دراسة: معظم ادّعاءات تقنيات التعرف على المشاعر خاطئة

4 دقائق
مصدر الصورة: إم إس تك | الصور من موقع: أنسبلاش، بيكساباي، بيكسلز

عندما نحاول معرفة كيف يشعر شخص ما، فإننا نستخدم الكثير من المعلومات مثل تعابير الوجه ولغة الجسد ومكان هذا الشخص وغير ذلك. وعندما تحاول أجهزة الكمبيوتر القيام بالأمر نفسه، فإنها تميل إلى التركيز على الوجه فقط، وهذا يعدّ خللاً كبيراً وفقاً لدراسة جديدة ومهمة تشير إلى أن معظم الادّعاءات المقدّمة من تقنيات "التعرّف على المشاعر" خاطئة.

ويشير أحد التقديرات إلى أن قيمة المجال التجاري للتعرّف على المشاعر -أي استخدام التكنولوجيا لتحليل تعابير الوجه وتخمين المشاعر- تبلغ 20 مليار دولار. وتندرج تحت هذا بعض الشركات الضخمة مثل مايكروسوفت وآبل، وكذلك الشركات الناشئة المتخصصة مثل كايروس Kairos وأفكتيفا Affectiva.

وعلى الرغم من أن تقنية التعرّف على المشاعر تُستخدم بشكل أكثر شيوعاً لبيع المنتجات، إلا أن من الممكن استخدامها أيضاً في عمليات التوظيف وفي معرفة محاولات الاحتيال على شركات التأمين. ففي عام 2003، بدأت إدارة أمن وسائل النقل الأميركية في تدريب الأشخاص على اكتشاف الإرهابيين المحتملين من خلال "قراءة" تعابير وجوههم، لذلك من السهل أن نتخيل أن تقوم مشاريع الذكاء الاصطناعي بالأمر نفسه. (تعرّض برنامج إدارة أمن وسائل النقل الأميركية للانتقاد على نطاق واسع لكونه يقوم على أسس علمية ضعيفة).

ولكن تزداد منذ سنوات -وحتى الآن- ردود الأفعال تجاه الاعتقاد بأن تعابير الوجه هي مؤشرات سهلة عن المشاعر. وقد أمضت مجموعة من العلماء الذين جمعتهم جمعية العلوم النفسية عامين في مراجعة أكثر من 1,000 بحث حول الكشف عن المشاعر. وركّزوا على البحث في كيفية تحريك الناس لوجوههم عندما يشعرون ببعض المشاعر، وكيف يخمّن الناس حالات مشاعر الآخرين من خلال وجوههم. وخلُصت المجموعة إلى أن من الصعب جداً استخدام تعابير الوجه وحدها لتحديد مشاعر الشخص بدقة.

ولكن ليزا فيلدمان باريت، عالِمة النفس في جامعة نورث إيسترن والمؤلفة المشاركة في الدراسة، تقول إن الناس يبتسمون عندما يكونون سعداء ويعبسون إذا كانوا حَزانَى، ولكن الارتباط ضعيف بين الأمرين؛ حيث يقوم الناس أيضاً بالكثير من الأمور الأخرى عندما يشعرون بالسعادة أو الحزن، وقد تكون الابتسامة من أجل السخرية أو التهكّم. تختلف إذن سلوكيات الناس كثيراً باختلاف ثقافاتهم وحالاتهم، ويلعب السياق دوراً كبيراً في كيفية تفسير التعابير؛ فمثلاً في الدراسات التي تم فيها وضع صورة لوجه إيجابي على جسم شخص بوضع سلبي، خمّن الناس أن الوجه كان سلبياً بشكل أكبر.

باختصار، نجد أن التعابير التي تعلّمنا أن نربطها بالمشاعر ليست إلا قوالب نمطية، ولا تقدّم التقنيات التي تستند إلى تلك القوالب معلومات جيدة جداً. وتقول باريت إن جعل التعرّف على المشاعر دقيقاً هو أمر مكلف ويتطلب جمع الكثير من البيانات المحدّدة للغاية بشكل أكثر مما قام به أي شخص آخر حتى الآن.

خطر عدم كفاية البيانات
لم تردّ معظم الشركات التي طُلب منها التعليق على هذه القصة، بما فيها آبل ومايكروسوفت. كما أن شركة كايروس التي ردّت وعدت التجار بأنها يمكنها استخدام تقنية التعرّف على المشاعر لمعرفة ما يشعر به عملاؤهم. فمن خلال مسح وجوه العملاء وتحليل رفع حاجب العين أو الابتسامة لمعرفة ما إذا كانوا سعداء أم لا، تقدّم شركة كايروس نوعاً من البيانات التي يصعب على الشركات التقليدية جمعها، كما تقول الرئيسة التنفيذية ميليسا دوفال.

ولتطوير تقنيتها، تقوم شركة كايروس بجعل الأشخاص يشاهدون مقاطع الفيديو المثيرة للمشاعر ومن ثمّ تمسح وجوههم، كما تأتي بعض البيانات الأخرى من التعابير التي يتعمّد الأشخاص القيام بها. وفي الشركة شخص مسؤول عن تصنيف تلك البيانات لتلقيم الخوارزمية.

يعدّ هذا الأسلوب شائعاً للغاية، ولكنه ينطوي على اثنتين من نقاط الضعف الكبيرة، وفقاً للدراسة الاستعراضية الجديدة. النقطة الأولى هي تعابير الوجوه المصطنعة؛ فإذا طُلب منك أن تُبدي بوجهك تعبيراً يشير إلى أنك متفاجئ، فقد يكون مختلفاً تماماً عن تعبير وجهك عندما تكون متفاجئاً فعلاً. والمشكلة الأخرى هي وجود طرف ثالث يستعرض هذه البيانات ويصنّفها؛ فقد يعتقد المشاهد لهذا التعبير الوجهي أن الشخص متفاجئ، لكن من الصعب معرفة الشعور الحقيقي دون سؤال الشخص المعنيّ.

وينجم عن ذلك تقنية ذات قدرات بدائية إلى حد ما. وتقول دوفال إن الشركة تركّز حالياً على تحسين الكاميرات والواجهات بدلاً من تقنية المشاعر بحدّ ذاتها. وأضافت أن الشركة ستهتم في النهاية بالنظر إلى الأبحاث -مثل بحث باريت- بعين الاعتبار، وستقوم بإضافة البيانات الديموغرافية لتحسين السياق وجعل الخوارزمية أكثر دقة.

خطر جعل التقنية دقيقة
هناك اقتراحات لدى باريت لتحسين تقنية التعرّف على المشاعر؛ حيث ترى ضرورة عدم استخدام الصور الفردية وإنما يجب دراسة الأفراد بحالات مختلفة مع مرور الوقت وجمع الكثير من المعلومات السياقية -كالصوت والوضعية وما يحدث في البيئة المحيطة والمعلومات الفسيولوجية مثل ما يحدث في الجهاز العصبي- ومعرفة معنى الابتسامة لشخص معين في موقف معين وتكرار ذلك ومعرفة ما إذا كان من الممكن العثور على بعض الأنماط عند الأشخاص ذوي الخصائص المتشابهة مثل الجنس أم لا. وتضيف: "ليس عليك أن تدرس الجميع دائماً، لكن يمكنك دراسة عدد أكبر من الأشخاص الذين يشكلون عينة ممثلة للثقافات. وأنا أعتقد أننا جميعاً ننجذب بشكل طبيعي نحو أسلوب البيانات الكبيرة، ومن الممكن القيام بذلك الآن، في حين أنه كان أصعب بكثير قبل عقد من الزمن".

هذه الطريقة تشبه أسلوب بعض الشركات مثل شركة أفكتيفا التي تتّخذ من بوسطن مقراً لها؛ حيث تتفق إحدى مؤسسي شركة أفكتيفا ورئيستها التنفيذية رنا القليوبي مع فكرة أن الفهم الحالي للمشاعر مبالغ في تبسيطه. فعلى سبيل المثال، أظهر تحليل للشركة نفسها بأن هناك ما لا يقل عن 5 أنواع مختلفة من الابتسامات، من ابتسامة الغزل إلى ابتسامة التهذيب. وتجمع شركة أفكتيفا بيانات من 87 دولة، وتدرس أشخاصاً في مواقف واقعية (كأثناء القيادة مثلاً)، وتطلب من المشاركين الإبلاغ عن شعورهم. وتقول القليوبي: "هل تم حل المشكلة؟ لا، على الإطلاق. وعلى سبيل المثال، فإن تقنية أفكتيفا هي أفضل في تصنيف الفرح منها في التمييز بين الخوف والغضب والاشمئزاز".

ومن الأفضل زيادة كمية البيانات من أجل رفع دقة النتائج، ولكن المناقشات الجارية حول تقنيات التعرّف على الوجوه تُظهر أن جمع الكثير من البيانات الشخصية له عيوبه أيضاً؛ إذ تزداد خشية المستهلكون من فقدان الخصوصية أو استخدام بياناتهم ضدهم. حيث تقول تيفاني لي، الباحثة في مجال الخصوصية ضمن مشروع مجتمع المعلومات بجامعة ييل: "ينبغي أن يكون هذا الأمر مصدر قلق بالنسبة لأي من هذه الأنظمة، فالمشكلة هي وجود ضمانات مناسبة".

وعلى سبيل المثال، نحتاج إلى معرفة إجابة أسئلة مثل: من أين تأتي البيانات؟ وكيف يتم جمعها وتخزينها؟ وهل سيتم بيع البيانات أو نقلها؟ أو هل سيتم ربطها بأي مجموعات بيانات أخرى قد تحتوي على معلومات تعريفية؟

وتقول شركة أفكتيفا إنها ترفض العمل مع شركات المراقبة أو كشف الكذب. وعادةً ما يكون للأكاديميين قيودٌ صارمة حول كيفية جمع البيانات ومشاركتها، ولكن القطاع الخاص لا يخضع لقواعد واضحة حول جمع البيانات واستخدامها، وقد يكون ذلك خطيراً؛ لأن الشركات تحاول تحسين تقنياتها. تقول لي: "لا أعتقد بأن لدينا ضمانات كافية حقاً في الوقت الحالي".

المحتوى محمي