إن مجال الرعاية الصحية بصدد تغييرات هائلة ستطرأ عليه خلال السنوات القادمة. فاليوم، تعمل الأغلبية الساحقة من أنظمة الرعاية الصحية على مستوى العالم بشكل تفاعلي، أو بمعنى آخر، يكون التركيز فيها على الرعاية العلاجية للمرضى أكثر من الوقاية. والتحول إلى الرعاية الاستباقية من شأنه أن ينقذ الأرواح ويوفر تكاليف وزمن العلاج. والتكنولوجيا الحديثة التي توفر البيانات والمتابعة في الوقت الفعلي لكل من الأطباء والمرضى يمكنها أن تسهّل هذا التحول بشكل كبير.
تخيل لو كان ملفك الصحي بالكامل خاضعاً للملاحظة المستمرة، وليس فقط متابعة نشاطك ومعدل ضربات قلبك؛ فهذا شيء يمكن أن تقوم به معظم أجهزة فيت بيت (FitBit) الموجودة اليوم، ولكننا نتحدث عن تسجيل كل ما يتعلق بحياتك الصحية بشكل كامل، وذلك يشمل كيمياء الدم وأصوات القلب وجميع الإشارات الحيوية وحتى تركيبات البول والبراز. وفي حين أن هذا الأمر قد يبدو أنه خيال علمي في المستقبل البعيد، إلا أن الحقيقة ليست ببعيدة. بل يمكن تحقيق هذا السيناريو من خلال مستشعرات دقيقة يتم ارتداؤها على جسمك أو تثبيتها بداخله.
وكل هذه البيانات يمكن تنسيقها وتفسيرها بواسطة الذكاء الاصطناعي. تخيل أنها نسخة معززة من سيري أو أليكسا؛ فالذكاء الاصطناعي سوف يحلل معلوماتك الصحية ويعكس ذلك على ظروفك الشخصية الخاصة بك، بما في ذلك نظامك الغذائي ونومك وعاداتك وما إلى ذلك.
وفي هذه الحالة، قد تتحول الرعاية الصحية الاستباقية المستمرة إلى أمر أساسي ومعتاد؛ حيث إن بياناتك التي يحللها الذكاء الاصطناعي سوف تؤدي إلى اتخاذ قرارات مستنيرة وبالتالي تعطي نتائج أكثر إيجابية. على سبيل المثال، بمجرد أن تتعرض لأي فيروس -سواء كان كوفيد أو شيئاً حميداً مثل نزلة البرد العادية- فسيتم إبلاغك بهذا مع تزويدك ببعض النصائح لتعزيز جهازك المناعي، وستحصل على معلومات صحية عامة ومفيدة.
ويرى العديد من الخبراء والنقاد أن الرعاية الصحية المستمرة والمدعومة بالذكاء الاصطناعي هي المستقبل الجديد، متأثرةً بشكل أساسي بجائحة كوفيد-19.
ولكن من سيتولى هذه المسؤولية؟ هل ستكون المستشفيات والبنية الأساسية للرعاية الصحية التقليدية أم الحكومات أم الشركات التقنية الكبرى أم شركات ناشئة جديدة أم ثمة لاعب جديد غير معروف حتى الآن؟
وادي السليكون يريد أن يكون اللاعب الجديد في مجال الرعاية الصحية
لطالما كانت الرعاية الصحية في الولايات المتحدة مقتصرة على الحكومة وشركات الأدوية الكبرى والمستشفيات والمراكز الطبية. والآن، أضحت الشركات التقنية العملاقة تقود نقلة نوعية في مجال الرعاية الصحية الاستباقية بتكاليف أقل ووقاية أكبر ونتائج أفضل. ودعونا نلقي نظرة على أهم اللاعبين:
جوجل/ألفابت
لقد تفرعت أعمال هذه الشركة بشكل أكبر بكثير من مجرد تقديم أشهر محرك بحث في العالم. فشركة جوجل/ألفابت تواصل الابتكار من خلال دمج الذكاء الاصطناعي في تطوير الأدوية والتعرف على الأمراض وأكثر من هذا بكثير. في الحقيقة، جوجل لديها أكثر من 50 شركة رقمية ناشئة في مجال الرعاية الصحية، وهي تستثمر في مجموعة من أكثر الشركات الواعدة في مجال البحث الطبي.
ومن الأمثلة الأخرى للمساهمات الكبيرة لشركة ألفابت في مجال الرعاية الصحية، منظمة فيرلي، وهي منظمة مخصصة لدراسة علوم الحياة بتمويل يزيد عن 1.5 مليار دولار. وأيضاً هناك جوجل هيلث (Google Health) التي تضم مشاريع مثل ميديكال برين (Medical Brain)، الذي هو عبارة عن برنامج للأطباء للتعرف على الصوت، بالإضافة إلى القسم الصحي في شركة ديب مايند (DeepMind)، وهي شركة بحثية في مجال الذكاء الاصطناعي تقع في المملكة المتحدة واستحوذت عليها شركة جوجل سنة 2014.
شركة أمازون
مع كونها تشارك وتؤثر في أغلب جوانب التجارة الإلكترونية، كان الأمر مسألة وقت فقط قبل أن تدخل أمازون في مجال الرعاية الصحية. وأمازون فارماسي، التي أعلن عنها مؤخراً بأدويتها المنخفضة التكلفة لمن ليس لديهم تأمين صحي، تعد خطوة كبيرة للأمام. وثمة تقدم آخر يتمثل في أمازون هافين، وهو مشروع يهدف لتقديم خطط مؤسسية للتأمين الصحي.
والجدير بالذكر أن أمازون قد حصلت على شهادة الامتثال لقانون (HIPAA) لمساعدها الشخصي أليكسا. وهذه قفزة كبيرة للأمام بالنسبة للذكاء الاصطناعي والمتابعة الصحية.
شركة أبل
في يناير 2019، أكّد تيم كوك، على غير المتوقع، أن أعظم خدمة ستقدمها أبل للبشرية ستكون في المجال الصحي.
وبالتأكيد، إن أبل ضالعة بشكل كبير في الملبوسات الصحية وغيرها من الجوانب الصحية، مثل البيانات الصحية الرقمية. إلا أن أبل تتحرك أيضاً بشكل أكبر نحو العروض الصحية للمستهلكين. في الحقيقة، إن الميزانية السنوية التي تخصصها أبل للبحث والتطوير في السوق الصحي للمستهلكين تتجاوز 10 مليار دولار.
وهذا البحث والتطوير يشمل كلاً من المنتجات المادية والبرمجية، مثل ساعات رسم القلب EKG وغيرها من الملبوسات، إلى جانب البرامج المتطورة للكشف عن أي اضطرابات قلبية وتفسيرها. والهدف في النهاية هو دمج التعلم الآلي المتقدم لملاحظة السلوكيات اليومية، وتقديم نصائح صحية مخصصة، مع أخذ عاداتنا في عين الاعتبار.
الشركات التقنية الناشئة
إن الشركات الناشئة في مجال الرعاية الصحية ليست شيئاً جديداً، ولكن جائحة كوفيد-19 قد شهدت عروضاً أكثر في مجال العلاج عن بعد؛ حيث يسعى الأطباء والمرضى إلى الحد من التفاعل بشكل شخصي، وساعد العلاج عن بعد بشكل كبير في تحقيق هذا الهدف. ولكن هذه الجائحة قد أفرزت أيضاً شركات ناشئة تقدم تغيرات جديدة بداية من المستشعرات الطبية وحتى الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي.
وحتى في سوق غير مستقرة، تمكنت الشركات الناشئة في مجال العلاج عن بعد من جمع تمويل رأسمالي للمشروع يفوق 750 مليون دولار في الربع الأول من 2020 فقط. وبالمقارنة بالربع الأول من سنة 2019، هذا أكثر من ثلاثة أضعاف التمويل.
وعلى مستوى العالم، تجاوز تمويل الشركات الصحية الرقمية حاجز 3.6 مليار دولار خلال الربع الأول من سنة 2020. وهذه الزيادة يعود الفضل فيها بشكل أساسي للجائحة، ولكن التقدم التكنولوجي وسبل البحث الجديدة تشارك أيضاً في جزء من هذا الفضل.
إن كافة جوانب الرعاية الطبية يتم إعادة اختراعها من جديد، وهذا ليس فقط للأمراض المعدية مثل كوفيد-19، بل أيضاً للكشف عن السرطان والوقاية من الأمراض واللياقة البدنية والجراحة والتصوير الطبي وغير ذلك.
كما أن الطباعة ثلاثية الأبعاد يمكن أن توفر أطرافاً صناعية جديدة لتقويم العظام وأجهزة جراحية وحتى أعضاء. والجراحة الآلية -المتوافرة منذ عقود- أصبحت تتقدم الآن بسرعة. وخلف الكواليس، تساعد المعالجة والتسلسل الجيني -بالاعتماد على على الذكاء الاصطناعي- في فهم آليات الأمراض وتطوير أدوية جديدة وأكثر فعالية.
ونتيجة لذلك، يمكننا عما قريب أن نستمتع بنظام استباقي قوي للرعاية الصحية، يركز على الرعاية الوقائية المخصصة منخفضة التكلفة وعالية الكفاءة.