من بين كل ما يستطيع دماغنا القيام به، فإن الطريقة التي يُساعدنا بها على الشم هي واحدة من أيسر الطرق فهماً. عندما تصطدم إحدى الروائح بالخلايا الشمية في أنوفنا، فإنها ترسل إشارة إلى مجموعة الخلايا العصبية ذات الصلة في الدماغ، والمعروفة باسم البصلة الشمية. بعد ذلك، تنقل البصلة الشمية الإشارة إلى أجزاء أخرى من الدماغ، مما يسمح لنا باستحسان عطر الجريب فروت أو تجنب رائحة القمامة الكريهة.
رغم أن البصلات الشمية مقصورة على الثدييات، إلا أن الحيوانات الأخرى -مثل الحشرات- تحمل أيضاً هياكل عصبية مماثلة. ويقول مايك ديفيز، مدير مختبر حوسبة المحاكاة العصبية التابع لشركة إنتل، إن هذا يعني أن "هناك على الأرجح شيئاً أساسياً وفعالاً نوعاً ما في هذه التطبيقات، إذا كان التطور قد وصل إليها في حالات مختلفة".
ونظراً لأنها فعالة للغاية ولأننا نفهمها جيداً، فإن أنظمة الشم هي نقطة انطلاق رائعة لشرائح المحاكاة العصبية، وهي نوع جديد من المعدات الحاسوبية التي تستمد الإلهام مباشرة من بنية الدماغ.
نشر علماء في شركة إنتل، يوم الاثنين، مقالاً في دورية نيتشر يقترح تصميماً جديداً لشرائح المحاكاة العصبية يحاكي بنية وقدرات البصلة الشمية. وعمل الباحثون مع علماء الفسيولوجيا العصبية الشمية الذين يدرسون أدمغة الحيوانات أثناء عملية الشم، وصمموا دائرة كهربائية تستند إلى الدوائر العصبية التي تنشط عندما تعالج أدمغتها رائحة ما يمكن نحتها على شريحة من السيليكون. كما صمموا خوارزمية تعكس سلوك الإشارات الكهربائية التي تنبض عبر الدائرة. وعندما قاموا بتدريب الخوارزمية الموجودة على الشريحة باستخدام مجموعة بيانات متاحة مكونة من 10 "روائح" -تم تمييزها من خلال قياساتها المأخوذة من 72 مستشعراً كيميائياً مختلفاً- تمكنت الخوارزمية من التمييز بينها بدقة، باستخدام عينات تدريب أقل بكثير من الشريحة التقليدية.
ولا تزال الشريحة تمثل نموذجاً أولياً في مرحلة مبكرة نسبياً، لكنها بمجرد أن تتطور يمكن استخدامها في عدد من التطبيقات، مثل اكتشاف القنابل أو الأبخرة الضارة في المصانع الكيميائية، كما أنها تبرهن أيضاً على إمكانات حوسبة المحاكاة العصبية للوصول إلى ذكاء اصطناعي أكثر كفاءة في استخدام البيانات.
وفي الوقت الحالي، فإن الشرائح الأكثر شيوعاً لتشغيل أحدث خوارزميات التعلم العميق تتبع جميعها نهجَ معمارية فون نيومان، وهو ميثاق تصميم دعم ثورة الحوسبة لعقود. لكن هذه الطّرز المعمارية تتسم بعدم الكفاءة عندما يتعلق الأمر بالتعلم، حيث تتطلب الخوارزميات التي تعمل عليها كميات هائلة من بيانات التدريب، على عكس أدمغتنا الأكثر كفاءة بكثير؛ لذا تحاول شرائح المحاكاة العصبية الحفاظ على بنية الدماغ إلى أقصى حد ممكن. الفكرة هي أن هذه المحاكاة الدقيقة ستزيد من كفاءة تعلم الشريحة. وفي الواقع، فقد نجحت إنتل في تعليم الشريحة باستخدام عينات قليلة جداً.
وبناءً على ذلك، يخطط فريق البحث لتحسين تصميم شريحة المحاكاة العصبية الخاصة به، وتطبيقها على وظائف أخرى في الدماغ تتجاوز الرائحة. ويقول ديفيز إن الفريق سيوجه اهتمامه بعد ذلك على الأرجح إلى الرؤية أو اللمس، إلا أنه يطمح على المدى الطويل في معالجة عمليات أكثر تعقيداً، ويضيف: "إن آليات الاستشعار الخاصة بنا هي المكان الطبيعي للانطلاق منه؛ لأنها مفهومة بشكل جيد. لكننا نعمل نوعاً ما على شقّ طريقنا إلى داخل الدماغ، وصولاً إلى العمليات الفكرية الأعلى".