خلال دراستي في مجال التسويق وإدارة الأعمال منذ 19 عاماً، قمت بشكل أساسي بتعلّم نهج التسويق التقليدي لإدارة العلامات التجارية. أما اليوم وفي زمن الذكاء الاصطناعي، تعد إدارة السمعة المؤسسية والشخصية لعبة مختلفة كلياً، خاصةً بما يتعلّق بكافة أوجه التواصل بين العلامات التجارية والعملاء إلكترونياً وعبر الإنترنت. من توجيه الاتصالات والحملات الإعلامية بحسب الطلب لاستهداف مجموعات بعينها، إلى القدرة على توقّع الرأي العام واتجاهات الأحداث القادمة، فما هو أثر التكنولوجيا الحديثة على التسويق وصون سمعة العلامات التجارية؟
اقرأ أيضاً: كيف تستفيد العلامات التجارية من المؤثرين الافتراضيين في التسويق؟
الحفاظ على سمعة العلامات التجارية
يساعد الذكاء الاصطناعي في حماية وتعزيز سمعة العلامات التجارية، خاصةً من حيث تفاعل الشركات مع العملاء إلكترونياً وعبر الإنترنت. على سبيل المثال، تستخدم أدوات رصد المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي نماذج معالجة اللغة الطبيعية (NLP) التي يمكن من خلالها لنماذج لذكاء الاصطناعي فهم وتحليل ما يقوله ويعنيه أو يلمّح له الجمهور. يمكّننا ذلك من تعديل استراتيجيات المحتوى ومعالجة مخاوف المستخدمين ومعرفة كيفية تحسين التفاعل معهم.
ترتبط سمعة الشركات إلى حد كبير بأمن البيانات الواردة من عملائها. وفي عالم تنتشر فيه الجرائم الإلكترونية، يريد العملاء ضمانات بأن بياناتهم ستبقى محميّة. هذا ما يقدمه الذكاء الاصطناعي بالضبط، إذ يوفر حماية للبيانات باستخدام النمذجة السلوكية لاكتشاف البرامج الضارة واستخدام التدابير الآلية لمواجهة الهجمات السيبرانية. في حين أن قدرة البشر محدودة على مراقبة مثل هذه الثغرات والإبلاغ عنها، ليس بمقدور مثل هذه القيود عرقلة نماذج الذكاء الاصطناعي وقدرتها على التصدي للاختراقات الأمنية المحتملة.
تعزيز استراتيجيات التسويق
يضمن الذكاء الاصطناعي توفير محتوى يناسب أذواق الجميع. يعد المستوى العالي من تخصيص المحتوى بحسب الشريحة المستهدفة الذي يقدمه الذكاء الاصطناعي أمراً استثنائياً. فنحن البشر لا نستطيع تذكّر تفضيلات واهتمامات الآلاف من العملاء. لكن الذكاء الاصطناعي يستطيع ذلك، ويمكنه اقتراح محتوى يتطابق مع اهتمامات وذوق كل عميل. أبسط الأمثلة على ذلك موقع يوتيوب، الذي يوصي بالفيديوهات حسب سجل المشاهدة الخاصة بكل مستخدم.
يعزّز الذكاء الاصطناعي أيضاً تجربة المستخدمين في محركات البحث. في السابق، لم يكن من السهل العثور على ما تريده من نتائج البحث في جوجل. تعمل جوجل دائماً على تحديث خوارزمياتها لتحسين تجربة المستخدم. حتى ولو لم نستخدم نفس الكلمات الرئيسية بالضبط، نحصل على النتائج ذات الصلة بحكم تعلّم وتسجيل المحرك لتفضيلاتنا البحثية مع مرور الوقت. قد يثير ذلك تساؤلات حول الخصوصية، ولكن من الواضح أن عمل الذكاء الاصطناعي يتمحور حول التعلّم من سلوك المستخدم في هذا السياق. تقوم أيضاً العلامات التجارية الكبرى الأخرى مثل أمازون ونتفليكس بتقديم توصيات من خلال فهم نيّة المستخدم.
اقرأ أيضاً: الحرب التجارية وجائحة كوفيد يدفعان شركات التصنيع الصينية نحو الداخل
يعزز الذكاء الاصطناعي فعالية الحملات التسويقية، إذ يمكنّنا من مراقبة كافة مراحل الحملات الإعلامية والحصول على رؤى قيّمة حول مدى نجاح الجهود المبذولة وتعديل الإنفاق والميزانية بحسب الأداء. يساعد الذكاء الاصطناعي أيضاً في تقديم توصيات قيّمة حول العناصر المرئية ضمن الحملات الإعلامية مثل اقتراح الصور المناسبة، فضلاً عن التخطيط وتحديد طبيعة المحتوى، ما يتيح لنا تطوير وتنفيذ الحملات الناجحة التي تستهدف شرائح مختلفة من العملاء بفعالية تامّة.
تحسين تجربة العملاء
يتميّز الذكاء الاصطناعي بقدرته على توطيد علاقة العلامات التجارية بالجماهير المستهدفة. يتمتّع المسوقون اليوم بمزيد من الفرص لاستخدام البيئة الإعلامية متعددة القنوات لاستهداف مجموعات محددة من العملاء بفعالية أكبر وميزانية أقل. في هذا السياق، يمكن للذكاء الاصطناعي تضييق مجال الاستهداف الجماهيري في الأسواق من خلال تطوير مفاهيم معمّقة لنشاطات العملاء وتسجيل أنماط محددة لسلوكياتهم، وبالتالي إنشاء وتحديث استراتيجيات إعلامية أكثر دقّة وفعالية وبتكلفة أقل.
اقرأ أيضاً: التجارة في عالم الميتافيرس: كيف تحقق مبيعات في هذا العالم الافتراضي؟
قبل بزوغ حقبة الذكاء الاصطناعي، كانت الشركات تقوم بتصنيف العملاء ضمن مجموعات عامّة واتخاذ قرارات شاملة بشأن تجربة كافة العملاء دون مراعاة التفضيلات والخصائص الفردية أو الفئوية. أتى الذكاء الاصطناعي لتغيير أساليب الشركات في مراقبة ومواكبة تجربة العملاء. باستطاعة الذكاء الاصطناعي مراقبة وتحديد نشاطات المستخدم مثل العناصر التي تم تصفّحها أو قام بإضافتها إلى عربة التسوّق ثم قام إزالتها، والنقر على رابطٍ ما، والنماذج المملوءة جزئياً وما إلى ذلك، ثم تحليلها بهدف تحسين تجربة العملاء وتلبية احتياجاتهم تلقائياً. لهذا الغرض، التزمت الكثير من الشركات مؤخراً باستثمارات كبيرة في مجال التكنولوجيا المدعومة بالذكاء الاصطناعي، بما في ذلك بوتات المحادثة وتطبيقات التعلّم الآلي التي تهدف إلى تحسين خدمة العملاء.
يستمر الذكاء الاصطناعي في تأدية دور رئيسي لإعادة صياغة استراتيجيات إدارة السمعة للشركات والحكومات والأفراد، وهو يمثّل حجر الزاوية في مستقبل تجربة العملاء. بحلول عام 2025، تشير التقديرات إلى أن 95٪ من تفاعلات العملاء ستدار من قبل الذكاء الاصطناعي. في سوق سريع الوتيرة ومبني على التقنيات الإلكترونية والإنترنت حيث تنتشر السمعة كالنار في الهشيم، أصبح الذكاء الاصطناعي بمثابة الجهة المسؤولة والخط الرفيع الذي يفصل بين تعزيز سمعة العلامة التجارية وتخريبها.