خمسة أسباب ترجّح فشل ناسا في اللحاق بالهبوط على القمر عام 2024

5 دقائق
مصدر الصورة: ناسا. تعديل الصورة: إم آي تي تكنولوجي ريفيو

في شهر مارس المنصرم، أطلق نائب الرئيس الأميركي مايك بينس إعلاناً مفاجئاً: فقد أصدرت الحكومة توجيهاً لناسا بوضع رواد فضاء على القمر خلال خمس سنوات. واعتُبر تحقيق المهمة قبل هذا الموعد النهائي أمراً صعباً منذ لحظة الإعلان، ولكنه تحول لاحقاً إلى سيناريو شبه مستحيل للوكالة وشركائها.

خلال اجتماع المجلس الوطني للفضاء الذي عُقد مؤخراً، بذل بينس ومدير ناسا، جيم برايدنستاين، مجهوداً كبيراً للتأكيد على الدعم الذي يحظى به البرنامج القمري الجديد للوكالة "أرتميس" من القطاعات العامة والخاصة. وقد قال بينس للحضور في مركز أودفار هيزي في المتحف الوطني للطيران والفضاء: "نحن نعمل على تجهيز بعثتنا من القمر إلى المريخ، وقد عادت أميركا إلى موقع الصدارة في استكشاف الفضاء مرة أخرى".

غير أن بينس لم يتحدث عن المشاكل الجدية التي تواجه البرنامج وآمال إطلاقه في 2024. وقد ظهرت بعض هذه العوائق مؤخراً، في حين يعود بعضها الآخر إلى فترة استلام دونالد ترامب للرئاسة. ونقدم هنا العوائق الخمس الكبرى التي تجعل من هبوط رواد الفضاء الأميركيين على القمر في 2024 أمراً مستبعداً.

المشاكل المالية
تُعتبر الأموال -أو بالأحرى: نقصها- أكبر مشاكل أرتميس؛ فقد بدأت إدارة ترامب السنة بطلب 22.6 مليار دولار لميزانية ناسا في 2020، والتي تتضمن الآن طلباً إضافياً بقيمة 1.6 مليار دولار تم تقديمه قبل هذا الصيف. ويعتقد الكثير من الخبراء أن هذه الميزانية، حتى مع الدفعة الإضافية، لن تكون كافية لتسريع برنامج أرتميس. يقول جون لوجسدون، وهو خبير في سياسات الفضاء في جامعة جورج واشنطن: "هناك فجوة كبيرة بين التصريحات حول أرتميس، وبين حقيقة الوضع الحالي".

أما كيسي درير من بلانيتاري سوسايتي فيتوقع أن الوكالة ستحتاج إلى زيادة سنوية بمقدار 4 إلى 5 مليارات دولار على الأقل لعدة سنوات مقبلة حتى تستطيع تحقيق المهمة بحلول الموعد النهائي في 2024. ولكن توجد خيارات أخرى أيضاً، مثل شطب برامج أخرى في ناسا (خصوصاً برامج علوم الأرض، وهي الأكثر عرضة للشطب على الدوام) وإعادة توجيه الأموال نحو مشاريع برنامج أرتميس، أو الحصول على الأموال من برامج فدرالية أخرى، مثل احتياطيات بيل جرانت المخصصة لمساعدة الطلاب ذوي القدرات المادية المحدودة على تحمل تكاليف الدراسة في الجامعة.

وعلى الرغم من أن الكونجرس يحب ناسا، إلا أن مشاعره فاترة تجاه أرتميس. وفي الواقع، فإن رئيس اللجنة الفرعية المسؤولة عن تمويل ناسا في الكونجرس ذي القيادة الديمقراطية يشعر بالشكوك إزاء البعثة وأهدافها. أما الخبر الجيد بالنسبة لأرتميس فهو أن الكونجرس لن يقوم على الأرجح بسحب التمويل من برامج أخرى في ناسا أو برامج فدرالية أخرى. وإذا طلب البيت الأبيض المزيد من الأموال، فمن المرجح أن يستجيب الكونجرس للطلب.

تقلّب التوقعات حول نظام الإطلاق الفضائي وأوريون
أدت مشاكل الميزانية أيضاً إلى ظهور الشكوك حول أهم عنصرين في طموحات ناسا لاستكشاف أعماق الفضاء، وهما: كبسولة أوريون المأهولة، ونظام الإطلاق الفضائي الذي يفترض أن يصبح أقوى صاروخ في التاريخ. فعندما تم الإعلان عن نظام الإطلاق الفضائي في 2010، كانت التوقعات تقول إن أول إطلاق سيحدث في 2017 لإرسال أوريون في رحلة غير مأهولة حول القمر، ومن ثم العودة إلى الأرض.

غير أن كلا المشروعين تعرض إلى تأخيرات في التطوير، ومن المرجح أن بعثة أوريون الأولى (التي تحمل الآن اسم أرتميس 1) ستنطلق في 2021. وبسبب هذه التأخيرات، فكرت ناسا بتخفيض ميزانية نظام الإطلاق الفضائي واللجوء إلى شركة خاصة، مثل سبيس إكس أو بلو أوريجين، لتأمين صاروخ لأرتميس 1، ولكنها غيرت رأيها لاحقاً وأعادت تأكيد التزامها بنظام الإطلاق الفضائي.

ولهذا تعرضت ناسا إلى انتقادات حادة بسبب الهدر في الإنفاق على نظام الإطلاق الفضائي، خصوصاً مع بدء عمل أنظمة إطلاق أخرى أقل تكلفة. فقد أثبتت الشركات مثل سبيس إكس وبلو أوريجين أنه يمكن حتى للصواريخ الثقيلة أن تُستخدم بشكل متكرر، مما يساعد على تخفيض تكاليف عمليات الإطلاق. ولن يكون نظام الإطلاق الفضائي صالحاً للاستخدام المتكرر، وتُقدر كلفة الإطلاق الواحد بقيمة 1.5 إلى 5 مليار دولار. أما إطلاق فالكون هيفي من سبيس إكس فيكلف حوالي 90 مليون دولار، ومن الناحية النظرية، لن تكون الرحلة إلى القمر أكثر تكلفة بكثير. وفي حين تبدو ناسا مستعدة لاستكمال نظام الإطلاق الفضائي، فقد أشار بينس سابقاً إلى أن البيت الأبيض سيلجأ إلى الاستعانة بشريك تجاري في حال فشلت تكنولوجيا ناسا في تحقيق المهمة في الموعد المحدد.

لم نكد نبدأ حتى ببناء جيتواي ومركبة هبوط قمرية
تشكّل محطة الفضاء جيتواي المدارية القمرية أحد الأجزاء الأساسية في برنامج أرتميس؛ حيث سيدور رواد الفضاء ضمنها حول القمر قبل الهبوط على سطحه. ومن الناحية النظرية، يمكن استخدام جيتواي أيضاً للذهاب إلى أماكن أبعد مثل المريخ. وعلى الرغم من أن أول عقد لبناء وحدة السكن في جيتواي قد مُنح في مايو، فلا يمكن أن نتوقع الحصول على محطة فضاء فعلية في أي وقت قريب. وفي أفضل الأحوال، ستكون هذه المحطة بحلول 2024 عبارة عن مجرد هيكل يحمل مركبة الهبوط التي سيأخذها رواد الفضاء إلى سطح القمر. وقد تساءل الكثيرون عن جدوى جيتواي، ومن أهم الشخصيات المعارضة لبنائها مدير ناسا الأسبق مايكل جريفين، ورائد الفضاء في بعثة أبولو 11 باز ألدرين، اللذَين يقولان إنها مجرد إلهاء غير ضروري يبطئ عملية الوصول إلى القمر والمريخ بسرعة.

وهناك أيضاً مسألة أخرى، وهي أن ناسا لم تضع أية خطة فعلية لبناء مركبة هبوط قمرية واختبارها. وقد قررت الوكالة أن تلجأ إلى الشركات التجارية للحصول على هذه المركبة، وهو إجراء منطقي في هذه الحالة. وعلى سبيل المثال، فقد كشفت بلو أوريجين الستارَ عن تصميم مركبة هبوط قمرية تحمل اسم بلو مون، وتأمل بأن تستخدمها ناسا لإرسال رواد الفضاء إلى القمر في 2024. غير أن هذه الشركات لا تمتلك سجلاً مشرقاً من حيث بناء المركبات الفضائية الجديدة واختبارها، وبالتالي فإن الاعتماد على شركة تجارية لبناء واختبار مركبة هبوط قمرية لنقل رواد الفضاء بأمان خلال أقل من 5 سنوات يمثل مخاطرة كبيرة.

هموم قيادية في فترة من التقلبات
عُيّن جيم برايدنستاين -عضو الكونجرس الجمهوري سابقاً- في منصب مدير ناسا السنة الماضية على إثر تصويت اتسم بتحزّب حاد، مما زرع المخاوف في الوكالة من الدخول في فترة من القلاقل. وقام برايدنستاين مؤخراً بإقالة بيل جيرستنماير من منصبه كمدير مساعد للعمليات والاستكشاف البشري (وهو منصب شغله منذ 2011). وقد شارك جيرستنماير في برنامج المكوك الفضائي وتركيز إدارة أوباما نحو المريخ قبل أن تقرر إدارة ترامب العودة إلى القمر ثانية بدلاً من ذلك. وقد أثارت إقالته من قيادة أرتميس صدمة كبيرة، ولم يعين برايدنستاين بديلاً عنه حتى الآن.

وليس جيرستنماير الشخصيةَ الكبيرة الوحيدة التي تركت ناسا مؤخراً؛ فقد كان من المتوقع أن يصبح مارك سيرانجيلو -وهو من كبار الشخصيات في صناعة الفضاء، وقد انضم إلى ناسا هذه السنة كمستشار في التخطيط لأرتميس- المديرَ المساعد في "إدارة جديدة للبعثات من القمر إلى المريخ"، التي ستركز حصرياً على بعثات الفضاء العميق بشكل مستقل عن الاستكشاف في المدار الأرضي المنخفض. ولكن الكونجرس رفض الفكرة، وترك سيرانجيلو ناسا بعد ذلك بفترة قصيرة. ومع ذهاب جيرستنماير وسيرانجيلو، لم يعد من الواضح من المسؤول عن أرتميس بالضبط.

يقول لوجسدون: "هناك حاجة ماسة إلى وجود قائد؛ يجب أن يشغل موقع المسؤولية شخصٌ ما حتى يدير الأمور". ويعتقد لوجسدون أن هذه الهزة الحالية هي أحد أعراض محاولات ناسا للانتقال من حقبة أبولو (حيث قامت ببناء المجمع الصناعي الفضائي الأميركي وحدها)، إلى حقبة "نظام موزع بين الحكومة والقطاع الخاص مع التركيز على تحقيق هدف مشترك". وحتى الآن، لم نشهد نجاح أي شخص في تحقيق هذا الانتقال بسلاسة.

ماذا سيحدث بالضبط في بعثة 2024؟
ينبع قسم كبير من السلبية إزاء البعثة في 2024 من كوننا -وببساطة- لا نعرف ما الهدف من هذه البعثة. ما نعرفه حالياً هو أن البعثة "ستكون شبيهة للغاية بأبولو" كما يقول لوجسدون، سيذهب شخصان على الأقل إلى سطح القمر (وسيكون واحد منهما على الأقل امرأة) لفترة قصيرة من الزمن لتنفيذ بعض عمليات الاستكشاف على القطب الجنوبي، حيث يرجح وجود مخزون ضخم من المياه المتجمدة. ويقول لوجسدون: "الهدف الأساسي من هذه البعثة هو أن تحدث".

ومع ذلك فنحن نسمع أننا سنذهب إلى القمر للبقاء هناك، كمقدمة للذهاب إلى المريخ، ولكن موقع بعثة 2024 في هذه الرؤية غير واضح. فما البنى التحتية التي سنؤسسها قبل الهبوط؟ وما المهام التي سيستكملها رواد الفضاء خلال هذه البعثة؟ وما طول فترة بقائهم؟ وكيف يمكن لبعثة كهذه أن تساعدنا على تدشين التواجد الدائم على القمر؟ وهل سنضع اللبنات الأولى لمستعمرة قمرية؟ ماذا ستكون البعثة القادمة في برنامج أرتميس بعد هذه البعثة؟ هناك الكثير من الأسئلة، ولا أجوبة حتى الآن.