شركة تطوّر أول كمبيوتر بيولوجي يعمل بخلايا بشرية حية

3 دقيقة
شركة تطوّر أول كمبيوتر بيولوجي يعمل بخلايا بشرية حية
حقوق الصورة: shutterstock.com/Robsonphoto

في خطوة من شأنها أن تحقق تحولاً جذرياً في مجال الحوسبة والذكاء الاصطناعي والطب، أعلنت شركة كورتكال لابز (Cortical Labs) الأسترالية، سي إل ون (CL1)، أول كمبيوتر بيولوجي تجاري في العالم.

يجمع هذا الابتكار الثوري بين الخلايا العصبية المزروعة في المختبر، المشتقة من الخلايا الجذعية البشرية، وبين الرقاقات السيليكونية ليشكّل ما أسمته الشركة "الذكاء البيولوجي الاصطناعي" (Synthetic Biological Intelligence SBI)، وهو شكل جديد من أنظمة الذكاء أكثر تطوراً وكفاءة من الأنظمة التقليدية.

مصدر الصورة: شركة كورتكال لابز

اقرأ أيضاً: نموذج تعلم عميق من جوجل يتنبأ بالإصابة بالشيخوخة البيولوجية من صور شبكية العين

كيف يعمل أول كمبيوتر بيولوجي؟

يعتمد كمبيوتر سي إل ون (CL1) على تفاعل دقيق بين الخلايا العصبية الحية والرقائق الإلكترونية. يتم استزراع هذه الخلايا العصبية في وسط مغذٍ يوفّر لها الظروف المناسبة للحياة، ثم تُحفَّز للنمو على شريحة سيليكونية مخصصة تعمل وسيطاً بين الحاسوب والخلايا العصبية، حيث تنقل النبضات الكهربائية وتستقبلها من الشبكة العصبية.

تتكامل هذه المنظومة مع نظام التشغيل البيولوجي بيوس (biOS) الخاص بالشركة، وهو المسؤول عن إدارة التفاعلات بين الشبكة العصبية والبنية الإلكترونية. يرسل biOS بيانات عن بيئة محاكاة رقمية إلى الخلايا العصبية مباشرة، التي تستجيب عبر نبضات كهربائية تؤثّر بدورها في البيئة الرقمية.

إحدى أهم ميزات الكمبيوتر الجديد هي قابليته للبرمجة، حيث يمكن تحميل التعليمات البرمجية مباشرة إلى الخلايا العصبية الحية. وقول كورتكال لابز، إن هذه الخلايا تتميز بقدرات "برمجة ذاتية ومرونة غير محدودة، وهي نتاج 4 مليارات سنة من التطور"، ما يمنحها قدرة ذاتية على التكيُّف بشكلٍ يصعب على الذكاء الاصطناعي التقليدي مجاراته.

الواجهة الأمامية لكمبيوتر سي إل ون (CL1)/ مصدر الصورة: شركة كورتكال لابز

ولضمان استمرار عمل هذه البيئة الحاسوبية البيولوجية، يمتلك الكمبيوتر نظام دعم حياة داخلياً يحافظ على الخلايا العصبية حية مدة تصل إلى ستة أشهر. يتضمن هذا النظام مضخات لتدوير السوائل، وخزانات تغذية، ووحدات ترشيح تحاكي وظائف الكلى، ومزيجاً غازياً يُنظّم مستويات الأوكسجين وثاني أوكسيد الكربون والنيتروجين.

تجدر الإشارة إلى أن كمبيوتر سي إل ون (CL1) ليس أول تجربة لشركة كورتكال لابز في الحوسبة البيولوجية، فقد سبق لها تطوير نظام ديش برين (DishBrain)، وهو حاسوب بيولوجي استخدم 800,000 خلية عصبية بشرية وفأرية على رقاقة سموس (CMOS)، وتمكن بشكلٍ مذهل من تعلم كيفية لعب لعبة بونغ (Pong). لكن سي إل ون (CL1) يمثّل نسخة أكثر تطوراً.

اقرأ أيضاً: هل ستحل الروبوتات الطبية المدعومة بالذكاء الاصطناعي محل الأطباء في المستقبل؟

تطبيقات واعدة: من الطب إلى الذكاء الاصطناعي

تمثّل تقنية الحوسبة البيولوجية المستخدمة في كمبيوتر سي إل ون (CL1) قفزة كبيرة نحو تطوير أنظمة أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة وأقرب إلى الذكاء الحقيقي من الذكاء الاصطناعي التقليدي. وفقاً للشركة، يستهلك كمية طاقة "أقل بكثير" من الأنظمة التقليدية، ما يقلل تكاليف التشغيل بشكلٍ كبير.

أحد أبرز التطبيقات المحتملة هو في الطب وصناعة الأدوية. ويطمح الدكتور هون وينغ تشونغ، المؤسس والرئيس التنفيذي للشركة، إلى استخدام خلايا عصبية مأخوذة من مرضى يعانون اضطرابات مثل الخرف أو الصرع لاختبار العقاقير المصممة خصيصاً لحالتهم، ما قد يُحدِث ثورة في الطب الشخصي ويسرّع اكتشاف علاجات جديدة للأمراض العصبية والنفسية.

بالإضافة إلى ذلك، يرى الباحثون في كورتكال لابز أن هذا الابتكار قد يمثّل الجيل الجديد من كمبيوترات الذكاء الاصطناعي؛ حيث تتمتّع الخلايا العصبية بقدرة طبيعية على معالجة المعلومات بسرعة وبدقة وباستهلاك طاقة أقل بكثير من الكمبيوترات التقليدية. وهذا قد يؤدي إلى تطورات غير مسبوقة في أنظمة الذكاء الصناعي المتكيفة، بل وربما في الروبوتات الذكية.

إمكانية الوصول إلى التكنولوجيا الجديدة

تخطط كورتكال لابز لطرح كمبيوتر سي إل ون (CL1) في النصف الثاني من عام 2025، وستوفّر وحدات مخصصة للمختبرات المتخصصة التي تمتلك القدرة على استزراع الخلايا العصبية لديها. ولجعل التكنولوجيا الجديدة في متناول الجميع، ستطُلق الشركة خدمة "البيولوجيا السحابية" عبر منصة Cortical Cloud، حيث يمكن للباحثين العمل على هذه التكنولوجيا عن بُعد عبر السحابة دون الحاجة إلى امتلاك مختبرات متخصصة.

ستستضيف البنية التحتية السحابية الخاصة بالشركة 30 وحدة سي إل ون (CL1) في كل خادم، مع خطة لتوفير 4 خوادم بحلول نهاية 2025. أمّا بالنسبة للتكلفة، فمن المتوقع أن يبلغ سعر وحدة سي إل ون (CL1) نحو 35,000 دولار أميركي.

التحديات الأخلاقية والمالية

تُثير فكرة استخدام حواسيب بيولوجية تعمل بخلايا دماغية بشرية العديد من التساؤلات الأخلاقية، خاصة حول إمكانية نشوء وعي أو إدراك ذاتي داخل هذه الأنظمة. وقد أثارت الأبحاث الأولية حول ديش برين (DishBrain) عام 2022 نقاشاً حاداً حول الأخلاقيات المتعلقة بهذه التكنولوجيا. ولهذا السبب، أكدت كورتكال لابز أن لديها ضوابط صارمة لاستخدام سي إل ون (CL1)، وتتطلب موافقة الجهات الصحية ولجان الأخلاقيات الحيوية المختصة والحكومات.

أمّا من ناحية التمويل، فقد واجهت الشركة تحديات كبيرة، حيث يجد المستثمرون صعوبة في تصنيف هذه التكنولوجيا، نظراً لتداخلها بين الذكاء الاصطناعي والطب والروبوتات والتكنولوجيا الحيوية. لكن مع اقتراب طرح سي إل ون (CL1) كمنتج تجاري، تأمل الشركة في جذب مزيد من التمويل لتعزيز تطوير التكنولوجيا.

يمثّل سي إل ون (CL1) جزءاً من مشروع طموح تعمل عليه الشركة يُعرف باسم "الدماغ القابل للحياة" (Minimal Viable Brain MVB)، والذي يسعى إلى هندسة "دماغ" حيوي مبسط يمكنه معالجة المعلومات بفعالية دون تعقيد بيولوجي غير ضروري.

المحتوى محمي