المهندسون يستخدمون الذكاء الاصطناعي لإيصال شبكة الإنترنت إلى الآثار الرومانية المغمورة بالمياه

3 دقائق
المهندسون يستخدمون الذكاء الاصطناعي لإيصال شبكة الإنترنت إلى الآثار الرومانية المغمورة بالمياه
الغطّاسون يستكشفون الآثار تحت المائية في بلدة بايه في مدينة نابولي الإيطالية بمساعدة خوارزميات الذكاء الاصطناعي.

قبل أكثر من ألفي عام، كانت قرية بايه واحدة من أهم المنتجعات في شبه الجزيرة الإيطالية، حيث جذبت الينابيع الطبيعية في هذه البلدة رجال الإمبراطورية الرومانية الأثرياء مثل ماركوس أنطونيوس (Mark Antony) وشيشرون (Cicero) ويوليوس قيصر (Caesar)، والذين بنوا قصوراً فاخرة تحتوي على حمّامات معدنية ساخنة ومسابح حرارية مصنوعة من البلاط الفسيفسائي. لكن عبر القرون، تسبب النشاط البركاني في غمر نصف هذه البلدة التي استخدمها النبلاء الرومانيون كحديقة خلفية تحت البحر الأبيض المتوسط.

اليوم، تعتبر بلدة بايه واحدة من المتنزهات تحت المائية القليلة في العالم، وتم فتح مساحة تبلغ 1.7 كيلومتر مربع منها للزوار الذين يرغبون باستكشاف بقايا هذه البلدة الرومانية. يجب مراقبة هذا الموقع البحري المحمي للتحقق من الأضرار التي يتعرّض لها من الغطاسين والعوامل البيئية. مع ذلك، تقول المشرفة الوطنية على التراث الثقافي الإيطالي تحت المائي، بارابرا دافيديه (Barbara Davidde): "التواصل تحت الماء ليس سهلاً".

اقرأ أيضاً: الأشياء المتصلة بالإنترنت قد تؤدي إلى قتلنا يوماً ما

أهمية التواصل تحت الماء

تعتبر الأنظمة التي تعتمد على الكابلات الأكثر موثوقية، ولكن صيانتها صعبة وهي لا تغطي مساحة تشغيلية واسعة. من ناحية أخرى، فإن شبكة الإنترنت اللاسلكية لا تعمل بشكل جيد تحت المياه نظراً للطريقة التي تتفاعل فيها المياه مع الأمواج الكهرطيسية. حاول العلماء استخدام الأمواج الضوئية والصوتية، لكن الضوء والصوت ليسا طريقتين فعالتين للاتصالات اللاسلكية تحت المائية، إذ إن كلاً من درجة حرارة المياه وملوحتها والضوضاء يمكن أن تؤثر في الإشارات في أثناء انتقالها بين الأجهزة.

لذلك، تعاونت دافيديه مع مجموعة من المهندسين الذين تقودهم الأستاذة في جامعة سابينزا ومديرة شركة دبليو سينس (WSense) التابعة لجامعة سابينزا، كيارا بيتريولي (Chiara Petrioli)، وهي شركة ناشئة متخصصة في أنظمة المراقبة والاتصالات تحت المائية. طوّر فريق بيتريولي شبكة من أجهزة المودم الصوتية والمستشعرات اللاسلكية تحت المائية القادرة على جمع البيانات البيئية ونقلها إلى البر بشكل لحظي. تقول دافيديه: "أصبحنا الآن قادرين على مراقبة هذا الموقع عن بعد وبأي وقت".

اقرأ أيضاً: بوتات الدردشة تملأ الفراغ الذي يتسبب به وباء كورونا‎ في مراكز الاتصالات

الذكاء الاصطناعي لإيصال الإنترنت إلى المواقع الأثرية

يعتمد النظام سابق الذكر على خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتغيير بروتوكولات الشبكة بشكل مستمر. مع تغير الظروف البيئية تحت سطح البحر، تعدّل هذه الخوارزميات مسارات المعلومات من عقدة لأخرى، ما يتيح للإشارات أن تنتقل مسافة تصل إلى كيلومترين. وفقاً لبيتريولي، يستطيع هذا النظام نقل البيانات بين أجهزة الإرسال التي تبعد عن بعضها كيلومتراً واحداً بسرعة كيلو بت واحد في الثانية.

ويمكن أن تصل هذه السرعة إلى عشرات الميغا بتّات في الثانية الواحدة إذا كانت أجهزة الإرسال أقرب من بعضها. يكفي نطاق التردد هذا لنقل البيانات البيئية التي تجمعها المستشعرات المثبّتة في قاع البحر، مثل الصور والمعلومات المتعلقة بجودة المياه وضغطها ودرجة حرارتها والعناصر المعدنية والكيميائية والحيوية والضوضاء والتيارات المائية والأمواج ومياه المد.

في بلدة بايه، يتم استخدام شبكة الإنترنت تحت المائية لمراقبة الظروف البيئية مثل درجة حموضة المياه ومستويات ثنائي أوكسيد الكربون فيها، والتي ويمكن أن تؤثر في نمو الكائنات الحية الدقيقة التي قد تتسبب في تشوّه القطع الأثرية عن بعد وبشكل مستمر. بالإضافة إلى ذلك، تساعد هذه الشبكة الغطاسين في التواصل مع بضعهم ومع زملائهم المتمركزين خارج المياه، والذين يستطيعون أيضاً استخدام هذه التكنولوجيا لتحديد مواقع الغطاسين بدقة كبيرة.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة تُظهر مُبالغات في تقييم أثر خوارزميات الذكاء الاصطناعي الجديدة

تتوقع دافيديه أن الشبكة الجديدة ستصبح متاحة للسيّاح الذين يزورون الموقع الأثري خلال الأشهر القليلة المقبلة. سيستخدم الزوار وهم يسبحون فوق الآثار الحواسيب اللوحية الذكية والمقاومة للماء للتواصل ومشاهدة صور الآثار ثلاثية الأبعاد والمعاد إنشاؤها من خلال تكنولوجيا الواقع المعزز.

تقول دافيديه: "جعلت شبكة الإنترنت تحت المائية مراقبة هذا الموقع الأثري أبسط وأكثر فاعلية"، وتضيف: "في الوقت نفسه، أصبحنا قادرين على توفير طريقة جديدة تفاعلية للزوار لاستكشاف متنزه بلدة بايه".

تعتبر تكنولوجيا الاتصال اللاسلكية تحت المائية هذه مفيدة للغاية حتى عند نطاقات التردد المنخفضة، وخصوصاً في الظروف الديناميكية مثل تحرّك الغطاسين في أثناء استكشاف الموقع.

تُستخدم الأنظمة الشبيهة بالنظام الجديد الآن في العديد من المواقع الأثرية في إيطاليا. ولها العديد من التطبيقات الأخرى مثل دراسة آثار التغير المناخي في البيئات البحريّة ومراقبة البراكين تحت المائية. على سبيل المثال، تستخدم الوكالة الإيطالية للتكنولوجيا الجديدة والطاقة والتنمية الاقتصادية المستدامة الشبكات التي تطوّرها شركة دبليو سينس لدراسة تكيّف الطحالب والحيوانات اللافقاريّة المائية والشعاب المرجانية التي تعيش في خليج سانتا تيريزا مع التغير المناخي. انتشرت أنظمة هذه الشركة أيضاً خارج إيطاليا، إذ إنها تُستخدم في النرويج لمراقبة جودة المياه وصحة الأسماك في مزارع السلمون.

تقول بيتريولي: "لا تتفوق هذه الأنظمة على تلك التي تعتمد على الكابلات. ولكن المرونة التي يوفّرها استخدام شبكة لا سلكية هي عامل قيّم للغاية".

المحتوى محمي