شركة مصرية ناشئة تبتكر ضمادات للجروح تمزج تكنولوجيا النانو مع الطبيعة

3 دقائق
كيف غّير مزيج الألياف النانوية والنباتات الطبية مستقبل ضمادات الجروح؟
حقوق الصورة: شترستوك. تعديل إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية.

طالما تملك جلداً بشرياً فلا بد أنك مررت بإصابة واحدة على الأقل سببت جرحاً، ما يجعل مجال العناية بالجروح محل اهتمام من الباحثين والعلماء منذ آلاف السنوات التي سبقت وجود المعامل والمختبرات، فقد اعتمدت الحضارات القديمة مثل الحضارة المصرية والرومانية والصينية، قبل وجود الدواء، على الطبيعة في شفاء الجروح.

نانو إيبرس: الربط بين التكنولوجيا واحتياجات السوق الملحة

استطاعت شركة مصرية إعادة هذه العقلية مرة أخرى، بدمج التقنيات الحديثة في مجال الطب مع مستخلصات الطبيعة للخروج بضمادات جروح مبتكرة، حيث طوّر الباحثون في شركة "نانو إيبرس" (NanoEbers)، وهي شركة ناشئة تربط الابتكارات التكنولوجية بالاحتياجات الملحة لسوق العناية بالجروح، ضمادات للجروح مصنوعة من الألياف النانوية القابلة للتحلل، مضاف إليها مستخلصات نباتية طبية ومضادات للبكتيريا وتركيزات عالية من العسل والشيتوزان.

تستخدم الشركة أنواعاً مختلفة من النباتات الطبية الموجودة في شبه جزيرة سيناء المصرية لإنتاج نوع جديد من الضمادات بتعزيز أقوى ضد البكتيريا، وتركيز أعلى من العسل، ليساعد في شفاء الجلد من الجروح بشكل أسرع وأكثر فعالية.

لدى الشركة منتجات مختلفة للعناية بالجروح، غير أنها اختارت ابتكار الضمادات ليكون النموذج الأولي الذي تنتجه الشركة لتمتعه بأعلى إمكانات تسويقية. وتتضمن قائمة ابتكاراتها الإسفنج المرقئ الذي يتمتع بقدرة فائقة على وقف النزيف على الفور، حيث يمتص 40 ضعف وزنه من الدم في 30 ثانية فقط. الإسفنج مصنوع من مواد طبيعية متوافقة حيوياً ومتوفرة بسهولة من حيث التكلفة، وتم تحسينه بهيكل مسامي مُحسَّن وتحميله بمواد تسرع من تخثر الدم.

تتجه العديد من شركات العناية بالجروح مؤخراً ناحية الابتكار في تصنيع الضمادات ودمج التقنيات الجديدة لزيادة فعاليتها، وأبرز هذه التقنيات هي تكنولوجيا النانو، وهو ما اعتمد عليه الفريق المصري بقيادة، الدكتور حسن عزازي، غير أنهم دمجوا هذه التكنولوجيا مع الطبيعة للخروج بضمادة أكثر فعالية في شفاء الجلد، فكيف تساهم كل من تكنولوجيا النانو والطبيعة في شفاء الجروح؟

اقرأ أيضاً: تكنولوجيا النانو.. كيف تتغير حياة البشر بمقياس متناهي الصغر؟

كيف تساهم الطبيعة في التئام الجروح؟

حينما يتعرض الجلد لإصابة، فإن الجسم يبدأ عملية "التئام الجروح"، وهي عملية معقدة لإصلاح الأنسجة التالفة وإعادة تشكيلها، وتأتي عبر أربع مراحل وهي تخثر الدم، والالتهاب، والتكاثر، وأخيراً إعادة التشكيل، بغرض إعادة شكل الجلد إلى ما كان عليه قبل الجرح.

ويسعى التدخل البشري للعناية بالجروح إلى تعزيز عملية التئام الجروح في أقصر وقت ممكن، مع حد أدنى من الألم، وضمان عدم ترك الجروح ندبات دائمة للمريض. لذا، تتضمن العناية بالجروح إجراءات مثل التضميد، والمسكنات، والعوامل المضادة للالتهابات، والعوامل الموضعية المضادة للميكروبات، والأدوية المعززة للشفاء، وغيرها.

وعلى مدار القرون الماضية، تدخلت النباتات بدور وظيفي مهم ضمن هذه الإجراءات، إذ ثبتت قدرة بعض النباتات الطبية على تعزيز تخثر الدم، ومكافحة العدوى وتسريع التئام الجروح، وتقليل عدد البكتيريا، وتحسين ترسب الكولاجين، مثل مستخلصات القرفة التي تسرع التئام الجروح بخصائصها المضادة للأكسدة، وتعمل كمضاد طبيعي للميكروبات، ومستخلصات الصبار التي تقلل التهاب الجروح وتوفر أنسجة أكثر حبيبية تعزز الشفاء.

يزداد الاعتماد على النباتات الطبية خاصة في العناية بالجروح بسبب تكلفتها المنخفضة من ناحية، وقلة آثارها الجانبية من ناحية أخرى، وذلك بالتوازي مع ارتفاع خطورة الجروح بسبب زيادة الحالات والأمراض المرتبطة بالعمر مثل السكري والسمنة وأمراض القلب والأوعية الدموية، إذ بلغ حجم السوق العالمية للعناية بالجروح نحو 15.25 مليار دولار أميركي في 2021، ومن المتوقع أن ينمو إلى 24.01 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2028.

اقرأ أيضاً: كيف تساهم التكنولوجيا في تطوير الطب والرعاية الصحية؟

تكنولوجيا النانو تغير شكل وفعالية الضمادات

أحدثت تكنولوجيا النانو ثورة في عالم الطب وعلاج الأمراض. وقد اكتسبت الألياف النانوية اهتماماً متزايداً في تجديد الجلد بعدما أثبتت قدرتها في توفير الدعم لإصلاح الأنسجة، إضافة إلى عملها كمنظم لتوصيل الأدوية والبروتينات وعوامل النمو والجزيئات الأخرى.

الألياف النانوية عبارة عن مواد ناعمة ذات مكونين أساسيين، الأول يقتل البكتيريا عن طريق إتلاف هياكلها السطحية وتعطيل أنشطتها الطبيعية، بينما يمتلك الثاني خصائص مرنة تحاكي جلد الإنسان، فتشكل رقعة تشبه الجلد لتغطية الجروح وتوفير بيئة مناسبة لالتئام الجروح.

وتظهر ميزة أخرى للألياف النانوية وهي قابليتها للتحلل، ما يعني أنه يمكن امتصاصها بشكل طبيعي عن طريق الجلد أثناء العلاج. وقد أجريت دراسة تجريبية على فئران مصابة ببكتيريا مقاومة للأدوية أثبتت أن الضمادات التي تحوي ألياف نانوية أفضل من الضمادات التقليدية، من حيث الإزالة السريعة للعدوى البكتيرية، وانخفاض حجم الجرح بشكل ملحوظ، وتقليل وقت إغلاق الجرح مقارنة بالضمادة التجارية.

وأثبتت أنظمة التوصيل النانوية العديد من الفوائد الأخرى في عملية التئام الجروح، بما في ذلك تقليل سُمية الأدوية، وإدارة الأدوية ضعيفة الذوبان في الماء، وتحسين اختراق الجلد، وتعزيز النشاط المضاد للميكروبات، وحماية الأدوية من الضوء ودرجة الحرارة، وكذلك تحفيز تكاثر الخلايا الليفية وتقليل الالتهاب.

في تجربة أخرى لاستخدام تكنولوجيا النانو في صنع ضمادات المستقبل، طور باحثون في جامعة "ويسكونسن/ ماديسون" ضمادة أثبتت فعاليتها في شفاء الجروح أسرع بأربع مرات من الضمادة التقليدية، معتمدة على حركة الجسم الطبيعية لتوليد مجال كهربائي، بعدما عرف الباحثون أن الحقول الكهربائية تساعد في التئام الجروح بشكل أسرع.

تعمل الضمادة باستخدام مولد صغير، يسمى "مولد النانو" مهمته التقاط الطاقة من الحركات الطبيعية للجسم مثل التنفس والارتعاش، وتحويلها إلى نبضات كهربائية خفيفة يتم إرسالها إلى قطب كهربائي موجود بالضمادة، ليخلق مجال كهربائي حول الجرح، يساعد في توجيه حركة خلايا الجلد من أجل شفاء أكثر كفاءة.

لا يقتصر دور تكنولوجيا النانو على الجروح الطارئة، ولكن نجحت تكنولوجيا النانو في تقليص مدة علاج الجروح المزمنة من 5 أعوام إلى 6 أشهر، وفقاً للمؤتمر الخليجي الثاني للجروح 2020 بدبي.

يتنامى الاهتمام بالعناية بالجروح مع ظهور تقنيات جديدة كل يوم لتقليل أخطارها وتقليص مدة شفاء الجلد منها، ولكن يبدو أن مزج التقنيات الحديثة والطرق القديمة التي تعتمد على الطبيعة سيجذب أنظار الشركات الكبرى في السنوات القادمة.

المحتوى محمي