاء الاصطناعي، وهي منظمة تديرها الحكومة، شكلت لجنة في وقت سابق من هذا العام لوضع نسخة أولية وطنية للائحة بأخلاقيات الذكاء الاصطناعي. كما أن العديد من الشركات التكنولوجية الصينية الكبيرة، مثل بايدو وعلي بابا وتينسنت، أطلقت مبادرات مكرسة لفهم تأثير الذكاء الاصطناعي.

قد يشكل الاتفاق على أخلاقيات ومعايير الذكاء الاصطناعي مسألة صعبة، خصوصاً مع تفاقم التوترات ما بين الشرق والغرب. حيث تسعى بعض الحكومات، وبعض المنظمات مثل الاتحاد الأوروبي، إلى وضع قواعد العمل أيضاً. وقد قال شو في المقابلة: "يجلب الذكاء الاصطناعي القيمة، ويجلب معها أيضاً المشاكل والارتباكات. ونحن بحاجة إلى التعاون على مستوى العالم لحل هذه المشاكل".

غير أن التعاون العالمي ليس حالياً من أهم توجهات الولايات المتحدة. وبالفعل، فلا تستطيع الولايات المتحدة أن تفعل الكثير خارج حدودها لإعاقة عمل هواوي. ويبدو أن بعض الحلفاء قد سئموا من سياسة القوة التي تعتمدها الولايات المتحدة، حيث أن المملكة المتحدة وألمانيا تبتعدان –كما تشير جميع الدلائل- عن احتمال فرض حظر على هواوي لمنعها من تقديم معدات الجيل الخامس وغير ذلك من المنتجات والخدمات.

إن اهتمام الشركة بالارتباط بالبلدان المتحفظة له حدوده أيضاً. وفي تعليقات جديدة للمدير التنفيذي رين، قال أن الصورة العالمية تتغير، على الأقل من حيث التكنولوجيا: "إذا انطفأت الأضواء في الغرب، سيستمر الشرق بالسطوع. وإذا أظلم الشمال، فإن الجنوب موجود. أميركا لا تمثل العالم، بل فقط جزءاً من العالم".

في كلتا الحالتين، يبدو أن هواوي ستبقى موجودة.

المحتوى محمي