جوجل تطلق ميزة لضبط “تفكير” نماذج الذكاء الاصطناعي لتقليل الهدر والأثر البيئي

5 دقيقة
جوجل تطلق ميزة لضبط "تفكير" نماذج الذكاء الاصطناعي لتقليل الهدر والأثر البيئي
مصدر الصورة: ستيفاني آرنيت/إم آي تي تكنولوجي ريفيو | أدوبي ستوك

يتضمن آخر تحديث من شركة جوجل ديب مايند (Google DeepMind) لأحد أفضل إصدارات نموذج الذكاء الاصطناعي جيميناي (Gemini) مؤشراً للتحكم في مقدار "تفكير" النظام خلال الاستجابة. وقد صُممت هذه الميزة الجديدة ظاهرياً لتوفير المال على المطورين، ولكنها أيضاً تعترف بوجود مشكلة: إن نماذج التفكير، وهي الهوس الجديد في عالم التكنولوجيا، تميل إلى الإفراط في التفكير، ما يؤدي إلى إهدار المال والطاقة في هذه العملية.

منذ عام 2019، ظهرت طريقتان مجربتان وحقيقيتان لجعل نموذج الذكاء الاصطناعي أقوى. الأولى هي جعله أكبر من خلال استخدام المزيد من بيانات التدريب، والثانية هي تزويده بتقييمات أفضل بشأن المقومات اللازمة لتكوين إجابة جيدة. ولكن في نهاية العام الماضي، اتجهت جوجل ديب مايند وشركات الذكاء الاصطناعي الأخرى إلى طريقة ثالثة: التفكير المنطقي.

اقرأ أيضاً: ما هو فيو 2 من جوجل؟ وما هي مزاياه؟ وكيف يمكن استخدامه؟

التفكير المنطقي ميزة لرفع أداء نماذج الذكاء الاصطناعي

يقول عالم الأبحاث الرئيسي في ديب مايند، جاك راي: "لقد ركزنا بشدة على ’التفكير‘. وقد برزت مثل هذه النماذج، التي صُممت للعمل على حل المشاكل بأسلوب منطقي وقضاء المزيد من الوقت للوصول إلى إجابة، في وقت سابق من هذا العام مع إطلاق النموذج "آر 1" (R1) من شركة ديب سيك (DeepSeek). وهي جذابة لشركات الذكاء الاصطناعي لأنها يمكن أن تحسّن أحد نماذجها الحالية من خلال تدريبه على التعامل مع المشكلة بطريقة عملية. وبهذه الطريقة، يمكن للشركات تجنب الاضطرار إلى بناء نموذج جديد من الصفر.

عندما يكرس نموذج الذكاء الاصطناعي المزيد من الوقت (والطاقة) للرد على الاستعلام، تزداد تكلفة تشغيله. تُظهر لوحات المتصدرين لنماذج التفكير المنطقي أن مهمة واحدة يمكن أن تكلف ما يزيد على 200 دولار لإنجازها. تتعلق الآمال بأن هذا الوقت والمال الإضافيين يساعدان على تحسين أداء نماذج التفكير المنطقي في التعامل مع المهام الصعبة، مثل تحليل الرموز البرمجية أو جمع المعلومات من الكثير من المستندات.

يقول كبير المسؤولين التقنيين في جوجل ديب مايند، كوراي كافوكو أوغلو،: "كلما زادت قدرتك على تكرار فرضيات وأفكار معينة، زادت فرصتك في العثور على الجواب الصحيح".

 النماذج تفرط في التفكير!

لكن هذا ليس صحيحاً في جميع الحالات. تقول قائدة فريق المنتجات في مشروع جيميناي، تولسي دوشي: "إن النموذج يفرط في التفكير"، مشيرة على وجه التحديد إلى النموذج "جيميناي فلاش 2.5" (Gemini Flash 2.5)، وهو النموذج الذي أصدرته ديب مايند في 17 أبريل/نيسان والذي يتضمن شريط تمرير للمطورين لتقليل مستوى تفكيره: "بالنسبة للأوامر النصية البسيطة، يفكر النموذج أكثر مما يتطلب الأمر".

عندما يقضي النموذج وقتاً أطول من اللازم في حل مشكلة ما للوصول فقط إلى إجابة متواضعة، فإن ذلك يجعل تشغيل النموذج مكلفاً للمطورين ويزيد البصمة البيئية للذكاء الاصطناعي سوءاً.

يقول المهندس في شركة هاغينغ فيس (Hugging Face)، ناثان حبيب، الذي درس انتشار نماذج التفكير المنطقي التي على شاكلة هذا النموذج، إن الإفراط في التفكير أمرٌ شائع بكثرة. يقول حبيب إنه في خضم الاندفاع لإظهار الذكاء الاصطناعي الذي يتمتع بمستوى ذكاء أعلى، تسعى الشركات إلى استخدام نماذج التفكير المنطقي التي تعمل بكفاءة وسرعة عالية حتى في مواجهة المسائل التي لا تحتاج إلى هذا المستوى من القدرات. في الواقع، عندما أعلنت شركة أوبن أيه آي (OpenAI) عن نموذج جديد في فبراير/شباط الماضي، قالت إنه سيكون آخر نموذج للشركة لا يستخدم التفكير المنطقي.

يقول حبيب إن تحسُّن الأداء "لا يمكن إنكاره" بالنسبة إلى مهام معينة، ولكن ليس بالنسبة إلى العديد من المهام الأخرى التي يستخدم فيها الناس الذكاء الاصطناعي عادةً. وحتى عند استخدام التفكير المنطقي لحل مسألة تستحق هذا المستوى من القدرات، يمكن أن تنحرف الأمور عن مسارها. أراني حبيب مثالاً لنموذج تفكير رائد طُلب منه حل مسألة في الكيمياء العضوية. بدأ الأمر بصورة جيدة، ولكن في منتصف عملية التفكير بدأت إجابات النموذج تتخذ منحى يشبه الانهيار: فقد قدم إجابة متلعثمة وغير مكتملة مثل "انتظر، ولكن ..." مئات المرات. وانتهى الأمر بأن استغرق وقتاً أطول بكثير مما قد يستغرقه نموذج لا يستخدم التفكير المنطقي في مهمة واحدة. تقول كيت أولزيفسكا، التي تعمل على تقييم نماذج جيميناي في ديب مايند، إن نماذج جوجل يمكن أن تعلق في حلقة مفرغة.

اقرأ أيضاً: كيف تمكنت شركة «ديب سيك» من تحدي عمالقة الذكاء الاصطناعي بأقل الموارد؟

 مؤشر التحكم في التفكير المنطقي

يمثل مؤشر التحكم في "التفكير المنطقي" الجديد إحدى المحاولات التي تتبعها جوجل لحل هذه المشكلة. وهو ليس مصمماً في الوقت الحالي للإصدار المخصص للمستهلكين من جيميناي، لكنه مصمم لمطوري البرمجيات الذين يصنعون التطبيقات. يمكن للمطورين أن يحددوا ميزانية لمقدار قوة الحوسبة التي يجب أن يستخدمها النموذج لحل مسألة معينة، والفكرة هي خفض مستوى المؤشر إذا كانت المهمة لا تتطلب الكثير من التفكير. عند تفعيل التفكير المنطقي، تصبح مخرجات النموذج أكثر تكلفة بستة أضعاف تقريباً.

والسبب الآخر لهذه المرونة هو أنه ليس من الواضح بعد متى يتطلب الأمر المزيد من التفكير للحصول على إجابة أفضل.

يقول راي: "من الصعب حقاً رسم حدود للمهمة المثالية للتفكير في الوقت الحالي".

تشمل المهام الواضحة البرمجة (قد يلصق المطورون في المكان المخصص لمدخلات النموذج نسخة من مئات الأسطر من الرموز البرمجية ثم يطلبون المساعدة)، أو إنشاء تقارير بحثية بمستوى احترافي. سيرفع المطورون مستوى المؤشر كثيراً لإنجاز مثل هذه المهام، وقد يجد المطورون أن التكلفة تستحق ذلك. ولكن ستكون هناك حاجة إلى مزيد من الاختبارات والملاحظات المستمدة من المطورين لمعرفة الحالات التي تكون فيها الإعدادات المتوسطة أو المنخفضة جيدة بما فيه الكفاية.

يقول حبيب إن حجم الاستثمار في نماذج التفكير المنطقي هو علامة على أن المنظور المنهجي القديم لكيفية تحسين النماذج يتغير. ويقول: "إن القوانين المتعلقة بزيادة حجم النماذج تتغير".

فبدلاً من ذلك، تراهن الشركات على أن الوصول إلى أفضل الإجابات سيعتمد على إطالة زمن التفكير، لا على زيادة حجم النموذج. لقد كان من الواضح منذ عدة سنوات أن شركات الذكاء الاصطناعي تنفق المزيد من الأموال على الاستدلال -عندما يُطلب من النماذج فعلياً توليد إجابة لسؤال ما- أكثر من إنفاقها على التدريب، وسوف يتسارع هذا الإنفاق مع تسارع تطوير نماذج التفكير. فضلاً عن أن الاستدلال مسؤول أيضاً عن نسبة متزايدة من الانبعاثات.

(فيما يتعلق بموضوع النماذج التي "تستنبط" أو "تفكر": لا يمكن لنموذج الذكاء الاصطناعي أن ينفذ هذه الأفعال بالطريقة التي نستخدم بها عادةً مثل هذه الكلمات عند الحديث عن البشر. سألتُ راي عن السبب الذي دفع الشركة لاستخدام مصطلحات بشرية كهذه. فكان رده: "لقد سمح لنا ذلك بأن يكون لدينا اسم بسيط"، ويضيف: "الناس لديهم إحساس بديهي بما يجب أن يعنيه ذلك". يقول كافوكو أوغلو إن جوجل لا تحاول محاكاة أي عملية إدراكية بشرية معينة في نماذجها)

تكاليف منخفضة وانبعاثات أقل

حتى لو استمرت نماذج التفكير المنطقي في الهيمنة، فإن جوجل ديب مايند ليست الجهة الفاعلة الأبرز بلا منازع. عندما بدأ تداول النتائج التي حققتها شركة ديب سيك (DeepSeek) في ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني، أدى ذلك إلى انخفاض حاد في سوق الأسهم بلغ نحو تريليون دولار لأنها وعدت بإمكانية الحصول على نماذج تفكير قوية بتكاليف منخفضة جداً. يُشار إلى النموذج باسم "المُعامِل المفتوح" (open weight)؛ أي إن إعداداته الداخلية، التي تسمى معاملات الترجيح"، متاحة للجمهور، ما يسمح للمطورين بتشغيله بأنفسهم بدلاً من الدفع مقابل الوصول إلى النماذج التجارية التي تمتلكها جوجل أو أوبن أيه آي. (مصطلح "المصدر المفتوح" مخصص للنماذج التي تكشف عن البيانات التي دُربت عليها).

 فما المبرر لاستخدام النماذج التجارية التي تمتلكها جوجل في حين أن النماذج المفتوحة مثل ديب سيك تحقق أداءً ممتازاً؟ يقول كافوكو أوغلو إن البرمجة والرياضيات والقطاع المالي تمثل مجالات "تتوقع إلى حد كبير من النموذج أن يكون دقيقاً جداً، ومضبوطاً بشدة، وقادراً على فهم المواقف المعقدة بوضوح"، وهو يتوقع أن النماذج التي تحقق ذلك، سواء كانت مفتوحة أم لا، هي التي ستفوز. من وجهة نظر ديب مايند، سيشكل هذا التفكير المنطقي القاعدة الأساسية لنماذج الذكاء الاصطناعي المستقبلية التي تعمل نيابةً عنك وتحل المشاكل نيابةً عنك.

ويقول: "التفكير المنطقي هو القدرة الرئيسية التي تبني الذكاء. في اللحظة التي يبدأ فيها النموذج في التفكير، يمتلك مفاتيح القدرة على التأثير".

المحتوى محمي