ينتصب برج يبلغ طوله 61 متراً أمام حقل من المرايا الدوَّارة على الطرف الجنوبي من ألباكيركي في ولاية نيومكسيكو.
وهذا البرج هو المنشأة الوطنية لاختبار الطاقة الحرارية الشمسية، التي تديرها مختبرات سانديا الوطنية، حيث يعمل العلماء فيها على تطوير تقنيات أكثر سخونة، وأقل تكلفة، وأكثر كفاءة لتركيز الطاقة الشمسية.
وتعمل المئات من المرايا على تركيز ضوء الشمس نحو جهاز استقبال يوضع في قمة البرج الشمسي، فيعمل -في الأنظمة التقليدية- على تسخين الماء أو السوائل الأخرى من أجل توليد البخار، الذي بدوره يقوم بتشغيل التوربينات الكهربائية. إلا أنه هناك ستارة من جسيمات السيراميك الدقيقة تتساقط باستمرار في هذه المنشأة من خلال الشعاع الشمسي المركز، ويمكن لهذه الجسيمات -التي تشبه الرمال السوداء- أن تصل بسهولة إلى 100 درجة مئوية أسرع من السوائل الاعتيادية، وهو ما يعد بزيادة الطاقة المتاحة، وخفض تكاليف الإنتاج والتخزين.
ويبدو أن هذه الطريقة -التي تعدُّ واحدة من ثلاث طرق يعتقد الباحثون الفيدراليون أنها يمكن أن تساعد على تركيز الطاقة الشمسية- ستصبح في نهاية المطاف ميسورة التكلفة ومستدامة؛ فقد نشر المختبر الوطني للطاقة المتجددة في يناير الماضي خريطة طريق تجريبية للجيل التالي، سلَّط فيها الضوء على كلٍّ من أنظمة الجسيمات المتساقطة، وأنظمة الملح المنصهر ذي الحرارة المرتفعة، والموائع الناقلة للحرارة المكونة من الغازات، باعتبارها مسارات واعدة لإنتاج الطاقة الحرارية الشمسية بمعدل 6 سنتات لكل كيلو واط ساعي بحلول العام 2020، وهو هدف حدَّدته مبادرة "صن شوت" التي أطلقتها وزارة الطاقة الأميركية عام 2011.
وقد أعلنت وزارة الطاقة في سبتمبر الماضي أنها ستستثمر 62 مليون دولار في حوالي 12 مشروعاً واعداً لتغطية هذه المسارات، مما أشعل حماساً متجدداً في مجال كان قد تراجع الاهتمام به كثيراً في الرأي العام.
كما أكد الباحثون في كلٍّ من (مختبرات سانديا، والمختبر الوطني للطاقة المتجددة، ومختبر نهر السافانا الوطني، وشركة برايتون إنيرجي لمجلة إم آي تي تكنولوجي ريفيو) أنهم قد تقدموا بطلبات للحصول على الاعتمادات المالية، بشكل فردي أو على شكل فرق، وقد تم قبل ذلك تقديم وثائق المفاهيم الأساسية للمبدأ المطروح في وقت سابق من هذا الشهر، وقد كان الموعد النهائي لاستكمال الطلبات هو منتصف يناير 2018 الماضي.
يقول كليف هو (وهو مهندس من مختبرات سانديا، وباحث رئيسي في مشروع الجسيمات المتساقطة): "ينظر جميع المعنيين في مجال الطاقة الشمسية المركزة إلى هذا العمل على أنه فرصة بحثية عظيمة".
وإن الميزة الكبرى لتركيز الطاقة الشمسية على الخلايا الكهرضوئية تكمن في إمكانية تخزين الطاقة الحرارية بسهولة أكبر وبتكلفة أقل مقارنة بالكهرباء؛ مما يعني إمكانية أن تغير المحطات في كمية الإنتاج صعوداً أو هبوطاً بهدف تلبية المتطلبات الآنية للشبكة الكهربائية، وفي أثناء الليل أيضاً، وهي مرونة لا يمكن لألواح الطاقة الشمسية أن تضاهيها من دون مدخرات كبيرة باهظة الثمن، أو غيرها من أشكال التخزين المحدودة.
ولكن المشكلة تكمن في أن بناء محطة الطاقة الشمسية المركزة وتشغيلها يعد أمراً مكلفاً، فمحطة إيفانباه الواقعة في صحراء موهافي بولاية كاليفورنيا -والتي تبلغ كلفتها 2.2 مليار دولار، وتضم 170,000 مرآة، والتي تملكها كل من الشركات "برايت سورس" و"إن آر جي" و"جوجل"- تعدُّ أحدث عمل يتسبب في النقد اللاذع لهذا القطاع؛ فقد عانى المشروع -منذ افتتاح المحطة عام 2014- من التكاليف الباهظة، وانخفاض الإنتاج، واشتعال النيران فيه، ومن تهديدات لجنة المرافق العامة بإغلاقه. وقد أقامت شركة "لوز إنترناشيونال" في ثمانينيات القرن الماضي 9 محطات للطاقة الشمسية المركزة من الجيل السابق في الصحراء نفسها، ثم فوجئت أن تلك العمليات باهظة الكلفة قد انهارت مع انتهاء السياسات الحكومية الداعمة لها. وقد تم تأسيس كل من شركتي "لوز" و"برايت سورس" على يد "آرنولد جولدمان"، الذي تُوفي في يونيو قبل الماضي.
وقد وجد تحليل لازارد للتكلفة المستوية للطاقة في ديسمبر الماضي أن كُلفة إنتاج الطاقة من برج حراري شمسي مع التخزين قد تراوحت من 119 إلى 182 دولاراً لكل واحد ميجاواط ساعي، وذلك مقابل 48 إلى 78 دولاراً عند استخدام توربينات الغاز الطبيعي ذات الدورة المركبة، كما أن هذه التكنولوجيا الأخيرة يتطلب بناؤها زيادةً في التكلفة بما يقارب الثمن، من حيث الاستطاعة الناتجة مقدَّرة بالكيلو واط، وذلك وفقاً لبيانات 2015 الصادرة عن المختبر الوطني للطاقة المتجددة.
وقد حدد الباحثون في وزارة الطاقة الأميركية سابقاً أن الخطوة الأولى نحو تحسين الجوانب المتعلقة بالكفاءة والاعتبارات المالية الخاصة بتركيز الطاقة الشمسية، هي الانتقال من دورات الطاقة البخارية التقليدية إلى ما يعرف بـ (دورة برايتون باستخدام غاز ثنائي أكسيد الكربون فوق الحرج)؛ حيث إن ثنائي أكسيد الكربون إذا وضع تحت حرارة وضغط عاليين، فإنه يكتسب خصائص كل من الحالتين السائلة والغازية، ويزيد بشكل كبير من كفاءة تحويل الطاقة.
وخلصت ورقة بحثية تم نشرها في مجلة Science في مايو من العام 2017 إلى أن (دورة برايتون باستخدام الغاز ثنائي أكسيد الكربون فوق الحرج) يمكنها أن تكون أكثر فعالية بنسبة 30% من التوربينات البخارية التقليدية، لكن المشكلة تكمن في أن تشغيل دورة الطاقة هذه يتطلب مصدراً للحرارة لا يقل عن 700 درجة مئوية للاستفادة من طاقتها كاملة، بالإضافة إلى نظام نقل للحرارة يمكنه أن يعمل في ظل درجات حرارة عالية كهذه.
وتعبر المسارات الثلاثة -التي تم التركيز عليها في المختبر الوطني للطاقة المتجددة- عن الجهود المبذولة في رفع درجة الحرارة، على الرغم من أن كلاً منها لديه مجموعته الخاصة من الوعود والتحديات؛ فتقنية الملح المنصهر -على سبيل المثال- قد تم إنجازها بالفعل، ولكن الانتقال إلى أملاح بديلة قادرة على العمل في درجات حرارة أعلى سيتطلب أنابيب ومضخات وأدوات عزل أكثر متانة. ويمكن اتباع تقنية الغاز باستخدام غازات يسهل التعامل معها نسبياً؛ مثل ثنائي أكسيد الكربون أو الهيليوم، لكنا سنحتاج حينها إلى إجراء أبحاث إضافية لخفض استنزاف الطاقة الناجم عن تدوير الغازات إلى أقصى حد ممكن.
ويعتبر جهاز استقبال الجسيمات المتساقطة في مختبر سانديا أقرب ما يكون إلى نموذج أولي عملي لأي من هذه المسارات، وقد قام المهندسون بوضعه أول مرة على برج المنشأة الوطنية للاختبارات الحرارية الشمسية في يوليو من العام 2015.
وتُصنع الجسيمات بشكل أساسي من أكسيد الألمنيوم وأكسيد الحديد، فبعد تساقطها عبر الشعاع الشمسي، تعود من جديد إلى الأعلى على متن مصعد، وبشكل متكرر. ويقول "هُو" (مهندس سانديا): إن فريق العمل قد توصل إلى درجات حرارة تصل إلى 900 درجة مئوية.
في هذه المرحلة، لا يكون جهاز الاستقبال متصلاً بأي مكونات إضافية، لكن الفريق يعمل بالشراكة مع مقاولي القطاع الخاص في تطوير وحدة للتبادل الحراري، تقوم في النهاية بنقل الحرارة من الجسيمات إلى ثنائي أكسيد الكربون المضغوط والمتدفق عبر حلقة متصلة.
وقد قام بالفعل فريق منفصل يعمل في منشأة سانديا بتطوير دورات ثنائي أكسيد الكربون فوق الحرج وتقييمها، وبدأ فريق "هُو" بالعمل على نظامه الخاص، المعد خصيصَى لمنشأة الطاقة الشمسية المركَّزة. يقول "هو" إنه يأمل أن يتم تشغيل النظام المتكامل هذا الصيف.