سَدِيم: تقنية سعودية للتحذير من الفيضانات والسيول قبل وقوعها

3 دقائق
الدكتور أحمد دحوة (يمين) والدكتوراستبيان كانيبا (يسار) أثناء تركيب أحد أجهزة استشعار الفيضانات والمرور الخاصة بشركة سديم في حرم جامعة الملك عبدالله.

تعتبرُ الفيضانات أكثر الكوارث الطبيعية حدوثاً في العالم؛ إذ إنها تؤثّر على مئات ملايين الأشخاص وتتسبَّبُ في خسائر مادية فادحةٍ كُلَّ عام، بما فيها البلاد العربية. ففي سنة 2014، على سبيل المثال، أدَّت فيضانات جدة ومكة المكرَّمة إلى خسائر اقتصادية تُقدَّر بأكثر من مائة مليون دولار أميركي. وتجاوباً مع هذه الكوارث وآثارها المُدمِّرة، عملت مجموعة من طلبة «جامعة كاوست» والباحثين فيها على تطوير تقنية للإنذار باكراً عن الفيضانات، وحوّلوها إلى مشروعٍ لشركة ناشئة نشطة إقليمياً وعالمياً هي شركة «سديم للتقنية».

انتقل إستيبان كانيبا (وهو أحد المؤسّسين الأربعة للشركة) للدراسة في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، المعروفة أيضاً بـ«كاوست»، في سنة 2009. وبعد شهرين فقط من انتقاله إلى المملكة، أدَّت موجةٌ من الأمطار الغزيرة إلى تأثّر مدينة جدة ومنطقة مكّة المكرمة بموجةٍ من السيول والفيضانات لم يُرَ مثيلٌ لها منذ سبعة وعشرين عاماً. وصلت هذه الفيضانات إلى الحرم الجامعيّ لكاوست، ورأى إستيبان وزملاؤه من طلبة الجامعة والباحثين فيها -بأمّ أعينهم- جانباً من الدَّمار الكارثيّ الذي خلَّفته، والذي أدَّى إلى تدمير آلاف السيارات والممتلكات وخسارة عشرات الأرواح.

يقول إستيبان: "قبل هذه الحادثة بعامَيْن، شاهدتُ فيضاناتٍ مماثلةٍ في بلدي الأمّ -المكسيك- ورأيتُها تُخلّف الدَّمار نفسه، فقد تكبَّدت عائلتي وأصدقائي خسائر شديدة في المال والأملاك نتيجةً لها. وأدركتُ حينها أن هذه مشكلةٌ يتأثَّر بها الناس في كافَّة أنحاء العالم، وأنَّ من الضروريِّ أن نعملَ على حلّ لها أو لتقليص آثارها السلبية".

ولذلك شكَّل إستيبان فريقاً بحثياً مع مصطفى موسى (من مصر) وأحمد دحوة (من اليمن)، اللَّذين كانا بصدد إكمال درجة الدكتوراة في الهندسة الكهربائية من جامعة كاوست حينذاك، وكانا يشاركانه اهتمامه بمسألة الفيضانات. عملَ الثلاثة بمساعدة مستشار من الجامعة (هو كريستيان كلاودل، من فرنسا) على مشروع بحثيّ مشتركٍ لتطوير أجهزة استشعارٍ عن بُعْد قادرةٍ على التنبّؤ بالكارثة والتحذير منها قبل وقوعها. وبعد مرور فترةٍ من الوقت، شعر الأربعة بأنَّ بإمكانهم تحويل عملهم البحثي إلى مشروعٍ تجاريّ ناجح.

يقول إستيبان: "بحسب ما رأيتُه في سنوات عملي، فإنَّ ثمة مشكلة كبيرة في المشاريع البحثيَّة، وهي أنها لا تغادر المختبر قطّ؛ إذ إننا نمضي سنواتٍ تلو سنوات في إجراء الأبحاث والدراسات والاختبارات، ومن ثمَّ لا نُوظّفها لأي غرضٍ عمليّ. وأما ريادة الأعمال فهي -على العكس تماماً- تمنحُ المرء الفرصة لتحويل فكرته إلى مشروع تجاريّ ينعكسُ على حياة الناس".

وقد حصلَ إستيبان وزملاؤه على براءة اختراعٍ في تقنية جديدة للاستشعار عن بُعْد يُسمّونها EQUA. تتميَّز هذه التقنية عن غيرها بأنَّها قادرةٌ على تتبّع عاملَيْن في الوقتِ نفسه؛ وهما -أولاً- الأمطار والفيضانات التي تُهدّد المدينة، و-ثانياً- حركة المرور والمركبات فيها، وهما نوعان من البيانات من الجوهريّ معرفتهما بالنسبة للسلطات المسؤولة لتتخذ إجراءاتها لإنقاذ الأرواح والممتلكات.

إضافةً إلى ذلك، يمكن تثبيت المستشعرات التي تُطوِّرُها «سديم» فوق عواميد الإنارة في المدينة (على ارتفاع خمسة إلى عشرة أمتار من الشارع) ممَّا يجعلُها آمنةً من السيل أو الفيضان نفسه. وأما الأهمّ فهو أنَّها ليست مضطرَّة للاعتماد على شبكة الكهرباء في المدينة. يقول إسيتبان: "كثيراً ما يتأثر التيَّار الكهربائي أو يتوقَّف عن العمل بسبب الفيضانات، ولهذا فإنَّ المستشعرات التي نُطوِّرها تعملُ بالكامل بالطاقة الشمسية والبطاريات، فتقنيتها جميلةٌ جداً".

تستطيع مستشعرات EQUA التي تُصمِّمها «سديم» في التحذير من الفيضانات الناجمة عن الأمطار قبل حدوثها بفترةٍ تتراوح من ثلاثين دقيقة إلى ستّ ساعات من حدوثها، حيث إن هذه الإنذارات -بحسب الدراسات- لها دورٌ أساسي في تقليص الخسائر التي تسبّبها السيول. ويمكنُ الاستفادة من هذه الفترة -مثلاً- في إبعاد الناس عن الطرق وفي إخلاء الشوارع من المركبات وإعداد حماية للمحاصيل الزراعية ونقل الثروة الحيوانية إلى أماكن آمنة، واتخاذ إجراءات مختلفةٍ أخرى.

يقول إستيبان عن طريقة عمل المستشعرات: "كان زميلنا كريستيان يصفُ المدن بأنَّها (تشبهُ المخلوقات الحيَّة)، لذا فإن أردنا تطوير المدن التي نعيشُ فيها وتوفير سُبُلٍ حديثة للحياة بها، يجبُ علينا -بدايةً- أن نكون قادرين على مراقبتها ومتابعة تحرّكاتها مثلما نراقبُ الكائن الحيّ. وهذا ما تقومُ بها أنظمة الاستشعار التي تطوّرها «سديم»، فهي أقربُ إلى (عيونٍ) تسهرُ على مراقبة المدينة وحراستها والتحذير من الأخطار المحدقة بها".

وقد حصلت الشركة على صفقتها الأولى في المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية، وتوسَّعت منها -لاحقاً- إلى الإمارات العربية المتّحدة والمكسيك وولاية تكساس الأميركية. وفي شهر مايو سنة 2018، ساعد نظام الإنذار الذي ثبَّتتهُ «سديم» في مدينة خليفة بأبوظبي على التحذير من سيولٍ مرتقبة، ممَّا أدى إلى تخفيض خسائرها الاقتصادية والمادية.

وفي الوقت الحالي، تعملُ شركة «سديم» على تطوير تقنية جديدةٍ باسم AURA لمراقبة جودة الهواء واكتشاف التلوّث أو الغازات الضارَّات التي تكثرُ في المدن الحديثة. وقد أُنْزِلَت مستشعرات الهواء الجديدة هذه في المدينة المُنوَّرة ومدنٍ أخرى عديدة طُبِّقَ فيها -سابقاً- نظام التحذير من الفيضانات، وسوف تساعدُ البيانات المتوافرة منها في اكتشاف تلوّث الهواء -إذا وُجِد- والتعاون مع السلطات المحليَّة لمعالجته.

يقول إستيبان: "إن أكبر تحدٍّ مرَرْنا به -في نظري- هو إثبات قدرتنا على تنفيذ مشاريع عملاقة، مثل تثبيت أنظمتنا في مدنٍ رئيسيَّة يسكنُها ملايين الناس، فهذا هو الإنجاز الذي نسعى إلى تحقيقه في نهاية المطاف". إلا أنَّهم قد اجتازوا هذا التحدّي بعد حصولهم على عرض عملٍ في المدينة المُنوَّرة، ومن ثم فوزهم بجائزة GITEX للشركات الناشئة في دبي، سنة 2017، بقيمة 150,000 دولار أميركي. وقد مثَّل هذان الإنجازان أهمَّ نقطة تحوّل في عمل الشركة بالنسبة لإستيبان، لأنهما أثبتا قدرة «سديم» على إثبات أهميَّة ابتكاراتها التقنية في السوق الاستثماري إقليمياً وعالمياً.

وفي الوقت الحالي، تتطلَّع شركة «سديم» لتوظيف تقنيتها في تطوير مختلف المدن عربياً وعالمياً. إذ إنَّ هدف الشركة لا يقتصرُ على تثبيت أنظمة المستشعرات وعلى حماية الناس من الكوارث فحسب، وإنَّما في تقديم نظام متطوّر تقنياً لتحسين الحياة في المدن وتوفير معلوماتٍ مهمَّة للمسؤولين عنها، وهو هدفٌ ما زالت الشركة الناشئة -بعد ثلاث سنواتٍ من إطلاقها- في منتصف طريقها الطَّموح إليه.