على شبكة الإنترنت، يتم بيع البيانات الشخصية للمواطن الأمريكي العادي 747 مرة كل يوم، في حين يتم بيع البيانات الشخصية للمواطن الأوروبي العادي 376 مرة في اليوم.
هذه الأرقام الصادمة نشرها المجلس الإيرلندي للحريات المدنية (ICCL) في تقرير يوضح كيف تقوم شركات التكنولوجيا العملاقة بجمع كميات ضخمة من البيانات الشخصية على شبكة الإنترنت وبيعها في مزادات للمعلنين الذين يستخدمونها من أجل استهداف المستخدمين بإعلانات مخصصة.
يؤكد المجلس الإيرلندي للحريات المدنية أن عملية جمع هذه البيانات وبيعها لا تتم بطريقة قانونية، لأن المستخدم لا يعرف ذلك.
بحسب التقرير، بلغت قيمة سوق البيانات أكثر من 117 مليار دولار أميركي في عام 2021، هذا الرقم يتضمن بيانات المواطنين الأميركيين ومواطني الاتحاد الأوروبي فقط، ما يعني أن القيمة السوقية لسوق البيانات العالمي أكبر من ذلك بكثير.
طريقة جمع البيانات
تجمع شركات التكنولوجيا البيانات الشخصية عن طريق الخدمات التي تقدمها. على سبيل المثال، حين تقوم بزيارة أحد مواقع الويب، يقوم المتصفح بتخزين ملفات صغيرة الحجم تتضمن معلومات عن اهتماماتك وتفضيلاتك، وتُستخدم هذه المعلومات من أجل استهدافك بإعلانات تتوافق مع تلك التفضيلات والاهتمامات، وكلما كانت البيانات أكثر دقة وأكبر حجماً، ساعدت المعلنين على تقديم إعلانات أكثر فائدة وتحقق لهم أرباحاً أعلى.
اقرأ أيضاً: ما هي ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وكيف تضبط إعداداتها في متصفحك؟
ما الذي تتضمنه هذه البيانات؟
يمكن أن تكون هذه البيانات أي شيئ يميزك عن غيرك من مستخدمي شبكة الإنترنت، مثل العمر والجنس والموقع والدخل وغيرها من الأمور، كما يمكن جمع معلومات أكثر دقة ربما لا يرغب معظم الناس في معرفتها، مثل الحالة الصحية أو الميول الجنسية.
لمن يتم بيع البيانات؟
في تقرير المجلس الإيرلندي للحريات المدنية، تمت الإشارة إلى شركة جوجل التي تملك أكبر شبكة إعلانية في العالم، ولديها شراكات وتعاون مع 4698 شركة في الولايات الأميركية فقط لمشاركة بيانات المستخدمين معها في الوقت الفعلي. كما تمتلك شبكة الإعلان "زاندر" (Xandr) التي استحوذت عليها مايكروسوفت في عام 2021، شراكات مع الكثير من الشركات الأخرى من بينها "فيرايزون" (Verizon) و"بوب ماتيك" (PubMatic).
لم يتضمن تقرير المجلس الإيرلندي للحريات المدنية معلومات عن شبكات إعلانية أخرى شهيرة مثل أمازون وفيسبوك، وهي شبكات ضخمة لجمع البيانات وبيعها في كل أنحاء العالم، حيث تحتل شركة فيسبوك المرتبة الثانية بعد جوجل كأكبر شبكة إعلانية في العالم.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن لأمانات البيانات أن تحمي خصوصيتنا؟
كيف يتم بيع البيانات؟
يتم بيع البيانات من خلال آلية تعرف باسم "المزايدة في الوقت الحقيقي" (Real-time bidding) أو (RTB)، هذه الآلية هي وسيلة يتم من خلالها شراء مخزون البيانات وبيعه في مزاد فوري لمن يدفع أكثر، على غرار الأسواق المالية، وحين يفوز أحد المعلنين بالمزايدة، يتم عرض إعلانه على الفور للمستخدم.
هل يعتبر جمع البيانات وبيعها مخالفاً للقوانين؟
يصف تقرير المجلس الإيرلندي للحريات المدنية عملية المزايدة في الوقت الفعلي بأنها "أكبر خرق بيانات تم تسجيله على الإطلاق"، وذلك لأن المستخدم لا يعرف أن بياناته الشخصية متاحة في مزاد علني على الإنترنت.
يرى نادر حنين، وهو نائب رئيس مؤسسة جارتنر لأبحاث الخصوصية أن المزايدة في الوقت الفعلي تنتهك القانون، وأنها تتعارض مع النظام الأوروبي العام لحماية البيانات (General Data Protection Regulation).
في عام 2019، اتهمت حكومة المملكة المتحدة شركة جوجل وغيرها من الشركات التي لديها شبكات إعلانية عملاقة بخرق القانون من خلال المزايدة في الوقت الفعلي، وما تزال التحقيقات في هذه القضية مستمرة حتى اليوم.
في بداية عام 2022، قضت هيئة حماية البيانات البلجيكية بأن المزايدة في الوقت الفعلي تنتهك القانون، وطلبت من كل الشركات الإعلانية حذف كل البيانات التي قامت بجمعها.
اقرأ أيضاً: حقوق البيانات الجماعية قد تمنع الشركات التكنولوجية الكبيرة من تدمير الخصوصية
تغييرات في المستقبل القريب
بسبب الانتقادات التي وجهت إلى شركات التكنولوجيا العملاقة والدعاوى القضائية التي تم رفعها في المحاكم الأوروبية، بدأ التوجه نحو تغيير طريقة جمع البيانات وإتاحتها للمعلنين، فقد أعلنت شركة جوجل أنها تريد التخلص من ملفات تعريف ارتباط الطرف الثالث في متصفح جوجل كروم الخاص بها واستبدالها بطريقة أخرى لجمع البيانات تعرف باسم "صندوق رمل الخصوصية" (Privacy Sandbox)، هذه الطريقة ستعتمد على تجميع بيانات المستخدم مع مجموعة كبيرة من بيانات مستخدمين آخرين لديهم نفس الاهتمامات والتفضيلات، ثم بيعها للمعلنين. وهكذا سيتمكن المعلنون من تقديم إعلانات مخصصة دون معرفة هوية أي مستخدم.
يعتقد نادر حنين أننا لن نكون قادرين على الحد من مشاركة البيانات وبيعها في المستقبل القريب، وذلك لأن معظم الشركات التي تجمع البيانات موجودة في الولايات المتحدة الأميركية، والتي لا تملك البيئة التنظيمية اللازمة لتغيير هذه الصناعة.
اقرأ أيضاً: لماذا يصعب على شركات التكنولوجيا الاستغناء عن ملفات تعريف الارتباط حالياً؟
الجانب الإيجابي لجمع البيانات وبيعها
يتم الحديث دائماً عن مخاطر جمع البيانات على خصوصية المستخدمين، لكن قبل أن نتحدث عن الخصوصية، علينا أن نسأل أنفسنا: كيف تستطيع شركات التكنولوجيا توفير خدماتها التي نستخدمها يومياً مجاناً؟
الإجابة عن هذا السؤال بسيطة للغاية، فهذه الشركات تقوم بتمويل خدماتها بفضل الإعلانات، وهذه الإعلانات لا يمكن أن تحقق أرباحاً جيدة إلا إذا كانت مخصصة وتستهدف المهتمين بها بدقة، ما يعني أن جمع البيانات وبيعها للمعلنين هو ما يجعل معظم الخدمات على الإنترنت مجانية.
اقرأ أيضاً: كيف تصل بيانات تطبيقات يستخدمها ملايين المسلمين إلى الجيش الأميركي؟
إنها صناعة تبلغ قيمتها 500 مليار دولار في السنة، وهذه الأموال هي التي تمول الإنترنت المجاني وتسمح لنا باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي واستخدام البريد الإلكتروني وإجراء مكالمات الفيديو والبحث عن المعلومات التي نريدها دون أن ندفع المال.