يعمل فريق بحثي مشترك من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (Caltech) والمعهد الفدرالي للتكنولوجيا في زيورخ (ETH Zürich) وجامعة هارفارد، على تطوير روبوت يشبه قنديل البحر يعمل بالذكاء الاصطناعي، ويعتمد على التيارات البحرية لمساعدته على التنقل في المحيطات بدون أجهزة تحكم عن بعد. نُشرت دراسة عن آلية عمل الروبوت في دورية «نيتشر» العلمية.
الوسائل المساعدة في استكشاف المحيطات
دفعت رغبة البشر في استكشاف المحيطات إلى إيجادهم وسائل تساعد في الوصول إلى الأعماق التي لا نعرف عنها شيئاً حتى اليوم. بدايةً، لجأ البشر إلى إرسال السفن لاستكشاف البحار. وحالياً نُشرت عوامات (آرجو) «Argo» في البحار والمحيطات لمراقبة درجة الحرارة والملوحة والتيارات، إلا أن تلك العوامات لا يمكنها الوصول سوى إلى عمق كيلومترين فقط.
للوصول إلى نقاط أعمق في المحيط، تُرسَل أسراب من الروبوتات الصغيرة لجمع المعلومات المطلوبة، لكن يستحيل التحكم فيها إلى ما هو أبعد من 6 كيلومترات، ولا يستطيع الباحثون تزويدها ببيانات حول تيارات المحيط المحلية اللازمة للتنقل لعدم إمكانية اكتشافها من السطح. لذلك يحتاج الباحثون إلى روبوتات تستكشف ذلك بنفسها، وقادرة على اتخاذ قرارات بمفردها حول المكان الذي يجب أن تتجه إليه والطريقة الأكثر فعالية للوصول إليه أيضاً. هذا ما يفعله الروبوت المسمى «كارل بوت» (CARL-Bot) المبتكر في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، والذي يمكنه الوصول إلى أعماق أكبر ويقوم بمهام أكثر تفصيلاً تحت الماء.
اقرأ أيضاً: كابلات الألياف الضوئية تحت الماء ترصد فوالق غير معروفة في قاع المحيط
الروبوت الذكي «كارل بوت»
روبوت «كارل بوت» هو روبوت صغير بحجم كف اليد، له محركات للسباحة، وفيه مستشعرات للتوازن ولاكتشاف الضغط والعمق والتسارع والاتجاه. يمكنه جمع البيانات عن التيارات المائية التي يواجهها في الوقت الفعلي.
ويعتمد الروبوت على التعلم المعزز، ويمكنه أن يراكم الخبرات بسرعة كبيرة، لذلك احتاج إلى معالج صغير، أصغر من طابع بريدي، وقد أنشأه «بيتر جونارسون»، طالب الدراسات العليا في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، في بيته باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، وجربه للمرة الأولى في حوض الاستحمام.
من مميزات «كارل بوت» أنه يستهلك أقل قدر ممكن من الطاقة، فهو يستفيد من طاقة التيارات المائية للوصول إلى الموقع المطلوب، وهذه هي الطريقة التي تسخر بها النسور والصقور حرارة الهواء للتزود بالطاقة. أيضاً يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي أن تتعلم من من المهمات التي سبق وأن أنجزها الروبوت، والتي يخُزن المعلومات عنها في ذاكرته، و«عبر التجارب المتكررة، يتحسن بشكل أفضل في أخذ عينات من المحيط بوقت أقل وطاقة أقل»، على حد قول «جونارسون».
بالإضافة إلى ذلك، عمل الباحثون على تخفيف حمل الروبوت من المستشعرات، لتخفيف وزنه وإطالة فترة بقائه في المحيط قبل أن يضطروا إلى تغيير البطارية.
اقرأ أيضاً: السيارات ذاتية القيادة: رحلة قصيرة عبر المحيط الهادي
كيف درّب الباحثون الروبوت؟
لتعليم الروبوت التنقل في مياه المحيطات، استخدم الباحثون محاكاة حاسوبية لتدفق الماء، وشكّلوا عدة دوامات تتحرك في اتجاهات متعاكسة، وعلّموا نظام الذكاء الاصطناعي التنقل من خلالها. تم تزويد النظام بمعلومات عن التيارات المائية في الموقع الموجود فيه، لكنه سرعان ما تعلم كيفية استغلال الدوامات للتوجه نحو الهدف المنشود. ويقول جونارسون: «لن يتعلم الروبوت فقط، بل سنتعلم نحن أيضاً المزيد عن تيارات المحيطات وكيفية التنقل خلالها»
فوجئ الباحثون بأن الروبوت تعلم استراتيجيات ملاحة أكثر فعالية من تلك التي يُعتَقد أن الأسماك الحقيقية تستخدمها في المحيط، وذلك باستغلال التجارب المتكررة على الحاسوب.
ولتقييم فعالية نظام الذكاء الاصطناعي في الواقع، يريد الباحثون اختباره على الاضطرابات المائية المختلفة في المحيطات، مثل تيارات المد والجزر بالإضافة إلى الدوامات وغيرها، ويعتقدون أن هذه لن تكون عقبة أمامه بسبب دمجهم لفيزياء تدفق المحيطات مع استراتيجية التعلم المعزز الخاصة به.
سيساعد «كارل بوت» على فهم أعمق للمحيطات، إذ يمكنه أن يعمل جنباً إلى جنب مع أدوات مراقبة المحيطات، وأن يصل إلى مناطق لا يمكن الوصول إليها اليوم مثل خندق ماريانا، الذي يعتبر أعمق نقطة على سطح الأرض. ويمكنه أيضاً تتبع الكائنات الحية، ووضع تنبؤات حول المناخ. كما يمكن لهذا النوع من الروبوتات أن يستكشف المحيطات في أجرام أخرى، مثل قمر زحل الجليدي «إنسيلادوس» أو قمر المشتري الجليدي أيضاً «يوروبا».