تمثّل الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية تهديداً عالمياً خطيراً، حيث قدرت المعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة الأميركية أنه عام 2019 وحده، توفي 1.27 مليون شخص بسبب إصابتهم بعدوى سلاسة جرثومية مقاومة للمضادات الحيوية. هذا العدد يتجاوز الوفيات الناتجة عن أمراض خطيرة مثل الملاريا.
تظهر مشكلة الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية بشكلٍ خاص في المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية، حيث يستخدم الأطباء المضادات الحيوية بكثرة، ما يؤدي إلى نجاة سلسلات قادرة على مقاومة هذه المضادات وتكاثرها، ثم انتقالها إلى خارج المستشفيات لتُصيب الناس بعدوى لا تتوفر مضادات لعلاجها.
اقرأ أيضاً: تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الطب وتشخيص الأمراض
كيف يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في القضاء على ظاهرة مقاومة المضادات الحيوية؟
يتوقع الكثيرون أن يسهم الذكاء الاصطناعي بشكلٍ كبير في تحسين استراتيجيات مكافحة الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية، من خلال تقنيات مثل:
1- أنظمة علاج مخصصة للحد من الاستخدام المفرط للمضادات الحيوية
يطوّر أطباء في مستشفى سنغافورة العام (SGH) نظام ذكاء اصطناعي جديداً يُعرف باسم أيه آي 2 دي (AI 2 D)، يُتيح لأي طبيب اختيار علاج بالمضادات الحيوية حسب حالة كل مريض بسرعة. يركّز هذا النظام على عدوى الالتهاب الرئوي والتهاب المسالك البولية، وهما من أكثر الحالات الشائعة في المستشفيات التي تستخدم فيها المضادات الحيوية.
أظهر النموذج دقة تصل إلى 90% في تحديد الحاجة الفعلية للمضادات الحيوية، هذا يسهم بشكلٍ فعّال في الحد من استخدام المضادات الحيوية التي لا داعي لاستخدامها.
من المتوقع أن يساعد النظام على تقليل استخدام المضادات الحيوية بشكلٍ كبير في المستشفيات مع الحفاظ على فاعلية العلاج، ما يحدُّ من تعرض الجراثيم لهذه المضادات ويقلِّل احتمال تطورها.
2. تسريع اكتشاف مضادات حيوية جديدة
تحلل خوارزميات الذكاء الاصطناعي ملايين المركبات الكيميائية والجزيئات الحيوية بسرعة لاكتشاف مضادات حيوية جديدة ضد الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية التقليدية. أحد الأمثلة هو اكتشاف مضاد حيوي جديد يُعرف باسم هاليسين (Halicin) عام 2019، وذلك من قِبل باحثي الذكاء الاصطناعي في عيادة تابعة لمعهد إم آي تي بالولايات المتحدة الأميركية. استغرقت عملية اكتشاف هذا المضاد 3 أيام فقط، واختبروه على الفئران ليظهر نشاطاً ضد بعض السلالات الجرثومية المقاومة للمضادات الحيوية التقليدية.
3. تحسين تشخيص العدوى وتحديد المقاومة
من خلال تحليل المادة الوراثية للجراثيم، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحدد نوع الجراثيم ومدى مقاومتها للمضادات الحيوية في دقائق. يسمح ذلك للأطباء باختيار المضاد الحيوي المناسب بسرعة، وتقليل احتمال وصف مضادات غير فعّالة.
4. تطوير أنظمة تنبؤية لمراقبة انتشار مقاومة المضادات الحيوية
يمكن أن يسهم الذكاء الاصطناعي في مراقبة الاتجاهات العالمية لمقاومة الجراثيم عن طريق تحليل البيانات من المستشفيات والمختبرات، يسمح ذلك بتنبيه الحكومات والمؤسسات الصحية إلى التهديدات الناشئة وتخصيص الموارد لها بشكلٍ أفضل.
هذه الحلول تشير إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يكون العامل الحاسم في التغلب على مقاومة المضادات الحيوية في المستقبل.
اقرأ أيضاً: 6 أدوار يؤديها الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالنوبات القلبية
فهم مشكلة الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية
الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية هي جراثيم تطورت بحيث لم تعد تتأثر بالأدوية المصممة للقضاء عليها، وهي أقوى من الجراثيم العادية التي يمكن التخلص منها بسهولة باستخدام المضادات الحيوية، إذ طوّرت هذه الأنواع آليات تجعلها تتكيف مع المضادات الحيوية، وتكمن خطورتها في قدرتها على الانتشار السريع وعدم توفر علاج للتخلص منها. على سبيل المثال، عدوى الجهاز البولي بالجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية تحتاج إلى علاجات مكلفة وطويلة، بينما العدوى بالجراثيم العادية يمكن علاجها خلال أيام بسهولة.
سبب المشكلة
ظهور الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية يعود إلى عدة عوامل متداخلة مع بعضها، منها:
- الاستخدام المفرط وغير المسؤول للمضادات الحيوية: الإفراط في وصف المضادات الحيوية أو استخدامها دون وصفة طبية يؤدي إلى تعرض الجراثيم بشكلٍ متكرر لهذه الأدوية، ويعزّز تكيُّفها ومقاومتها لها.
- التوقف عن أخذ الجرعات كاملةً: يُتيح ذلك للجراثيم التي نجت البقاء والتكاثر والانتشار.
- استخدام المضادات الحيوية لعلاج النباتات والحيوانات: يؤدي ذلك إلى تحفيز تطورها وظهور سلالات جديدة يمكن أن تنتقل للإنسان.
- بطء البحث والتطوير: ارتفاع تكلفة تطوير المضادات الحيوية وعدم تحقيق ربحية للشركات أبطأ تقدُّم الأبحاث في هذا المجال.
مدى انتشار الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية
الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية تشكّل تحدياً عالمياً متزايداً، حيث تحدثت توقعات متفائلة صدرت عام 2014 عن تسبب ظاهرة مقاومة المضادات الحيوية بوفاة نحو 10 ملايين شخص سنوياً حتى عام 2050؛ وذلك لأن هذه الجراثيم تتفشى ولا توجد أدوية لمقاومتها. وتزداد الخطورة في الدول ذات الأنظمة الصحية الضعيفة، كما أن البيئات المكتظة كالمستشفيات تسرّع انتشارها عبر العدوى المتبادلة بين المرضى.
اقرأ أيضاً: كيف يسهم الذكاء الاصطناعي في جعل الرعاية الصحية أكثر عدلاً؟
الحلول المطروحة
بسبب خطورتها العالية، طُرِحت العديد من الحلول لظاهرة مقاومة المضادات الحيوية، لكنها لم تحقق أي تقدم ملحوظ، من أبرز هذه الحلول:
- تطوير مضادات حيوية جديدة: على الرغم من الدعم الحكومي الذي تلقته الشركات ومراكز الأبحاث في بعض الدول، يبقى تطوير أدوية جديدة واختبارها وترخيصها ونشرها أمراً مكلفاً ويستغرق وقتاً طويلاً.
- العلاجات الحيوية والجينية: حاول العلماء استخدم الإنزيمات أو تعديل الجينات، لكن هذه الحلول تواجه تحديات في التطبيق الواسع النطاق.
- استخدام الفيروسات: تقنية واعدة لكنها ما زالت قيد البحث ولم تُثبت فاعليتها في الحالات كافة.
- تثقيف المجتمع: تحسين وعي الناس بخطر الاستخدام المفرط للمضادات الحيوية هو خطوة مهمة لكنها لم تثبت نجاحها.