التوائم الرقمية للبشر تغزو العالم مدعومة بالذكاء الاصطناعي

4 دقائق
التوائم الرقمية للبشر تغزو العالم مدعومة بالذكاء الاصطناعي
حقوق الصورة: shutterstock.com/metamorworks

إذا كنت من محبي عوالم الواقع المرير المستقبلية (الديستوبيا)، فربما تكون قد شاهدت فيلم الجزيرة (The Island)، وشعرت برجفة عندما اكتشف البطل "لينكولن سيكس إيكو"، الذي مثل دوره إيفان ماكجريجور، أن العالم الذي ولد وعاش فيه مكون بالكامل تقريباً من بشر مستنسخين من الآلاف من مشاهير وأثرياء العالم، الذين خلقوا لأنفسهم سراً "توائم" حقيقية يمكن استخدام أعضائهم الحيوية عند إصابة الشخص الأصلي بمرض خطير أو التعرض لحادث.

كانت هذه الفكرة مستقبلية للغاية في الوقت الذي صدر فيه الفيلم عام 2005، لكن بعد 17 عاماً من هذا التاريخ يبدو أن صناعة التوائم البشرية بدأت بالظهور بالفعل بل وأصبحت رائجة. هذه التوائم المصنوعة تتميز بالذكاء والقدرة على التفاعل، بيد أن الفارق الأساسي بينها وبين توائم الفيلم أن ظروف صنعها كانت أقل سوداوية ولم تحتج لطابع السرية، لأنها ببساطة "توائم رقمية".

توأمك الرقمي يتحدث اليابانية

تنسخ التوائم الرقمية في الغالب المظهر الجسدي والتعبيرات ولغة الجسد من البشر الحقيقيين، وقد بدأت هذه النسخ المقلدة تظهر بشكل متزايد في صناعة الترفيه وغيرها. وعلى الرغم من الفرص المغرية التي تتيحها هذه التكنولوجيا، فإنها تثير كذلك العديد من الأسئلة الشائكة.

في حوار أجراه مع بودكاست بالآلات نثق (In Machines We Trust)، الذي يبثه موقع إم آي تي تكنولوجي ريفيو، يشرح الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة الذكاء الاصطناعي سول ماشينز (Soul Machines)، جريج كروس، أن شركته تعمل مع العديد من المشاهير الذين يختارون امتلاك توائم رقمية لأسباب مختلفة. على سبيل المثال، أصدر نجم كرة السلة الأميركية كارميلو أنتوني، مؤخراً كتاباً جديداً. وبعدما قام بتسجيل النسخة الصوتية من الكتاب، استخدمت "سول ماشينز" هذه النسخة الصوتية لخلق صوت اصطناعي له. الآن، لا يمكن لهذا الصوت المماثل تماماً لصوته الطبيعي أن يتحدث باللغة الإنجليزية فحسب، وإنما بات بإمكانه التحدث بـ15 لغة مختلفة، منها اليابانية والكورية ولغة الماندرين الصينية.

اقرأ أيضاً: بوت دردشة جديد من ديب مايند يعتمد على عمليات بحث جوجل وعلى البشر لتقديم إجابات أفضل

المفارقة هنا، بحسب مقدمة البودكاست جنيفر سترونج، أنه في حين أن هذه التكنولوجيا تصنع "توائم رقمية"، وبالتالي من المفترض بدهياً أن تكون نسخاً طبق الأصل من الأشخاص الحقيقيين، فإن هؤلاء المشاهير الرقميين لا يمثلون بالضرورة نفس طباع نظرائهم من البشر. على سبيل المثال، قد يختار المشاهير إنشاء نسخ لأنفسهم أقل توتراً أو أكثر قدرة على الحديث من أجل التواصل بشكل أفضل مع المعجبين.

في حالة كارميلو أنتوني مثلاً، يوضح الرئيس التنفيذي لـ"سول ماشينز"، أن أحد الأشياء التي يستكشفها هو أن "تكون لتوأمه الرقمي شخصية مختلفة حتى يتمكنا من التنافس معاً والتفاعل والاستمتاع مع بعضهما".

كيف تُصنع التوائم الرقمية؟

يشير كروس إلى أن شركته تصنع صوراً رمزية (Avatars) وتجعلها تنبض بالحياة باستخدام نموذج جديد تماماً في عالم الرسوم المتحركة، وهو ما يُطلق عليه اسم "الرسوم المتحركة المستقلة" (autonomous animation). ويضيف: "إذا فكرنا في الصور عالية الجودة المنشأة بالحاسوب (CGI)، سنجد أنها عبارة عن محتوى يتحكم به البشر. يؤدي الممثلون البشر دور الصور الرمزية. يتم تصويرهم بواسطة كاميرات متخصصة، ثم تتم معالجة بياناتهم. وبعد ذلك، تُستخدم هذه البيانات لبث الحياة في الصورة الرمزية.

لكن نهج "سول ماشينز" يعتمد على الذكاء الاصطناعي. ويوضح كروس أن الذكاء الاصطناعي أصبح جزءاً مهماً من الطريقة التي تجعل الآلات أكثر شبهاً بالبشر، ويمكننا من التفاعل معها بنفس طريقة تفاعلنا مع البشر. لذا، تعرض الشركة الأشخاص الرقميين الذين تصنعهم على شكل بث فيديو عبر السحابة، على نحو يشبه إجراء محادثة على تطبيق زووم، باستثناء أنك تتحدث إلى شخص رقمي بدلاً من شخص حقيقي. وتساعد هذه الطريقة بعض المشاهير ممن يعانون من ضيق الوقت من التفاعل مع معجبيهم دون الحاجة إلى التواجد الفعلي دائماً.

اقرأ أيضاً: الشخصيات الرقمية في الميتافيرس: المجال الجديد للتشوه الجسمي على الإنترنت

أينشتاين يولد من جديد

تتزايد سريعاً أعداد الشركات العاملة في مجال تطوير هذه التكنولوجيا، وتتنوع استخداماتها ما بين الأغراض التعليمية والطبية وتقديم خدمات العملاء المحسّنة وحتى تطوير مؤثرين افتراضيين على مواقع التواصل الاجتماعي. على سبيل المثال، تتيح شركة يونيك ديجيتال هيومانز (UneeQ Digital Humans)، التي تتخذ من مدينة أوكلاند النيوزيلندية مقراً لها، لعملائها الدردشة مع نسخة رقمية من عالم الفيزياء الشهير ألبرت أينشتاين. وتوضح أن "أينشتاين الرقمي" هو "تجسيد لشخصية هذا الرجل العظيم وعلمه، مدعومة بقوة الذكاء الاصطناعي الحواري. يمكن للمستخدم أن يتفاعل مع "أينشتاين الرقمي" في الوقت الفعلي، أو أن يشارك في اختباره اليومي، أو يسأله عن أي شيء يتعلق بحياته وعمله.

إحدى الشركات الأخرى العاملة في هذا المجال والتي اكتسب شهرة مؤخراً هي شركة سنتيجا (Synthesia) البريطانية، التي طوّرت منصة تستخدم معالجة اللغات الطبيعية (NLP) وخوارزميات التعلم الآلي لإنشاء صور رمزية في مقاطع الفيديو. يمكن لعملاء الشركة كتابة أي نص واختيار صورة رمزية لأنفسهم أو لأي شخص آخر لإنشاء مقطع فيديو تلقائياً للشخص المتحدث، كما يمكنهم إضافة عناصر مختلفة إلى المقطع، كتسجيلات الشاشة والصور والموسيقى، أو تغيير الخلفية. وتوفر الشركة هذه الخدمة بأكثر من 60 لغة من بينها العربية.

يرى أورين أهارون، الرئيس التنفيذي لشركة أور وان (Hour One) التي تصنع بشراً رقميين باستخدام الذكاء الاصطناعي، أنه: "خلال فترة وجيزة، سيتمكن أي شخص من الحصول على توأم افتراضي للاستخدام المهني، يمكنه تقديم المحتوى نيابة عنه، والتحدث بأي لغة، وتوسيع نطاق إنتاجيته بطرق لم يكن من الممكن تخيلها سابقاً".

تحديات تواجه البشر الرقميين

لا يزال التقدم في هذا المجال محفوفاً بالمخاطر والتحديات، كالمساعدة المحتملة في نشر التحيزات والصور النمطية العنصرية. ولعل المثال الأبرز في الفترة الأخيرة هو الأزمة التي اندلعت بسبب اتهام مغني الراب الافتراضي الخيالي إف إن ميكا (FN Meka) بالترويج للعنصرية، بسبب استخدامه لفظ "زنجي" في العديد من أغانيه، ما دفع شركة التسجيلات "كابيتال ريكوردز" إلى قطع علاقتها به، في أغسطس الماضي، بعد 10 أيام فقط من التعاقد معه ليكون أول "مغني راب تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي" يوقع مع إحدى العلامات التجارية الكبرى.

اقرأ أيضاً: دراسة حكومية أميركية تؤكد عنصرية معظم أنظمة التعرف على الوجوه

على الرغم من ذلك، فإن سوق تطوير البشر الرقميين بشكل عام آخذ في التوسع بشكل مطرد (تمكنت شركتا "سول ماشينز" و"سنتيجا" من جمع استثمارات تبلغ قيمتها 135 مليون دولار و66.6 مليون دولار على التوالي خلال العامين الماضيين فقط). كما أن التطورات التي تشهدها مجالات ذات صلة مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد ومعالجة اللغات الطبيعية، وتزايد حدة المنافسة على تطبيقات الميتافيرس بين الشركات الكبرى، تزيد من أهمية وسرعة صنع بشر رقميين أكثر تقدماً وتعقيداً.